إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشبهات المثارة حول الشفاعة والرد عليها

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشبهات المثارة حول الشفاعة والرد عليها

    الشفاعة
    تُعتبر شفاعة الشافعين يوم القيامة بإذن الله تعالى إحدى العقائد الاِسلاميّة المُسَلَّمة الضروريّة.

    إنّ الشفاعةَ تشملُ أُولئك الذين لم يقطعوا صِلتهم بالله، وبالدين بصورةٍ كاملة، فصاروا صالحين لشمولِ الرحمةِ الاِلَهيّةِ لهم بواسطة شفاعةِ الشافعين، رغم تورُّطِهم في بعض المعاصي والذنوب.

    والاِعتقادُ بالشَفاعة مأخوذٌ من القرآن الكريم والسُّنة ونشير إلى بعض تلك النصوص فيما يأتي:

    أ- الشَفاعة في القرآن
    إنَّ الآياتِ القرآنيّة تحكي عن أصل وجودِ الشفاعة يومَ القيامة، وتصرّح بأصل وجودِ الشفاعة وأنّها تقع بإذنِ اللهِ تعالى.

    ويقول:﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَن ارْتَضَى﴾(الاَنبياء:28).

    فمَنْ هُم الشُفَعاء؟

    يُستَفادُ من بعض الآيات أنّ الملائكة من الشُفعاء يومَ القيامة كما يقولُ: ﴿وَكَم مِن مَّلَكٍ في السَّماواتِ لاَ تُغْنِي شَفاعتُهُم شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللهُ لِمَن يَشاءُ وَيَرْضى﴾(النجم:26).

    ويذهبُ المفسِّرون في تفسير قولِهِ تعالى: ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً﴾(الاِسراء:79), إلى أنّ المقصود مِنَ "المقام المحمود" هو مقامُ الشّفاعة الثابتُ للنبيّ الاَكرم صلى الله عليه واله وسلم.

    ب- الشَفاعة في الروايات
    لقد تحدّثت روايات كثيرة ورَدَت في كتبِ الحديث عن الشفاعة مضافاً إلى القُرآنِ الكريم. ونشيرُ إلى بعضِ هذه الاَحاديث:

    1- يقولُ النبيُّ الاَكرمُ: "إنَّما شَفاعَتي لاََهلِ الكَبائِر مِن أُمَّتِي"1.

    والظاهر أنّ عِلّة اختصاص الشفاعة بمرتكبي الكبائر من الذنوب وشمولها لهم خاصة، هو: أنّ اللهَ وَعَد في القرآنِ بصراحة بأن يغفرَ للناسِ السيئات الصغيرة إذا ما هم اجتنبوا الكبائرَ2. فبقيّة الذنوب ما عدا الكبائر تشمُلُها المغفرة، في الدنيا ومع المغفرة لا موضوع للشفاعة.

    2- "أُعْطِيْتُ خَمْساً... وأُعطِيتُ الشَفاعَة، فَادّخَرْتُها لاَُمَّتي فهيَ لِمَن لا يُشْرك بِاللهِ"3.

    وعلى من أراد التعرّف على غيره من شفعاء يوم القيامة كالاَئِمة المعصومين، والعلماء، وكذا المشفوع لهُمْ، أن يُراجِعَ كتبَ العقائد، والكلام، والحديث.

    كما أنّه لابُدّ أن نَعلَمَ بأنّ الاِعتقاد بالشَفاعة، مثل الاِعتقاد بقبُول التوبة، يجب أن لا يوجبَ تجرُّؤَ الاَشخاص على ارتكاب الذنوب، بل يجب أن يُعَدَّ هذا الاَمر "نافذةَ أمَل" تعيدُ الاِنسانَ إلى الطريقِ الصحيحِ، لكونه يرجو العفو، فلا يكونُ كالآيسين الّذين لا يفكّرون في العودة إلى الصِراط المستقيم قط.

    ومِن هذا يتضح أنّ الاَثر البارز للشفاعة هو مغفرة ذنوب بعض العُصاة والمذنبين ولا ينحصر أثَرُها في رفع درجة المؤمنين كما ذهبَ إلى ذلك بعض الفِرقُ الاِسلامية (كالمعتزلة)4.

    طلب الشفاعة في الدنيا
    إنّ الاعتقادَ بأصلِ الشَفاعة في يَوم القيامة (في إطار الاِذن الاِلَهيّ) كما أسلَفنا من العقائِد الاِسلاميّة الضرورية ولم يخدش فيها أحدٌ.

    يبقى أنْ نرى هل يجوز أن نطلب الشفاعةَ في هذه الدنيا من الشافعين المأذون لهم في الشفاعة يوم الحساب، كالنبيّ الاَكرم صلى الله عليه واله وسلم أم لا؟

    وبعبارةٍ أُخرى، هل يصحُ أن يقول الاِنسانُ: يا رسولَ الله يا وجيهاً عند الله إشفع لي عند الله؟

    الجواب هو: أنّ هذا الموضوعَ كان محلَّ اتفاقٍ وإجماعٍ بين جميع المسلمين إلى القرن الثامن، ولم ينكرْه إلاّ أشخاصٌ معدودُون من منتصف القرنِ الثامن، حيث خالَفوا طلبَ الشفاعة من الشفعاء المأذون لهم، ولَم يجوّزوه في حين أنّ الآيات القرآنيّة والاَحاديث النبويّة المعتبرة، وسيرة المسلمين المستمرة تشهَدُ جميعُها بجوازه، وذلك لاَنَّ الشَفاعة هو دُعاؤهم للاَشخاص ومن الواضح أن طلبَ الدعاء من المؤمن العاديّ فضلاً عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أمرٌ جائز ومستحسَن، بلا ريب.

    ولقد رَوى ابنُ عباس عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما يُستفاد منه بوضوحٍ بأنّ شفاعة المؤمن هو دعاؤه في حق الآخرين فقد قال صلى الله عليه واله وسلم: "ما مِن رَجُلٍ مُسْلِم يَموتُ فَيَقومُ على جَنازَتِهِ أربَعون رَجُلاً لا يُشركُونَ بالله شيئاً إلاّ شفَّعهُم اللهُ فِيه"5.

    ومِنَ البديهيّ والواضح أنّ شفاعة أربعين مؤمن عند الصلاة على الميّت ليس سوى دعاؤهم لذلك الميت.

    ولو تَصَفَّحْنا التاريخَ الاِسلاميَّ لوَجَدنا أنّ الصَحابة كانوا يطلبون الشفاعة من النبي صلى الله عليه واله وسلم.

    فها هو الترمذيّ يروي عن أنَس بن مالك أنّه قال: سألتُ النبيَّ أنْ يَشْفَعَ لي يومَ القِيامة فقال: أنا فاعل.

    قلتُ: فأَينَ أطلبُك؟

    فقالَ: عَلى الصّرِاطِ6.

    ومع الاَخذ بِنَظَر الاِعتبار أن حقيقة الاِستشفاع ليست سوى طلب الدعاءِ من الشَفيع، يمكنُ الاِشارةُ إلى نماذج مِن هذا الاَمر في القرآن الكريم نفسِه:

    1- طلبَ أبناءُ يعقوب من أبيهِم أن يستغفرَ لهم، وقد وَعَدَهم بذلك ووفى بوعده، يقول تعالى: ﴿قَالُواْ يا أبانا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ * قَال سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾(يوسف:97ـ 98).

    2- يَقولُ القرآنُ الكريمُ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاءوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾(النساء:64).

    3- يقولُ في شأن المنافقين: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْاْ رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِروُنَ﴾(المنافقون:5).

    فإذا كانَ الاِعراضُ عن طَلَب الاِستغفار من النَبيّ الذي يَتّحدِ في حقيقته مع الاِستشفاع علامةَ النِفاق، والاِستكبار، فإنّ الاِتيان بهذا الطَلَب وممارسته يُعدّ بلاشكّ علامةُ الاِيمانِ.

    وحيثُ إنّ مقصودَنا هنا هو إثبات جواز طلب الشفاعة، ومشروعيّتهِ، لذلك لا يَضرُّ موتُ الشفيعِ في هذه الآيات بالمقصود، حتى لو فُرض أنّ هذه الآيات وَرَدَت في شأنِ الاَحياء من الشُفَعاءِ لا الاَموات، لاَن طَلَبَ الشَفاعة مِنَ الاَحياء إذا لم يكن شركاً فإنّ من الطبيعي أن لا يكونَ طلبُها من الاَموات كذلك شركاً لاَنّ حياة الشَفيع وموته ليس ملاكاً للتوحيد والشرك أبداً، والاَمرُ الوحيدُ الذي هو ضروريٌ ومطلوبٌ عندَ الاِستشفاعِ بالاَرواح المقدَّسة هو قدرتُها على سماع نداءاتنا، وهو أمرٌ قد أثبتْناه في مبحث التوسُّل حيث أثبتنا هناك7 وجود مثل هذا الاِرتباط.

    وهنا لابدّ أن نلتفتَ إلى نقطةٍ هامّة وهي أن استشفاعَ المؤمنين والموَحّدين من الاَنبياء والاَولياء الاِلَهيّين يختلفُ اختلافاً جَوهرياً عن استشفاع الوثنيّين من أصنامهم وأوثانهم.

    فالفريقُ الاَوّل يطلبُ الشَّفاعةَ من أولياءِ الله، وهو مذعِنٌ بحقيقتين أساسيّتين:

    1- إنَّ مقامَ الشفاعة مقامٌ خاصٌّ بالله، وحقٌ محضٌ له سبحانه كما قال:﴿قُل للهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً﴾(الزمر:44).

    أي قل: إنّ أمر الشَفاعة كلَّه بِيَدِ اللهِ ولا يحقّ لاَحدٍ أن يشفَعَ مِن دون إذنِهِ ولن تكونَ شفاعةٌ مؤثرةً بغيره.

    2- إنّ الشُّفعاء الذين يَستشفِعُ بهم الموحِّدون عبادٌ صالحون مخلصُون لله سبحانه يستجيب الله دعاءَهم لِمكانَتِهِم عندهَ وَلِقُربِ مَنزِلَتهِم منه سبحانه.

    وبهذين الشرطين يفترقُ الموحِّدُون عن الوثنييّن في مسألة الاستشفاع افتراقاً أساسياً.

    أوّلاً: انّ المشركين لا يرون لنفوذ شفاعتهم وتأثيرها أيَّ قيد أو شرط، وكأنّ اللهَ فَوَّضَ أمرَ الشَفاعة إلى تلك الاَصنام العَمياء الصَمّاء. في حين أنّ الموحّدين يعتبرون الشفاعة كلّها حقاً مختصاً بالله، تبعاً لما جاء في القرآن الكريم، ويُقيِّدون قبولَ شفاعة الشافعين وتأثيرها بإذن الله ورضاه وإجازته.

    ثانياً: إنّ مشركي عصر الرسالة كانوا يَعتبرون أوثانهم وأصنامَهم ومعبوداتهم المختلفة أرباباً وآلهةً، وكانوا يظنّونَ سفهاً أنّ لِهذهِ الموجودات الميّتة، والجمادات سَهْماً في الرّبوبيّة، والاَُلُوهيّة، بينما لا يرى الموحّدون، الاَنبياءَ والاَئمةَ إلاّ عباداً صالحين، وهم يردّدُون في صلواتهم وتحياتهم دائماً عبارة: "عَبْدُه ورسوله" و"عباد الله الصالحين".

    فانظرْ إلى الفرق الشاسِعِ، والتفاوت الواسِع بين الرؤيتين والمنطِقَين.

    بِناءً على هذا فإنّ الاستدلالَ بالآيات التي تَنفي وتندّدُ باستشفاعِ المشركين من الاَصنام، على نَفي أصل طلب الشفاعة في الاِسلام، إستدلالٌ مرفُوضٌ وباطلٌ وهو من باب القياس مع الفارق.

    التوبة
    إنّ انفتاح بابِ التوبةِ في وجهِ العُصاة والمُذنبين والدعوة إليها من التَعاليمِ الاِسلاميّة بل مِن مقرّرات جميعِ الشرائع السَّماويّة.

    فعندما يندَمُ الاِنسانُ المذنبُ من عَمَلِهِ القبيحِ نَدَماً حقيقيّاً ويملاَُ التوجّهُ إلى الله، والتضرُّع إليه فضاءَ رُوحه، فيقرّر من صميمِ قَلبه أن لا يرتكبَ ما ارتكبَ ثانيةً، قَبِل اللهُ الرحيمُ أوبتَه وتَوبته، بشروطٍ مَذكورةٍ في كتُبُ العقيدة والتفسير. يقول القرآنُ الكريمُ في هذا الصَدَد:﴿وَتُوبُواْ إِلَى اللهِ جَمِيعاً أيّها الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(النور:31).

    إنّ الّذين لا يَعرفونَ الآثار التربويّة الاِيجابيّة للتوبة يتصوَّرُون أنّ فتح هذين البابين (بابِ الشفاعة وباب التوبة) في وجه العُصاة والمذنبين يشجّعهم بشكلٍ مّا على المعصية، في حين يغفل هؤلاء عن أنّ كثيراً من النّاس متورّطونَ في بعض المعاصي، وقلّما يوجَد من لم يرتكبْ ذَنباً في حياته طوال عمره.

    وعلى هذا الاَساس، إذا لم يكن بابُ التوبة مفتوحاً في وَجه هؤلاء لقالَ الذين يريدون أن يغيّروا مسيرهم ويقضوا بقيَّةَ أيّام حياتِهِمْ في الطُّهْر والنَقاء مع أنفسهم: إننَّا سنَلقى "على كلّ حالٍ" جزاءَ ذُنوبنا، وندخل جهنّم فلِمَ لا نستجيبُ لِرَغباتنا؟ ولمَ لا نحقّق شهواتِنا فيما تبقّى من عُمُرنا ما دام هذا هو مصيرُنا، وهو مصيرٌ لا يَتَغيَّر قطّ ولا مفرّ منه أبداً؟.

    وهكذا نكونُ بإغلاقنا بابَ التَّوبة قد فَتَحْنا في وجه النّاس بابَ اليأس والقنوط، ومَهَّدْنا للَمزيد من المعصية وللتمادي في ارتكاب القبائِح والذنوب.

    إنَّ الآثار الاِيجابيّة لاَصل التوبة تتّضحُ أكثر فأكثر عندما نعلم بأن الاِسلام يقيِّد قبولَ التوبة بشروطٍ خاصّةٍ ذكرَها بتفصيل أئمةُ الدّين، والمحقّقون من علماءِ الاِسلام.

    إنَّ القرآن الكريم يتحدّث عن التوبة بصراحةٍ تامةٍ إذ يقول:﴿كَتَبَ رَبُّكُم عَلى نَفسهِ الرَّحمةَ أنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بجهالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(الاَنعام:54).

    ثم إنّه قد ذُكرَ الاَشخاصُ الذين لا تُقبَلُ توبتهم عندَ الله سبحانه في كُتب الفِقه، والتفسير، والعقيدة فمنَ شاء راجَعَها.

    الاِنسان ينال جزاء أعماله:
    يَشهدُ العقلُ والنقلُ بأنّ كلَّ إنسانٍ يَرى جزاءَ عملِهِ، إنْ خيراً فخيرٌ، وإن شرّاً فشرّ.

    يقول القرآنُ في هذا الصَّدد: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خيْراً يَرَهُ﴾(الزلزلة:7).

    ويقول أيضاً: ﴿وأنَّ سَعْيَهُ سَوفَ يُرى * ثُمَّ يُجزاهُ الجزاءَ الاَوفى﴾(النجم:40-41).

    ويُستفاد من الآيات السابقة أنَّ أعمالَ الاِنسان القبيحة، لا تُزيل أعمالهُ الصالحة ولا تقضي عليها، ولكن يجب أنْ نعلم في نفس الوقت أنّ الذين يرتكبون بعضَ الذنوب الخاصّة كالكُفر والشرك، أو يَسلكون سبيلَ الاِرتداد سيُصابون بالحَبط، أيْ أنّ أعمالَهم الصّالِحة تُحبط وتهلَكَ، ويَلقون في الآخرة عَذاباً أبديّاً كما يَقول سبحانه:﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافرٌ فَأُوْلَئكَ حَبِطتْ أَعْمالُهُمْ في الدُّنْيا وَالآخِرةِ وَأُوْلئكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فيهَا خالدونَ﴾(البقرة:217).

    ونظراً إلى ما قلناه فإنّ كلَّ إنسانٍ مؤمنٍ سيَرى ثوابَ أعماله الصّالِحَة في الآخرة خيراً كانت أو شراً، إلاّ إذا ارتدّ، أو كَفَرَ، أو أشرَكَ، فإنّ ذلك سيأتي على أعماله الصالِحَة ويقضي عليها كما دَلّ على ذلكَ الكتابُ والسُنّةُ.

    وفي الختام لابُدَّ من التذكير بالنقطة التالية وهي: أَنّ اللهَ سبحانه وتعالى وإنْ وَعَدَ المؤمِنين بالثواب على أعمالِهم الصالِحة، وفي المقابل أوعد على الاَعمال السيئة، ولكن "الوعدَ" و "الوَعيد" هذين يختلف أحدُهما عن الآخر في نظر العقل لاَنّ العَملَ بالوعد أصلٌ عقليٌ، والتخلّفَ عنه قبيح، لاَنّ في التخلّف عنه تضييعاً لِحقّ الآخرين، وإن كانَ هذا الحقُ مما أوجبَهُ الواعدُ، نفسُه على نفسه، وهذا بخلاف الوعيد فهو حق للمُوعِد وله الصفح عن حقه والاِعراض عنه ولهذا لا مانعَ مِن أن تستر بعضُ الاَعمالِ الصالِحة الحسنة قباحةَ بعض الاَعمال السيئة وهو ما يُسمّى بالتكفير7.

    وقد صَرَّحَ القرآنُ الكريمُ بكونِ بعضِ الاَعمال الصّالحة الحَسَنة مكفّرةً للاَعمال السَّيئة، وأحَد هذه الاَعمال هو اجتناب الشخص للذنوب الكبيرة:﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائرَ ما تُنْهَونَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنكُمْ سَيِئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً﴾(النساء:31).

    وكذا يكونُ لاَعمالٍ أُخرى مثل التوبة8، وصدقة السر9وغير ذلكَ مِثل هذا الاَثر.

    الخلود في الجحيم خاصّ بالكفّار
    إنّ الخُلودَ في عذاب جهنّم خاصّ بِالكفّار، وأمّا المؤمنون العُصاة الذين أشرقت أرواحهم بنورِ التوحيد، فطريقُ المغفرة والخروج من النار غير مسدودة عليهم كما يقولُ اللهُ تعالى:﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمنَ يَشَاءُ وَمَن يُشْرِك بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾(النساء:48).

    إنّ الآيةَ المذكورةَ الّتي تخبرُ بِصراحة عَن إمكان المغفرة والعفو عن جميع الذنوب (ما عدا الشرك) ناظرة من دون شَكٍّ إلى أُولئك الّذين ماتُوا من دون توبة، لاَنّ جميعَ الذنوب والمعاصي حتى الشرك يشملُها العفوُ والغفرانُ إذا تابَ عنها الاِنسانُ.

    وحيث إنّ هذه الآية فَرَّقت بين المشرك وغير المشرك، وَجَب أن نقول: إنّها تحكي عن إمكان مغفرةِ من ماتوا من دونِ توبة.

    ومن الواضح أنّ مثلَ هذا الاِنسان إذا كان مشركاً لم يغفرِ اللهُ له، وأمّا إذا لم يكنْ مُشركاً فيمكنهُ أن يأمَل في عَفو اللهِ ويَطمع في غفرانه ولكن لا بشكلٍ قَطعيّ وحتميّ، إنما يحظى بالعفو والغفران من تعلَّقت الاِرادةُ والمشيئةُ الاِلَهيّةُ بمغفرته.

    فإنّ قَيْد "لِمنْ يَشاءُ" في الآية تضعُ العُصاة والمُذنبين بين حالَتي "الخَوْف" و"الرَّجاءِ" وتحثهم على التوقّي من الخطر وهو التوبة قبلَ الموت.

    ولهذا فإنّ الوَعدَ المذكور يدفع بالاِنسان على طريق التربية المستقيم، بإبعاده عن منزلَق "اليَأس" و"التجرّي".
    التعديل الأخير تم بواسطة الحسيني; الساعة 22-05-2020, 09:43 AM.
    sigpic

  • #2
    الشفاعة في القرآن والسنة

    الشفاعة في الآخرة بصيص من الرجاء ونافذة من الامل فتحتها الشريعة الاسلامية في وجه العصاة حتى لا ييأسوا من روح الله ورحمته ولا يغلبهم الشعور بالحرمان من عفوه فيتمادوا في العصيان فالسبب في تشريع الشفاعة هو عينه السبب في تشريع التوبة في الحياة الدنيوية وجلاء الحقيقة في الشفاعة يتم بالبحث في الأُمور التالية:

    1- تصنيف آيات الشفاعة وإرجاعها الى معنى واحد.

    2- نقل نماذج مماورد من السنة عن النبي والعترة الطاهرة.

    3- تبيين معنى الشفاعة وأقسامها.

    4- مبررات تشريع الشفاعة.

    5- شرائط شمول الشفاعة.

    6- أثر الشفاعة وانه حط الذنوب لا رفع الدرجة.

    7- تحليل الاشكالات المثارة حول الشفاعة وهي خمسة.

    8- جواز طلب الشفاعة من الأولياء.

    الأمر الأوّل: آيات الشفاعة وتصنيفها
    قد ورد ذكر الشفاعة في الكتاب الحكيم في سور مختلفة لمناسبات شتى.

    ولا يظهر المراد من المجموع الا بعرض بعضها على بعض وتفسير الكل بالكل والآيات الواردة في الشفاعة تندرج تحت الأصناف التالية:

    الصنف الأوّل: ما ينفي الشفاعة في بادئ الأمر.

    يقول سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(البقرة:254).

    وهذا الصنف من الآيات هو المستمسك لمن اعتقد بأنّ الشفاعة عقيدة اختلقها الكهان1 وسيوافيك ان المنفي قسم خاص منها لا جميع اقسامها بقرينة ان المنفي قسم من أواصر الخلة لا جميعها، بشهادة قوله سبحانه: ﴿الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذ بَعْضُهُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ﴾(الزخرف:67).

    الصنف الثاني: ما يرد الشفاعة المزعومة لليهود.

    يقول سبحانه: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْس شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ﴾(البقرة:48).

    والآية خطاب لليهود، وهي تهدف إلى نفي الشفاعة المزعومة عندهم، حيث كانوا يقولون نحن أولاد الأنبياء وآباؤنا يشفعون لنا، فصار ذلك ذريعة لارتكاب الموبقات وترك الفرائض، فآيسهم الله من ذلك.

    الصنف الثالث: ما ينفي شمول الشفاعة للكفار.

    يقول سبحانه حاكياً عن الكفّار: ﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾(المدثر:46-48).

    وهذ الصنف ناظر إلى نفي وجود شفيع - يوم القيامة - للكفار الذين انقطعت علاقتهم بالله لكفرهم به وبرسله وكتبه كما انقطعت علاقتهم الروحية بالشفعاء الصالحين فلم يبق بينهم وبين الشفاعة أية صلة وعلاقة.

    الصنف الرابع: ما ينفي صلاحية الاصنام للشفاعة.

    يقول سبحانه:﴿وَمَا نَرى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾(الأنعام:94,ولاحظ يونس:18، الروم:13، الزمر:43، يس:23).

    وهذا الصنف يرمي إلى نفي صلاحية الأصنام للشفاعة، وذلك لأنّ العرب الجاهليين كانوا يعبدون الأصنام لاعتقادهم بشفاعتهم عند الله.

    الصنف الخامس: ما يخصُّ الشفاعة بالله سبحانه.

    يقول سبحانه:﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾(الأنعام:51، ولاحظ الأنعام:7، السجدة:4، الزمر:44).

    وكون الشفاعة مختصة بالله لا ينافي ثبوتها لغيره بإذنه كما يعرب عنه آيات الصنف السادس .

    الصنف السادس: ما يثبت الشفاعة لغيره بإذنه سبحانه.

    يقول سبحانه: ﴿يَوْمَئِذ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً﴾(طه:109).

    ويقول سبحانه: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾(البقرة:255، ولاحظ يونس: 3، مريم87، سبأ:23، الزخرف:86).

    والجمع بين هذا الصنف وما سبقه واضح، وقد قلنا لأنّ مقتضى التوحيد في الخالقية أنه لا مؤثر في الكون الا اللّه، وأن تأثير سائر العلل انما هو على وجه التبعية لإرادته سبحانه.

    الصنف السابع: ما يسمي مَن تقبل شفاعته.

    ويتضمن هذا الصنف أسماء بعض من تقبل شفاعتهم يوم القيامة.

    يقوله سبحانه: ﴿وقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾(الأنبياء:26-28. ولاحظ النجم:26، غافر:7). فصرح بأن الملائكة وحملة العرش تقبل شفاعتهم.

    ويتحصل من جمع الآيات أن الشفاعة تنقسم الى شفاعة مرفوضة، كالشفاعة التّي يعتقد بها اليهود، وشفاعة الأصنام، والشفاعة في حق الكفار والى مقبولة وهي شفاعة الله سبحانه، وشفاعة من أذن له، وشفاعة الملائكة وحملة العرش، وبالاحاطة بالأصناف السبعة،تقدر على تمييز المرفوضة عن المقبولة.

    وليست آيات الشفاعة مختصة بالأصناف التّي ذكرناها، فان هناك آيات تخرج عن إطارها مثل قوله سبحانه:﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا﴾(الاسراء:79). وقد أطبق المفسرون على أن المراد من المقام المحمود، هو مقام الشفاعة2.

    الأمرالثاني: الشفاعة في السّنة.
    لقد اهتم الحديث النبوي، وحديث العترة الطاهرة بأمر الشفاعة وحدودها وشرائطها وأسبابها وموانعها، اهتماماً بالغاً لا يوجد له مثيل الا في موضوعات خاصة تتمتع بالأهمية القصوى. وإذا لاخط المتتبع، الصحاح والمسانيد والجوامع الحديثية فانه يقف على جمهرة كبيرة من الأحاديث الواردة في الشفاعة،تدفع به الى الإذعان بأنها من الأُصول المسلّمة في الشريعة الاسلامية، ونحن نذكر النذر اليسير منها.

    1- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة. فتعجل كل نبى دعوته، وإني اختبأت دعوتي، شفاعة لأُمتي، وهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله شيئا"3 .

    2 - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "أُعطيت خمساً، وأعطيت الشفاعة، فادخرتها لأُمتي، فهي لمن لا يشرك بالله"4 .

    3 - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي"4 .

    4 - وقال علي عليه السَّلام: "ثلاثة يشفعون إلى الله عز وجل فيشفعون: الأنبياء ثم العلماء،ثم الشهداء"5.

    5 - وقال الامام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السَّلام في كلام له: "اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وشرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وثقّل ميزانه وتقبّل شفاعته"6.



    التعديل الأخير تم بواسطة الحسيني; الساعة 22-05-2020, 09:46 AM.
    sigpic

    تعليق


    • #3
      احسنت في ميزان اعمالكم ان شاء الله
      الهي كفى بي عزاً
      ان اكون لك عبداً
      و كفى بي فخرا ً
      ان تكون لي رباً
      انت كما احب فاجعلني كما تحب


      تعليق


      • #4
        مبارك لكم ماكتبتم وجزاك الله خير الجزاء واحسن عاقبتك

        تعليق


        • #5
          رزقك ربي شفاعة محمدوآل محمد
          sigpic
          إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
          ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
          ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
          لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

          تعليق


          • #6
            الشبهات المثارة حول الشفاعة والرد عليها

            طرحت حول الشفاعة إعتراضات وشبهات، نتعرض في هذا المقال إلى أهمها ونجيب عنها:

            الشبهة الأولى: إن هناك بعض الآيات القرآنية تدل على أنه في يوم القيامة لا تقبل شفاعة أحد، ومنها الآية (48) من سورة البقرة، حيث يقول: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾.

            الجواب: إن أمثال هذه الآيات، قد وردت في مقام نفي الشفاعة الباطلة والعشوائية التي لا تخضع لضابطة وقاعدة، والتي اعتقد بعض الناس بها، بالإضافة إلى ان هذه الآيات عامة، وتخصص بتلك الآيات التي تدل على قبول الشفاعة بإذن الله، والخاضعة لضوابط معينة.

            الشبهة الثانية: يلزم من هذه الشفاعة أن يخضع الله تعالى لتأثير الشفعاء، بمعنى: أن شفاعتهم توجب المغفرة، وهي فعل إلهي.

            الجواب: إن قبول الشفاعة لا يعني الخضوع لتأثير مؤثر، كما أن قبول التوبة وإستجابة الدعاء لا يلزم منه هذا اللازم الباطل، وذلك لأنه في جميع هذه الأمور تكون أفعال العباد موجبة لحصول القابلية لتقبل الرحمة الإلهية، وكما يعبر عنه إصطلاحا (أنها شرط لقابلية القابل وليست شرطا لفاعلية الفاعل).

            الشبهة الثالثة: اللازم من هذه الشفاعة أن يكون الشفعاء أكثر رحمة وشفقة من الله الرحيم!، وذلك لأن المفروض أنه لولا شفاعتهم لتعرض العصاة للعذاب، أو لخلدوا في العذاب.

            الجواب: إن شفقة الشفعاء ورحمتهم مقتبسة من الرحمة الإلهية اللامتناهية، وبعبارة أخرى: إن الشفاعة وسيلة وطريق جعله الله تعالى نفسه للعفو عن عبادة المذنبين. وفي الواقع، إنها تعبر عن أسمى مراتب الرحمة الالهية والتي تظهر وتتجلى في عباده الصالحين والمنتجبين، كما أن الدعاء والتوبة وسائل وطرق أخرى جعلها الله لقضاء الحوائج، أو العفو عن الذنوب.

            الشبهة الرابعة: إذا كان الحكم الإلهي بعذاب العصاة مقتضى العدالة، فيكون قبول الشفاعة في حق هؤلاء العصاة مخالفاً للعدل، وإذا كانت النجاة من العذاب وهي مقتضى قبول الشفاعة أمراً موافقاً للعدل، فيكون الحكم بالعذاب الذي كان صدوره قبل حصول الشفاعة حكماً مخالفاً للعدل.

            الجواب: إن كل حكم من الاحكام الالهية سواء الحكم بالعذاب قبل الشفاعة أو الحكم بالنجاة من العذاب بعدها موافق للعدل والحكمة، وموافقة هذين الامرين كليهما للعدل والحكمة، لا تعني الجمع بين الضدين، وذلك لاختلاف موضوعهما.

            توضيح ذلك: إن الحكم بالعذاب هو مقتضى وسبب من ارتكاب المعصية بغض النظر عن حصول الأمور والمقتضيات التي توجب تحقق الشفاعة وقبولها في حق العصاة، والحكم بالنجاة من العذاب إنما تم بسبب حصول تلك المقتضيات والأمور المذكورة وهناك نظائر كثيرة لتغير الحكم تبعاً لتغير قيد الموضوع في الأحكام والتقديرات التكوينية، وفي الأحكام والقوانين التشريعية، فعدالة الحكم المنسوخ بالنسبة لزمانه لا يتنافى وعدالة الحكم الناسخ في زمان ما بعد النسخ، وموافقة تقدير البلاء قبل الدعاء والصدقة للحكمة، لا تتنافى وموافقة رفعه بعد البلاء أو الصدقة للحكمة، والحكم بالعفو عن المعصية بعد الشفاعة كذلك لا يتنافى مع الحكم بالعذاب قبل تحقق الشفاعة.

            الشبهة الخامسة: إن الله تعالى اعتبر أتباع الشيطان سبباً في التعرض لعذاب النار، كما جاء ذلك في الآيتين (42) و (43) من سورة الحجر: ﴿إنّ‏َ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَان إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ*وَإِنّ‏َ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾. وفي الواقع، إن تعذيب العصاة في الآخرة من السنن الالهية، ونحن نعلم أن السنن الإلهية لا تقبل التغيير والتبديل، كما جاء ذلك في الآية (43) من سورة فاطر: ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾. إذن فكيف تتغير هذه السنة الالهية في مجال الشفاعة؟

            الجواب: إن قبول الشفاعة في حق المذنب المتوفر على شروطها، من السنن الإلهية التي لا تقبل التغير، وتوضيح ذلك: إن السنن الإلهية خاضعة لملاكات ومعايير واقعية، وكل سنة لا تقبل التغير، مع توفر مقتضياتها وشروطها الوجودية والعدمية، ولكن العبارات التي تدل على أمثال هذه السنن ليست في الغالب في مقام بيان جميع قيود الموضوع وشروطه المختلفة. ومن هنا، فهناك بعض الأمور التي تشملها ظواهر الآيات المرتبطة ببعض السنن المختلفة، مع أن مصداق الاية في الواقع أخص وتابع للملاك الاقوى. إذن فكل سنة ثابتة لا تقبل التغير مع ملاحظة القيود والشروط الواقعية لموضوعها (لا خصوص القيود والشروط المذكورة في العبارة)، ومن هذه السنن سنة الشفاعة، فهي ثابتة غير قابلة للتغير والتبديل، في خصوص عصاة مخصوصين، يتوفرون على شروط معينة، ويخضعون لضوابط خاصة.

            الشبهة السادسة:إن الوعد بالشفاعة يؤدي لجرأة الناس وتماديهم في إرتكاب المعاصي، والإنحراف عن الصراط المستقيم.

            الجواب: عن هذا الإعتراض الذي يبرز ايضا في مجال قبول التوبة، وتكفير السيئات، هو أن شمول الشفاعة والمغفرة لشخص مشروط بشروط لا يمكن للعاصي أن يتيقن بحصولها. ومن جملة شروط قبول الشفاعة لأحد احتفاظ المشفوع له بإيمانه حتى آخر لحظات عمره، ونحن نعلم أن أي احد لا يمكنه أن يتيقن بتحقق هذا الشرط . ومن جانب آخر، إن من ارتكب معصية، لو فقد كل امل ورجاء بالعفو والمغفرة، فإنه سوف يصاب باليأس والقنوط، ومثل هذا اليأس يؤدي إلى ضعف الباعث له على إجتناب المعصية ويدفعه أكثر إلى مواصلة الخطأ والإنحراف والتمادي فيه. ومن هنا، فان طريقة التربية عند المربين الإلهيين إبقاء الناس دائما بين حالتي الخوف والرجاء، فلا يبعثون فيهم الرجاء بالرحمة الإلهية إلى درجة يصابون معها بحالة (الأمن من المكر الإلهي) كما لا يثيرون فيهم الخوف من عذاب الله إلى درجة يبتلون معها بحالة (اليأس من الرحمة الإلهية)، ونحن نعلم أن هاتين الحالتين تعتبران من الكبائر.

            الشبهة السابعة: إن تأثير الشفاعة في النجاة من العذاب يعني تأثير عمل الآخرين (الشفعاء) في السعادة والخلاص من الشقاء بينما الآية الشريفة (وان ليس للانسان إلا ما سعى) تدل على أن سعي الشخص وجهده نفسه، هو الذي يوصله للسعادة.

            الجواب:إن سعي الشخص وجهده من أجل الوصول إلى الهدف المنشود تارة يتم بصورة مباشرة، ويستمر حتى نهاية الطريق، وأخرى، بصورة غير مباشرة ومع توفير المقدمات والوسائط، وأن الشخص الذي تشمله الشفاعة، يبذل ايضا جهدا، وسيعا في سبيل تحصيل مقدمات السعادة، وذلك لأن الإيمان، وتحصيل الشروط اللازمة لإستحقاق الشفاعة، يعتبر جهدا وسيعا في طريق الوصول للسعادة، وإن كان سعيا ناقصا وقاصرا ولذلك سيبتلى لفترة بمتاعب البرزخ وأهواله، ومواقف القيامة، ولكنه على كل حال قد غرس بنفسه جذور السعادة في قلبه، وهو الإيمان، وربما سقاها أحيانا بالأعمال الصالحة، حتى لا تجف حتى نهايات عمره. إذن فسعادته النهائية مستندة لسعيه وجهده، وإن كان للشفعاء تأثيرهم في حصول الثمرة لهذه الشجرة، كما هو الملاحظ في الدنيا، من وجود آخرين لهم تأثيرهم في هداية الناس وتربيتهم، ولكن تأثيرهم لا يعني نفي سعي الفرد نفسه وبذل جهده في هذا المجال.




            التعديل الأخير تم بواسطة الحسيني; الساعة 22-05-2020, 09:46 AM.
            sigpic

            تعليق


            • #7
              حقيقة الشفاعة وأقسامها

              للشفاعة أصل واحد يدل على مقارنة الشيئين، من ذلك الشفع، خلاف الوتر، تقول كان فرداً فشفّعته1.

              فإذا كان مقوم الشفاعة، انضمام شيء إلى شيء في مقام التأثير، فهي تنقسم الى الأقسام التالية:

              شفاعة تكوينية، شفاعة قيادية، وشفاعة مصطلحة بين الناس.

              1- الشفاعة التكوينية
              إن المظاهر الكونية، بحكم أنّها ممكنة الوجود، غير مستقلة في ذاتها، ولكنها مع ذلك قائمة على أساس علل ومعاليل سائدة فيها.

              وعلى ضوء ذلك فتأثير كل ظاهرة كونية في أثرها، ومعلولها، بإذنه سبحانه، ولا يتحقق إلا مقترناً به، ولأجل ذلك سمّى سبحانه السبب الكوني، شفيعاً، لأنّ تأثيره مشروط بأن يكون إذنه سبحانه منضماً إليه، فيؤثران معاً.

              يقوله سبحانه:﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيع إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾(يونس:3) والمراد من الشفيع هو الأسباب والعلل المادية الواقعة في طريق وجود الأشياء وتحققها. وإنما سميت العلة شفيعاً، لأجل أنّ تأثيرها يتوقف على إذنه سبحانه، فهي مشفوعة إلى إذنه، حتى تؤثر وتعطي ما تعطي .

              فالآية خارجة عن الشفاعة المصطلحة بين علماء الكلام، والقرائن الموجودة في نفس الآية تصدّنا عن حملها إلا على هذا القسم من الشفاعة، وقد عرفت أنّ الشفاعة خلاف الوتر، وأنّه يصحّ في صدقها، انضمام شيء إلى شيء.

              2- الشفاعة القيادية
              والمراد من هذا الصنف هو قيام الأنبياء والأولياء والأئمة والعلماء، والكتب السماوية مقام الشفيع، والشفاعة للبشر لتخليصهم من عواقب أعمالهم وسيئات أفعالهم.

              والفرق بين هذه الشفاعة والشفاعة المصطلحة أنّ الثانية توجب رفع العذاب عن العبد بعد استحقاقه له، وهذه توجب أن لا يقع العبد في عداد العصاة، حتى يستحق العقاب. فالأُولى من قبيل الرفع، والثانية من قبيل الدفع. وعلى ذلك فقيادة الأنبياء والأئمة،تقوم مقام الشفيع والشفاعة في تجنيب العبد من الوقوع في المعاصي والمهالك.

              فالشفاعة بهذا المعنى، مثلها مثل الوقاية في الطبابة، كما أنّ الشفاعة المصطلحة مثلها مثل المداواة بعد إصابة المرض.

              وليس إطلاق الشفاعة بهذا المعنى إطلاقاً مجازياً، كيف وقد شهد بذلك القرآن والأخبار.

              قال سبحانه:﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾(الأنعام:51).

              والضميرالمجرور في ﴿به﴾ يرجع إلى القرآن، ومن المعلوم أنّ ظرف شفاعة القرآن، هو الحياة الدنيوية. فإن هدايته تتحقق فيها، وإن كانت نتائجها تظهر في الحياة الأُخروية، فمن عمل بالقرآن قاده إلى الجنة.

              يقول صلى الله عليه آله: "إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفّع"2.

              فالشفاعة هنا بنفس معناها اللغوي، وذلك أن المكلّف يضم هداية القرآن وتوجيهات الأنبياء والأئمة،إلى إرادته وسعيه، فيفوز بالسعادة الأُخروية.

              وهذا غير الشفاعة المصطلحة فإنّ ظرفها هو الحياة الأُخروية، فبين الشفاعتين بون بعيد.

              3- الشفاعة المصطلحة
              حقيقة هذه الشفاعة لا تعني إلا أن تصل رحمته سبحانه ومغفرته وفيضه إلى عباده عن طريق أوليائه وصفوة عباده، وليس هذا بأمر غريب فكما أنّ الهداية الإلهية التّي هي من فيوضه سبحانه،تصل إلى عباده في هذه الدنيا عن طريق أنبيائه وكتبه، فهكذا تصل مغفرته سبحانه: إلى المذنبين والعصاة من عباده، يوم القيامة، عن ذلك الطريق ولا بُعْد في أن يصل غفرانه سبحانه إلى عباده يوم القيامة عن طريق عباده، فإنه سبحانه قد جعل دعاءهم في الحياة الدنيوية سبباً لذلك وقال:

              ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيًما﴾(النساء: 64 ولاحظ يوسف:97-98، التوبة:103).

              وتتضح هذه الحقيقة إذا وقفنا على أنّ الدعاء بقول مطلق، وبخاصة دعاء الصالحين، من المؤثرات الواقعة في سلسلة نظام العلة والمعلول، ولا تنحصر العلة في المحسوس منها، فإن في الكون مؤثرات خارجة عن إحساسنا وحواسنا، بل قد تكون بعيدة عن تفكيرنا، وإليه يشير قوله سبحانه:﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾(النازعات:5).

              وبالإمعان فيما ذكرنا من وقوع الدعاء في سلسلة العلل، تقدرعلى إرجاع الشفاعة المصطلحة إلى قسم من الشفاعة التكوينية بمعنى تأثير دعاء النبي في جلب المغفرة.



              التعديل الأخير تم بواسطة الحسيني; الساعة 22-05-2020, 09:46 AM.
              sigpic

              تعليق


              • #8
                ربما يقال: إذا كان المنقذ الوحيد للإنسان يوم القيامة، هو عمله الصالح، كما هو صريح قوله سبحانه: ﴿وَ أَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنى﴾(الكهف:88) فلماذا جعلت الشفاعة وسيلة للمغفرة؟.

                والجواب عن ذلك: إنّ لتشريع الشفاعة مبررات عدة،نذكر منها اثنتين:

                الأول - الحاجة إلى رحمة الله الواسعة حتى مع العمل
                إن الفوز بالسعادة وإن كان يعتمد على العمل أشد الاعتماد، غير أنّ صريح الآيات هو أنّ العمل ما لم تنضم إليه رحمة اللّه الواسعة، غير كاف في إنقاد الإنسان من تبعات تقصيره.

                قال سبحانه: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّة وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَل مُسَمًّى﴾(النحل:61).

                وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّة﴾(فاطر:45).

                الثاني - الآثار التربوية للشفاعة
                بالرغم مما اعترض على الشفاعة من كونها توجب الجرأة، وتحيي روح التمرد في العصاة والمجرمين، فإنّ الشفاعة تتسبب في إصلاح سلوك المجرم وإنابته والتخلّي عن التمادي في الطغيان. وتظهر حقيقة الحال إذا لاحظنا مسألة التوبة التّي اتفقت الأمة على صحتها، فإنه لو كان باب التوبة موصداً في وجه العصاة والمذنبين، واعتقد المجرم بأنّ عصيانه مرة واحدة يخلّده في عذاب الله، فلا شكّ أنّه يتمادى في اقتراف السيئات باعتقاد أنّ تغييره للوضع الّذي هو عليه لن يكون مفيداً في إنقاذه من عذاب الله، فلا وجه لأن يترك لذات المعاصي. وهذا بخلاف ما إذا وجد الجو مشرقاً، والطريق مفتوحاً، وأيقن أنّ رجوعه يغير مصيره في الآخرة، فيترك العصيان ويرجع إلى الطاعة.

                ومثل التوبة الاعتقاد بالشفاعة المحدودة (أي مع شروط خاصة في المشفوع له) فإذا اعتقد العاصي بأن أولياء اللّه قد يشفعون في حقه إذا لم يهتك الستر، ولم يبلغ إلى الحد الّذي لا تكون فيه الشفاعة نافعة، فعند ذلك،ربما يعيد النظر في مسيره، ويحاول تطبيق حياته على شرائط الشفاعة، حتى لا يحرمها.

                نعم، الاعتقاد بالشفاعة المطلقة المحررة من كل قيد، مرفوض في منطق العقل والقرآن. والمراد من المطلقة هو أنّ الأنبياء يشفعون للإنسان يوم القيامة، وإن فعل ما فعل، إذا عند ذلك يستمر ويتمادى في أعماله الإجرامية. وأما الشفاعة المحدودة بشرائط في المشفوع له والشافع، فلا توجب ذلك.

                ومجمل هذه الشروط أن لا يقطع الإنسان جميع علاقاته العبودية مع الله، ووشائجه الروحية مع الشافعين، ولا يصل تمرده إلى حد نسف جسور الارتباط بهم.
                التعديل الأخير تم بواسطة الحسيني; الساعة 22-05-2020, 09:45 AM.
                sigpic

                تعليق


                • #9
                  رزقك ربي شفاعة محمدوآل محمدياسيدنا
                  sigpic
                  إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
                  ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
                  ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
                  لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

                  تعليق


                  • #10
                    وفقكم الله ورزقكم مرضاته


                    (لاي الامور تدفن سرا بضعه المصطفى ويعفى ثراها)

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X