بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
متباركين بشهر الخير والبركة والمغفرة والرحمة
الكلام حول الآية الكريمة في قوله تعالى :
(ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
الصوم في اللغة الإمساك ومنه يقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام قال ابن دريد كل شيء سكنت حركته فقد صام صوما
والصيام، والصوم: مصدر صام يصوم صوماً قال النابغة:
خيل صيام وخيل غير صائمة
تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
وقال صاحب العين: الصوم، والصمت واحد كقوله تعالى { إني نذرت للرحمن صوماً } أي صمتاً. والصوم قيام بلا عمل صام الفرس على أريه: اذا لم يعلف. وصامت الريح: اذا ركدت. وصامت الشمس: حين تستوي في منتصف النهار. وصامت الفرس: موقفه. والصوم ذرق النعام. والصوم: شجر. وأصل الباب: الامساك، فالصوم: الصمت، لأنه إمساك عن الكلام
قوله تعالى:
{ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }
أول ما فرض الله الصوم لم يفرضه في شهر رمضان على الأنبياء، ولم يفرضه على الأمم، فلما بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله خصه بفضل شهر رمضان هو وأمته،
{ كتب عليكم الصيام } أي فرض عليكم العبادة المعروفة في الشرع وإنما خَصَّ المؤمنين بالخطاب لقبولـهم لذلك ولأن العبادة لا تصح إلا منهم ووجوبه عليهم لا ينافي وجوبه على غيرهم
ولذلك لما ذكر كتابة الصيام عليهم بقوله:
{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } أردفه بقوله: { كما كتب على الذين من قبلكم }
أي لا ينبغي لكم أن تستثقلوه وتستوحشوا من تشريعه في حقكم وكتابته عليكم فليس هذا الحكم بمقصور عليكم بل هو حكم مجعول في حق الأمم السابقة عليكم ولستم أنتم متفردين فيه، على أن في العمل بهذا الحكم رجاء ما تبتغون وتطلبونه بإيمانكم وهو التقوى التي هي خير زاد لمن آمن بالله واليوم الآخر، وأنتم المؤمنون وهو قوله تعالى: { لعلكم تتقون } ، على أن هذا العمل الذي فيه رجاء التقوى لكم ولمن كان قبلكم لا يستوعب جميع أوقاتكم ولا أكثرها، بل إنما هو في أيام قلائل معينة معدودة، وهو قوله تعالى: { أياماً معدودات } ، فإن في تنكير، أياماً، دلالة على التحقير، وفي التوصيف بالعدد إشعار بهوان الأمر كما في قوله تعالى:
{ وشروه بثمن بخس دراهم معدودة }
بعدقوله تعالىيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
تذكر الآية مباشرة فلسفة هذه العبادة التربوية، في عبارة قليلة الألفاظ، عميقة المحتوى، وتقول: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
الصوم عامل فعّال لتربية روح التقوى في جميع المجالات والأبعاد.
لما كانت هذه العبادة مقرونة بمعاناة وصبر على ترك اللذائد المادية، وخاصة في فصل الصيف، فانّ الآية طرحت موضوع الصوم بأساليب متنوعة لتهيّء روح الإِنسان لقبول هذا الحكم.
تبتدىء الآية أولا بأُسلوب خطابي وتقول:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وهو نداء يفتح شغاف القلب، ويرفع معنويات الإِنسان، ويشحذ همته، وفيه لذة قال عنها الإِمام الصادق(عليه السلام): «لَذَّةُ مَا فِي النَّدَاءِ ـ أي يا أيّها الَّذينَ آمَنُوا ـ أَزَالَ تَعْبَ الْعِبَادَةِ وَالعَنَاءِ»
الهدف من الصيام التقوى ، و الهدف من كثير من الشعائر الدينية هو التقوى ايضا ( كما صرح القرآن به في آيات كثيرة ) ولكن ما هو التقوى ؟
لعل الكلمة التي نستخدمها في ادبنا الحاضر بديلا عن كلمة التقوى و قريبة من معناها هي ( الالتزام ) . ولكن ايحاءات كلمة التقوى افضل . انها تدل على الالتزام خشية العقاب ، والعمل بشيء ( اتقاء ) شر معين وبالتالي جعل العمل وسيلة لتجنب الوقوع في المهلكة .
فالتقوى هي التزام واع و مفروض على الانسان بسبب الاضرار التي تصيبه ان ترك الالتزام .
و خلــق هــذه الحالــة في النـــفس ، لا يــتم الا عبر سلسلة من الطقوس و الشــعائــر ، و ( الصيام ) واحد منها . حيث انه يدرب الانسان على تجنب شهواته برقابة ذاتية ، وبذلك ينمي عنده موهبة الارادة . ذلك لان ارادة الانسان كأي نعمة اخرى عنده تنمو و تتكامل ، كلما انتفع بها الانسان و مارسها عمليا . و الصائم يمارس ارادته ضد شهواته كلما دعته الحاجة الى الطعام او الجنس ، فيرفض تلبية هذه الدعوة بقوة ارادته .
ان كثيرا من الناس يحبون ان يصبحوا صالحين ، مؤمنين ، ملتزمين بالرغم من انهم قد لا يصرحون بذلك ، ولكن بعضا منهم يوفق لذلك لانه - وحده - يملك ارادة قوية ، وعلى الانسان ان يربي ارادته و يدربها حتى يستطيع ان يقاوم بها ضغوط الشهوات ، و الصيام واحد من وسائل تربية و تدريب الارادة
ـ الآثار التّربوية والإِجتماعية والصحّيّة للصوم
للصوم أبعاد متعددة وآثار غزيرة مادية ومعنوية في وجود الإِنسان، وأهمها البعد الأخلاقي، التّربوي.
من فوائد الصوم الهامة «تلطيف» روح الإِنسان، و«تقوية» إرادته، و«تعديل» غرائزه.
على الصائم أن يكف عن الطعام والشراب على الرغم من جوعه وعطشه، وهكذا عليه أن يكف عن ممارسة العمل الجنسي، ليثبت عملياً أنه ليس بالحيوان الأسير بين المعلف والمضجع، وأنه يستطيع أن يسيطر على نفسه الجامحة وعلى أهوائه وشهواته.
الأثر الروحي والمعنوي للصوم يشكل أعظم جانب من فلسفة هذه العبادة.
مثل الإنسان الذي يعيش إلى جوار أنواع الأطعمة والأشربة، لا يكاد يحس بجوع أو عطش حتى يمدّ يده إلى ما لذّ وطاب كمثل شجرة تعيش إلى جوار نهروفير المياه، ما إن ينقطع عنها الماء يوماً حتى تذبل وتصفرّ.
أما الأشجار التي تنبت بين الصخور وفي الصحاري المقفرة، وتتعرض منذ أوائل إنباتها إلى الرياح العاتية، وحرارة الشمس المحرقة حيناً، وبرودة الجوّ القارصة حيناً آخر، وتواجه دائماً أنواع التحديات، فإنها أشجار قوية صلبة مقاومة.
والصوم له مثل هذا الأثر في نفس الإِنسان، فبهذه القيود المؤقتة يمنحه القدرة وقوة الإِرادة وعزيمة الكفاح، كما يبعث في نفسه النور والصفاء بعد أن يسيطر على غرائزه الجامحة.
بعبارة موجزة: الصوم يرفع الإنسان من عالم البهيمية إلى عالم الملائكة وعبارة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تشير إلى هذه الحقائق.
وهكذا الحديث المعروف: «الصَّوْمُ جَنَّةٌ مِنَ النَّارِ» يشير إلى هذه الحقائق.
وعن الإمام علي(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل عن طريق مجابهة الشيطان، قال: «الصَّوْمُ يُسَوِّدُ وَجْهَهُ، وَالصَّدَقَةُ تُكْسِرُ ظَهْرَهُ، وَالحُبُّ فِي اللهِ وَالْمُواظبَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصّالِحِ يَقْطَعُ دابِرَهُ، وَالإِسْتغْفَارُ يَقْطَعُ وَتِينَهُ»
وفي نهج البلاغة عرض لفلسفة العبادات، وفيه يقول أمير المؤمنين علي(عليه السلام): «وَالصِّيَامَ ابْتِلاَءً لإِخْلاَصِ الْخَلْقِ»
وروي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُدَّعَى الرَّيَّانْ، لاَ يَدْخُلُ فِيهَا إِلاَّ الصَّائُمُونَ».
يقول المرحوم الصدوق في «معاني الأخبار» معلقاً على هذا الحديث: إنما سمي هذا الباب بالريّان لأن مشقة الصائم إنما تكون في الأغلب من العطش، وعند ما يدخل الصائمون من هذا الباب يرتوون حتى لا يظمأوا بعده أبداً
الأثر الإِجتماعي للصوم
لا يخفى على أحد. فالصوم درس المساواة بين أفراد المجتمع. الموسرون يحسّون بما يعانيه الفقراء المعسرون، وعن طريق الاقتصاد في استهلاك المواد الغذائية يستطيعون أن يهبوا لمساعدتهم.
قد يمكن تحسيس الأغنياء بما يعانيه الفقراء عن طريق الكلام والخطابة، لكن المسألة حين تتخذ طابعاً حسّيّاً عينيّاً لها التأثير الأقوى والأبلغ، الصوم يمنح هذه المسألة الهامة الإجتماعية لوناً حسياً، لذلك يقول الإمام الصادق(عليه السلام) في جواب عن سؤال بشأن علّة الصوم:
«إِنَّما فَرَضَ اللهُ الصِّيَامَ لِيَسْتَويَ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَذَلِكَ إِنَّ الْغَنِيَّ لَمْ يَكُنْ لِيَجِدَ مَسَّ الْجُوعِ فَيَرْحَمَ الْفَقِيرَ، وَإِنَّ الغَنِيَّ كُلَّمَا أَرَادَ شَيْئاً قَدَرَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ اللهُ تَعَالى أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَأَنْ يُذِيقَ الْغَنِيَّ مَسَّ الْجُوعِ وَالاَْلَمِ، لِيَرُقَّ عَلَى الضَّعِيفِ وَيَرْحَمَ الْجَائِعَ»
ترى، لو أن الدول الغنية في العالم صامت عدّة أيّام في السنة وذاقت مرارة الجوع، فهل يبقى في العالم كل هذه الشعوب الجائعة؟!
الآثار الصحية للصوم
الصوم يحرق الفضلات والقمامات المتراكمة في الجسم، وهو في الواقع عملية تطهير شاملة للبدن، إضافة إلى أنه استراحة مناسبة لجهاز الهضم وتنظيف له، وهذه الاستراحة ضرورية لهذا الجهاز الحساس للغاية، والمنهمك في العمل طوال أيام السنة.
بديهي أن الصائم ينبغي أن لا يكثر من الطعام عند «الإِفطار» و«السُّحُور» حسب تعاليم الإِسلام، كي تتحقق الآثار الصحية لهذه العبادة، وإلاّ فقد تكون النتيجة معكوسة.
العالم الروسي «الكسي سوفورين» يقول في كتابه:
«الصوم سبيل ناجح في علاج أمراض فقر الدم، وضعف الأمعاء، والإِلتهابات البسيطة والمزمنة، والدمامل الداخلية والخارجية، والسل، والاسكليروز، والروماتيزم، والنقرس والإِستسقاء، وعرق النساء، والخراز (تناثر الجلد)، وأمراض العين، ومرض السكر، وأمراض الكلية، والكبد والأمراض الاُخرى.
العلاج عن طريق الإِمساك لا يقتصر على الأمراض المذكورة، بل يشمل الأمراض المرتبطة باُصول جسم الإِنسان وخلاياه مثل السرطان والسفليس، والسل والطاعون أيضاً»
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «صُومُوا تَصُحُّوا»
وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «الْمِعْدَةُ بَيْتُ كُلِّ دَاء وَالْحَمِيَّةُ رَأْسُ كُلِّ دَوَاء»
************************************************** ************************************************** **********************
مجمع البيان
تفسيرالميزان
تفسير القمي
تفسيرالأمثل
تفسيرمن هدي القرآن
التبيان الجامع لعلوم القرآن للطوسي
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
متباركين بشهر الخير والبركة والمغفرة والرحمة
الكلام حول الآية الكريمة في قوله تعالى :
(ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
الصوم في اللغة الإمساك ومنه يقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام قال ابن دريد كل شيء سكنت حركته فقد صام صوما
والصيام، والصوم: مصدر صام يصوم صوماً قال النابغة:
خيل صيام وخيل غير صائمة
تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
وقال صاحب العين: الصوم، والصمت واحد كقوله تعالى { إني نذرت للرحمن صوماً } أي صمتاً. والصوم قيام بلا عمل صام الفرس على أريه: اذا لم يعلف. وصامت الريح: اذا ركدت. وصامت الشمس: حين تستوي في منتصف النهار. وصامت الفرس: موقفه. والصوم ذرق النعام. والصوم: شجر. وأصل الباب: الامساك، فالصوم: الصمت، لأنه إمساك عن الكلام
قوله تعالى:
{ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }
أول ما فرض الله الصوم لم يفرضه في شهر رمضان على الأنبياء، ولم يفرضه على الأمم، فلما بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله خصه بفضل شهر رمضان هو وأمته،
{ كتب عليكم الصيام } أي فرض عليكم العبادة المعروفة في الشرع وإنما خَصَّ المؤمنين بالخطاب لقبولـهم لذلك ولأن العبادة لا تصح إلا منهم ووجوبه عليهم لا ينافي وجوبه على غيرهم
ولذلك لما ذكر كتابة الصيام عليهم بقوله:
{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } أردفه بقوله: { كما كتب على الذين من قبلكم }
أي لا ينبغي لكم أن تستثقلوه وتستوحشوا من تشريعه في حقكم وكتابته عليكم فليس هذا الحكم بمقصور عليكم بل هو حكم مجعول في حق الأمم السابقة عليكم ولستم أنتم متفردين فيه، على أن في العمل بهذا الحكم رجاء ما تبتغون وتطلبونه بإيمانكم وهو التقوى التي هي خير زاد لمن آمن بالله واليوم الآخر، وأنتم المؤمنون وهو قوله تعالى: { لعلكم تتقون } ، على أن هذا العمل الذي فيه رجاء التقوى لكم ولمن كان قبلكم لا يستوعب جميع أوقاتكم ولا أكثرها، بل إنما هو في أيام قلائل معينة معدودة، وهو قوله تعالى: { أياماً معدودات } ، فإن في تنكير، أياماً، دلالة على التحقير، وفي التوصيف بالعدد إشعار بهوان الأمر كما في قوله تعالى:
{ وشروه بثمن بخس دراهم معدودة }
بعدقوله تعالىيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
تذكر الآية مباشرة فلسفة هذه العبادة التربوية، في عبارة قليلة الألفاظ، عميقة المحتوى، وتقول: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
الصوم عامل فعّال لتربية روح التقوى في جميع المجالات والأبعاد.
لما كانت هذه العبادة مقرونة بمعاناة وصبر على ترك اللذائد المادية، وخاصة في فصل الصيف، فانّ الآية طرحت موضوع الصوم بأساليب متنوعة لتهيّء روح الإِنسان لقبول هذا الحكم.
تبتدىء الآية أولا بأُسلوب خطابي وتقول:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وهو نداء يفتح شغاف القلب، ويرفع معنويات الإِنسان، ويشحذ همته، وفيه لذة قال عنها الإِمام الصادق(عليه السلام): «لَذَّةُ مَا فِي النَّدَاءِ ـ أي يا أيّها الَّذينَ آمَنُوا ـ أَزَالَ تَعْبَ الْعِبَادَةِ وَالعَنَاءِ»
الهدف من الصيام التقوى ، و الهدف من كثير من الشعائر الدينية هو التقوى ايضا ( كما صرح القرآن به في آيات كثيرة ) ولكن ما هو التقوى ؟
لعل الكلمة التي نستخدمها في ادبنا الحاضر بديلا عن كلمة التقوى و قريبة من معناها هي ( الالتزام ) . ولكن ايحاءات كلمة التقوى افضل . انها تدل على الالتزام خشية العقاب ، والعمل بشيء ( اتقاء ) شر معين وبالتالي جعل العمل وسيلة لتجنب الوقوع في المهلكة .
فالتقوى هي التزام واع و مفروض على الانسان بسبب الاضرار التي تصيبه ان ترك الالتزام .
و خلــق هــذه الحالــة في النـــفس ، لا يــتم الا عبر سلسلة من الطقوس و الشــعائــر ، و ( الصيام ) واحد منها . حيث انه يدرب الانسان على تجنب شهواته برقابة ذاتية ، وبذلك ينمي عنده موهبة الارادة . ذلك لان ارادة الانسان كأي نعمة اخرى عنده تنمو و تتكامل ، كلما انتفع بها الانسان و مارسها عمليا . و الصائم يمارس ارادته ضد شهواته كلما دعته الحاجة الى الطعام او الجنس ، فيرفض تلبية هذه الدعوة بقوة ارادته .
ان كثيرا من الناس يحبون ان يصبحوا صالحين ، مؤمنين ، ملتزمين بالرغم من انهم قد لا يصرحون بذلك ، ولكن بعضا منهم يوفق لذلك لانه - وحده - يملك ارادة قوية ، وعلى الانسان ان يربي ارادته و يدربها حتى يستطيع ان يقاوم بها ضغوط الشهوات ، و الصيام واحد من وسائل تربية و تدريب الارادة
ـ الآثار التّربوية والإِجتماعية والصحّيّة للصوم
للصوم أبعاد متعددة وآثار غزيرة مادية ومعنوية في وجود الإِنسان، وأهمها البعد الأخلاقي، التّربوي.
من فوائد الصوم الهامة «تلطيف» روح الإِنسان، و«تقوية» إرادته، و«تعديل» غرائزه.
على الصائم أن يكف عن الطعام والشراب على الرغم من جوعه وعطشه، وهكذا عليه أن يكف عن ممارسة العمل الجنسي، ليثبت عملياً أنه ليس بالحيوان الأسير بين المعلف والمضجع، وأنه يستطيع أن يسيطر على نفسه الجامحة وعلى أهوائه وشهواته.
الأثر الروحي والمعنوي للصوم يشكل أعظم جانب من فلسفة هذه العبادة.
مثل الإنسان الذي يعيش إلى جوار أنواع الأطعمة والأشربة، لا يكاد يحس بجوع أو عطش حتى يمدّ يده إلى ما لذّ وطاب كمثل شجرة تعيش إلى جوار نهروفير المياه، ما إن ينقطع عنها الماء يوماً حتى تذبل وتصفرّ.
أما الأشجار التي تنبت بين الصخور وفي الصحاري المقفرة، وتتعرض منذ أوائل إنباتها إلى الرياح العاتية، وحرارة الشمس المحرقة حيناً، وبرودة الجوّ القارصة حيناً آخر، وتواجه دائماً أنواع التحديات، فإنها أشجار قوية صلبة مقاومة.
والصوم له مثل هذا الأثر في نفس الإِنسان، فبهذه القيود المؤقتة يمنحه القدرة وقوة الإِرادة وعزيمة الكفاح، كما يبعث في نفسه النور والصفاء بعد أن يسيطر على غرائزه الجامحة.
بعبارة موجزة: الصوم يرفع الإنسان من عالم البهيمية إلى عالم الملائكة وعبارة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تشير إلى هذه الحقائق.
وهكذا الحديث المعروف: «الصَّوْمُ جَنَّةٌ مِنَ النَّارِ» يشير إلى هذه الحقائق.
وعن الإمام علي(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل عن طريق مجابهة الشيطان، قال: «الصَّوْمُ يُسَوِّدُ وَجْهَهُ، وَالصَّدَقَةُ تُكْسِرُ ظَهْرَهُ، وَالحُبُّ فِي اللهِ وَالْمُواظبَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصّالِحِ يَقْطَعُ دابِرَهُ، وَالإِسْتغْفَارُ يَقْطَعُ وَتِينَهُ»
وفي نهج البلاغة عرض لفلسفة العبادات، وفيه يقول أمير المؤمنين علي(عليه السلام): «وَالصِّيَامَ ابْتِلاَءً لإِخْلاَصِ الْخَلْقِ»
وروي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُدَّعَى الرَّيَّانْ، لاَ يَدْخُلُ فِيهَا إِلاَّ الصَّائُمُونَ».
يقول المرحوم الصدوق في «معاني الأخبار» معلقاً على هذا الحديث: إنما سمي هذا الباب بالريّان لأن مشقة الصائم إنما تكون في الأغلب من العطش، وعند ما يدخل الصائمون من هذا الباب يرتوون حتى لا يظمأوا بعده أبداً
الأثر الإِجتماعي للصوم
لا يخفى على أحد. فالصوم درس المساواة بين أفراد المجتمع. الموسرون يحسّون بما يعانيه الفقراء المعسرون، وعن طريق الاقتصاد في استهلاك المواد الغذائية يستطيعون أن يهبوا لمساعدتهم.
قد يمكن تحسيس الأغنياء بما يعانيه الفقراء عن طريق الكلام والخطابة، لكن المسألة حين تتخذ طابعاً حسّيّاً عينيّاً لها التأثير الأقوى والأبلغ، الصوم يمنح هذه المسألة الهامة الإجتماعية لوناً حسياً، لذلك يقول الإمام الصادق(عليه السلام) في جواب عن سؤال بشأن علّة الصوم:
«إِنَّما فَرَضَ اللهُ الصِّيَامَ لِيَسْتَويَ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَذَلِكَ إِنَّ الْغَنِيَّ لَمْ يَكُنْ لِيَجِدَ مَسَّ الْجُوعِ فَيَرْحَمَ الْفَقِيرَ، وَإِنَّ الغَنِيَّ كُلَّمَا أَرَادَ شَيْئاً قَدَرَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ اللهُ تَعَالى أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَأَنْ يُذِيقَ الْغَنِيَّ مَسَّ الْجُوعِ وَالاَْلَمِ، لِيَرُقَّ عَلَى الضَّعِيفِ وَيَرْحَمَ الْجَائِعَ»
ترى، لو أن الدول الغنية في العالم صامت عدّة أيّام في السنة وذاقت مرارة الجوع، فهل يبقى في العالم كل هذه الشعوب الجائعة؟!
الآثار الصحية للصوم
الصوم يحرق الفضلات والقمامات المتراكمة في الجسم، وهو في الواقع عملية تطهير شاملة للبدن، إضافة إلى أنه استراحة مناسبة لجهاز الهضم وتنظيف له، وهذه الاستراحة ضرورية لهذا الجهاز الحساس للغاية، والمنهمك في العمل طوال أيام السنة.
بديهي أن الصائم ينبغي أن لا يكثر من الطعام عند «الإِفطار» و«السُّحُور» حسب تعاليم الإِسلام، كي تتحقق الآثار الصحية لهذه العبادة، وإلاّ فقد تكون النتيجة معكوسة.
العالم الروسي «الكسي سوفورين» يقول في كتابه:
«الصوم سبيل ناجح في علاج أمراض فقر الدم، وضعف الأمعاء، والإِلتهابات البسيطة والمزمنة، والدمامل الداخلية والخارجية، والسل، والاسكليروز، والروماتيزم، والنقرس والإِستسقاء، وعرق النساء، والخراز (تناثر الجلد)، وأمراض العين، ومرض السكر، وأمراض الكلية، والكبد والأمراض الاُخرى.
العلاج عن طريق الإِمساك لا يقتصر على الأمراض المذكورة، بل يشمل الأمراض المرتبطة باُصول جسم الإِنسان وخلاياه مثل السرطان والسفليس، والسل والطاعون أيضاً»
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «صُومُوا تَصُحُّوا»
وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «الْمِعْدَةُ بَيْتُ كُلِّ دَاء وَالْحَمِيَّةُ رَأْسُ كُلِّ دَوَاء»
************************************************** ************************************************** **********************
مجمع البيان
تفسيرالميزان
تفسير القمي
تفسيرالأمثل
تفسيرمن هدي القرآن
التبيان الجامع لعلوم القرآن للطوسي
تعليق