بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى على الباحث في فن الخلاف ان مذهب السلفية في الصفات الخبرية (اي التي ثبتت في الاخبار ولم يقم عليها دليل من العقل ) هو التشبيه فيحملون اللفظ على معناه الحقيقي كاليد والساق والوجه ونحوها ودليلهم على ذلك انكارهم وجود المجاز في اللغة فيجب حمل الالفاظ على المعاني الحقيقية فأثبتوا لله اعظاء وتحاشى بعضهم اثبات الجسم له وان كانت سيرتهم العملية ومبانيهم تقتضيه ولذا عرفوا عند اكثر المذاهب الاسلامية بالمجسمة بل جعل الكثير من العلماء لفظ المجسمة عنوانا للحنابلة ولم يفرق بينهم .المهم بعد هذه المقدمة اردت ان اشير ان السلفية ينكرون وجود المجاز في اللغة ومنهم تلميذ ابن تيمية البار ابن قيم الجوزية فيقول في كتابه (مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ) الجزء الثاني فصل في كسر الطاغوت الثالث الذي وضعته الجهمية لتعطيل حقائق الأسماء والصفات صفحة 282-283 : في كسر الطاغوت الثالث الذي وضعته الجهمية ، لتعطيل حقائق الأسماء والصفات ،
وهو طاغوت المجاز هذا الطاغوت لهج به المتأخرون ، والتجأ إليه المعطلون ، وجعلوه جنة يترسون بها من سهام الراشقين ويصدرون عن حقائق الوحي المبين ، فمنهم من يقول : الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا .
ومنهم من يقول : الحقيقة هي المعنى الذي وضع له اللفظ أولا ، والمجاز استعمال اللفظ فيما وضع له ثانيا .
فهاهنا ثلاثة أمور : لفظ ومعنى واستعمال ، فمنهم من جعل مورد التقسيم هو الأول ، ومنهم من جعله الثاني ، ومنهم من جعله الثالث ، والقائلون حقيقة اللفظ كذا ومجازه كذا يجعلون الحقيقة والمجاز من عوارض المعاني .
فإنهم إذا قالوا مثلا : حقيقة الأسد هو الحيوان المفترس ، ومجازه الرجل الشجاع ، جعلوا الحقيقة والمجاز للمعنى لا للألفاظ ، وإذا قالوا : هذا الاستعمال حقيقة ، وهذا الاستعمال مجاز جعلوا ذلك من توابع الاستعمال ، وإذا قالوا هذا اللفظ حقيقة في كذا ، مجاز في كذا جعلوا ذلك من عوارض الألفاظ ، وكثير منهم في كلامه هذا وهذا وهذا .
والمقصود أنهم سواء قسموا اللفظ ومدلوله أو استعماله في مدلوله طولبوا بثلاثة أمور : أحدها : تعيين ورود التقسيم ، الثاني : صحته بذكر ما تشترك فيه الأقسام وما ينفصل وما يتميز به ، فلا بد من ذلك المشترك والمميز ضرورة صحة التقسيم الثالث : التزام الطرد والعكس ، فإن التقسيم من جنس التحديد ، إذ هو مشتمل على القدر المشترك والقدر المميز الفارق فإن لم يطرد التقسيم وينعكس كان تقسيما فاسدا .
فنقول : تقسيمكم الألفاظ ومعانيها واستعمالها فيها إلى حقيقة ومجاز ، إما أن يكون عقليا أو شرعيا ، أو لغويا أو اصطلاحيا ، والأقسام الثلاثة الأول باطلة.......الخ
فكلامه واضح في وصف المجاز بالطاغوت والباطل .
لكن تعالوا الى كتابه الاخر ( الفوائد المشوقة ص10- 11) :
( وأما المجاز ) فالكلام عليه ايضا من خمسة اوجه . الاول في المعنمى الذي استعملت العرب من اجله . الثاني في حده . الثالث في اشتقاقه . الرابع في علة النقل . الخامس في اقسامه ( اما الاول ) فان المعنى الذي استعملت العرب المجاز من اجله ميلهم الى الاتساع في الكلام وكثرة معاني الالفاظ ليكثر الالتذاذ بها فان كل معنى للنفس به لذة ولها الى فهمه ارتياح وصَبوَة وكلما دق المعنى رق مشروبه عندها وراق في الكلام انخراطه ولذ للقلب ارتشافه وعظم به اغتباطه ولهذا كان المجاز عندهم منهلًا موروداً عذب الارتشاف وسبيلاً مسلوكا لهم على سلوكه انعكاف ولذلك كثر في كلامهم حتى صار اكثر استعمالاً من الحقائق وخالط بشاشة قلوبهم حتى اتوا منه بكل معنى رائق ولفظ فائق واشتد باعهم في اصابة اغراضه فاتوا فيه بالخوارق وزينوا به خطبهم وأشعارهم حتى صارت الحقائق دثارهم وصار شعارهم .
فانظر رحمك الله الى التناقض الظاهر في كلامه واعتبر .
تعليق