الأحاسيس في القرآن الكريم
د. رحيم الساعدي
يعيش الانسان اليوم في جدب روحي وهو بحاجة ماسة الى الاحاسيس وتنميتها ، فالمسؤول الاول عن تصرفات السلوك الانساني هو العقل ولكنه لا يستطيع العيش او التصرف من دون احتكاك وتداخل مع جوانب تشكل إنسانية الإنسان وهي من دون شك الأحاسيس والمشاعر المختلفة ، فالعقل من دون تمييز المحبة مجرد مسطرة لقياس الاشياء ، ومن دون حنو وشفقة على الفقير والمتالم والحزين والجائع والغريب واليتيم سيكون عبارة عن كتلة من اللحم وليس نظاما معقدا من السلوكيات المحببة .
وفي القران يمكن التطرق بشكل عام الى موضوع قراني بين الفينة والاخرى كما هو واضح في سيرة الانبياء والصالحين واهل الجنة والنار من زاوية الاحساسات وهذا يشمل ايضا معالجة المفاهيم التي تشكل هذه الاحساسات مثل الخوف والمحبة والكراهية والحقد والاحساس بالجمال والالم والتكبر من زاوية لا متعالية ( وان كانت تصرفات الذوات العليا تلك تمثل المقاييس المثالية ) ومعنى اللامتعال هنا يؤشر الى النظر الى السلوك البشري فيه او الاحساس ،وسوف يكون ذلك من الزاوية الفكرية الفلسفية مع بعض التحليل النفسي .اما اهم سمات وخصائص هذا المنهج الجديد كما افهم انه يمثل :
•1. دعوة الى المجتمع بضرورة التراحم وموازنة الجانب العاطفي مع العقلي .
•2. اعتبار ان تناول الاحساسات في القران انما هي محاولة لإضفاء موضوع جديد الى المكتبة القرانية .
•3. في هذا المنهج دعوة الى استشعار المشاعر الانسانية العليا غير التقليدية للانبياء والاولياء والصالحين عن بعد .
•4. ان في ذلك تنمية للجانب الاخلاقي بمدح الاحساسات الحسنة وذم السيئة منها .
•5. ايضا هذا الموضوع هو مدخل لمناقشة الحالات والامراض والمفاهيم النفسية في القران الكريم .
•6. وفيه موعظة من تجنب الاخفاقات الحسية الانسانية السابقة وعدم تكرارها .
هذه بعض ملامح وغاية هذا المنهج ،وليس تحديدا مقصودا ان تكون قصة الصديق يوسف (ع)اول ما يمكن تناوله في هذا الصدد ،فنحن نجد أحاسيس أخرى عالية المضمون في قصة اولاد ادم ونوح واحاسيسهما مع ابنيهما الضالين وابراهيم واحساس متبادل مع ذبح ابنه وفي قصص موسى وامه واحساس بالفقدان والغربة وعيسى وامه واحساس بالخجل والحزن من اتهام المجتمع (عليهم كلهم وعلى نبينا صلوات الله ورحمته وبركاته ) .
ولكن ربما نكتفي حاليا بقصة الصديق يوسف في القران والتي تزخر بالتعابير الحسية المؤلمة والمفرحة والحاسدة والكائدة وغير ذلك وهي ايضا مشكلة الابن التي تتنوع في سيرة حياة ادم ونوح وابراهيم وام موسى وعيسى (عليهم السلام ) كما قلنا
ومن الاسئلة التي تبرز في قصة يوسف (ع)والتي تدل على مؤشر تفاعل الاحساسات ان يوسف كان جميلا ، خصه ابوه بالمحبة لذا مما سبب حقد اخوته عليه وغيرتهم منه .
•· ومن اولى الاحاسيس هو محبة يعقوب ليوسف و السبب في احساس ابيه ليس العاطفة العادية فيوسف (ع) طفل صغير وضعيف ، فقد امه وهو يتمتع بالبراءة والجمال كما انه وارث النبوة ،والصورة هنا تخص العقل بالاضافة الى الاحساسات المبني على العطف والمحبة الالهية ،ويقابل كل ذلك تحسس عال بالحقد والغيرة من اخوة يوسف ،وردة الفعل هذه شابهت ردة فعل قابيل تجاه اخيه .وربما يقال بان الحسد والحقد عبارة عن غرائز قد لا تنتمي الى الاحاسيس وهذا غير صحيح لان الفرد يحقد ويكره ويشعر بالغيرة ويتكبر من دون تحكيم العقل معتمد في ذلك على هذه الغرائز التي تنتمي الى الحس (الداخلي على الاقل )منها الى العقل .
•· احساس الغم والحزن والشفقة الذي الم بيعقوب (ع)اثر رؤية يوسف الخاصة بالكواكب ومعرفة البلاء المحدق بهذه الرؤية ،لهذا منعه من سردها ومع هذا فقد افشي السر .
•· احاسيس اخوة يوسف الشاذة التي يمكن حملها على الوهم فليس لها وجود واقعي ولا غاية نافعة او صادقة وقد ادت الى نتائج سيئة منها ا-الاعداد بخطة مرسومة للقتل ب-اقناع ابيهم ومن ثم استسلامه للقضاء الالهي ج- تعلمهم من ابيهم حيلة الذئب ،ويلاحظ ان افعال اخوة يوسف هي حسية غريزية تستند الى دافع الحسد والغيرة ،وكانت النتيجة انهم قاموا برمي اخيهم على الارض وضربه بقسوة ثم محاولة ذبحه وعدلوا عن ذلك باثر عاطفة احدهم فجردوه من قميصه ورموه في البئر وانتظروا كي يتاكدوا من موته!!!!من كل ذلك وبعد ان لطخوا قميص اخيهم بالدم ليقنعوا ابائهم بان الذئب اكله ،لا نجد احساسا بالندم او الذنب او بالشفقة والرافة والورع ونلاحظ ايضا غياب العقل وبروز الغرائز والاحاسيس السيئة .
وبشكل اعتراضي علينا التساؤل على سبيل الموعظة والرحمة ،كيف كان حال ابيه هوو يودعه ويبكي وقد البسه ثيابه واصلح شعره(كما تروي الروايات )وكيف اوصى اولاده بالحاح بحراسته واطعامه وسقيه والتظليل له من الشمس وحمله عند التعب ،وكيف كان شعور واحساس يوسف (ع)وهو يضرب او حينما ارادوا قتله او حيد تركه عند البئر وهو طفل صغير هل اختلفت مشاعره كطفل في تلك اللحظة مع قضية استيعابه للوحي الالهي الذي كان يقول له (لتنبئهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون ).
•· احساس زليخة المفرط وعقل يوسف (ع) الثابت .
مر يوسف بابتلاءات عديده لعل اشدها (كما افهم)بلاء زليخة،ومن الواضح ان صورة الجمال اليوسفي جعلها تفقد السيطرة (مع نسوة المدينة)على مشاعرها وعقلها ومركزها الاجتماعي ،ولقد ادى فقدان السيطرة على الاحاسيس الى ان على تعرض يوسف نفسها ثم هاجمته واتهمته وشكته وسجنته ،ولكن اليس هذا تنامي سريع ومتفجر ومتسلسل لتلك المشاعر ،انا اظنها( بالرغم من سوء استخدامها) مشاعر صادقة وانها لغرابه ان تحس امراة بهذا الجمال وهي لا ترتبط بصلة رحم مع الصديق بعكس اخوته الذين حاولوا قتله ،بل ان المراة شعرت بالندم كاحساس صادق منذ البداية وقالت الان حصحص الحق ،ومن جهة اخرى انت لاتجد مشاعر واحاسيس متفجرة لدى الصديق يوسف بالرغم من الاغراءات ،هذا لانه ملك عقله وكان احساسه مزيج من العزة بالكرامة والالم والحياء (برغم عدم ارتكابه ذنب ).
•· كان احساس يوسف في السجن مزيجا من الحزن والالم والبكاء ،وايضا احساس بالمحبة للناس في السجن وبعاطفة الرحمة تذكر ابيه وكانت ملكاته الرحيمة تتوزع على اعانة الضعيف والمريض في السجن ،وذلك يعني انه لم يتاثر بحالة الترف التي عاشها ولكنه احس بالضيق من السجن ولهذا قام بالدعاء والفرج .
•· وفي قصة يوسف جملة اخرى من الاحاسيس منها ا-احساس يوسف عند رؤية اخوته بعد 40 سنة ب-احساس اخوه الشقيق واحساسه باخيه عند رؤيته ج-احساس ابيه الذي اعتمد على حاسة شم عطره في القميص .ولا توجد صورة تعج بالمشاعرفي هذه القصة اكثر من التقاء يوسف بابيه وفيها ارتفع الحزن والبكاء والرحمة ،وهي صورة تدلل على قيمة المشاعر الانسانية واهميتها .
د. رحيم الساعدي
تعليق