طفل في الظلام
هناك وصوت ينادي من أعماق الوجود باحثاعن مسمع ومصغ يقرع أوتار إحساسه يأخذه إلى ذلك الإنسان الذي لم يبلغ الحلم والذيأخذت من جسده عمقا كأنه كهل ناهز التسعين عاما ... ولكنه طفل كوردة اشتد به العطشفي زحمة الماء وجوعا في عالم أخذت التخمة تملا الكروش المنفوخة مما لذ وطاب حتىفاض منها وتعفن فكرها وتحولت إلى وحوش كاسرة تدمر كل شئ حتى ذلك الطفل الذيالتقطته الجادة في تلك الدروب التي ملاها الرصاص من كل صوب والتي فقدبها الابتسامة وارتسمفي عينيه حزن عميق سال مع الدموع عند صباح ذلك اليوم المشؤوم عندما استيقظ من نومعميق بين اذرع أم تحضنه واعين أب كانت تحرسه ومزاح أخت صغيرة !! استيقظ على وصوتهز مضجعه ! انه صوت انفجارات ورائحة بارود وغبار يملا العيون حتى أمحى صورة ذلكالمكان قولا وشكلا من خارطة الوجود . انها انفجارات تاهت بها الأزقة وسقطت فيهاالجدران من شدتها !.... نظر الطفل ما حوله وجد أكوام من الأنقاض وبقايا ما يسمىبالأثاث الذي اعتاد عليه في تلك الغرفة نظر مليا إلى السقف الذي كان يحمل مروحة كهربائية قديمة يطرب الثكلى شدة صوتها وإنارة أصبح لا يرى سوى أسلاكها المتشابكة معما تبقى من أسلاك السقف وهي في النفس الأخير من الثبات وينهض ذلك الطفل وهو في اشدالذهول يتلفت إلى اليمين والشمال يبحث عن بيت اعتاد على رؤياه في كلصباح وتلك الابتسامة والصوت الدافئ الذي يناديه ولدي تعالى وتضمه إلى صدرها ثمتقبله في فاه وتحمله إلى الحمام لترسل على ذلك الوجه الصبيح قطرات من ماء كالندىالمتساقط في صباح يوم ربيعي على الأزهار لتزيدها جمالا وضياء متعاكسا مع ضوء الشمس. انه لايراه!! ثم اخذ يدور بفكره إلى تلك الضفائر الذهبية المشاكسة التي تجلسه رغم انفه تسحبالغطاء عنه وتهب ضاحكة بصوت جميل انه صوت الأخت الصغيرة التي كان لون وجنتيهابلوري آفاقا يحمل جمال القمر وعطر البنفسج وابتسامة الحياة الجميلة . انها غيرموجودة . ثم أطال النظر إلى ذلك الرف الجميل الذي اعتاد والده أن يضع عليه نقوده كلصباح قبل إن يخرج فلم يجده ! ولم يجد تلك النقود وصاحب النقود .. وضع الطفل يديهعلى وجهه مغمظا عينيه حتى لايرى ذلك المنظر المخيف !! صرخ من أعماقهونادى بصوت عال كاد أن يختنق أماه أماه !! فلم يجب أحد . ثم صاح أبي أبي أبي فلميجب أحد ثم صاح فاطمة . اختي فاطمة لم يجبه إلا الصدى وصوت الانفجارات الممتدة إلىكل أرجاء المدينة ...اخذ احمد ذلك الطفل الصغير يتجول بين الأنقاض . ثم فرّ علىوجهه في أزقة الحارة لا يعرف إلى أين يذهب وهو ينادي بصوت عال أمه وأباه وأختهو.......ولكن ؟ هل من يسمع ويجيب هل من يستطيع أن يمسح الدمعة من على وجنتيه ويضمهإلى صدره حتى يرسم الابتسامة على ثغره ويأخذ له بثأره من ذلك الغول ...لا . لا يوجد سوى سكارى ملؤ الدروب فاقدين البصر والبصيرة يسيرون مع الرياحالتي تقودهم إلى الجحيم .
ويبقىذلك الصوت ينادي وينادي حتى يصل إلى كل آفاق الوجود ويختلط ذلك الصوت بالدمالمذبوح في أرض الطفوف والذي روى بدم جيده المسفوح من الوريد عطش الماء ......... لكنهلم يروي عطش الثأر والظلم والغربــــة
تعليق