
عثمان بن عفان
ان تحريض عائشة على عثمان بن عفان أمر ثابت ومتظافر ذكرته المتون الحديثية والتأريخية واللغوية بتسالم ظاهر ، فقولها: ((اقتلوا نعثلاً فقد كفر)) أشهر من نار على علم ! ذكره الطبري في (تاريخه 3: 477) وهو أوثق الكتب التأريخية بشهادة الكثيرين , وابن الأثير في (كامله 3: 80 ، 100)، وابن الأثير صاحب (النهاية 5: 79), وابن منظور في (لسان العرب 11: 670), والزبيدي في (تاج العروس 8: 141) , وسبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص ص61، 64)، وابن قتيبة في (الإمامة والسياسة 1: 71، 72) , والحلبي في 0سيرته 3: 356), وابن اعثم في (الفتوح 1: 64).
وهذه العبارة الصادرة عن عائشة في حق عثمان هي فتوى صريحة في قتله وكفره، ومن هنا قال ابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح نهج البلاغة 6: 215): (( قال كل من صنف في السير والأخبار: إن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان حتى أنها أخرجت ثوباً من ثياب رسول الله (ص) فنصبته في منزلها وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله(ص) لم يبل وعثمان قد ابلى سنته قالوا: أول من سمى عثمان نعثلاً عائشة، وكانت تقول: اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً )). انتهى.
وقد فسر ابن الأثير والفيروز آبادي وابن منظور والزبيدي (النعثل) بالشيخ الأحمق، ونعثل يهودي كان بالمدينة قيل شبه به عثمان كما في التبصير، ونعثل رجل من أهل مصر كان طويل اللحية، قال أبو عبيد: كان يشبه عثمان.
ويمكنكم أيضاً لغرض متابعة تحريض السيدة على عثمان ان تراجعوا المصادر التالية وقول الصحابي الجليل عمار بن ياسر لعائشة: (( أنت بالأمس تحرضين عليه ثم أنت اليوم تبكينه )) في (طبقات ابن سعد 5: 25. أنساب البلاذري 5: 75، 91، تاريخ الطبري 5: 140، 166، 172، 176، الاستيعاب لابن عبد البر ترجمة الاحنف بن قيس، الإمامة والسياسة 1: 34، 46، 57، نهاية ابن الأثير 4: 166، أسد الغابة 3: 15، الكامل لابن الأثير 3: 87 ). وعليه فما ذكر في النص الذي نقله ابن عبد ربه في (العقد الفريد) عن العتبي ـ والذي أوردناه في الجواب المذكور ـ بأن عثمان قتل بسيف عائشة قول لا يجانب الحقيقة، بل أصاب كبدها وهي ظاهرة كالشمس في رابعة النهار لمن كان له عينين من بصر وبصيرة.
فلو كان الأمر على ما ظنّه القوم من صحّة هذا الحديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله), أو روايته في وقت عثمان لاحتجّ به على حاصريه في يوم الدار في استحلال دمه, وقد ثبت في الشرع حظر دماء أهل الجنان (الإفصاح: 73, تلخيص الشافي 3 / 241).
ثمّ ما الذي ثبّط سعيد بن زيد - راوي الحديث - والطلحتَين الناكثَين وسائر الأحياء من العشرة يومذاك عن نجدة وليّهم بحديث التبشير بالجنّة؟! ولمَ ضنّ به أولئك الرهط - لو كان - على صاحبهم, مع أنّه من أنجع ما يدرأ به الشرّ وتحسم به مادّة النزاع؟!
وعلامَ نبذوا ابن عفّان بعد مقتله ثلاثة أيّام ملقىً على المزبلة حتّى خرج به ناس يسير من أهله إلى حائط بالمدينة يقال له: (( حشّ كوكب )) كانت اليهود تدفن فيه موتاهم, فرجم المسلمون سريره ومنعوا الصلاة عليه, إلى غير ذلك ممّا هو مسطور في كتب السيَر والتواريخ في قصّة قتل عثمان (تاريخ الطبري 5 / 143 ـ 144, الاستيعاب -ترجمة عثمان-).
بل روى ابن عبد ربّه الأندلسي في (العقد الفريد 3/ 84) عن العتبي, قال: قال رجل من بني سليم: قدمت المدينة فلقيت سعد بن أبي وقّاص فقلت: يا أبا إسحاق, من الذي قتل عثمان؟ قال: قتله سيف عائشة وشحذه طلحة وسمّه عليّ, قلت: فما حال الزبير؟ قال: أشار بيده وصمت بلسانه. انتهى.
فلو أنّ شيئاً من تبشير عثمان بالجنّة كان قد ثبت عند الصحابة لَما ألّبوا عليه ولا كتبوا إلى الناس يستدعونهم لجهاده!
والمنصف المتأمّل لذلك يجزم بأنّ حديث التبشير لم يكن له إذ ذاك عين ولا أثر, وإنّما اختلق في دولة بني أميّة.
لو كان الحديث صحيحاً لما ثار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله - وفيهم الأتقياء البررة - على عثمان بن عفان حتى قتلوه، إذ كيف يثورون على رجل مشهود له بالجنة ويقتلونه؟!
تعليق