بسم الله الرحمن الرحيم
فقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام ((........يا أبا بصير إن فاطمة لتبكيه وتشهق، فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها، فيحرق أهل الارض فيكبحونها ما دامت باكية، ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة على أهل الارض فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة..........)) (1)
فان كان هناك مبررات لبكاء الاحياء فما هو مبرر بكاء الزهراء على ولدها عليهما الصلاة والسلام وهو معها في الجنة ثم ان الجنة ليس فيها حزن وبكاء فهي دار سعادة ورفاه ؟
ونحن في مقام الجواب لا ندعي ان ما سنطرحه هو الحق والواقع لعدم علمنا واحاطتنا بمقامات المعصومين صلوات الله عليهم وانما هي اطروحات تكفي لدفع الشبهة فنقول وعلى الله التكلان
ان الشبهة أخرى تطرح تفيد هذا السؤال : كيف يمكن لمن يتنعم بالجنة أن يكون حزينا؟
إن النعيم التام الذي لا يخالجه أي هم أو حزن هو من مختصات عالم الآخرة الأبدية التي تكون بعد الحساب، أما قبل ذلك فالأدلة تثبت أنه نعيم قد يطرأه ما يشوبه من المنغّصات، ولا أقل بالنسبة للصفوة من الخلق.
ويكفينا في إثبات هذا المطلب الروايات المتواترة إجمالا المروية من طرق السنة والشيعة والمثبتة لاطلاع النبي (ع) على أعمال العباد وتأثره بها، وخاصة الروايات المذكورة في قوله تعالى: ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون﴾(2)
وأكتفي منها مما جاء من طرقنا بما رواه الكليني بسند صحيح عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سمعته يقول: مالكم تسوؤن رسول الله(ص)؟! فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله وسروه».(3)
وفي كتب أهل السنة روى البزار عن عبد الله بن مسعود عن النبي (ص) أنه قال:
"إن لله ملائكة سياحين يبلغون عن أمتي السلام، قال: وقال رسول الله (ص): حياتي خير لكم تحدثون وتحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض عليَّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم".
قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. (4)
وقال ابن حجر العسقلاني:
" قال الطبري: ويؤيده ما قاله أبو هريرة: إن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم، ثم ساقه بإسناد صحيح إليه". (5)
وقال أيضا:
"ومنها حديث ابن مسعود رفعه: إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة، وحَّسنه الترمذي، وصحَّحه ابن حبان، وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ: "صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم عليَّ صلاة كان أقربهم مني منزلة"، ولا بأس بسنده". (6) والروايات المروية من طرق أهل السنة وإن لم تصرح بأن النبي (ص) إذا علم بأعمال الأمة فرح أو حزن إلا أنهما لازمان للحمد والاستغفار الصادرين منه، ويؤكد حزنه الرواية المعتبرة على علم النبي (ص) بعد موته بشهادة سبطه وحزنه عليه.
فقد روى الحاكم النيشابوري عن ابن عباس (رض) قال: «رأيت النبي (ص) فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم، فقلت: يا نبي الله ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم، قال: فأُحصى ذلك اليوم فوجدوه قتل قبل ذلك بيوم.»قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص. (7)
وروى قريبا منه أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير وعبد بن حميد في مسنده. (8)
وقال الهيثمي:
" رواه أحمد والطبراني ورجاله أحمد رجال الصحيح". وقال أحمد محمد شاكر في تعليقه على مسند أحمد: "إسناده صحيح". (9)
اذاً الزهراء في نشأة يتحقق فيها الحزن ثم ان هناك فائدة اخرى وهي اننا نرى في هذه الرواية ان شهقة الزهراء عليها السلام تتجلى وتظهر بشهيق جهنم ومن جهة اخرى ورد في سبب تسميتها بالزهراء عن أبي هاشم العسكري قال: سألت العسكري عليه السّلام: لم سمّيت فاطمة الزّهراء عليها السّلام؟
فقال: كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه السّلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّي.
وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله: وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زهر نورها لملائكة السماوات، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.
مما يشير الى تاثيرات كونية لافعالهم عليهم السلام فشهيق وزفير جهنم صورة اخرى من غضبهم وزهو الجنة تجلي لفرحهم عليهم الصلاة والسلام ولا غلو فيه فان العبد يتقرب الى الله بالفرائض حتى يكون سمعه وبصره ويده فهم تجليات اسماء الله تبارك وتعالى .
(1) البحار ج45 ص208.
(2) التوبة: 105.
(3) الكافي ج1 ص219 ح3.
(4) مجمع الزوائد ج9 ص24.
(5) فتح الباري ج3 ص123.
(6) فتح الباري ج11 ص144.
(7) المستدرك ج4 ص328 و398.
(8) مسند أحمد ج1 ص242، والمعجم الكبير ج3 ص110 وج12 ص143، منتخب مسند عبد بن حميد ص235.
(9) مجمع الزوائد ج9 ص194،مسند أحمد ج4 ص26 ح2165،
تعليق