مُسْتَطَرٌ الثقافةِ في القرآن :2:
============== =
السَطرُ الثاني
=======
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
إنَّ إرتسام مفهوم الثقافة في أنماطها العامة والنظرية تَمثلاً في هذه الحياة
قد إرتبطَ بجذره الماهوي وهو ثَقِفَ الشيءَ ثَقْفاً وثِقافاً وثُقُوفةً: حَذَقَه.
قال : ابن السكِّيت: رجلٌ ثَقْفٌ لَقْفٌ إذا كان ضابِطاً لما يَحْوِيه قائماً به.
ويُقال: ثَقِفَ الشيءَ وهو سُرعةُ التعلم.
وقال : ابن دريد: ثَقِفْتُ الشيءَ حَذَقْتُه، وثَقِفْتُه إذا ظَفِرْتَ به.
وثَقُفَ الرجلُ ثَقافةً أي صار حاذِقاً ومنه الـمُثاقَفةُ
ورجلٌ ثَقِفٌ أَي ذو فِطْنةٍ وذَكاء، والمراد أَنه ثابت المعرفة بما يُحتاجُ إليه.
:لسان العرب:أبن منظور:مادة ثقف:
وهذا الجذرُ الماهوي لمفهوم الثقافة في تكوينها النظري والعام
قد أخذ بالإنشعاب بحكم التفرعات المُنتَجة عن الأصل
لتعطي في نهاية التشكلات والتفرعات والإنشعابات الكثيرة نسقاً ذهنيا وسلوكيا
يتوفر في كنهه على قدرٍ مُعتدٍ به من كل بابٍ باب
من العلم والفهم والمعرفة والإعتقاد والأخلاق وقيم المجتمع والآداب والوجدان الإنساني
والفطرة السليمة .
والقرآن الكريم قد لاحظَ ذلك الجذر الماهوي لمفهوم الثقافة بأصله وتفرعاته
ليحكيه بأدواته المُنتِجة والمُثمِرَة
مثلاً قال تعالى
{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }النحل78
ليعني بذلك أنَّ الثقافة في تكوينها إنما هي إكتساب وصيرورة
مما يدركه الإنسان بما منحه اللهُ تعالى إياه من وسائل تلقي المعرفة والإدراك
وهي السمع والأبصار والأفئدة (العقول)
ولن يتوقف إرشاد القرآن في ضرورة تكوين الإنسان لثقافته عند حد الجعل والمنح والتجهيز له
بوسائل المُثاقفة
لا بل إرتقى الإرشاد القرآني ليأخذ جانب الوعي مساراً ممنهجا وفاعلاً ومُجرباً ومُعتبرا
قال تعالى
{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ }الحاقة12
و يقصد القرآن بذلك أنَّ مجمل الوقائع الحياتية السالفة والحاضرة والقابلة
هي المعيار الرئيس الذي يُسهم وبقدر كبير في تكوين الوعي وهو أس الثقافة
ومن أدواته الجعليَّة كما هو في السمع والتلقي والحس والتعقل .
لذا جاءَ التحذير القرآني واضحاً ليضع المسؤولية كلها
على ما تتوفر عليه الثقافة من وسائل مجعولة وممنوحة للإنسان من الله تعالى .
قال تعالى
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }الإسراء36
ولاشكَّ أنَّ الثقافة إنما تُكتسب بالإتباع والطلب والإقتفاء
والقرآن الكريم كان دقيقاً جدا حتى في إنتقاء لفظة الإقتفاء هذه
والتي تعني إتباع أثر الشيء وبإختيار
ولكن حملَّ المُقتفي للآثار العامة المحسوسة والمُدركة مسؤولية الإقتفاء بعلم وفهم ودراية
ليرفض الإقتفاء والإلتقاط عن جهل في حَراك وكسب الثقافة .
مُؤسسِّاً بذلك لثقافة الإنتباه والأفاقيَّة الذهنية والتفكر قبل قبول الفكر وإقتفائه
مادحاً أهلها وواصفاً إيّاهم بأصحاب العقول اللبيّة
قال تعالى
فَبَشِّرْ عِبَادِ{17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{18} الزمر.
ولنلحظَ بعمق حتى صورة إستعمال لفظة السمع بإضافة تاء التفعيلة والتنشيط والتحفيز
وفرقٌ في المعنى والدلالة
بين (يسمعون) و (يستمعون )
فالسماع هو مجرد تلقي القول دون إعمال التفكر فيه وتعقله
فيكون ساذجاً وغير منتج .
بينما الإستماع هو تلقي القول مقروناً بإعمال التفكر فيه وتعقله لينتج موقفاً وخياراً صحيحا ومثمرا
قال تعالى
{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ }يونس42
إذاً يظهر من عرض القرآن الكريم لمفهوم تكوين الثقافة وصيرورتها وتمثلاتها وأدوات كسبها
أنَّ على الإنسان حينما يُريدُ أن يتمظهر بلون من ألوان الثقافة أن يتقن فن الكسب والتعاطي مع ما
حوله مُطلقا.
وأن يتثقف بوعي وعلم ودراية لا أن يتمثقف
أو يتظاهر بذلك دون أدنى معيار في الفهم والمعرفة والعلم .
وأن يكون قادراً على الأخذ بدليل وبرهان وهو العلم هنا
ليكون مسؤولاً عما يأخذه ويقتفيه
{ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة111
وللعلم إنَّ ثقافة (هاتوا برهانكم) قد تكررت في القرآن الكريم أربع مرات في سورة البقرة:111
وفي سورة الأنبياء/24/ وفي سورة النمل /14/ وفي سورة القصص :75:
وإذا ما وجدَ الإنسانُ المُعاصرُ ثمةَ ثقافة وبأفانين متعددة
قد إبتعدتْ عن جذور القيم والأخلاق والدين والعلم والآداب
فليدرك إنما هي ثقافة ضالة ومضلة قد نبعتْ من هوى الإنسان
وهي غير مُستجيبة لتعاليم اللهِ تعالى وتعاليم رسوله والمعصومين :عليهم السلام:
قال تعالى
{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }القصص50
{وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
============== =
السَطرُ الثاني
=======
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
إنَّ إرتسام مفهوم الثقافة في أنماطها العامة والنظرية تَمثلاً في هذه الحياة
قد إرتبطَ بجذره الماهوي وهو ثَقِفَ الشيءَ ثَقْفاً وثِقافاً وثُقُوفةً: حَذَقَه.
قال : ابن السكِّيت: رجلٌ ثَقْفٌ لَقْفٌ إذا كان ضابِطاً لما يَحْوِيه قائماً به.
ويُقال: ثَقِفَ الشيءَ وهو سُرعةُ التعلم.
وقال : ابن دريد: ثَقِفْتُ الشيءَ حَذَقْتُه، وثَقِفْتُه إذا ظَفِرْتَ به.
وثَقُفَ الرجلُ ثَقافةً أي صار حاذِقاً ومنه الـمُثاقَفةُ
ورجلٌ ثَقِفٌ أَي ذو فِطْنةٍ وذَكاء، والمراد أَنه ثابت المعرفة بما يُحتاجُ إليه.
:لسان العرب:أبن منظور:مادة ثقف:
وهذا الجذرُ الماهوي لمفهوم الثقافة في تكوينها النظري والعام
قد أخذ بالإنشعاب بحكم التفرعات المُنتَجة عن الأصل
لتعطي في نهاية التشكلات والتفرعات والإنشعابات الكثيرة نسقاً ذهنيا وسلوكيا
يتوفر في كنهه على قدرٍ مُعتدٍ به من كل بابٍ باب
من العلم والفهم والمعرفة والإعتقاد والأخلاق وقيم المجتمع والآداب والوجدان الإنساني
والفطرة السليمة .
والقرآن الكريم قد لاحظَ ذلك الجذر الماهوي لمفهوم الثقافة بأصله وتفرعاته
ليحكيه بأدواته المُنتِجة والمُثمِرَة
مثلاً قال تعالى
{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }النحل78
ليعني بذلك أنَّ الثقافة في تكوينها إنما هي إكتساب وصيرورة
مما يدركه الإنسان بما منحه اللهُ تعالى إياه من وسائل تلقي المعرفة والإدراك
وهي السمع والأبصار والأفئدة (العقول)
ولن يتوقف إرشاد القرآن في ضرورة تكوين الإنسان لثقافته عند حد الجعل والمنح والتجهيز له
بوسائل المُثاقفة
لا بل إرتقى الإرشاد القرآني ليأخذ جانب الوعي مساراً ممنهجا وفاعلاً ومُجرباً ومُعتبرا
قال تعالى
{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ }الحاقة12
و يقصد القرآن بذلك أنَّ مجمل الوقائع الحياتية السالفة والحاضرة والقابلة
هي المعيار الرئيس الذي يُسهم وبقدر كبير في تكوين الوعي وهو أس الثقافة
ومن أدواته الجعليَّة كما هو في السمع والتلقي والحس والتعقل .
لذا جاءَ التحذير القرآني واضحاً ليضع المسؤولية كلها
على ما تتوفر عليه الثقافة من وسائل مجعولة وممنوحة للإنسان من الله تعالى .
قال تعالى
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }الإسراء36
ولاشكَّ أنَّ الثقافة إنما تُكتسب بالإتباع والطلب والإقتفاء
والقرآن الكريم كان دقيقاً جدا حتى في إنتقاء لفظة الإقتفاء هذه
والتي تعني إتباع أثر الشيء وبإختيار
ولكن حملَّ المُقتفي للآثار العامة المحسوسة والمُدركة مسؤولية الإقتفاء بعلم وفهم ودراية
ليرفض الإقتفاء والإلتقاط عن جهل في حَراك وكسب الثقافة .
مُؤسسِّاً بذلك لثقافة الإنتباه والأفاقيَّة الذهنية والتفكر قبل قبول الفكر وإقتفائه
مادحاً أهلها وواصفاً إيّاهم بأصحاب العقول اللبيّة
قال تعالى
فَبَشِّرْ عِبَادِ{17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{18} الزمر.
ولنلحظَ بعمق حتى صورة إستعمال لفظة السمع بإضافة تاء التفعيلة والتنشيط والتحفيز
وفرقٌ في المعنى والدلالة
بين (يسمعون) و (يستمعون )
فالسماع هو مجرد تلقي القول دون إعمال التفكر فيه وتعقله
فيكون ساذجاً وغير منتج .
بينما الإستماع هو تلقي القول مقروناً بإعمال التفكر فيه وتعقله لينتج موقفاً وخياراً صحيحا ومثمرا
قال تعالى
{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ }يونس42
إذاً يظهر من عرض القرآن الكريم لمفهوم تكوين الثقافة وصيرورتها وتمثلاتها وأدوات كسبها
أنَّ على الإنسان حينما يُريدُ أن يتمظهر بلون من ألوان الثقافة أن يتقن فن الكسب والتعاطي مع ما
حوله مُطلقا.
وأن يتثقف بوعي وعلم ودراية لا أن يتمثقف
أو يتظاهر بذلك دون أدنى معيار في الفهم والمعرفة والعلم .
وأن يكون قادراً على الأخذ بدليل وبرهان وهو العلم هنا
ليكون مسؤولاً عما يأخذه ويقتفيه
{ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة111
وللعلم إنَّ ثقافة (هاتوا برهانكم) قد تكررت في القرآن الكريم أربع مرات في سورة البقرة:111
وفي سورة الأنبياء/24/ وفي سورة النمل /14/ وفي سورة القصص :75:
وإذا ما وجدَ الإنسانُ المُعاصرُ ثمةَ ثقافة وبأفانين متعددة
قد إبتعدتْ عن جذور القيم والأخلاق والدين والعلم والآداب
فليدرك إنما هي ثقافة ضالة ومضلة قد نبعتْ من هوى الإنسان
وهي غير مُستجيبة لتعاليم اللهِ تعالى وتعاليم رسوله والمعصومين :عليهم السلام:
قال تعالى
{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }القصص50
{وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
تعليق