ونعم ما قال السيد المحقّق محسن الأمين في قصيدته المسمّـاة بالعقود الدُّريّة في ردّ شبهات الوهابية :
أو ليس أُمّة أحمد إجماعُها * فيه الصوابُ وحجّةٌ لم ترددِ
وعلى ضلال كلّها لم تجتمع * فيما رويتم في الحديث المسندِ
مضت القرون وذي القباب مَشِيدةٌ * والناس بين مؤسّس ومجدّدِ
في كلّ عصر فيه أهل الحلّ والـ * ـعقد الّذين بغيرهم لم يُعقدِ
لم يُنكروا أبداً على من شادها * شيدت ولا من منكر ومفنّدِ
مِنْ قبل أنْ تلد ابنها تيميةٌ * أو يخلق الوهّاب بعضَ الأعبدِ
أفأيّ إجماع لكم أقوى على * أمثاله من مورد لم يوردِ
فبسيرة للمسلمين تتابعت * في كلّ عصر نستدلّ ونقتدي
أقوى من الإجماع سيرتهم ومن * قد حاد عنها فهو غير مسدّدِ
هيهات ليس نبيّاً ابنّ بليهد * في الناس لم يُخطئ ولم يتعمّدِ
كلاّ ولا العلماء قد حصرت به * هي في بقاع الأرض ذات تعدّدِ
كلاّ ولا من وافقوه لخوفهم * أو جهلهم من خائف ومقلّدِ
والجُلُّ من علماء طيبة ساكت * للخوف مكفوف اللسان مع اليدِ(1)
كيف يدّعي الإجماع على التحريم مع أنّ فقهاء المذاهب الأربعة في العصر الحاضر اتّفقوا على
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كشف الارتياب : ص411.
( 51 )
الكلمة التالية : يكره أن يبنى القبر ببيت أو قبّة أو مسجد(1) ، أين الكراهة من الحرمة ، وأين هي من الشرك؟
وهذا النووي شارح صحيح مسلم يقول في شرح حديث أبي الهياج الّذي سيوافيك نصّه : أمّا البناء فإن كان في ملك الباني فمكروه وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام ، نصّ عليه الشافعي والأصحاب(2) .
إنّ التحريم في الصورة الثانية لكونه مزاحماً للانتفاع ، وعلى خلاف أهداف الواقف وأغراضه ، وأين هو من البناء على أرض مشتراة أو مهداة أو موات; فلا تترتّب عليها تلك الحرمة .
دُفن النبيّ الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في بيته الرفيع ولم يخطر ببال أحد من الصحابة الحضور أنّ البناء على القبر حرام وأنّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ نهى عنه نهياً مؤكداً ، ولمّا كان البيت متعلّقاً بالسيدة عائشة جعلوا في وسطه ساتراً ، ولمّا توفّي الشيخان أوصيا بدفنهما في حجرة النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ تبرّكاً بذاته ومكانه ، ولم تُسْمَع عن أيّ ابن أُنثى نعيرةُ أنّه حرام ولا مكروه ، وعلى ذلك استمرّت سيرة المسلمين في حقّ العلماء والأولياء ، يدفنونهم في البيوت المعدّة لذلك ، أو يرفعون لمراقدهم قواعد وسقفاً بعد الدفن ، تكريماً لهم وتقديراً لتضحياتهم ، ولم يخطر ببال أحد أنّه على خلاف الدين والشرع .
وهذا عمل المسلمين وسيرتهم القطعيّة في جميع الأقطار والأمصار ، على مرأى ومسمع الجميع وإنْ اختلفت نزعاتهم ، من بدء الإسلام إلى هذا العصر ، من الشيعة والسنّة ، وأيّ بلاد من بلاد الإسلام من مصر والعراق أو الحجاز أو سورية ، وتونس ومراكش وإيران ، وهلمّ جرّاً ، ليس فيها قبور مشيّدة ، وضرائح منجدة ، وهؤلاء أئمة المذاهب : الشافعي في مصر ، وأبو حنيفة في بغداد ، ومالك بالمدينة ، وتلك قبورهم من عصرهم إلى اليوم شاهقة القباب ، شامخة المباني ، غير أنّ الوهابيّين لمّا استولوا على المدينة هدموا قبر مالك .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 431 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي ج7، ص 42 شرح الحديث رقم 969 كتاب الجنائز ط مصر .
( 52 )
وهذه القبور قد شُيّدت وبنيت في الأزمنة الّتي كانت حافلة بالعلماء وأرباب الفتاوى ، وزعماء المذاهب ، فما أنكر منهم مُنكِر ، وليس هذا رائجاً بين المسلمين فقط ، بل جرى على هذا جميع عقلاء العالم ، بل يعدّ تعمير قبور الشخصيات من غرائز البشر ومقتضيات الحضارة وشارة الرقيّ ، فكلّ هذا دليل على الجواز لو لم نقل يفوق ذلك ، ولو لم تكن السيرة المسلّمة بين المسلمين والعقلاء عامّة غير مفيدة في المقام ، فلا يصحّ الاستناد إلى أيّة سيرة قاطعة بين المسلمين أو الناس .
وليس يصحّ في الأذهان شيءٌ * إذا احتاج النهار إلى دليلِ
ثمّ إنّ الوهابيّين تمسّكوا بروايات ، إمّا عديمة الدلالة ، أو ضعيفة السند ،
أو ليس أُمّة أحمد إجماعُها * فيه الصوابُ وحجّةٌ لم ترددِ
وعلى ضلال كلّها لم تجتمع * فيما رويتم في الحديث المسندِ
مضت القرون وذي القباب مَشِيدةٌ * والناس بين مؤسّس ومجدّدِ
في كلّ عصر فيه أهل الحلّ والـ * ـعقد الّذين بغيرهم لم يُعقدِ
لم يُنكروا أبداً على من شادها * شيدت ولا من منكر ومفنّدِ
مِنْ قبل أنْ تلد ابنها تيميةٌ * أو يخلق الوهّاب بعضَ الأعبدِ
أفأيّ إجماع لكم أقوى على * أمثاله من مورد لم يوردِ
فبسيرة للمسلمين تتابعت * في كلّ عصر نستدلّ ونقتدي
أقوى من الإجماع سيرتهم ومن * قد حاد عنها فهو غير مسدّدِ
هيهات ليس نبيّاً ابنّ بليهد * في الناس لم يُخطئ ولم يتعمّدِ
كلاّ ولا العلماء قد حصرت به * هي في بقاع الأرض ذات تعدّدِ
كلاّ ولا من وافقوه لخوفهم * أو جهلهم من خائف ومقلّدِ
والجُلُّ من علماء طيبة ساكت * للخوف مكفوف اللسان مع اليدِ(1)

ــــــــــــــــــــــــــــ

( 51 )





ــــــــــــــــــــــــــــ


( 52 )

وليس يصحّ في الأذهان شيءٌ * إذا احتاج النهار إلى دليلِ

تعليق