وهذه الحالات هي: 1- الوحي المباشر: لقد حظ ي بعض الانبياء بالحديث الالهي المباشر، والقاء الكلمة اليهم، واسماعهم من غير واسطة الملك(ع) وقد وصف الامام جعفر بن محمدالصادق(ع) هذا الصنف من الوحي الذي تلقاه نبينا محمد(ص) بقوله: «كان رسول اللّه(ص) اذا اتاه الوحي وبينهما جبرئيل(ع) يقول: هو ذا جبرئيل، وقال لي جبرئيل، واذا اتاه الوحي، وليس بينهما جبرئيل، تصيبه تلك السبتة((20))، ويغشاه منه ما يغشاه،لثقل الوحي عليه من اللّه عزوجل»((21)). وروى زرارة قال: «قلت لابي عبد اللّه(ع) جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول اللّه(ص) اذا نزل عليه الوحي؟ قال: فقال: ذلك اذا لم يكن بينه وبين اللّه احد،ذاك اذا تجلى اللّه له، قال: ثم قال: تلك النبوة يازرارة»((22)). ويصف الشيخ المفيد هذه الحالة فيقول: (فاما الوحي من اللّه تعالى الى نبيه(ص) فقدكان تارة باسماعه الكلام من غير واسطة...)((23)) ومثاله ما كلم اللّه به النبي محمدا(ص) في معراجه المبارك عند سدرة المنتهى((24)). وهذه المباشرة لا تعني زوال الحجاب الذي يكلم من ورائه البشر، كما ذكر اللّه سبحانه ذلك. 2- الوحي بواسطة الملك جبرئيل: وهذا اللون من الوحي هو الوحي المالوف في الرسالات، وبه نزلت الكتب والشرائع، فقد جعل اللّه جبرئيل(ع) وسيطا لايصال رسالاته الى الانبياء(ع). قال اللّه تعالى: موضحا نزول القرآن على نبينا محمد(ص) بواسطة جبرئيل(ع)
نزل به الروح الامين. على قلبك لتكون من المنذرين) ((25)). وقال سبحانه: (قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن اللّه...)((26)). 3- الوحي بواسطة الرؤيا: ومن صور الوحي للانبياء هو الرؤيا الصادقة التي يريها اللّهسبحانه لانبيائه ورسله(ع). وقد تحدث القرآن عن رؤيا ابراهيم ويوسف ومحمد(ص)، نذكر منها حديث القرآن عن الرؤيا التي اراها اللّه سبحانه لنبيه في دخول المسجد الحرام، وتحقيق النصر له. قال تعالى: (لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ان شاء اللّهآمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاقريبا)((27)). (واذ قلنا لك ان ربك احاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا)((28)). وروى الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) حين سئل: كم تتاخر الرؤيا؟ قال: «راى رسول اللّه(ص) في منامه كان كلبا ابقع يلغ في دمه فكان، اي ذلك الكلب الابقع شمرا،قاتل الحسين، وكان ابرص، فكان تاخير الرؤيا بعد خمسين سنة»((29)). وورد عن الامام علي بن ابي طالب(ع) قوله: «رؤيا الانبياء وحي». ويوضح الامام الصادق(ع) ان صنفا من الانبياء يتلقون وحيهم عن طريق الرؤيا، فقدروي عنه قوله في هذا الصنف من التلقي: «...الرسول الذي ياتيه جبريل قبلا فيراه ويكلمه، فهذا الرسول. واما النبي فهو الذي يرى في منامه. نحو رؤيا ابراهيم. ونحوماكان راى رسول اللّه(ص) من اسباب النبوة قبل الوحي، حتى اتاه جبريل(ع) من عند اللّه بالرسالة»((30)). وقد روي عن عائشة قولها: (اول ما بدئ به رسول اللّه(ص) من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم...)((31)). 4- النفث في الروع والالقاء في النفس: ومن صور الوحي والالقاء الالهي في نفوس الانبياء هو النفث في الروع. فقد روي عن النبي(ص) بيانه لهذه الصورة من صورالوحي، روى الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) قول الرسول(ص): «ايها الناس اني لم اءدع شيئا يقربكم الى الجنة، ويباعدكم من النار، الا وقد نباتكم به، اءلا وان روح القدس (قد) نفث في روعي، واخبرني ان لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوااللّه عزوجل، واجملوا في الطلب»((32)). وهكذا يوضح هذا الحديث طريقة النفث في الروع والالقاء في نفس النبي(ص)المقدسة. وفيما يلي نقرا تلخيصا لصور الوحي في قوله تعالى: (ما كان لبشر) اي لايصح له(ان يكلمه اللّه الا وحيا) اي الهاما وقذفا في القلوب، او القاء في المنام، (او من وراءحجاب) اي يكلمه من وراء حجاب، كما كلم موسى بخلق الصوت في الطور، وكماكلم نبينا في المعراج، وهذا اما على سبيل الاستعارة والتشبيه، فان من يسمع الكلام،ولا يرى المتكلم، يشبه حاله بحال من يكلم من وراء حجاب، او المراد بالحجاب الحجاب المعنوي من كماله تعالى ونقص الممكنات، ونوريته تعالى وظلمانية غيره،كما سبق تحقيقه في كتاب التوحيد. (او يرسل رسولا) اي ملكا (فيوحي باذنه مايشاء).

تعليق