فلسفتان تنازعان الإنسان .. الكفرُ والإيمان
رعد الدخيلي
منذ أن وجد الإنسان على الأرض تنازع لديه شعور بين كونه مخلوق معين ، أم مخلوق متطور . كما تنازعه شعور المصدر الذي جاء عنه .. هل هو الله أم الطبيعة !!؟ ومهما يكن المصدر ، فهو إما أن يكون المصدر هذا قوة عاقلة جبارة اسمها الله ، أو هي قوة الطبيعة الغير عاقلة ، وهذا رأيٌّ يتقاطع مع المنطق الفلسفي القائل : (فاقد الشيء لا يعطيه).. فكيف يتسنى لقوة الطبيعة الغير عاقلة أن تهب كل هذا الكون المتناهي بالدقة والتدبير والنظام الفلكي الرهيب ؟!!!
يقول أينشتين : لو استطعت أن أصنع جهازاً يكلم البكتريا وهي واقفة على شعرة من رأس إنسان ، أين أنت واقفة الآن؟ لأجابت : أنا واقفة على شجرة أصلها في الأرض وفرعها في السماء . هكذا أنا بالنسبة إلى معرفة الله !
ويقول باسكال: الكلمة التي تجحد الخالق تحرق شفتي ناطقها !
ويقول جاك كوستو عالم البحار الفرنسي الشهير : لقد أسلمت لأني جبت البحار والمحيطات ، أستكشف هذا العالم المجهول العجيب فوجدت آيات الله الباهرة فيه ، لأنه أبدعه الخالق سبحانه ، ثم وجدت في القرآن ما يؤكد هذه الآيات والمكتشفات التي لا يعلمها إلا الله ، والتي كشف العلم الحديث عن بعضها الآن، فكيف لرجل مثل محمد أن يعرف تلك الآيات ويدونها في كتابه ، إن كان قولكم في القرآن صحيحا؟ وأضاف: من تلك الحقائق العلمية التي جاء ذكرها في القرآن والتي أبهرتني: أنني اكتشفت وجود برزخ وحاجز بين البحرين حين يلتقيان في نقاط التماس ، في كل بحار العالم ومحيطاته ، وهو عبارة عن بحر ثالث يختلف عن البحرين الملتقيين ،فمثلا في مضيق جبل طارق ملتقى البحر المتوسط بالمحيط الأطلسي ، وفي مضيق باب المندب ملتقى البحر الأحمر بالبحر العربي والمحيط الهندي ، وجدت وشاهدت ذلك البرزخ والفاصل والحاجز بين البحرين ، شاهدته بنفسي وصورته وتفحصته وتجولت في أطرافه وأعماقه ، انه بحر آخر متفرد ومنفصل عن البحرين .. ببيئته وجوّه ومائه وملوحته وأسماكه وحيواناته ونباتاته البحرية ، وحرارته وضغطه وصفاته الفيزيائية والكيميائية ، لا يشابه أيا من البحرين.! إن هذا البحر الذي أشار إليه القرآن بوضوح ، له خصائصه التي يتفرد بها عن البحرين ، وهذا التفرد الذي قدّره الله سبحانه في كل شيء ، في الملوحة والكثافة وفي الأسماك وفي درجة الحرارة ، بل الأمواج والأسماك لا تدخل هذا الفاصل أبداً. وكان من المتوقع أن نجد اختلاط البحرين وامتزاجهما وتشابههما ، حسب نظرية الأواني المستطرقة المعروفة ، ولكننا وجدنا الحقيقة غير ذلك. فمن علـّم محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك الحقيقة العلمية الحديثة التي تعرفنا عليها واكتشفناها اليوم، يبدو أن محمداً لم يكن يركب الجمال بل كان يركب البحار بسفن متطورة في زمن لم يبلغ فيه الإنسان هذه الإمكانيات العلمية .. إنه الله.. الله سبحانه الذي علّمه بكل هذه الأسرار . لقد أرشدني أحد البحارة العرب من اليمن ، وأنا أبحر في باب المندب إلى نص في القرآن يشير إلى تلك الحقائق العلمية المذهلة ، ومنها الآيات التالية (( مرج البحرين يلتقيان . بينهما برزخ لا يبغيان ))(الرحمن:19ـ 20).
روجيه غارودي في كتابه (الإسلام دين المستقبل) يتحدث عن شمولية الإسلام :
( أظهر الإسلام شمولية كبرى في استيعابه لسائر الشعوب ذات الديانات المختلفة ، فقد كان أكثر الأديان شمولية في استقباله للناس الذين يؤمنون بالتوحيد ، وكان قبوله لأتباع هذه الديانات في داره منفتحاً على ثقافاتهم وحضاراتهم ، والمثير للدهشة أنه في إطار توجهات الإسلام استطاع العرب آنذاك .. ليس فقط ! إعطاء إمكانية تعايش تمازج لهذه الحضارات ، بل أيضا؛ إعطاء زخم قوي للإيمان الجديد : الإسلام ، فقد تمكن المسلمون في ذلك الوقت من تقبّل معظم الحضارات والثقافات الكبرى في الشرق وأفريقيا والغرب ، وكانت هذه قوة كبيرة وعظيمة له، وأعتقد أن هذا الانفتاح هو الذي جعل الإسلام قوياً ومنيعا)) .
وروجيه غارودي الذي ولد في فرنسا ـ مرسيليا17 تموز 1913 لأم كاثوليكية وأب ملحد، اعتنق البروتستانتية وهو في الرابعة عشر من عمره ، انظم إلى صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي ،وعين أستاذاً للفلسفة عام 1937، وفي عام 1945 عين نائباً في البرلمان الفرنسي، أصدر العديد من المؤلفات منذ عام 1946، نال درجة الدكتوراه الأولى عام 1953من جامعة السوربون عن النظرية المادية في المعرفة ، ثم حصل على درجة الدكتوراه الثانية عن الحرية عام 1954م من جامعة موسكو.أسس مركز الدراسات والبحوث الماركسية وكان مديراً له لمدة عشر سنوات .انتقد سياسة الإتحاد السوفيتي كثيراً .
كان عضواً في الحوار المسيحي ـ الشيوعي في الستينيات ، حاول أن يجمع بين الدين والشيوعية خلال عقد السبعينيات، وبدأ يميل إلى الإسلام خلال هذه المرحلة الفكرية لديه ، حتى أعلن إسلامه في عام 1982م، إلا أنه كان منتقداً للتيارات الإسلامية السلفية المعاصرة ، ويروى أنه تمذهب بالمذهب الجعفري حتى رحيله إلى الله مؤمناً بآخر أديانه السماوية في 13 حزيران 2012 بمدينة شنفيير الباريسية.
والحالة هذه ؛ ها نحن نرى صوت آذان الإسلام يتعالى عبر القناة البريطانية الرابعة .. الله أكبر .. أشهد أن محمداً رسول الله .. حي الصلاة .. إمساك .. يا مؤمنين إمساك !!!
الله ما أجملها !!؟
الإسلام الذي بدأ من أرض العرب بين الخيام والجمال يتعالى صوته من بين ناطحات السحاب، مردداً صداه على أمواج ليل نهر التايمز في قلب مدينة لندن .. عاصمة الإمبراطورية التي ما غابت الشمس عن مستعمراتها !!؟
هذا الإسلام العظيم الذي ختم الله به رسالات السماء ، وأنهى حواراته المقدسة مع مصطفي البشرية من الأنبياء ، تاركاً فيهم الثقلين ، إن تمسكت بهما البشرية فلن تظل أبدا .
الإسلام الجميل في أوربا .. وهذا هو الفيلسوف البريطاني برنارد شو الذي قالها في منتصف القرن الماضي :
ولقد تنبأت بأنَّ دينَ محمدٍ سيكون مقبولاً لدى أوربا غدا !..
نعم ؛ لقد تقبـّلت أوربا إسلامنا ، فهل تتقبل سلوكياتنا المنحرفة عن التنظير ؟!!
وإنَّ أية نظرية بلا تطبيق .. لا تتحول مفاهيمها إلى سلوك ، ماهي إلا نظرية عرجاء !
لقد فرح المسلمون بمطلع الستينيات عندما أعلن كاسيوس كلاي إسلامه ، ليكون محمد علي كلاي ، فهل يفرح محمد علي كلاي بنا ، وهل سيفرح روجيه غارودي بنا ، وهل سيفرح جاك كوستو بنا ؟!!!
أم إنهم جميعاً سيقولون : لقد وجدنا الإسلام ولم نجد المسلمين !
نعم ؛ سيأسفون على دين عظيم نزل على الأرض العرب الأقحاح ، ولم ينزل على أوربا مفجّرة الذرة !!!
وسيحمدون الله ؛ لأنهم عرفوا الإسلام من القرآن الكريم ، ولم يعرفوه من الإنسان اللئيم .. الذي يفجّر جسده العفن في مساجد الإسلام ، كيما يتعشى مع نبيِّ الرحمة الإلهية ، والنبيُّ وربـُّهُ منه براء !!!
على المرء أن يحفظ لأهله خصلتين هما :
أولاً : السمعة الطيبة
ثانياً : الأثر الحميد
وبغير هاتين الخصلتين ، حريٌّ به أن لا يكون ابنهم ، لأنَّ لأهل الحقِّ أهلٌ غيره .. في مشارق الأرض ومغاربها .. ما عزّوا على أرض العرب .
رعد الدخيلي
تعليق