العلامة المجلسي في البحار, أقول ذكر والدي & أنه رأى في كتاب عتيق، جمعه بعض محدثي أصحابنا في فضائل أمير المؤمنين × هذا الخبر ووجدته أيضاً في كتاب عتيق مشتمل على أخبار كثيرة قال روي عن محمد بن صدقة أنه قال سأل أبو ذر الغفاري سلمان الفارسي رضي الله عنهما يا أبا عبد الله ما معرفة الإمام أمير المؤمنين × بالنورانية؟
قال يا جندب فامضِ بنا حتى نسأله عن ذلك, قال فأتيناه فلم نجده قال فانتظرناه حتى جاء قال صلوات الله عليه: ما جاء بكما؟ قالا: جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانية قال صلوات الله عليه مرحبا بكما من وليين متعاهدين لدينه, لستما بمقصِّرَين لعمري إن ذلك الواجب على كل مؤمن ومؤمنة، ثم قال صلوات الله عليه: يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا أمير المؤمنين قال × إنه لا يستكمل أحدٌ الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفاً مستبصراً ومن قصَّر عن معرفة ذلك فهو شاكٌّ ومرتاب. يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا أمير المؤمنين قال ×: معرفتي بالنورانية معرفة الله عزَّ وجلّ ومعرفة الله عزَّ وجلّ معرفتي بالنورانية وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى عنه {وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}[1] يقول ما أمروا إلا بنبوة محمد | وهو دين الحنيفية المحمدية السمحة وقوله {يقيمون الصلاة}[2] فمن أقام ولايتي فقد أقام الصلاة وإقامة ولايتي صعبٌ مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، فالملك إذا لم يكن مقرباً لم يحتمله والنبي إذا لم يكن مرسلاً لم يحتمله والمؤمن إذا لم يكن ممتحناً لم يحتمله، قلت يا أمير المؤمنين من المؤمن وما نهايته وما حده حتى أعرفه؟ قال ×: يا أبا عبد الله قلت لبيك يا أخا رسول الله قال المؤمن الممتحن هو الذي لا يرِدُ من أمرنا إليه شيء إلا شرح صدره لقبوله ولم يشك ولم يرتب، إعلم يا أبا ذر أنا عبد الله عز وجل وخليفته على عباده لا تجعلونا أرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته فإن الله عز وجل قد أعطانا أكبر وأعظم مما يصفه وأصفكم أو يخطر على قلب أحدكم فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون. قال سلمان قلتُ يا أخا رسول الله ومن أقام الصلاة أقام ولايتك؟ قال: نعم يا سلمان تصديقُ ذلك قوله تعالى في الكتاب العزيز {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}[3] فالصبر رسول الله | والصلاة إقامة ولايتي فمنها قال الله تعالى {وإنها لكبيرة}[4] ولم يقل وإنهما لكبيرة لأن الولاية كبيرة حملها إلا على الخاشعين والخاشعون هم الشيعة المستبصرون، وذلك لأنَّ أهل الأقاويل من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبية يقرون لمحمد | ليس بينهم خلاف وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلا القليل وهم الذين وصفهم الله في كتابه العزيز فقال: {إنها لكبيرة إلا على الخاشعين}[5] وقال الله تعالى في موضع آخر في كتابه العزيز في نبوة محمد | وفي ولايتي فقال عز وجل {وبئر معطلة وقصر مشيد}[6] فالقصر محمد, والبئر المعطلة ولايتي, عطلوها وجحدوها ومن لم يقرّ بولايتي لم ينفعه الإقرار بنبوة محمد | إلا أنهما مقرونان, وذلك أن النبي | نبي مرسل وهو إمام الخلق وعلي من بعده إمام الخلق ووصي محمد | كما قال له النبي | أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي, وأولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيم كما قال الله تعالى: {وذلك دين القيمة}[7] وسأبين ذلك بعون الله وتوفيقه. يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك قال كنت أنا ومحمد نوراً واحداً من نور الله عز وجل فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أن يشق فقال للنصف كن محمداً وقال للنصف كن علياً فمنها قال رسول الله | علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا علي وقد وجه أبا بكر ببراءة إلى مكة فنزل جبرئيل × فقال يا محمد قال لبيك قال إن الله يأمرك أن تؤديها أنت أو رجل عنك فوجهني في استرداد أبي بكر فرددتُه فوَجَد في نفسه وقال يا رسول الله أنزل فيَّ القرآن؟ قال لا ولكن لا يؤدي إلا أنا أو علي، يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا أخا رسول الله قال ×: من لا يصلح لحمل صحيفة يؤديها عن رسول الله | كيف يصلح للإمامة؟! يا سلمان ويا جندب فأنا ورسول الله | كنا نوراً واحداً صار رسول الله | محمد المصطفى وصرت أنا وصيه المرتضى, وصار محمد الناطق وصرت أنا الصامت, وإنه لا بد في كل عصر من الأعصار أن يكون فيه ناطق وصامت, يا سلمان صار محمد المنذر وصرت أنا الهادي وذلك قوله عز وجل {إنما أنت منذر ولكل أمة هاد}[8] فرسول الله | المنذر وأنا الهادي، {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار * عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال * سواء منكم من أسرَّ القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار * له معقِّبات من بين يديه ومن خلفه يحفطونه من أمر الله}[9] قال فضرب × بيده على أخرى وقال: صار محمد صاحب الجمع وصرت أنا صاحب النشر, وصار محمد صاحب الجنة وصرت أنا صاحب النار أقول لها خذي هذا وذري هذا, وصار محمد | صاحب الرجفة وصرت أنا صاحب الهدة, وأنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني الله عز وجل علم ما فيه. نعم يا سلمان ويا جندب, وصار محمد {يس والقرآن الحكيم}[10] وصار محمد {ن والقلم}[11] وصار محمد {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}[12] وصار محمد صاحب الدلالات وصرت أنا صاحب المعجزات والآيات, وصار محمد خاتم النبيين وصرت أنا خاتم الوصيين وأنا الصراط المستقيم وأنا النبأ العظيم {الذي هم فيه مختلفون}[13] ولا أحد اختلف إلا في ولايتي. وصار محمد صاحب الدعوة وصرت أنا صاحب السيف وصار محمد نبياً مرسلا ًو صرت أنا صاحب أمر النبي | قال الله عزَّ وجلّ {يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده}[14] وهو روح الله لا يعطيه ولا يلقي هذا الروح إلا على ملك مقرب أو نبي مرسل أو وصي منتجب, فمن أعطاه الله هذا الروح فقد أبانه من الناس وفوض إليه القدرة وأحيا الموتى وعلم بما كان وما يكون وسار من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين وعلم ما في الضمائر والقلوب وعلم ما في السماوات والأرض, يا سلمان ويا جندب وصار محمد الذكر الذي قال الله عز وجل عنه {قد أنزل الله إليكم ذكراً رسولاً يتلو عليكم آيات الله}[15]، إني أعطيت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب واستودعت علم القرآن وما هو كائن إلى يوم القيامة ومحمد | أقام الحجة حجة للناس وصرت أنا حجة الله عز وجل, جعل الله لي ما لم يجعل لأحد من الأولين والآخرين لا لنبي مرسل ولا لملك مقرب. يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا أمير المؤمنين قال ×: أنا الذي حملت نوحاً في السفينة بأمر ربي وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربي وأنا الذي جاوزت بموسى بن عمران البحر بأمر ربي وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النار بإذن ربي وأنا الذي أجريت أنهارها وفجرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربي وأنا عذاب يوم الظلة وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان الجن والإنس وفهمه قوم إني لأسمع كل قوم الجبارين والمنافقين بلغاتهم وأنا الخضر عالم موسى وأنا معلم سليمان بن داود وأنا ذو القرنين وأنا قدرة الله عز وجل. يا سلمان ويا جندب أنا محمد ومحمد أنا وأنا من محمد ومحمد مني قال الله تعالى: {مرج البحر يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان}[16]. يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا أمير المؤمنين قال: إنَّ ميتنا لم يمت وغائبنا لم يغب وإن قتلانا لن يقتلوا، يا سلمان ويا جندب قالا لبيك صلوات الله عليك قال × أنا أمير كل مؤمن ومؤمنة ممن مضى وممن بقي وأيدت بروح العظمة وإنما أنا عبد من عبيد الله لا تسمونا أرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا ولا معشار العشر لأنا آيات الله ودلائله وحجج الله وخلفاؤه وأمناؤه وأئمته ووجه الله وعين الله ولسان الله بنا يعذب الله عباده وبنا يثيب ومن بين خلقه طهرنا واختارنا واصطفانا ولو قال قائل لِمَ؟! وكيف؟! وفيم؟! لكفر وأشرك لأنه لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون. يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك قال ×: من آمن بما قلت وصدق بما بينت وفسرت وشرحت وأوضحت ونورت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمُل ومن شك وعَند وجحد ووقف وتحير وارتاب فهو مقصر وناصب. يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك قال ×: أنا أحيي وأميت بإذن ربي وأنا أنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم بإذن ربي وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من أولادي × يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا لأنا كلنا واحد أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد فلا تفرقوا بيننا, ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا كرهنا كره الله الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا وما أعطانا الله ربنا لأن من أنكر شيئا مما أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عز وجل ومشيته فينا. يا سلمان ويا جندب قالا لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك قال ×: لقد أعطانا الله ربنا ما هو أجل وأعظم وأعلى وأكبر من هذا كله قلنا يا أمير المؤمنين ما الذي أعطاكم ما هو أعظم وأجل من هذا كله؟! قال: قد أعطانا ربنا عز وجل عِلمنا للاسم الأعظم الذي لو شئنا خرقت السماوات والأرض والجنة والنار ونعرج به إلى السماء ونهبط به الأرض ونغرب ونشرق وننتهي به إلى العرش فنجلس عليه بين يدي الله عز وجل ويطيعنا كل شيء حتى السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والجنة والنار أعطانا الله ذلك كله بالاسم الأعظم الذي علمنا وخصنا به ومع هذا كله نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق ونعمل هذه الأشياء بأمر ربنا ونحن عباد الله المكرمون الذين {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}[17] وجعلنا معصومين مطهرين وفضلنا على كثير من عباده المؤمنين فنحن نقول: {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}[18] {وحقت كلمة العذاب على الكافرين}[19] أعني الجاحدين بكل ما أعطانا الله من الفضل والإحسان. يا سلمان ويا جندب فهذا معرفتي بالنورانية فتمسك بها راشداً فإنه لا يبلغ أحد من شيعتنا حدَّ الاستبصار حتى يعرفني بالنورانية فإذا عرفني بها كان مستبصراً بالغاً كاملاً قد خاض بحراً من العلم وارتقى درجةً من الفضل واطلع على سرٍّ من سرِّ الله ومكنون خزائنه.[20] * الشيخ الكليني في الكافي, الحسين بن محمد, عن معلى بن محمد, عن علي بن مرداس قال: حدثنا صفوان ابن يحيى والحسن بن محبوب, عن أبي أيوب, عن أبي خالد الكابلي قال: سألت أبا جعفر × عن قول الله عز وجل{فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا}[21] فقال: يا أبا خالد النور والله الائمة من آل محمد | إلى يوم القيامة, وهم والله نور الله الذي أُنزل, وهم والله نور الله في السماوات وفي الارض, والله يا أبا خالد لنور الامام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار, وهم والله ينورون قلوب المؤمنين, ويحجب الله عز وجل نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم, والله يا أبا خالد لا يحبنا عبد ويتولانا حتى يطهر الله قلبه ولا يطهر الله قلب عبد حتى يُسلم لنا ويكون سلماً لنا فإذا كان سلماً لنا سلَّمه الله من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الاكبر.[22] * العلامة المجلسي في البحار, أحمد بن عبيد الله قال: حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن محمد الموصلي قال: أخبرني أبي, عن خالد, عن جابر بن يزيد الجعفي, وقال: حدثنا أبو سليمان أحمد قال: حدثنا محمد بن سعيد, عن أبي سعيد, عن سهل بن زياد قال: حدثنا محمد بن سنان, عن جابر بن يزيد الجعفي - في حديث طويل[23] - قال جابر للإمام زين العابدين ×: الحمد لله الذي مَّن علي بمعرفتكم وألهمني فضلكم ووفقني لطاعتكم, موالاة مواليكم ومعاداة أعدائكم. قال صلوات الله عليه: يا جابر أو تدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أولاً, ثم معرفة المعاني ثانياً, ثم معرفة الأبواب ثالثاً, ثم معرفة الأنام رابعاً, ثم معرفة الأركان خامساً, ثم معرفة النقباء سادساً, ثم معرفة النجباء سابعاً, وهو قوله تعالى {لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً}[24] وتلا أيضاً {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم}[25]. يا جابر إثبات التوحيد ومعرفة المعاني, أما إثبات التوحيد معرفة الله القديم الغائب الذي {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}[26] وهو غيب باطن ستدركه كما وصف به نفسه, وأما المعاني فنحن معانيه ومظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته, وفوض إلينا أمور عباده, فنحن نفعل بإذنه ما نشاء ونحن إذا شئنا شاء الله, وإذا أردنا أراد الله, ونحن أحلنا الله عز وجل هذا المحل واصطفانا من بين عباده وجعلنا حجته في بلاده, فمن أنكر شيئاً ورده فقد رد على الله جل اسمه وكفر بآياته وأنبيائه ورسله. يا جابر من عرف الله تعالى بهذه الصفة فقد أثبت التوحيد لأن هذه الصفة موافقة لما في الكتاب المنزل وذلك قوله تعالى {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}[27] {ليس كمثله شيء}[28] {وهو السميع العليم}[29] وقوله تعالى {لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون}[30]. قال جابر: يا سيدي ما أقل أصحابي!! قال ×: هيهات هيهات أتدري كم على وجه الأرض من أصحابك؟ قلت يا ابن رسول الله كنت أظن في كل بلدة ما بين المائة إلى المائتين وفي كل ما بين الألف إلى الألفين بل كنت أظن أكثر من مائة ألف في أطراف الأرض ونواحيه, قال ×: يا جابر خالف ظنك وقصِّر رأيك أولئك المقصرون وليسوا لك بأصحاب, قلت يا ابن رسول الله ومَن المقصر؟ قال: الذين قصروا في معرفة الأئمة وعن معرفة ما فرض الله عليهم من أمره وروحه, قلت يا سيدي وما معرفة روحه؟ قال: × أن يعرف كل من خصه الله تعالى بالروح فقد فوض إليه أمره يخلق بإذنه ويحيي بإذنه ويعلم الغير ما في الضمائر ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة, وذلك أن هذا الروح من أمر الله تعالى فمن خصه الله تعالى بهذا الروح فهذا كامل غير ناقص يفعل ما يشاء بإذن الله يسير من المشرق إلى المغرب في لحظة واحدة يعرج به إلى السماء وينزل به إلى الأرض ويفعل ما شاء وأراد, قلت يا سيدي أوجدني بيان هذا الروح من كتاب الله تعالى وإنه من أمر خصه الله تعالى بمحمد | قال نعم اقرأ هذه الآية {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا}[31] قوله تعالى {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه}[32] قلت فرج الله عنك كما فرجت عني ووفقتني على معرفة الروح والأمر, ثم قلت يا سيدي صلى الله عليك فأكثر الشيعة مقصرون وأنا ما أعرف من أصحابي على هذه الصفة واحداً, قال يا جابر فإن لم تعرف منهم أحداً فإني أعرف منهم نفراً قلائل يأتون ويسلمون ويتعلمون مني سرنا ومكنوننا وباطن علومنا, قلت إن فلان بن فلان وأصحابه من أهل هذه الصفة إن شاء الله تعالى وذلك أني سمعت منهم سراً من أسراركم وباطناً من علومكم ولا أظن إلا وقد كملوا وبلغوا قال يا جابر ادعهم غداً وأحضرهم معك. قال فأحضرتهم من الغد فسلموا على الإمام × وبجلوه ووقروه ووقفوا بين يديه فقال ×: يا جابر أما إنهم إخوانك وقد بقيت عليهم بقية أتقرون أيها النفر أن الله تعالى {يفعل ما يشاء}[33] و{يحكم ما يريد}[34] و{لا مُعقِّب لحكمه}[35] ولا راد لقضائه {ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون}[36] قالوا نعم {إن الله يفعل ما يشاء}[37] و{يحكم ما يريد}[38] قلت: الحمد لله قد استبصروا وعرفوا وبلغوا, قال يا جابر لا تعجل بما لا تعلم فبقيت متحيراً, فقال ×: سلهم هل يقدر علي بن الحسين أن يصير صورة ابنه محمد؟ قال جابر فسألتهم فأمسكوا وسكتوا, قال ×: يا جابر سلهم هل يقدر محمد أن يصير بصورتي؟ قال جابر فسألتهم فأمسكوا وسكتوا, قال فنظر إلي وقال يا جابر هذا ما أخبرتك أنهم قد بقي عليهم بقية فقلت لهم ما لكم ما تجيبون إمامكم؟! فسكتوا وشكوا فنظر إليهم وقال يا جابر هذا ما أخبرتك به قد بقيت عليهم بقية, وقال الباقر × ما لكم لا تنطقون فنظر بعضهم إلى بعض يتساءلون قالوا يا ابن رسول الله لا علم لنا فعلمنا قال فنظر الإمام سيد العابدين علي بن الحسين × إلى ابنه محمد الباقر × وقال لهم من هذا؟ قالوا ابنك, فقال لهم من أنا؟ قال أبوه علي بن الحسين قال فتكلم بكلام لم نفهم فإذا محمد بصورة أبيه علي بن الحسين وإذا علي بصورة ابنه محمد قالوا لا إله إلا الله!! فقال الإمام ×: لا تعجبوا من قدرة الله أنا محمد ومحمد أنا وقال محمد يا قوم لا تعجبوا من أمر الله أنا علي وعلي أنا وكلنا واحد من نور واحد وروحنا من أمر الله أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد وكلنا محمد قال فلما سمعوا ذلك خروا لوجوههم سجداً وهم يقولون آمنا بولايتكم وبسركم وبعلانيتكم وأقررنا بخصائصكم فقال الإمام زين العابدين يا قوم ارفعوا رؤوسكم فأنتم الآن العارفون الفائزون المستبصرون وأنتم الكاملون البالغون الله الله لا تطلعوا أحداً من المقصرين المستضعفين على ما رأيتم مني ومن محمد فيشنعوا عليكم ويكذبوكم قالوا {سمعنا وأطعنا}[39] قال ×: فانصرفوا راشدين كاملين فانصرفوا, [...] الخبر.[40] * السيد هاشم البحراني في مدينة المعاجز, أبو مخنف بإسناده عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: سألت رسول الله | عن مولد علي ×، قال: يا جابر، سألت عجيباً عن خير مولود! إعلم أن الله تعالى لما أراد أن يخلقني ويخلق علياً × قبل كل شيء خلق درة عظيمة أكبر من الدنيا عشر مرات، ثم إن الله تعالى استودعنا في تلك الدرة، فمكثنا فيها مائة ألف عام نسبح الله تعالى ونقدسه، فلما أراد إيجاد الموجودات نظر إلى الدرة بعين التكوين، فذابت وانفجرت نصفين، فجعلني ربي في النصف الذي احتوى على النبوة، وجعل علياً × في النصف الذي احتوى على الإمامة, ثم خلق الله تعالى من تلك الدرة مائة بحر، فمن بعضه بحر العلم، وبحر الكرم، وبحر السخاء، وبحر الرضا، وبحر الرأفة، وبحر الرحمة، وبحر العفة، وبحر الفضل، وبحر الجود، وبحر الشجاعة، وبحر الهيبة، وبحر القدرة، وبحر العظمة، وبحر الجبروت، وبحر الكبرياء، وبحر الملكوت، وبحر الجلال، وبحر النور، وبحر العلو، وبحر العزة، وبحر الكرامة، وبحر اللطف، وبحر الحكم، وبحر المغفرة، وبحر النبوة، وبحر الولاية، فمكثنا في كل بحر من البحور سبعة آلاف عام, ثم إن الله تعالى خلق القلم وقال له: اكتب, قال: وما أكتب يا رب؟ قالاكتب توحيدي، فمكث القلم سكران من قول الله عز وجل عشرة آلاف عام, ثم أفاق بعد ذلك، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله, فلما فرغ القلم من كتابة هذه الاسماء قال: رب ومن هؤلاء الذين قرنت اسمهما باسمك؟ قال الله تعالى: يا قلم، محمد نبيي وخاتم أوليائي وأنبيائي، وعلي وليي وخليفتي على عبادي وحجتي عليهم، وعزتي وجلالي لولاهما ما خلقتك ولا خلقت اللوح المحفوظ, ثم قال له: اكتب, قال: وما أكتب؟ قال: اكتب صفاتي وأسمائي، فكتب القلم، فلم يزل يكتب ألف عام حتى كلَّ وملَّ عن ذلك إلى يوم القيامة, ثم إن الله تعالى خلق من نوري السماوات والارض والجنة والنار والكوثر والصراط والعرش والكرسي والحجب والسحاب، وخلق من نور علي ابن أبي طالب الشمس والقمر والنجوم قبل أن يخلق آدم × بألفي عام, ثم إن الله تبارك وتعالى أمر القلم أن يكتب في كل ورقة من أشجار الجنة، وعلى كل باب من أبوابها وأبواب السماوات والارض والجبال والشجر: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله. ثم إن الله تعالى أمر نور رسول الله | ونور علي بن أبي طالب × أن يدخلا في حجاب العظمة، ثم حجاب العزة، ثم حجاب الهيبة، ثم حجاب الكبرياء، ثم حجاب الرحمة، ثم حجاب المنزلة، ثم حجاب الرفعة، ثم حجاب السعادة، ثم حجاب النبوة، ثم حجاب الولاية، ثم حجاب الشفاعة، فلم يزالا كذلك من حجاب إلى حجاب، فكل حجاب يمكثان فيه ألف عام, ثم قال: يا جابر، اعلم أن الله تعالى خلقني من نوره، وخلق علياً من نوري، وكلنا من نور واحد، وخلقنا الله تعالى ولم يخلق سماء ولا أرضاً ولا شمساً ولا قمراً ولاظلمة ولا ضياء ولا براً ولا بحراً ولا هواء، وقبل أن يخلق آدم × بألفي عام, ثم إن الله تعالى سبح نفسه فسبحنا، وقدس نفسه فقدسنا، فشكر الله لنا ذلك وقد خلق الله السماوات والارضين من تسبيحي، والسماء رفعها، والارض سطحها، وخلق من تسبيح علي بن أبي طالب الملائكة، فجميع ما سبحت الملائكة لعلي بن أبي طالب وشيعته إلى يوم القيامة، ولما نفخ الله الروح في آدم × قال الله: وعزتي وجلالي، لولا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدينا ما خلقتك, قال آدم ×: إلهي وسيدي ومولاي، هل يكونان مني أم لا؟ قال: بلى يا آدم، ارفع رأسك وانظر، فرفع رأسه فإذا على ساق العرش مكتوب لا إله إلا الله، محمد رسول الله نبي الرحمة، وعلي مقيم الحجة، من عرفهما زكى وطاب، ومن جهلهما لعن وخاب، ولما خلق الله آدم × ونفخ فيه من روحه نقل روح حبيبه ونبيه ونور وليه في صلب آدم ×, قال رسول الله |: أما أنا فاستقريت في الجانب الايمن، وأما علي بن أبي طالب × في الايسر، وكانت الملائكة يقفون وراءه صفوفاً, فقال آدم ×: يا رب لأي شيء تقف الملائكة ورائي؟ فقال الله تعالى: لأجل نور ولديك اللذين هما في صلبك محمد بن عبد الله وعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، ولولاهما ما خلقت الافلاك، وكان يسمع في ظهره التقديس والتسبيح, قال: يا رب اجعلهما أمامي حتى تستقبلني الملائكة، فحولهما تعالى من ظهره إلى جبينه، فصارت الملائكة تقف أمامه صفوفاً، فسأل ربه أن يجعلهما في مكان يراه، فنقلنا الله من جبينه إلى يده اليمنى, قال رسول الله |: أما أنا كنت في اصبعه السبابة، وعلي في اصبعه الوسطى، وابنتي فاطمة في التي تليها، والحسن في الخنصر، والحسين في الابهام. ثم أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم × فسجدوا تعظيماً وإجلالاً لتلك الاشباح، فتعجب آدم من ذلك فرفع رأسه إلى العرش، فكشف الله عن بصره فرأى نوراً فقال: إلهي وسيدي ومولاي، وما هذا النور؟! فقال: هذا نور محمد صفوتي من خلقي، فرأى نوراً إلى جنبه، فقال: إلهي وسيدي ومولاي، وما هذا النور؟! فقال: هذا نور علي بن أبي طالب × وليي وناصر ديني، فرأى إلى جنبهما ثلاثة أنوار، فقال: إلهي، وما هذه الانوار؟! فقال: هذا نور فاطمة، فطم محبيها من النار، وهذان نورا ولديهما الحسن والحسين، فقال: أرى تسعة أنور قد أحدقت بهم، فقيل: هؤلاء الائمة من ولد علي بن أبي طالب وفاطمة ‘ فقال: إلهي بحق هؤلاء الخمسة إلا ما عرفتني التسعة من ولد علي ×, فقال: علي بن الحسين، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق، ثم موسى الكاظم، ثم علي الرضا، ثم محمد الجواد، ثم علي الهادي، ثم الحسن العسكري، ثم الحجة القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين, فقال: إلهي وسيدي، إنك قد عرفتني بهم فاجعلهم مني، ويدل على ذلك {وعلم آدم الاسماء كلها}[41].[42] * العلامة المجلسي في البحار, روى الحسن بن سليمان الحلي من كتاب منهج التحقيق بإسناده عن محمد بن الحسين رفعه, عن عمرو بن شمر, عن جابر, عن أبي جعفر × قال قال: إن الله تعالى خلق أربعة عشر نوراً من نور عظمته قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا فقيل له: يا بن رسول الله عدهم بأسمائهم فمن هؤلاء الاربعة عشر نوراً؟ فقال: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين وتاسعهم قائمهم, ثم عدهم بأسمائهم ثم قال: نحن والله الأوصياء الخلفاء من بعد رسول الله |, ونحن المثاني التي أعطاها الله نبينا, ونحن شجرة النبوة ومنبت الرحمة ومعدن الحكمة ومصابيح العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سر الله, ووديعة الله جل اسمه في عباده, وحرم الله الاكبر وعهده المسؤل عنه, فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله ومن خفره فقد خفر ذمة الله وعهده, عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا, نحن الاسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا, ونحن والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه, إن الله تعالى خلقنا فأحسن خلقنا, وصورنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه على عباده ولسانه الناطق في خلقه, ويده المبسوطة عليهم بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه, وخزان علمه وتراجمة وحيه وأعلام دينه والعروة الوثقى والدليل الواضح لمن اهتدى, وبنا إثمرت الاشجار وأينعت الثمار وجرت الانهار ونزل الغيث من السماء ونبت عشب الارض, وبعبادتنا عبد الله, ولولانا ما عُرف الله, وأيم الله لولا وصية سبقت وعهد أُخذ علينا لقلت قولاً يعجب منه, أو يذهل منه الاولون والآخرون.[43] * العلامة المجلسي في البحار, روى جابر بن عبد الله قال: قلت لرسول الله |: أول شيء خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله أقساماً, فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم, وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم, وأقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله, ثم جعله أقساماً فخلق القلم من قسم, واللوح من قسم والجنة من قسم, وأقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله أجزاء فخلق الملائكة من جزء والشمس من جزء والقمر والكواكب من جزء, وأقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله, ثم جعله أجزاء فخلق العقل من جزء والعلم والحلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء, وأقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله, ثم نظر إليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول, ثم تنفست أرواح الانبياء فخلق الله من أنفاسها أرواح الأولياء والشهداء والصالحين.[44] * العلامة المجلسي في البحار, الحسين بن محمد بن سعيد، عن علي بن محمد بن شنبوذ، عن علي بن حمدون، عن علي بن حكيم الاودي، عن شريك، عن عبد الله بن سعد، عن الحسين بن علي، عن النبي | قال: أخبرني جبرئيل × لما أثبت الله تبارك وتعالى إسم محمد في ساق العرش قلت: يا رب هذا الاسم المكتوب في سرداق العرش أرى أعز خلقك عليك؟ قال: فأراه الله اثني عشر أشباحاً أبداناً بلا أرواح بين السماء والارض, فقال: يا رب بحقهم عليك إلا أخبرتني من هم؟ فقال: هذا نور علي بن أبي طالب، وهذا نور الحسن وهذا نور الحسين، وهذا نور علي بن الحسين، وهذا نور محمد بن علي، وهذا نور جعفر بن محمد، وهذا نور موسى بن جعفر، وهذا نور علي بن موسى، وهذا نور محمد بن علي، وهذا نور علي بن محمد, وهذا نور الحسن بن علي، وهذا نور الحجة القائم المنتظر، قال: فكان رسول الله | يقول: ما أحد يتقرب إلى الله عز وجل بهؤلاء القوم إلا أعتق الله رقبته من النار.[45] * إبن شاذان في الفضائل, مما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال دخلت يوماً على رسول الله | فقلت: يا رسول الله ارني الحق لأتصل به فقال: يا عبد الله لجّ[46] المخدع[47] قال فولجت المخدع وعلي بن أبي طالب يصلي وهو يقول في ركوعه وسجوده: اللهم بحق محمد عبدك ورسولك اغفر للخاطئين من شيعتي, فخرجت حتى أخبرتُ به رسول الله | فرأيته وهو يصلي ويقول: اللهم بحق علي ابن أبي طالب × عبدك اغفر للخاطئين من أمتي قال فأخذني هلع حتى غشي عليّ فرفع النبي | رأسه وقال يا ابن مسعود أكفر بعد إيمان؟ فقلت حاشا وكلا يا رسول الله | ولكني رأيت علياً يسأل الله تعالى بك ورأيتك تسأل الله به فلم أعلم أيكم أفضل عند الله! فقال |: اجلس فقال ابن مسعود فجلست بين يديه فقال لي اعلم ان الله تعالى خلقني وخلق علياً من نور عظمته قبل ان يخلق الخلق بألفي عام إذ لا تقديس ولا تسبيح ففتق نوري فخلق منه السموات والارض وإنّا والله أجلّ من السموات والارض, وفتق نور علي بن أبي طالب × فخلق منه العرش والكرسي وعلي بن أبي طالب أفضل من العرش والكرسي, وفتق نور الحسن فخلق منه اللوح والقلم والحسن أفضل من اللوح والقلم, وفتق نور الحسين فخلق منه الجنان والحور العين والحسين والله أجل من الجنان والحور العين, ثم أظلمت المشارق والمغارب فشكت الملائكة إلى الله تعالى ان يكشف عنهم تلك الظلمة فتكلم الله جل جلاله بكلمة فخلق منها روحاً ثم تكلم بكلمة فخلق من تلك الروح نوراً فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها أمام العرش فزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة الزهراء ولذلك سميت الزهراء لأن نورها زهرت به السموات. يا ابن مسعود إذا كان يوم القيامة يقول الله جل جلاله لعلي بن أبي طالب ولي أَدخلا الجنة من شئتما, وأَدخلا النار من شئتما وذلك قوله تعالى: {ألقيا في جهنم كل كفار عنيد}[48] فالكافر من جحد نبوتي والعنيد من جحد ولاية علي بن أبي طالب فالنار أمده والجنة لشيعته ومحبيه.[49] * السيد هاشم البحراني في مدينة المعاجز,الشيخ أبو جعفر الطوسي في مصباح الأنوار: عن أنس بن مالك, قال: صلى بنا رسول الله | في بعض الايام صلاة الفجر, ثم أقبل علينا بوجهه الكريم, فقلت: يا رسول الله إن رأيت ان تفسر لنا قول الله عز وجل: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً}[50] فقال |: أما النبيون فأنا, وأما الصديقون فأخي علي بن أبي طالب ×, وأما الشهداء فعمي حمزة, وأما الصالحون فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين. قال: وكان العباس حاضراً, فوثب وجلس بين يدي رسول الله | وقال: ألسنا أنا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من نبعة واحدة؟ قال: وكيف ذلك يا عم؟ قال العباس: لأنك تُعرّف بعلي وفاطمة والحسن والحسين دوننا, فتبسم النبي | وقال: أما قولك يا عم ألسنا من نبعة واحدة فصدقت, ولكن يا عم إن الله تعالى خلقني وعلياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الله تعالى آدم, حيث لا سماء مبنية, ولا أرض مدحية, ولا ظلمة ولا نور, ولا جنة ولا نار, ولا شمس ولا قمر. قال العباس: وكيف كان بدو خلقكم يا رسول الله؟ قال: يا عم لما أراد الله تعالى أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نوراً, ثم تكلم بكلمة فخلق منها روحاً, فمزج النور بالروح فخلقني, وأخي علياً, وفاطمة, والحسن, والحسين, فكنا نسبحه حين لا تسبيح, ونقدسه حين لا تقديس, فلما أراد الله تعالى أن يُنشئ الصنعة فتق نوري, فخلق منه العرش, فنور العرش من نوري, ونوري خير من نور العرش. ثم فتق نور أخي علي بن أبي طالب × فخلق منه نور الملائكة, فنور الملائكة من نور علي, فنور علي أفضل من الملائكة. ثم فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه نور السماوات والارض ونور ابنتي فاطمة من نور الله فنور ابنتي فاطمة أفضل من نور السماوات والارض, ثم فتق نور ولدي الحسن, فخلق منه نور الشمس والقمر, فنور الشمس والقمر من نور ولدي الحسن ونور الحسن من نور الله والحسن أفضل من الشمس والقمر, ثم فتق نور ولدي الحسين, فخلق منه الجنة, والحور العين, فنور الجنة والحور العين من نور ولدي الحسين, ونور ولدي الحسين من نور الله وولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين. ثم أمر الله الظلمات أن تمر على السموات فأظلمت السماوات على الملائكة, فضجت الملائكة بالتسبيح والتقديس, وقالت: إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا, وعرفتنا هذه الاشباح لم نر بؤساً, فبحق هذه الاشباح إلا كشفت عنا هذه الظلمة, فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة ÷ قناديل معلقة في بطنان العرش, فازهرت السماوات والارض, ثم أشرقت بنورها, فلأجل ذلك سميت الزهراء, فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر الذي قد أزهرت منه السماوات والارض؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة ابنة حبيبي, وزوجة وليي, وأخي نبيي وأبو حججي على عبادي في بلادي أشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم, وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها, ثم لمحبيها إلى يوم القيامة. فلما سمع العباس من رسول الله | ذلك وثب قائماً, وقبل بين عيني علي ×, وقال: والله يا علي أنت الحجة البالغة لمن آمن بالله تعالى.[51] * الشيخ الكليني في الكافي, أحمد بن إدريس, عن الحسين بن عبد الله الصغير, عن محمد بن إبراهيم الجعفري, عن أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب × عن أبي عبد الله × قال: إن الله كان إذ لا كان فخلق الكان والمكان وخلق نور الانوار الذي نورت منه الانوار وأجرى فيه من نوره الذي نورت منه الانوار وهو النور الذي خلق منه محمداً وعلياً, فلم يزالا نورين أولين, إذ لا شيء كُوِّن قبلهما, فلم يزالا يجريان طاهرين مطهرين في الاصلاب الطاهرة, حتى أفترقا في أطهر طاهرين في عبد الله وأبي طالب عليهم السلام.[52] * العلامة المجلسي في البحار, مروج الذهب للمسعودي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: إن الله حين شاء تقدير الخليقة, وذرء البرية, وإبداع المبدعات, نَصَب الخلق في صور كالهباء, قبل دحو الارض ورفع السماء, وهو في انفراد ملكوته, وتوحد جبروته, فأتاح نوراً من نوره فلمع, وقبساً من ضيائه فسطع, ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية, فوافق ذلك صورة نبينا محمد | فقال الله عز من قائل: أنت المختار المنتخب, وعندك أستودع نوري وكنوز هدايتي, ومن أجلك اسطح البطحاء وأرفع السماء, وأمزج الماء وأجعل الثواب والعذاب, والجنة والنار, وأنصب أهل بيتك بالهداية واوتيهم من مكنون علم ما لا يخفى عليهم دقيق, ولا يعيبهم خفي, وأجعلهم حجة على بريتي والمنبهين على علمي ووحدانيتي. ثم أخذ الله سبحانه الشهادة للربوبية, والاخلاص للوحدانية, فبعد أخذِ ما أخذ من ذلك شاء ببصائر الخلق انتخاب محمد, وأراهم أن الهداية معه, والنور له, والامامة في أهله تقديماً لسنة العدل, وليكون الإعذار متقدماً, ثم أخفى الله الخليقة في غيبة, وغيبها في مكنون علمه, ثم نصب العوالم, وبسط الزمان, ومرج الماء, وأثار الزبد, وأهاج الدخان, فطفى عرشه على الماء, وسطح الارض على ظهر الماء, ثم استجابهما إلى الطاعة, فأذعنتا بالاستجابة, ثم أنشاء الملائكة من أنوار نبوة قد ابتدعها, وأنوار اخترعها, وقرن بتوحيده نبوة نبيه محمد | فشهرت نبوته في السماء قبل بعثته في الارض. فلما خلق الله آدم أبان له فضله للملائكة, وأراهم ما خصه به من سابق العلم, من حيث عرفَهم عند استنبائه إياه أسماء الاشياء, فجعل الله آدم محراباً وكعبة وقبلة أسجد إليها الانوار والروحانيين والابرار, ثم نبه آدم على مستودعه وكشف له خطر ما ائتمنه على أن سماه إماماً عند الملائكة, فكان حظ آدم من الخبر إنبائه ونطقه بمستودع نورنا, ولم يزل الله تعالى يخبأ النور تحت الزمان إلى أن فصل محمداً | في طاهر القنوات فدعا الناس ظاهراً وباطناً, وندبهم سراً وإعلاناً, واستدعى التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل النسل ومن وافقه قبس من مصباح النور المتقدم اهتدى إلى سره, واستبان واضح أمره, ومن ألبسته الغفلة استحق السخطة لم يهتد إلى ذلك, ثم انتقل النور إلى غرائزنا, ولمع مع أئمتنا فنحن أنوار السماء وأنوار الارض, فينا النجاة, ومنا مكنون العلم وإلينا مصير الامور, وبنا تقطع الحجج, ومنا خاتم الائمة, ومنقذ الامة وغاية النور, ومصدر الأمور, فنحن أفضل المخلوقين, وأكمل الموجودين وحجج رب العالمين, فلتهنأ النعمة من تمسك بولايتنا وقبض عروتنا.[53]
تعليق