قسر المصطلحات وتأويلها تأويلا مجازيا يخالف واقعها، تلك حرفة (المخادعة التدوينية) التي اصبحت ديدن بعض الكتّاب المخضرمين الذين عدوا ديمقراطية التحزب والانتخابات تنازعا على السلطة، ولنعتبر هذه الرؤيا ايضا حقا مشروعا لهم، لكن المطب الذي سقط فيه معظمهم - للأسف - هو التناقضات المريرة؛ كالتناقض الذي وقع فيه أحدهم وهو ينتقد الاحزاب الاسلامية العراقية بعدم وضوح برامجها السياسية، وبنفس الوقت ينتقد منهجها الذي يعني (الإسلام دين ودولة) ويجعل مرجعية هذا البرنامج الى السيد (حسن البنا) مؤسس حركة الاخوان المسلمين، إذ تحوّل العيب من الحركات السياسية الدينية ليصبح العيب في القراءة الماضوية للاسلام؛ حيث اعتبر ان اغلب تلك الاحزاب تحمل مفاهيم غير واقعية، موضحا ان ماضي الاسلام الآن هو غير واقعي، ويسبب الاحراج، والطريقة لفهم مبادئ الاسلام - حسب تعبيره - ستصبح مثار خلاف.
فالاستاذ الكاتب وقع في اول حيرة هي كيفية فهم الكاتب للاسلام، واشكالية مسألة عودة الخلافة، وهو يعلم ان ليس هناك حزب ديني عراقي يطالب برجعة الخلافة سوى حثالة النظم المستوردة، والإشكال الأهم حيث استند على النظم المسيطرة على الحكم تاريخيا، والتي اغتصبت الخلافة بتنويعات شكلية تبريرية بين من السقيفة إلى وصايا خاصة إلى مجالس شورى شكلية والبيعة العامة والاغتصاب السفياني للخلافة... واعتبر كل تلك النماذج هي نماذج اسلامية وراح يعد سلبية تلك الأنظمة على اساس انها دينية، واعتبر عبد الملك بن مروان رجل دولة بامتياز لكونه لم يكن رجل دين؛ اذ يرى الكاتب ان الدين والدنيا لا يجتمعان. ويرى العيب في فكر الحركات الدينية التي تريد ان تجمع بين الدين والدنيا...
إني لأعجب واعتقد ان الكاتب يعطي حرية الدهشة حيث ان الشعب العراقي عاش مأساة عقود من حروب همجية، واقتصاد سيئ، ودولة متهرئة، وعراق مشتت بسبب علمانية الحكام لا بسبب اسلاميتهم ودينهم فلماذا لا يعتبر ان ثمة عيب في العلمانية السياسية. والاحزاب السياسية العراقية وضحت منهجها بجميع مفردات الحكم؛ فاذا كان حكم الأغلبية مرفوضا، والمحاصصة مرفوضة، والانتخابات مرفوضة، والتشريع العام مرفوض، وكأن لا مجال للحكم سوى المنطق الانقلابي، والمؤامراة العسكرية... واما بعثرة الاتهامات وسوق الاسئلة العشوائية دون واقعية في عراق منح الجميع احترامه، وحق ممارسة شعائره، وحق تمثيله في المجلس النيابي.
ولهذا يبدو ان مشكلة هذا الكاتب مع الاسلام وليس مع التحزبات؛ فهو يرى ان العائق الآن هو القانون الإسلامي من حيث الميراث والتمليك والزي والعمل والوظيفة والمخالطة اثناء العمل حتى يبدو ان الاستاذ مهتم جدا في قضية المخالطة، لكونها تمثل روح التقدمية العالمية عنده. واستحكمت على عقله مسألة قيادة السيارات للنساء؛ وهل ثمة عراقية مُنعت من قيادة السيارات؟ ويرجع الى مسألة اهم تتعلق بالاقتصاد الإسلامي، وقضية المدخرات وفوائدها باعتبار ان رفع الربا سيسبب عجزا في اقتصاد البلد، ويحتار في كيفية تحصيل الضرائب، ويقصد الخمس والزكاة، ويطالبنا الكاتب بالتعمق والتفكر والاجتهاد والاستنارة بالعلوم فما علاقة الاسلام بشرعية الوراثة الاموية واليوم يستنهض الاسلام الهمم لبناء عراق شمولي يحترم الانتماءات وكافة الهويات.
تعليق