بسم الله الرحمن الرحيم
من نتائج التوكل على الله تعالى
الأول :الاستفادة من الطاقات المادية والمعنوية.من نتائج التوكل على الله تعالى
إنّ التوكل على الله يدفع الإنسان إلى أن يبذل قصارى جهده في الاستفادة من طاقاته المادية والمعنوية، بَيدَ أنه لا يعتمد عليها اعتماداً كلياً،بل يعتمد على الله تعالى باعتباره السبب الأقصى والنهائي لكل شيء،وقد جاء في بعض الأدعية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ما يُبين هذا الأمر، كماجاء في أدعية الرزق: ((اللهم يا سَبَبَ من لا سَبَبَله،يا سَبَبَ ُكل ذي سَبَبٍ،يا مُسَبِبَ الأسباب من غِير سَبَبٍ،سَببْ لي سَبَباً لن أستطيع لهُ طَلباً))ففي بعض الأحيان إذا أوصدت جميع الأبواب أمام الإنسان فسوف يجد باباً لا يُوصد أمامه وهو باب الله تعالى،القادر على إزالة الكرب وتفريج الملمة.
الثاني :الاطمئنان والاتزان والسكينة.
إنّ التوكل على الله يُحقق الاطمئنان والاتزان ـ الذي أشرنا إليه فيما تقدم ـ وذلك لأنّ التوكل على الله توأم مع ذكرالله تبارك وتعالى، فمن يتوكل على الله ويرى أنّ الأمور بيده تعالى،فهو ذاكر لله في كنه وجوده وفي سريرة نفسه، ولذا، يقول الله تعالى في الذكرالحكيم: {أَلاَبِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }،فالإنسان إذا بذل قصارى جهده مع السير بثبات من خلال توكله على الله يعيش الاتزان والاطمئنان والسكينة في خطواته.
الثالث :تحمل الصعاب واجتياز العقبات.
إنّ المتوكل على الله يستطيع أن يتحمل الصعاب ويجتاز العقبات الكبرى وأن يواجه أعتا القِوى في العالم من دون خوف، وذلك من خلال التوكل على الله بشرط أن يسير على وفق وطبق المنهج الإلهي، فإذا سار الإنسان على طبق الموازين الشرعية والإلهية معتمداً على نفسه ومتوكلاً على الله، فإنّ الصعاب والعقبات الكبرى تتضاءل أمام ناظريه إلى أن تتلاشى، وبالتالي يتحول ذلك المستحيل إلى ممكن، وذلك الممكن إلى واقع، وقد رأينا في سيرة الأنبياء والرسل، بل وحتى في سيرة الصالحين كيف استطاعوا بالاعتماد على ذواتهم، وبتفعيلهم لقدراتهم الذاتية مع توكلهم على الله تعالى أن يُحققوا الإنجازات الكبرى في التاريخ، فمن ينظر إلى سيرة موسى عليه السلام أو إبراهيم عليه السلام في مواجهة تلك القوه الهائلة وذلك الجبروت الكبير، وكذلك من ينظر إلى سيرة ذي القرنين يجد أنّ الاعتماد على النفس والتوكل على الله توأمان،أمكن بهما تحقيق تلكم الإنجازات
الكبرى.
الرابع :السيروفق المنهج الإلهي.
إنّ المتوكل على الله لابد أن يسير على وفق المنهج الإلهي، مع الأخذ بالأسباب الطبيعة الموصلة إلى النتائج – كما أشرنا إلى ذلك سابقاً – ولذا، نجد أنّ القران الكريم أشار مفصحاً وموضحاً لهذه النقطة بالذات، من خلال قوله تعالى : {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، وهذه الآية هي من غُرر وروائع القران الكريم، وكل آي القرآن الكريم غُرر وروائع، فنلاحظ في هذه الآية أنّ القرآن يأمر النبي(ص) كشرح لمنهج رباني عام أن يستشير ذوي الخبرة والاختصاص في المجالات المتعددة، كي يسير على وفق ما توصل إليه من الاستشارة، مع أننا نعتقد أنّ النبي(ص) هو الأعلم والأفضل والأكمل ولا يحتاج إلى أحدٍ سوى الله تعالى، كما أنالله تعالى يريد من ذلك أن يُؤسس منهجاً ربانياً في القرآن الكريم من خلاله يبلورهذا المفهوم العام، لأنّ المسار العام للإنسان الإلهي لابد أن يكون على وفق الاستفادة من الآخرين في تخصصاتهم وحقولهم العلمية المختلفة، وبالتالي، على الإنسان قبل أن يصل إلى المراحل الأخيرة والنهائية للعزم أن يستشير، كما أنه إذا وصل إلى مرحلة العزم والجزم والجزء الأخير من العلة النهائية ـ كما يُعبر عن ذلك العلماء ـلا يكتفي بذلك وحده، بل يحتاج أن يَقرُنَ ذلك بالتوكل على الله.
والآية عندما تقول: {وَشَاوِرْهُم فِي الأَمْرِ}، فلا يعني ذلك أنّ الإنسان يستشير أي شخص حتى لو كان لا يملك تجربة أو لا يحمل اختصاصاً ، بل الاستشارة تكون لذوي الخبرة وأصحاب الاختصاص، ولكنه مع ذلك لا يركن إلى الأسباب الظاهرية وحدها من دون أن يعتقد أنّ الله تعالى بيده جميع الأسباب وهو مسبب الأسباب - كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدم .
الخامس :عدم الغرور والتكبر .
وأيضاً من نتائج التوكل على الله أنّ الإنسان لا يُصاب بالغرور، ولا يعتريه الكبرياء مهماحقق من إنجازات، لأنه يرى أنّ تلكم الإنجازات الكبرى والعظيمة لم تتحقق من خلال ذاته وحدها، وإنما كانت بتوفيق ومعونة وتسديد من الباري تبارك وتعالى، وباعتباره يسير في صراط العبودية المستقيم فلا يُصاب بالغرور ولا تعتريه الكبرياء،لأنّ ذلك يُدلل على وجود مرض وحقارة في ذاته، لا تنسجم مع صراط العبودية ـ الذي أشرنا إليه ـوذلكما يوضحه الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، ولذا،يقول إمامنا الصادق عليه السلام: ((ما من رجل تكبّر أوتجبّر إلا لذلةٍ وجدها في نفسه ))، ويقول عليه السلام أيضاً))ما من أحدٍ يتيه( التيه هو الكبرياء مع اختيال )إلا من ذِلَةٍ يجدها في نفسه ((،وهذا الإنسان المؤمن الذي يسير في ذلك المسار الراشد ويُعلّم أبناءه على السير فيه،لا يجد ذِلَةً في نفسه بتوكله على الله ،{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
السادس :معرفة الحدود والقدرات والإمكانيات.
إنّ المتوكل على الله يعرف حدوده، ويدرس إمكانياته دراسةً متقنةً ومقننةً، وهذا يُدلل عليه ما أوضحناه فيما تقدم، غير أننا نشير إليه بتفصيل أكثر، فالإنسان إذا انطلق في قرارته من تهور ودون دراسة أو أقدم على فِعلٍ دون حكمة واستشارة فإنّ النتيجة لنتكون كما يصبو إليه.
وذلك بخلاف، ما لو انطلق من خلال معرفة الحدود والإمكانيات والدراسة الدقيقة والمتوازنة،ثم سار على وفق معرفته لقدراته وإمكانياته، فإنه سيصبح مورداً وموئلاً لتقديرواحترام المجتمع الذي يعيش في كنفه، وبالتالي سوف تتعزز ثقته بنفسه، وسوف يتمكن من التقدم إلى الأمام بخطواتٍ ملؤها الثبات والنجاح، يقول إمامنا أميرالمؤمنين عليه السلام موضحاً لهذا الأمر: (( من وقف عند قَدرِهِ أكرمه الناس))، ويقول عليه السلام: (( من تعدى حدَّه أهانه الناس))، (كتاب الغُرر للآمدي).
إذاً هذه النتائج تترتب على مسألة التوكل على الله، والمربي الناجح الذي يريد أن يُوصل أسرته إلى قمة الكمال لابد أن يُعزز في هذه الأسرة هاتين الجنبتين:
الأولى:الاعتمادعلى النفس بتفعيل الطاقات، والذي قلنا أنّ الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام تُشير إلى هذه الأمر بعنوان اليأس عما في أيدي الناس .
الثانية:هو أن يَقرُنَ الثقة بالنفس والاعتماد على ذاته بالتوكل على الله،حتى لا يُصاب باليأس أو يعتريه الغرور، بل يصل إلى شاطئ الأمان وساحل النجاة.
مما قرأت واعجبني
الكاتبة سلام الحاج
تعليق