
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
سِمات الأنبياء :العصمة عن الذنوب
تقليص
X
-
شبهات وحلول حول عصمة الانبياء
طرحت بعض الشبهات حول عصمة الأنبياء عليه السلام نستعرضها في ما يلي ونجيب عنها
الشبهة الأولى: إذا كان الله تعالى هو الذي قد عصم الأنبياء ونزههم عن إرتكاب المعاصي، حيث يلزم من ذلك أنه ضمن ممارستهم للوظائف والتكاليف فانه في هذه الحالة سوف لا تثبت لهم أية ميزة إختيارية، ولا يستحقون أي ثواب لممارستهم الوظائف والتكاليف، والإجتناب عن المعاصي، لأن الله تعالى لو جعل أي شخص آخر معصوما لكان مثلهم تماما لأنه تعالى هو الذي منحه العصمة ووفرها فيه.
الجواب عن هذه الشبهة: تقدم أن العصمة لا تعني الجبر على القيام بالوظائف والتكاليف وترك المعاصي، وحين نقول إن الله عاصم المعصومين وحافظهم، فلا نعني بذلك نفي إستناد الأفعال الاختيارية اليهم، ذلك لأن كل الظواهر وإن إستندت في نهاية سلسلتها إلى الإرادة التكوينية الإلهية، وفي ذلك المجال الذي توجد فيه عناية وتوفيق خاص من قبل الله، لذلك يتأكد أكثر إسناد العمل للّه ولكن الإرادة الإلهية في طول إرادة الإنسان لا في عرضها، وليست بديلة عنها وقائمة مقامها.
ولكن هذه العناية الإلهية الخاصة بالنسبة للمعصومين هي كسائر الوسائل والظروف والإمكانات الخاصة التي توفر لبعض الأفراد المعينين، مما يؤدي إلى أن تكون مسؤوليتهم أكبر وأثقل، وكما أن الثواب على عملهم يتضاعف فإن العقاب على المخالفة أشد، وبهذا الشكل يتم التوازن بين الثواب والعقاب، وإن كان المعصوم لحسن إختياره لا يكون مستحقا للعقاب، ويلاحظ مثل هذا التوازن في حالة كل الذين يتمتعون بنعمة خاصة، كما هو الحال بالنسبة للعلماء والمنتسبين لأهل البيت عليه السلام "﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾(الأحزاب:32)" فأن مسؤوليتهم أثقل وأكثر خطورة من غيرهم، وكما أن الثواب على اعمالهم الخيرة أكثر، فكذلك العقاب على ذنوبهم على تقدير إرتكابها أشد1.
الشبهة الثانية: إن الأنبياء وسائر المعصومين عليه السلام يعتبرون أنفسهم من المذنبين، كما ينقل عن أدعيتهم ومناجاتهم، وينقل أيضا إستغفارهم من الذنوب، ومع صدور مثل هذا الإعتراف والإقرار منهم، فكيف نعدهم معصومين؟
والجواب: إن المعصومين عليهم السلام قد إرتفعوا إلى أسمى درجات الكمال والقرب الإلهي مع ملاحظة اختلاف مراتبهم لذلك يشعرون بأنهم مكلفون بوظائف ومهام تفوق وظائف الآخرين، بل إنهم يعتبرون أي توجه وإلتفات منهم لغير معبودهم ومحبوبهم ذنبا كبيرا، ومن هنا يقفون موقف الإستغفار والإعتذار.
وقد ذكرنا سابقا أن عصمة الأنبياء، لا تعني أن يكون المعصوم منزها عن كل عمل يطلق عليه (معصية) بوجه ما، ولو بمفهومها الواسع، بل إنما نعني تنزيهه عن مخالفة التكاليف الإلزامية، وعن إرتكاب المحرمات الفقهية لا كل ما يطلق عليه معصية.
الشبهة الثالثة: ذكرت بعض الآيات القرآنية الدالة على عصمة الأنبياء أنهم يعتبرون من (المخلصين)، ولا يطمع الشيطان فيهم، مع أن القرآن الكريم نفسه يذكر بعض تصرفات وتأثيرات الشيطان في الأنبياء عليه السلام، منها ما ورد في الآية (27) من سورة الاعراف: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّة﴾. حيث تنسب للشيطان خداعه لآدم وحواء، والذي أدى إلى خروجهما من الجنة، وفي الآية (41) من سورة ص على لسان أيوب: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَاب﴾.
وفي الآية (52) من سورة الحج: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِه﴾. حيث نسب نوعا من الوساوس الشيطانية لجميع الأنبياء.
والجواب: لم يلحظ في هذه الآيات أي تصرف أو تأثير شيطاني أدى إلى مخالفة الأنبياء عليه السلام للتكاليف الإلزامية، أما الآية (27) من سورة الأعراف، فتشير إلى وسوسة الشيطان لآدم وحواء للأكل من (الشجرة المنهية) فإنه لم يتعلق نهي تحريمي بالأكل، بل الوارد فحسب هو تذكير آدم وحواء وتنبيههما على أن الاكل منها سيؤدي إلى الخروج من (الجنة) والهبوط إلى (الأرض)، وأن وسوسة الشيطان سببت مخالفتهما لهذا النهي الإرشادي، والملاحظ أن ذلك العالم لم يكن عالم تكليف، ولم تنزل شريعة بعد، وأما الآية (41) من سورة ص فإنها تشير إلى المتاعب والتحديات التي توجهت لأيوب عليه السلام من قبل الشيطان، وليس فيها أية دلالة على مخالفته للأوامر والنواهي الإلهية، وأما الآية (52) من سورة الحج فهي مرتبطة بالعراقيل التي يواجه بها الشيطان نشاطات الأنبياء عليهم السلام جميعا، والعقبات التي يضعها في سبيل وصولهم إلى أهدافهم في مجال هداية الناس، وأخيرا فإن الله تعالى يبطل مكر الشيطان وحيله، ويثبت الدين الحق.
الشبهة الرابعة: في الآية (121) من سورة طه، نسب العصيان لآدم عليه السلام، وفي الآية (115) من السورة نفسها نسب النسيان له عليه السلام، فكيف تتلاءم مثل هذه النسبة مع عصمته؟
والجواب عن هذه الشبهة: هو ما تقدم من أن المعصية والنسيان لم يكونا مرتبطين بالتكليف الإلزامي.
الشبهة الخامسة: نسب الكذب في القرآن الكريم لبعض الأنبياء، ومن الآيات التي تدل على ذلك، الآية (89) من سورة الصافات نقلا عن إبراهيم عليه السلام: ﴿فَقَالَ إِنِّي سَقِيم﴾.
مع أنه لم يكن مريضا، والآية (63) من سورة الأنبياء نقلا عنه ايضا: ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾.
مع أنه هو الذي حطم أصنامهم، والآية (70) من سورة يوسف: ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّن أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾.
مع أن إخوة يوسف لم يرتكبوا السرقة.
والجواب: إن هذه الأقوال إنما صدرت من باب التورية (إرادة معنى آخر) لأجل بعض المصالح الأكثر أهمية كما اشير إلى ذلك في بعض الروايات، ويمكن أن يستظهر من بعض الآيات أن هذه الأقوال كانت بإلهام إلهي، كما في قصة يوسف حيث يقول تعالى: (كذلك كدنا ليوسف)، وعلى أي حال فلا يعتبر مثل هذا الكذب معصية، ولا يخالف العصمة.
الشبهة السادسة: ورد في قصة موسى عليه السلام أن قبطيا تشاجر مع رجل من بني إسرائيل، فقتله موسى عليه السلام، ولأجل ذلك هرب من مصر. وحين بعثه الله تعالى لدعوة الفراعنة قال: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنب فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُون﴾(الشعراء:20).
وحينما ذكره فرعون بالقتل أجاب موسى: ﴿قَال فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّين﴾(الفتح:2). فمثل هذه الحكاية كيف تتلاءم وعصمة الأنبياء قبل بعثتهم؟
والجواب: أولاً: إن قتل القبطي لم يكن عمديا، بل كان نتيجة ضربة إصابته اتفاقا ودون تعمد من موسى لقتله.
ثانياً: إن الآية "ولهم عليّ ذنب"، التي وردت على لسان موسى كانت وفق نظر الفراعنة، والمراد أنهم يعتبرونني قاتلاً ومذنباً، وأخاف أن يقتلوني قصاصا.
ثالثاً: أما الجملة "وأنا من الضالين" اما أنه قالها مجاراة للفراعنة وتمشيا معهم، بأنني على تقدير أنني كنت ضالا آنذاك فهداني الله، وأرسلني بهذه البراهين القاطعة. أو المراد من (الضلال) عدم المعرفة بعواقب العمل، وعلى كل حال، فلا تدل على مخالفة موسى للتكليف الإلزامي الإلهي.
الشبهة السابعة: في الآية (94) من سورة يونس قال تعالى مخاطبا النبي صلى الله عليه وآله وسلم:﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين﴾.
وفي الآيات (147) من سورة البقرة، و(60) من آل عمران، و(114) من الانعام و(17) من هود و(23) من سورة السجدة، ينهى فيها الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الشك والترديد، فكيف يمكن القول بأن إدراك الوحي لا يقبل الشك والتردد؟
والجواب عن هذه الشبهة: إن هذه الآيات لا تدل على وقوع الشك والترديد فعلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل إنها في صدد التأكيد على هذه الملاحظة بأنه لا مجال للشك والترديد في رسالته، وفي أن القرآن الكريم، ومحتوياته على حق، وفي الواقع أن مثل هذا الخطاب من باب (إياك اعني واسمعي يا جارة).
الشبهة الثامنة: نسبت في القرآن الكريم بعض الذنوب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد غفرها الله له، يقول القرآن الكريم: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّر﴾(الفتح:2).
والجواب: إن المراد من الذنب في هذه الآية الشريفة، الذنب الذي وجهه المشركون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل الهجرة وبعدها، وهو إهانته لأصنامهم وآلهتهم، والمراد من المغفرة، مواجهة الآثار التي يمكن ترتبها على ذلك وإزالتها، والشاهد على هذا التفسير، إنه إعتبر فتح مكة سببا لمغفرته حيث يقول: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّر). واذا كان المراد من الذنب المعنى المصطلح فلا وجه لتعليل المغفرة بفتح مكة.
الشبهة التاسعة: يقول القرآن الكريم حول زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بزوجة زيد بن حارثة (متبنى النبي) المطلقة: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاه﴾(الأحزاب:37).
فكيف يتلاءم مثل هذا القول مع العصمة.
الجواب: إن مثل هذا العمل الذي صدر بأمر الله، ومن أجل القضاء على تقليد من التقاليد الجاهلية المنحرفة (حيث كان يعتبر المتبنى كالإبن من النسب) كان يخشى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحمله الناس لضعف إيمانهم على ميوله ورغباته الشخصية، وان يؤدي ذلك إلى إرتدادهم عن الدين، وقد أطلعه الله تعالى في هذه الآية الشريفة على أن المصلحة في مكافحة هذا التقليد المنحرف أكثر أهمية، والأجدر به أن يكون أكثر خشية وخوفا من مخالفة الإرادة الإلهية القائمة على مكافحة نبيه عمليا لهذا التقليد الخاطئ، إذن فهذه الآية ليست في مجال تأنيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوبيخه.
الشبهة العاشرة: إن القرآن الكريم يعاتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع عديدة، منها حين أذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض الأفراد بترك القتال حيث يقول تعالى: ﴿عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾(التوبة:43).
ومنها: تحريم بعض الأمور المحللة إرضاء لبعض زوجاته: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِك﴾(التحريم:1).
فكيف ينسجم هذا العتاب مع عصمته؟
والجواب: إن مثل هذا الخطاب في واقعه (مدح بأسلوب العتاب) حيث يدل على مدى ما كان يملكه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من شفقة وحنان حتى على المنافقين ومرضى القلوب، حيث لم يبعث اليأس فيهم، ولم يكشف عن أسرارهم، وأيضا حين يقدم مرضاة زوجاته على رغباته وميوله، ويحرم باليمين عملا مباحا في حقه، وهذا لا يعني، (والعياذ بالله) أنه يحاول تغيير حكم الله، وتحريم الحلال على الناس. وفي الواقع إن هذه الآيات من ناحية ما نظير الآيات التي تشير إلى جهود النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكبيرة وإهتمامه البالغ وحرصه الشديد لهداية الكفار، أمثال قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِع نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾(الشعراء:3).
او الآيات التي تدل على ما يبذله من جهد ومشقة في سبيل عبادة الله مثل: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾(طه:1-2).
وعلى كل حال، فلا تنافي هذه الآيات عصمته صلى الله عليه وآله وسلم.
sigpic
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
سِمات الأنبياء :التنزّه عن المُنفرات
نّ قيادة الناس وهدايتهم، من الأُمور الصعبة الّتي تتطلب من المدير والقائد أن يتمتع بصفات عالية تسهّل توفيقه للغرض الّذي بعث له، أو نَهَضَ لتحقيقه. إنّ مسؤولية هداية البشر في جميع النواحي ملقاةٌ على عاتق الأنبياء، وإنّ العصمة بمراتبها إحدى الصفات اللازمة فيهم. وهناك صفات أخرى يجب اتّصاف الأنبياء بها تحصيلاً لغرضهم، الّتي لولاها لما وصلوا إليه. ويجمعها التنزّه عن كل ما يوجب تنفر الناس، والتحلّي بكلّ ما يوجب انجذابهم إليهم. ونحن نشير إلى بعض عناوين هذه الصفات مع تفسيرها إجمالاً.
1- التنزّه عن دناءة الآباء و عهر الأُمهات
لا شكّ أنّ القائد إذا كان وليد بيت طيب طاهر، معروف بالعفاف والتُّقى، فإنّ ذلك يكون له تأثيره الخاص في انسياق الناس وميلهم إليه. بخلاف ما إذا كان وليد بيت صفر من القيم الأخلاقية سواء في جانب الآباء أو الأُمهات، فإنّ أفئدة الناس تنفضُّ من وليده بحجة أنّ الأبناء يرثون صفات الآباء والأُمهات.
2- سلامة الخِلْقة
ومن العوامل الباعثة على اجتماع الناس حول القائد، سلامته في بدنه من التشوّه، ومن الأمراض الّتي يستوحش الناس معها من التعاطي مع المصاب بها، كالجذام والبرص.
3- كمال الخُلُق
إنّ لحسن الخُلُق وكماله تأثيراً خاصاً في جذب الناس، كما أنّ لِقَسْوَة القلب وفظاظة المعاملة تأثيراً في تنفير الناس، فلهذا يلزم أن يكون الأنبياء في القمة من صفاء النفس ولين الطباع، والتواضع والنزاهة عن الحسد والتجبّر وما شاكل ذلك.
قال سبحانه: ﴿فَبِما رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾(آل عمران:159).
4- كمال العقل
كما أنّ للعقل سهماً وافراً في حقل القيادة، فيجب أن يكون الأنبياء على درجة عالية من الذكاء والفطنة والرأي القاطع لا يتردَّدون في أُمورهم بعد تبيِّنها.
وقد ذكرنا سابقاً قوله عليه السَّلام. "ولا بعث الله نبياً ولا رسولاً حتى يستكمل العقل، ويكون عقله أفضل من عقُول أُمته"1.
حُسْنُ السِيرة
إنّ البسطاء من الناس وما أكثر وجودهم في الأُمم ينظرون إلى البواطن من خلال الظواهر، فيستكشفون سرائر الأنبياء من ظواهر أفعالهم. ولذلك يجب أن يكون الأنبياء في معاشراتهم مجانبين للأراذل والسفلة وأرباب الهزل، مبرَّئين عن المشاحنات والمشاجرات التافهة وغير ذلك ممّا يسقط شأن القائد في أعين الناس.
وما عددناه من الصفات هنا، نماذج من الأصل الكلِّي الّذي صدَّرنا به البحث وهو اتّصاف الأنبياء بكل ما يوجب توفيقهم في هداية الناس، الّذي هو الغرض من بعثتهم. ولعلّ هناك مصاديق أُخرى لها دخالة في هذا المضمار، لم نذكرها فيما ذكرناه.
*sigpic
- اقتباس
- تعليق
تعليق
-
عصمة الأنبياء باختصار
مراتب عصمة الاَنبياء
العِصمة تعني المصُونيّة ولها في باب النبوّة مراتب هي
أ- العصمة في مرحلة تلقّي الوحي وإبلاغه.
ب- العصمة عن المعصية والذنب.
ج- العصمة عن الخطأ في الاَُمور الفردية والاجتماعية.
وعصمة الاََنبياء في المرحلة الاَُولى موضعُ اتفاق الجميع، لأنّ احتمالَ الخطأ والاِلتباس في هذه المرحلة يؤثر على وثوق الناس، واطمئنانِهم، ويوجب أن لا يعتمدَ الناسُ على إخبارات النبي وأقواله، فينتقضُ هدفُ النبوّةِ في المآل.
هذا مضافاً إلى أنّ القرآن الكريم يصرّح بأنّ الله يحفظُ نبيَّه، ويصونهُ صيانةً كاملةً حتى يبلّغ الوحيَ الاِلَهيَّ بصورةٍ صحيحةٍ كما قال: ﴿عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيهِ وَمِنْ خَلْفهِ رَصَدا * لِيَعْلَمَ أن قَد أَبْلَغُوا رِسالات رَبّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدا﴾(الجن:26ـ28).
ففي هذه الآية ذكَرَ القرآن الكريم نوعين من الحَفَظَة لصيانة الوحي
أ- الملائكة الذين يحيطون بالنبيّ من كلّ ناحيةٍ وجانبٍ.
ب- انّ الله تعالى نفسه يحيط بالملائكة والنبيّ.
وهذه النظارة الشديدة والمراقَبَة الكاملة انّما هي لتحقيق غرض النبوّة، وهو إيصال الوحي الإلَهيّ إلى البشر.
عصمة الاَنبياء من كل معصية وذنب
إنّ أنبياء الله ورُسُلَه معصومون من الذنب والزلل، في مجال العمل بأحكامِ الشريعةِ، عصمةً مطلقةً.
لاَنّ الهدف من بعثة الأنبياء إنّما يتحقّق أساساً إذا تمتّع الأنبياء والرُسُل بمثل هذه العصمة، لاَنّهم إذا لم يلتزموا بالاََحكام الاِلَهيّة التي كُلِّفُوا بإِبلاغها إلى الناس، انتفى الوثوق بكلامهم، فلم يتحقّق الغرضُ المنشودُ من بعثِهم، وإرسالهم.
ولقد أشارَ المحققُ الطوسيُّ إلى هذا البرهان بعبارةٍ موجَزَة حيث قال: "ويجب في النبيّ العصمةُ ليحصلَ الوثوقُ فيحصل الغرضُ"1.
إنّ عصمة الاَنبياء عن المعصية أمر قد أكّده القرآنُ الكريمُ في آيات مختلفة نورد هنا بعضها:
أ- إنّ القرآن الكريم يعتبر الاَنبياءَ أشخاصاً مهدِيّين ومختارين من قِبل الله تعالى إذ قال: ﴿وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إلى صِراطٍ مُسْتَقيْمٍ﴾(الاَنعام:87).
ب- إنَّ القرآنَ الكريمَ يذكِّر بأنّ الذي يهديه الله لا يقدر أحد على إضلاله إذ يقول: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ﴾(الزمر:37).
ج- يعتبر المعصية ضَلالاً إذ يقول: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً﴾(يس:62).
فيستفاد من مجموعة هذه الآيات أنّ الاَنبياء معصومون من كلّ أنواع الضلال، ومصونون من كل ألوان المعصية.
إنّ البُرهانَ العَقليّ الذي أقمناه فيما سبق على عِصمة الاَنبياء يدلّ على عصمتهم قبل البعثة أيضاً، لاَنّ الاِنسان الذي صَرَفَ رَدْحاً من عمره في الذنب والمعصية، ثم حَمَلَ لواءَ الهداية والاِرشاد لم يتمكّن من الحصول على ثقة النّاس به، وسكونهم إلى أقواله، بخلاف من عاش قَبلَ بعثته نقيَّ الجيب، طاهِرَ الذَيل، فإنّه قادرٌ على جَلب ثقة الناس، وكسب تأييدهم له.
هذا مضافاً إلى أنّ في مقدور معارضي الرسالة، أن يغتالوا بسهولة شخصيّة الرسول، ويطعنوا فيه بالتلويح بسوابقه قبلَ النبوة، ويحطُّوا بذلك من شأنه، وشأن رسالته.
إنّ الذي استطاع بفضل العيش بطهر ونقاء، في بيئةٍ فاسدةٍ أن يكتسب لقب "محمد الاَمين" هو الشخص الوحيد الذي يستطيع بشخصيّتهِ الساطعة النقيّة، أن يُبدّد حُجُب الدعايات المضادة، ويفنّد مزاعم أعدائه، ومعارضي رسالته، ويضيء باستقامته العجيبة، البيئةَ الجاهليةَ المظلمة تدريجاً.
هذا مضافاً إلى أنّ من البديهي أنّ الاِنسان الذي كان معصوماً من بداية حياته، أفضلُ من الذي تحلّى بصفة العصمة منذ أن صار نَبيّاً، كما أنّ تأثيرَه، ودوره الاِرشاديّ لا ريب يكون أقوى، والحكمة الاِلَهيّة تقتضي اختيار الفَردِ الاَحسن الاَكمل.
عصمة الاَنبياء عن الخطأ والزلل
إنَّ الاَنبياء مضافاً إلى كونهم معصومين من الذَّنْب معصومون كذلك في الاَُمور التالية
أ- في القضاء في المنازعات والفصل في الخصومات.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنْ كان مأموراً بالقضاء على وفق البيّنة واليمين، لكنّه في صورة خطأ البيّنة أو كذب الحالف واقف على الحق المرّ، وإنْ لم يكن مأموراً بالقضاء على طبقه.
ب- في تشخيص موضوعات الاَحكام الشرعية (مثل انّ المائع الفلانيّ هل هو خمرٌ أم لا؟).
ج- في القضايا اليوميّة العاديّة.
إنّ لزوم وصف النبيّ بالعصمة في الموارد المذكورة نابعٌ من أنّ الخطأ في مثل هذه المجالات ملازمٌ للخطأ في مجال الاَحكام الدينيّة، وبالتالي فإنّ الخطأ في هذه الاَُمور والمجالات يَضُرُّ بثقةِ النّاس بشخص النبيّ، ويُوجب في المآل تَعَرُّضَ الغَرَض المنشُود للخَطَر، وان كان لُزوم العصمة في الصورتين الاَُولَيَين، أوضح من العصمة في الصورة الاَخيرة.
الاَنبياء مبرَّأون عن الاَمراض المنفّرة
إنّ من مراتب العصمة هي أن لا تكون في وجود الاَنبياء أُمور توجب تنفّر الناس وابتعادهم عنهم.
فكلُّنا يعلم بأنّ بعضَ الاَمراض والعاهات الجسمية، أو بعض الخصال الروحيّة، التي تنم عن دناءة الطبع، وخِسّة النفس توجب تنفّرَ النّاسِ وابتعادهم عنه.
ولهذا فإنّ على الاَنبياء أنّ يكونوا مُنَزَّهين عن العيوب الجسمية والروحيّة، لاَنّ تَنَفّرَ الناس من النبي، واجتنابَهم عنه ينافي الهدف من بعثهم، وهو إبلاغ الرسالات الاِلَهيّة بواسطة الاَنبياء إلى الناس.
كما أنّنا نُذَكِّرُ بأنَّ المراد من حكمِ العقل في هذا المجال هو الكشف عن حقيقة، هي أنّ على الله لكونه حكيماً أنّ يختارَ للنبوّة من يكون عارياً ومنزَّهاً عن مِثل هذه العيوب2.
دراسة الآيات الموهمة بدلالتهاعلى عدم العصمة
لقد عرفنا بِحُكمِ العقل القطعيّ، وقضاء القرآنِ الصَريح عصمة الاَنبياء، ولكن ثمّة في هذا الصعيد بضع آيات تحكي في بدو النظر عن صُدُور الذنب والمعصية عنهم (مثل الآيات الواردة حول النبي آدم وغيره) فما هو الحلّ في هذه الآيات؟
في البداية يجب أنّ نقول: إنّ من المُسَلَّم أنّه حيث لا تناقض في القرآن الكريم أبداً، وجب أنْ نهتدي في ضوءِ القرائن الموجودة في نفس الآيات إلى المراد الحقيقي فيها.
ولهذا فإنّ الروايةَ المخالفةَ لهذا الموضوع، لا أساس لها من الصحة فهي مرفوضة. ففي هذه الموارد لا يمكن أن يكونَ الظهور الاِبتدائيّ هو الملاك للحكم المُتسَرِّع.
ومن حُسن الحَظّ أنَّ كبار مفَسّري الشيعة ومتكلّميهم قاموا بدراسة هذه الآيات القرآنية، بل وأقدم بعضهم على تأليف كتب مستقلة في هذا المجال.
وحيث إنّ معالَجة هذه الآيات واحدة واحدةً لا تحتملُها هذه الرسالةُ فإنّنا نحيل القرّاء الكرام إلى الكتب المذكورة في الهامش3.
منشأ العصمة وسببها
يمكن انّ نلَخّص منشأ العصمة وسببها في أمرين
أ- إنّ الاَنبياء حيث إنّهم يتمتعون بمعرفةٍ واسعةٍ بالله سبحانه، لا يَستبدلون رضاه تعالى بشيءٍ مطلقاً.
وبِعبارةٍ أُخرى؛ انّ إدراكهم العميق للعظمة الاِلَهيّة وللجمالِ والكمال الاِلَهيّين يمنعهم من التوجّه إلى أيّ شيءٍ غير الحقّ تعالى، والتفكير في أيّ شيء غير الله سبحانه.
إنّ هذه المرتَبَة والدَّرَجة من المعرفة هي التي قال عنها الاِمامُ أميرُ المؤمنين عليُ بن أبي طالب عليه السلام: "ما رَأَيتُ شَيئاً إلاّ وَرَأَيْتُ اللهَ قبْلَهُ، وبَعْدَهُ ومَعَهُ"4.
وقال عنها الاِمام الصادقُ عليه السلام: "وَلكنِّي أعْبُدُهُ حُبّاً لَهُ فتلكَ عِبادةُ الكِرامِ"5.
ب: إنّ اطّلاع الاَنبياء الكامل على نتائج الطاعة وثمارها، وعلى آثار المعصية وتبعاتها السَيئة، هو سبب صيانتهم عن مخالفة الاَمر الاِلَهيّ.
على أنّ العصمة المطلقة مختصّة بثلَّة خاصّة من أولياء الله، إلاّ أنّ في إمكان بعض المؤمنين الاَتقياء أنْ يكونوا معصومين عن ارتكاب المعصية في قسم عظيمٍ من أفعالهم، فالفَرد المتّقي مثلاً، لا يُقدم على الاِنتحار، أو قتل الاَبرياء أبدا6.
بل وحتّى بعضُ الاَشخاص العاديّين يتمتعون بالعصمة عن بعض الذنوب، وللمثال لا يُقدمُ أيُّ شخص على لمس سلك كهربائي فعّال تجنباً من الصَعق بالتيار الكهربائي.
ومن البَيّن أنّ العصمة في هذه الموارد ناشىَ من العِلم القطعيّ بآثار عمله السيئة، فإذا كان مثل هذا العِلم حاصلاً للشخص في مجال تبعات الذنوب الخطيرة جداً أيضاً، كان ذلك موجباً حتماً لصيانة الشخص عن المعصية.
لاتنافي بين العصمة والاختيار
نَظَراً لمَنشأ العصمة نُذَكّر بأنّ العصمة لا تنافي إختيار المعصوم، وكونه حرّاً في إرادته، بل إنّ الشخصَ المعصومَ مع مَعرفته الكاملة بالله، وبآثار الطاعة والمعصية ونتائجهما، يمكنه أنّ يرتكب المعصية وإنْ لم يستخدم هذه القدرة، مثل الوالد الحنون الذي يقدر على قتل ابنه، ولكنّه لا يفعل ذلك أبَداً.
وأوضحُ من ذلك هو عدمُ صدور القبيح من الله تعالى، فإنَّ الله القادرَ المطلَق يمكنه أن يُدخلَ الصالحين المطيعين في جهنم، أو يُدخِل العاصِين في الجنة، إلاّ أنّ عدلَه وحكمته يمنعان من القيام بمثل هذا العمل.
ومِن هذا البيان يتضح أَنَّ تركَ المعصية والتزام الطاعة، والعبادة، يُعتبران مفخرة كبرى للاَنبياء، لاَنّهم مع كونهم قادرين على ترك الطاعة، وفعل المعصية، لا يفعلون ذلك اختياراً، وبإرادةٍ منهم.
العصمة لاتلازم النبوّة
نحن مع اعتقادنا بعصمة جميع الاَنبياء لا نرى أنّ العصمة تلازم النبوّة، أي أنّنا لا نرى أنّ كلَ معصومٍ هو نبيٌّ بالضرورةِ، وإنْ كان كلّ نبيٍّ معصوماً بالضرورة، فربّ إنسان معصومٌ ولكنّه ليس بِنبيّ، فها هو القرآنُ الكريم يقول حول السيدة مريم: ﴿يا مَرْيَمُ إنّ اللهَ اصْطفاكِ وَطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ العالَمِيْن﴾(آل عمران:42).
إنّ استخدامَ القرآن الكريم للفظة "الاصطفاء" في شأن السيّدة مريم عليها السلام يَدلُّ على عِصمتها لاَنّ نفسَ هذه اللَّفظة "الاِصطفاء" استخدمت في شأن الاَنبياء سلامُ الله عليهم أيضاً: ﴿إنّ الله اصْطَفى آدمَ ونُوحاً وآلَ إبراهيمَ وآلَ عِمرانَ عَلى العالَمِيْن﴾(آل عمران:33).
هذا مضافاً إلى أنّ الآية قد تحدَّثتْ حول طهارة السيدة مريم عليها السلام، والمقصود هو طهارتها من أيّ نوع من أنواع الرجْس، والمعصية، وليست هذه الطهارة والبراءة هو براءتها من الذنب الذي رَمَتْها اليهودُ به في مجال ولادة عيسى منها من دون والدٍ، لاَنّ تبرئة مريم من هذه المعصية ثبتت في الاَيّام الاَُولى لولادة عيسى عليه السلام بتكلُّمه ﴿فَأشارَتْ إليه...﴾(مريم:29). فلم تعُدْ حاجة إلى بيان ذلك مجدّداً.
إضف إلى ذلك أنّ الآية تتحدّث عن مريم قبل ان تحمل بالمسيح، حيث جاء حديث حملها له عبر هذه الآية فلاحظ.sigpic
- اقتباس
- تعليق
تعليق
تعليق