مكارم أخلاق وسيره وسنن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وما أدبه الله تعالى به فقد جاء فيه.الآيات آل عمران )فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ( الأنعام )قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ( الأعراف )خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ( التوبة )وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ( النحل )وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ( الكهف )فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً( وقال تعالى الكهف )فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً( طه )طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى( وقال تعالى طه )فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى( الشعراء )وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( النمل )وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ( إلى قوله تعالى )فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ( وقال تعالى النمل )إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ( العنكبوت )اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ( الروم )فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ( الأحزاب )وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا( فاطر )فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ( يس )وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ( إلى قوله تعالى )فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ( المؤمن )فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ( السجدة )وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( الزخرف )وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ( الأحقاف
)فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ( محمد )فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ( ق )فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ( إلى قوله تعالى) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ الطور وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ إِدْبارَ النُّجُومِ( القلم )ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ( إلى قوله تعالى )فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ( المعارج )فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا( الجن )قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً( المزمل )يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ ُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا( إلى قوله تعالى )إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ( المدثر )يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ( الدهر )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا( . - قال الطبرسي رحمه الله فَبِما رَحْمَةٍ ما زائدة مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ أي إن لينك لهم مما يوجب دخولهم في الدين وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا أي جافيا سيئ الخلق غَلِيظَ الْقَلْبِ أي قاسي الفؤاد غير ذي رحمة لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ لتفرق أصحابك عنك فَاعْفُ عَنْهُمْ ما بينك وبينهم وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ما بينهم وبيني وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ أي استخراج آرائهم واعلم ما عندهم واختلف في فائدة مشاورته إياهم مع استغنائه بالوحي على أقوال. أحدها أن ذلك على وجه التطييب لنفوسهم والتالف لهم والرفع من أقدارهم وثانيها أن ذلك ليقتدي به أمته في المشاورة ولا يرونها نقيصة كما مدحوا بأن أمرهم شُورى بَيْنَهُمْ. وثالثها أن ذلك لأمرين لإجلال أصحابه وليقتدي أمته به في ذلك. ورابعها أن ذلك ليمتحنهم بالمشاورة ليتميز الناصح من الغاش. وخامسها أن ذلك في أمور الدنيا ومكايد الحرب ولقاء العدو وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم فإذا عزمت أي فإذا عقدت قلبك على الفعل وإمضائه ورووا عن جعفر بن محمد وعن جابر بن يزيد فإذا عزمت بالضم فالمعنى إذا عزمت لك ووفقتك وأرشدتك فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي فاعتمد على الله وثق به وفوض أمرك إليه وفي هذه الآية دلالة على تخصيص نبينا ص بمكارم الأخلاق و محاسن الأفعال ومن عجيب أمره أنه كان أجمع الناس لدواعي الترفع ثم كان أدناهم إلى التواضع وذلك أنه (صلى الله عليه وآله) كان أوسط الناس نسبا وأوفرهم حسبا وأسخاهم وأشجعهم وأزكاهم وأفصحهم و هذه كلها من دواعي الترفع ثم كان من تواضعه أنه كان يرقع الثوب ويخصف النعل ويركب الحمار ويعلف الناضح ويجيب دعوة المملوك ويجلس في الأرض ويأكل في الأرض وكان يدعو إلى الله من غير زبر ولا كهر ولا زجر ولقد أحسن من مدحه في قوله فما حملت من ناقة فوق ظهرها. أبر وأوفى ذمة من محمد. وفي قوله تعالى قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ أي خزائن رحمته أو مقدوراته أو أرزاق الخلائق وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ الذي يختص الله تعالى بعلمه وإنما أعلم ما علمني وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ أي لا أقدر على ما يقدر عليه الملك فأشاهد من أمر الله وغيبه ما تشاهده الملائكة إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ يريد ما أخبركم إلا بما أنزل الله إلي. أقول الحاصل أني لا أقدر أن آتيكم بمعجزة وآية إلا بما أقدرني الله عليه و أذن لي فيه ولا أعلم شيئا إلا بتعليمه تعالى ولا أعلم شيئا من قبل نفسي إلا بإلهام أو وحي منه تعالى ولا أقول إني مبرأ من الصفات البشرية من الأكل والشرب وغير ذلك. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ أي ما عفا من أموال الناس أي ما فضل من النفقة فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شيء موقت ثم نزلت آية الزكاة فصار منسوخا بها وقيل معناه خُذِ الْعَفْوَ من أخلاق الناس واقبل الميسور منها وقيل هو العفو في قبول العذر من المعتذر وترك المؤاخذة بالإساءة وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ يعني بالمعروف وهو كل ما حسن في العقل أو الشرع وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ أي أعرض عنهم عند قيام الحجة عليهم والإياس من قبولهم ولا تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك وفي قوله تعالى وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ أي يستمع إلى ما يقال له ويصغى إليه ويقبله قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ أي يستمع إلى ما هو خير لكم وهو الوحي أو هو يسمع الخير ويعمل به ومنهم من قرأ أذن خير لكم بالرفع والتنوين فيهما فالمعنى أن كونه أذنا أصلح لكم لأنه يقبل عذركم ويستمع إليكم ولو لم يقبل عذركم لكان شرا لكم فكيف تعيبونه بما هو أصلح لكم يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي لا يضره كونه أذنا فإنه أذن خير فلا يقبل إلا الخير الصادق من الله ويصدق المؤمنين أيضا فيما يخبرونه ويقبل منهم دون المنافقين وقيل يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي يؤمنهم فيما يلقي إليهم من الأمان وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أي وهو رحمة لهم لأنهم إنما نالوا الإيمان بهدايته ودعائه إياهم. وفي قوله تعالى وَاصْبِرْ أي فيما تبلغه من الرسالة وفيما تلقاه من الأذى وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ أي بتوفيقه وتيسيره وترغيبه فيه وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أي على المشركين في إعراضهم عنك فإنه يكون الظفر والنصرة لك عليهم ولا عتب عليك في إعراضهم وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ أي لا يكن صدرك في ضيق من مكرهم بك وبأصحابك فإن الله يرد كيدهم في نحورهم. وفي قوله فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ أي مهلك وقاتل نفسك على آثارهم قومك الذين قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً تمردا منهم على ربهم إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أي القرآن أَسَفاً أي حزنا وتلهفا. وفي قوله تعالى فَلا تُمارِ فِيهِمْ أي فلا تجادل الخائضين في أمر الفتية وعددهم إِلَّا مِراءً ظاهِراً أي إلا بما أظهرنا لك من أمرهم أي إلا بحجة و دلالة وإخبار من الله سبحانه أو الأمراء يشهده الناس ويحضرونه فلو أخبرتهم في غير مرأى من الناس لكذبوا عليك ولبسوا على الضعفة فادعوا أنهم كانوا يعرفونه لأن ذلك من غوامض علومهم وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً أي لا تستخبر في أهل الكهف وعددهم من أهل الكتاب أحدا والخطاب له (صلى الله عليه وآله) والمراد غيره وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ فيه وجهان. أحدهما أنه نهي من الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله) أن يقول إني أفعل شيئا في الغد إلا أن يقيد ذلك بمشية الله تعالى فيقول إن شاء الله تعالى وفيه إضمار القول. وثانيهما أن قوله أَنْ يَشاءَ اللَّهُ بمعنى المصدر وتقديره ولا تقولن إني فاعل شيئا غدا إلا بمشية الله والمعنى لا تقل إني أفعل إلا ما يشاء الله ويريده من الطاعات وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ أي إذا نسيت الاستثناء ثم تذكرت فقل إن شاء الله وإن كان بعد يوم أو شهر أو سنة وقد روي ذلك عن أئمتنا (عليهم السلام) ويمكن أن يكون الوجه فيه أنه إذا استثنى بعد النسيان فإنه يحصل له ثواب المستثنى من غير أن يؤثر الاستثناء بعد انفصال الكلام في الكلام وفي إبطال الحنث وسقوط الكفارة في اليمين وقيل معناه واذكر ربك إذا غضبت بالاستغفار ليزول عنك الغضب وقيل إنه أمر بالانقطاع إلى الله تعالى ومعناه وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ شيئا بك إليه حاجة يذكره لك وقيل المراد به الصلاة والمعنى إذا نسيت صلاة فصلها إذا ذكرتها. قول يحتمل أن يكون الخطاب متوجها إليه (صلى الله عليه وآله) والمراد به غيره ويمكن أن يكون المراد بالنسيان الترك وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى. ثم قال في قوله وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً أي قل عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب إلى الرشد وأدل من قصة أصحاب الكهف. قوله تعالى طه ذهب أكثر المفسرين إلى أن معناه يارجل بلسان الحبشية أو النبطية وقيل هو من أسماء النبي (صلى الله عليه وآله) وقال الطبرسي روي عن الحسن أنه قرأ طه بفتح الطاء وسكون الهاء فإن صح فأصله طأ فأبدل من الهمزة هاء ومعناه طأ الأرض بقدميك جميعا فقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه فأنزل الله طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فوضعها وروي ذلك عن أبي عبد الله u وقال قتادة كان يصلي الليل كله ويعلق صدره
بحبل حتى لا يغلبه النوم فأمره الله سبحانه أن يخفف عن نفسه وذكر أنه ما أنزل عليه
الوحي ليتعب كل هذا التعب. قوله تعالى ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى قال البيضاوي ما أنزلناه عليك لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريش إذ ما عليك إلا
أن تبلغ أو بكثرة الرياضة وكثرة التهجد والقيام على ساق والشقاء شائع بمعنى التعب وقيل رد وتكذيب للكفرة فإنهم لما رأوا كثرة عبادته قالوا إنك لتشقى
بترك ديننا وإن القرآن أنزل عليك لتشقى به إِلَّا تَذْكِرَةً لكن تذكيرا وانتصابه على الاستثناء المنقطع لِمَنْ يَخْشى لمن في قلبه خشية ورقة يتأثر بالإنذار أو لمن علم الله منه أنه يخشى بالتخويف منه فإنه المنتفع به. قوله تعالى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قيل أي وصل وأنت حامد لربك على هدايته وتوفيقه أو نزهه عن الشرك وعن سائر ما يضيفون إليه من النقائص حامدا له على ما ميزك بالهدى معترفا بأنه المولى للنعم كلها قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعني الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِها يعني الظهر والعصر لأنهما في آخر النهار أو العصر وحده وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ ساعاته فَسَبِّحْ يعني المغرب والعشاء وقيل صلاة الليل وَأَطْرافَ النَّهارِ تكرير لصلاتي الصبح والمغرب إرادة الاختصاص أو أمر بصلاة الظهر فإنه نهاية النصف الأول من النهار وبداية النصف الأخير لَعَلَّكَ تَرْضى أي سبح في هذه الأوقات طمعا أن تنال عند الله مابه ترضى نفسك وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أي نظر عينيك إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ استحسانا وتمنيا أن يكون لك مثله أَزْواجاً مِنْهُمْ أصنافا من الكفرة زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا الزهرة الزينة والبهجة منصوب بمحذوف دل عليه متعنا أو به على تضمينه معنى أعطينا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ أي لنبلوهم ونختبرهم فيه أو لنعذبهم في الآخرة بسببه وَرِزْقُ رَبِّكَ وما ادخره لك في الآخرة أو ما رزقك من الهدى والنبوة خَيْرٌ مما منحهم في الدنيا وَأَبْقى فإنه لا ينقطع. وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ قال الطبرسي أي أهل بيتك وأهل دينك بالصلاة روى أبو سعيد الخدري قال لما نزلت هذه الآية كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر وقت كل صلاة فيقول الصلاة يرحمكم الله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ورواه ابن عقدة من طرق كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) وعن غيرهم مثل أبي بردة وأبي رافع. وقال أبو جعفر u أمره الله تعالى أن يخص أهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهله عند الله منزلة ليست للناس فأمرهم مع الناس عامة وأمرهم خاصة. وَاصْطَبِرْ عَلَيْها أي واصبر على فعلها وعلى أمرهم بها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً لخلقنا ولا لنفسك بل كلفناك للعبادة وأداء الرسالة وضمنا رزق جميع العباد نَحْنُ نَرْزُقُكَ الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله) والمراد به جميع الخلق أي نرزق جميعهم ولا نسترزقهم وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى أي العاقبة المحمودة لأهل التقوى. قوله تعالى وَ اخْفِضْ جَناحَكَ أي لين جانبك لهم مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد أن ينحط الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ أي إلى التهجد أو للإنذار وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ أي ترددك في تصفح أحوال المتهجدين كما روي أنه ص لما نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع من دندنتهم بذكر الله والتلاوة أو تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والركوع والسجود والقعود إذا أمهم. قال الطبرسي وقيل معناه وتقلبك في أصلاب الموحدين من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيا وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله u قالا في أصلاب النبيين نبي بعد نبي حتى أخرجه من
صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم. قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ أي سبب للانتهاء عن المعاصي حال الاشتغال بها وغيرها من حيث إنها
تذكر الله وتورث للنفس خشية منه أو
الصلاة الكاملة هي التي تكون كذلك فإن لم تكن كذلك فكأنها ليست بصلاة كما روى الطبرسي مرسلا عن أبي عبد الله u قال من أحب أن يعلم
أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر فبقدر ما منعته قبلت منه وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ أي ذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم
إياه بطاعته أو ذكر العبد لله في جميع الأحوال أكبر الطاعات أو أكبر في النهي عن الفحشاء و المنكر و سيأتي لها في كتاب الإمامة تأويلات أخر. قوله
تعالى فَاصْبِرْ أي على أذاهم إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ أي ولا يحملنك على الخفة والقلق الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ
بتكذيبهم. قوله تعالى وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً على سائر الأمم وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ تهييج له على ما هو عليه مخالفتهم وَدَعْ أَذاهُمْ أي إيذاءهم إياك ولا تحتفل به أو إيذاءك إياهم مجازاة ومؤاخذة على كفرهم ولذلك قيل إنه منسوخ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا موكولا إليه الأمر في الأحوال كلها قوله تعالى فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ أي فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم و إصرارهم على التكذيب إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ فيجازيهم عليه. قوله تعالى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ قال البيضاوي رد لقولهم إن محمدا شاعر أي ماعلمناه الشعر بتعليم القرآن فإنه غير مقفى ولا موزون و ليس معناه ما يتوخاه الشعراء من التخييلات المرغبة و المنفرة وَما يَنْبَغِي لَهُ وما يصح له الشعر ولا يتأتى له إن أراد قرضه على ما اختبرتم طبعه نحوا من أربعين سنة و قوله :-وقوله:- اتفاقي من غير تكلف وقصد منه إلى ذلك وقد يقع مثله كثيرا في تضاعيف المنثورات على أن الخليل ما عد المشطور من الرجز شعرا وروي أنه حرك الباءين كسر التاء الأولى بلا إشباع وسكن الثانية وقيل الضمير للقرآن أي وما يصح للقرآن أن يكون شعرا. وفي قوله تعالى وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وأقبل على أمر دينك وتدارك فرطاتك بترك الأولى والاهتمام بأمر العدى بالاستغفار فإنه تعالى كافيك في النصر وإظهار الأمر وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ ودم على التسبيح والتحميد لربك وقيل صل لهذين الوقتين إذ كان الواجب بمكة ركعتان بكرة وركعتان عشاء. وفي قوله تعالى وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ أي في الجزاء وحسن العاقبة ادْفَعْ أي السيئة حيث اعترضتك بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ منها وهي الحسنة أو بأحسن ما يمكن رفعها به من الحسنات فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ أي إذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق وَمايُلَقَّاها أي هذه السجية وهي مقابلة الإساءة بالإحسان إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا فإنها تحبس النفس عن الانتقام وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ من الخير وكمال النفس وقيل الحظ العظيم الجنة وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ أي نخس شبه به وسوسته لأنها بعث على ما لا ينبغي كالدفع بما هو أسوأ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من شره ولا تطعه إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاستعاذتك الْعَلِيمُ بنيتك أو بصلاحك. وفي قوله تعالى وَقِيلِهِ عطف على الساعة أي وقول الرسول فَاصْفَحْ عَنْهُمْ فأعرض عن دعوتهم آيسا عن إيمانهم وَقُلْ سَلامٌ تسلم منكم ومتاركة فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ تسلية للرسول وتهديد لهم. وفي قوله تعالى وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ أي لكفار قريش بالعذاب فإنه نازل بهم في وقته لا محالة كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ استقصروا من هوله مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة بَلاغٌ أي هذا الذي وعظتم به أو هذه السورة كفاية أو تبليغ من الرسول (صلى الله عليه وآله). قوله تعالى فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ قال الطبرسي رحمه الله أي أقم على هذا العلم واثبت عليه و قيل يتعلق بما قبله أي إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا إله إلا الله أي يبطل الممالك عند ذلك فلا ملك ولا حكم لأحد إلا الله وقيل إن هذا إخبار بموته أي فاعلم أن الحي الذي لا يموت هو الله وحده وقيل إنه (صلى الله عليه وآله) كان ضيق الصدر من أذى قومه فقيل له فاعلم أنه لا كاشف لذلك إلا الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ الخطاب له والمراد به الأمة وقيل المراد به الانقطاع إلى الله تعالى فإن الاستغفار عبادة يستحق به الثواب وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ أي متصرفكم في أعمالكم في الدنيا ومصيركم في الآخرة إلى الجنة أو إلى النار وقيل متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات وَمَثْواكُمْ أي مقامكم في الأرض وقيل مُتَقَلَّبَكُمْ من ظهر إلى بطن وَمَثْواكُمْ في القبور وقيل متصرفكم بالنهار و مضجعكم بالليل. وقال البيضاوي في قوله تعالى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي نزهه عن العجز عما يمكن والوصف بما يوجب التشبيه حامدا له على ما أنعم عليك من إصابة الحق وغيرها قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ يعني الفجر والعصر وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ أي وسبحه بعض الليل وَأَدْبارَ السُّجُودِ وأعقاب الصلاة وقيل المراد بالتسبيح الصلاة فالصلاة قبل الطلوع الصبح وقبل الغروب الظهر والعصر ومن الليل العشاءان والتهجد وَأَدْبارَ السُّجُودِ النوافل بعد المكتوبات وقيل الوتر بعد العشاء. وقال الطبرسي رحمه الله وَأَدْبارَ السُّجُودِ فيه أقوال أحدها أن المراد به الركعتان بعد المغرب وَإِدْبارَ النُّجُومِ الركعتان قبل الفجر عن علي والحسن بن علي (عليهما السلام). وثانيها أنه التسبيح بعد كل صلاة. وثالثها أنه النوافل بعد المفروضات. ورابعها أنه الوتر من آخر الليل وروي ذلك عن أبي عبد الله u. قوله تعالى وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ قال البيضاوي أي بمسلط تقسرهم على
الإيمان أو تفعل بهم ما تريد وإنما أنت داع. وفي قوله تعالى وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ بإمهالهم وإبقائك في عنائهم فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا في حفظنا بحيث نراك ونكلؤك وَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ عن أي مكان قمت أو من منامك أو إلى الصلاة وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ فإن العبادة فيه أشق على النفس وأبعد عن الرئاء وَإِدْبارَ النُّجُومِ
وإذا أدبرت النجوم من آخر الليل. وقال الطبرسي رحمه الله يعني الركعتين قبل صلاة الفجر وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله u. وقال
البيضاوي في قوله تعالى ن من أسماء الحروف وقيل اسم الحوت والمراد به الجنس أو اليهموت وهو الذي عليه الأرض أو الدواة فإن بعض الحيتان يستخرج
منه شيء أسود يكتب به. وقال الطبرسي روي مرفوعا إلى النبي ص قال هو نهر في الجنة قال الله له كن مدادا فجمد وكان أبيض من اللبن وأحلى من
الشهد ثم قال للقلم اكتب فكتب القلم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة عن أبي جعفر الباقر u. وَالْقَلَمِ قال البيضاوي هو الذي خط اللوح أو الذي يخط به أقسم به لكثرة فوائده وَما يَسْطُرُونَ وما يكتبون و الضمير للقلم بالمعنى الأول على التعظيم أو بالمعنى الثاني على إرادة الجنس وإسناد الفعل إلى الآلة وإجرائه مجرى أولي العلم لإقامته مقامه أو لأصحابه أو للحفظة وما مصدرية أو موصولة ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ جواب القسم و المعنى ما أنت بمجنون منعما عليك بالنبوة وحصافة الرأي وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً على الاحتمال أو الإبلاغ غَيْرَ مَمْنُونٍ مقطوع أو ممنون به عليك من الناس فإنه تعالى يعطيك بلا توسط وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ إذ تحتمل من قومك ما لا يحتمله أمثالك فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ أيكم الذي فتن بالجنون والباء مزيدة أو بأيكم الجنون على أن الْمَفْتُونُ مصدر أو بأي الفريقين منكم الجنون أ بفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين أي في أيهما من يستحق هذا الاسم فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ يونس إِذْ نادى في بطن الحوت وَهُوَ مَكْظُومٌ مملو غيظا في الضجرة فتبتلي ببلائه. وقال الطبرسي رحمه الله إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ أي على دين عظيم وقيل معناه أنك متخلق بأخلاق الإسلام وعلى طبع كريم وقيل سمي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه ويعضده ما روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وقال (صلى الله عليه وآله) أدبني ربي فأحسن تأديبي وقال وأخبرني السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني عن أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن الضحاك بن مزاحم قال لما رأت قريش تقديم النبي (صلى الله عليه وآله) عليا u وإعظامه له نالوا من علي u وقالوا قد افتتن به محمد (صلى الله عليه وآله) فأنزل الله تعالى ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ قسم أقسم الله به ما أَنْتَ يا محمد
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ يعني القرآن إلى قوله بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهم النفر الذين قالوا ما قالوا وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ علي بن أبي طالب
u. وقال البيضاوي في قوله تعالى مُلْتَحَداً أي منحرفا وملتجئا إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ استثناء من قوله لا أَمْلِكُ فإن التبليغ إرشاد وإنفاع أو من مُلْتَحَداً ورِسالاتِهِ عطف على بَلاغاً مِنَ اللَّهِ. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ في الأمر بالتوحيد إذ الكلام فيه حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ في الدنيا كوقعة بدر أو في الآخرة قُلْ إِنْ أَدْرِي أي ما أدري أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً غاية يطول مدتها كأنه لما سمع المشركون حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ قالوا متى يكون إنكارا فقيل قل إنه كائن لا محالة و لكن لا أدري وقته فَلا يُظْهِرُ فلا يطلع عَلى غَيْبِهِ أَحَداً أي على الغيب المخصوص به علمه إِلَّا مَنِ ارْتَضى يعلم بعضه حتى يكون له معجزة مِنْ رَسُولٍ بيان لمن. فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ من بين يدي المرتضى وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً حرسا من الملائكة يحرسونه من اختطاف الشياطين وتخاليطهم لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا أي ليعلم النبي الموحى إليه أن قد أبلغ جبرئيل والملائكة النازلون بالوحي أو ليعلم الله أن أبلغ الأنبياء بمعنى ليتعلق علمه به موجودا رِسالاتِ رَبِّهِمْ كما هي محروسة عن التغيير وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ بما عند الرسل وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً حتى القطر والرمل وفي قوله تعالى يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ أي قم إلى الصلاة أو داوم عليها إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ الاستثناء من الليل ونصفه بدل من قليلا وقلته بالنسبة إلى الكل والتخيير بين قيام النصف والزائد عليه كالثلثين والناقص عنه كالثلث أو نصفه بدل من الليل والاستثناء منه و الضمير في منه وعليه للأقل من النصف كالثلث فيكون التخيير بينه وبين الأقل منه كالربع والأكثر منه كالنصف أو للنصف والتخيير بين أن يقوم أقل منه على البت وأن يختار أحد الأمرين من الأقل والأكثر أو الاستثناء من أعداد الليل فإنه عام والتخيير بين قيام النصف والناقص عنه والزائد عليه وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا اقرأه على تؤدة وتبيين حروف بحيث يتمكن السامع من عدها إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا يعني القرآن فإنه لما فيه من التكاليف الشاقة ثقيل على المكلفين أو رصين لرزانة لفظه ومتانة معناه أو ثقيل على المتأمل فيه لافتقاره إلى مزيد تصفية للسر وتحديد للنظر أو ثقيل في الميزان أو على الكفار والفجار أو ثقيل تلقيه لقول عائشة رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فينفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقا إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ إن النفس التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة من نشأ من مكانه إذا نهض أو قيام الليل على أن الناشئة له أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث أو ساعات الليل فإنها تحدث واحدة بعد أخرى أو ساعاتها الأول من نشأت إذا ابتدأت هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً أي كلفة أو ثبات قدم وَأَقْوَمُ قِيلًا وأسد مقالا أو أثبت قراءة لحضور القلب وهدوء الأصوات إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا تقلبا في مهامك و اشتغالا بها فعليك بالتهجد فإن مناجات الحق تستدعي فراغا وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ودم على ذكره ليلا ونهارا وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا وانقطع إليه بالعبادة وجرد نفسك عما سواه رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ خبر محذوف أو مبتدأ خبره لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا مسبب عن التهليلة فإن توحده بالألوهية يقتضي أن توكل إليه الأمور وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ من الخرافات وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا بأن تجانبهم وتداريهم ولا تكافيهم وتكل أمرهم إلى الله كما قال وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ دعني وإياهم وكل إلى أمرهم أُولِي النَّعْمَةِ أرباب التنعم يريد صناديد قريش وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا زمانا أو إمهالا إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ استعار الأدنى للأقل لأن الأقرب إلى الشيء أقل بعدا منه ونصفه وثلثه عطف على أدنى. وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ويقوم ذلك جماعة من أصحابك وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يعلم مقادير ساعاتهما كما هي إلا الله عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ أي لن تحصوا تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات فَتابَ عَلَيْكُمْ بالترخيص في ترك القيام المقدور ورفع التبعة فيه فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل عبر عن الصلاة بالقراءة كما عبر عنها بسائر أركانها قيل كان التهجد واجبا على التخيير المذكور فعسر عليهم القيام به فنسخ به ثم نسخ هذا بالصلوات الخمس أو فاقرءوا القرآن بعينه كيفما تيسر عليكم عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى استئناف يبين حكمة أخرى مقتضية للترخيص والتخفيف ولذلك كرر الحكم مرتبا عليه وقال وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ والضرب في الأرض ابتغاء للفضل أو المسافرة للتجارة وتحصيل العلم. يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أي المتدثر وهو لابس الدثار وسيأتي القول فيه قُمْ من مضجعك أو قم قيام عزم وجد فَأَنْذِرْ مطلق للتعميم أو مقدر بمفعول دل عليه قوله وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وخصص ربك بالتكبير وهو وصفه بالكبرياء عقدا وقولا وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ من النجاسات فإن التطهير واجب في الصلاة محبوب في غيرها وذلك بغسلها أو بحفظها عن النجاسة كتقصيرها مخافة جر الذيول فيها وهو أول ما أمر به من رفض العادات المذمومة أو طهر نفسك من الأخلاق والأفعال الذميمة أو فطهر دثار النبوة عما يدنسه من الحقد و الضجر وقلة الصبر وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ واهجر العذاب بالثبات على هجر ما يؤدي إليه من الشرك وغيره من القبائح وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ولا تعط مستكثرا نهى عن الاستغزار وهو أن يهب شيئا طامعا في عوض أكثر نهي تنزيه أو نهيا خاصا به (صلى الله عليه وآله) أو لا تمنن على الله بعبادتك مستكثرا إياها أو على الناس بالتبليغ مستكثرا به الأجر منهم أو مستكثرا إياه وَلِرَبِّكَ و لوجهه أو أمره فَاصْبِرْ فاستعمل الصبر أو فاصبر على مشاق التكاليف وأذى المشركين. وفي قوله تعالى وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً أي كل واحد من مرتكب الإثم الداعي لك إليه ومن الغالي في الكفر الداعي إليه وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا أي وداوم على ذكره أو دم على صلاة الفجر والظهر والعصر فإن الأصيل يتناول وقتيهما وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وبعض الليل فصل له ولعل المراد به صلاة المغرب والعشاء وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا و تهجد له طائفة طويلة من الليل.([1])[1]- بحار الأنوار ج : 16 ص : 195 - 214
)فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ( محمد )فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ( ق )فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ( إلى قوله تعالى) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ الطور وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ إِدْبارَ النُّجُومِ( القلم )ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ( إلى قوله تعالى )فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ( المعارج )فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا( الجن )قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً( المزمل )يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ ُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا( إلى قوله تعالى )إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ( المدثر )يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ( الدهر )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا( . - قال الطبرسي رحمه الله فَبِما رَحْمَةٍ ما زائدة مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ أي إن لينك لهم مما يوجب دخولهم في الدين وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا أي جافيا سيئ الخلق غَلِيظَ الْقَلْبِ أي قاسي الفؤاد غير ذي رحمة لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ لتفرق أصحابك عنك فَاعْفُ عَنْهُمْ ما بينك وبينهم وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ما بينهم وبيني وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ أي استخراج آرائهم واعلم ما عندهم واختلف في فائدة مشاورته إياهم مع استغنائه بالوحي على أقوال. أحدها أن ذلك على وجه التطييب لنفوسهم والتالف لهم والرفع من أقدارهم وثانيها أن ذلك ليقتدي به أمته في المشاورة ولا يرونها نقيصة كما مدحوا بأن أمرهم شُورى بَيْنَهُمْ. وثالثها أن ذلك لأمرين لإجلال أصحابه وليقتدي أمته به في ذلك. ورابعها أن ذلك ليمتحنهم بالمشاورة ليتميز الناصح من الغاش. وخامسها أن ذلك في أمور الدنيا ومكايد الحرب ولقاء العدو وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم فإذا عزمت أي فإذا عقدت قلبك على الفعل وإمضائه ورووا عن جعفر بن محمد وعن جابر بن يزيد فإذا عزمت بالضم فالمعنى إذا عزمت لك ووفقتك وأرشدتك فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي فاعتمد على الله وثق به وفوض أمرك إليه وفي هذه الآية دلالة على تخصيص نبينا ص بمكارم الأخلاق و محاسن الأفعال ومن عجيب أمره أنه كان أجمع الناس لدواعي الترفع ثم كان أدناهم إلى التواضع وذلك أنه (صلى الله عليه وآله) كان أوسط الناس نسبا وأوفرهم حسبا وأسخاهم وأشجعهم وأزكاهم وأفصحهم و هذه كلها من دواعي الترفع ثم كان من تواضعه أنه كان يرقع الثوب ويخصف النعل ويركب الحمار ويعلف الناضح ويجيب دعوة المملوك ويجلس في الأرض ويأكل في الأرض وكان يدعو إلى الله من غير زبر ولا كهر ولا زجر ولقد أحسن من مدحه في قوله فما حملت من ناقة فوق ظهرها. أبر وأوفى ذمة من محمد. وفي قوله تعالى قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ أي خزائن رحمته أو مقدوراته أو أرزاق الخلائق وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ الذي يختص الله تعالى بعلمه وإنما أعلم ما علمني وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ أي لا أقدر على ما يقدر عليه الملك فأشاهد من أمر الله وغيبه ما تشاهده الملائكة إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ يريد ما أخبركم إلا بما أنزل الله إلي. أقول الحاصل أني لا أقدر أن آتيكم بمعجزة وآية إلا بما أقدرني الله عليه و أذن لي فيه ولا أعلم شيئا إلا بتعليمه تعالى ولا أعلم شيئا من قبل نفسي إلا بإلهام أو وحي منه تعالى ولا أقول إني مبرأ من الصفات البشرية من الأكل والشرب وغير ذلك. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ أي ما عفا من أموال الناس أي ما فضل من النفقة فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شيء موقت ثم نزلت آية الزكاة فصار منسوخا بها وقيل معناه خُذِ الْعَفْوَ من أخلاق الناس واقبل الميسور منها وقيل هو العفو في قبول العذر من المعتذر وترك المؤاخذة بالإساءة وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ يعني بالمعروف وهو كل ما حسن في العقل أو الشرع وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ أي أعرض عنهم عند قيام الحجة عليهم والإياس من قبولهم ولا تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك وفي قوله تعالى وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ أي يستمع إلى ما يقال له ويصغى إليه ويقبله قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ أي يستمع إلى ما هو خير لكم وهو الوحي أو هو يسمع الخير ويعمل به ومنهم من قرأ أذن خير لكم بالرفع والتنوين فيهما فالمعنى أن كونه أذنا أصلح لكم لأنه يقبل عذركم ويستمع إليكم ولو لم يقبل عذركم لكان شرا لكم فكيف تعيبونه بما هو أصلح لكم يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي لا يضره كونه أذنا فإنه أذن خير فلا يقبل إلا الخير الصادق من الله ويصدق المؤمنين أيضا فيما يخبرونه ويقبل منهم دون المنافقين وقيل يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي يؤمنهم فيما يلقي إليهم من الأمان وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أي وهو رحمة لهم لأنهم إنما نالوا الإيمان بهدايته ودعائه إياهم. وفي قوله تعالى وَاصْبِرْ أي فيما تبلغه من الرسالة وفيما تلقاه من الأذى وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ أي بتوفيقه وتيسيره وترغيبه فيه وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أي على المشركين في إعراضهم عنك فإنه يكون الظفر والنصرة لك عليهم ولا عتب عليك في إعراضهم وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ أي لا يكن صدرك في ضيق من مكرهم بك وبأصحابك فإن الله يرد كيدهم في نحورهم. وفي قوله فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ أي مهلك وقاتل نفسك على آثارهم قومك الذين قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً تمردا منهم على ربهم إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أي القرآن أَسَفاً أي حزنا وتلهفا. وفي قوله تعالى فَلا تُمارِ فِيهِمْ أي فلا تجادل الخائضين في أمر الفتية وعددهم إِلَّا مِراءً ظاهِراً أي إلا بما أظهرنا لك من أمرهم أي إلا بحجة و دلالة وإخبار من الله سبحانه أو الأمراء يشهده الناس ويحضرونه فلو أخبرتهم في غير مرأى من الناس لكذبوا عليك ولبسوا على الضعفة فادعوا أنهم كانوا يعرفونه لأن ذلك من غوامض علومهم وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً أي لا تستخبر في أهل الكهف وعددهم من أهل الكتاب أحدا والخطاب له (صلى الله عليه وآله) والمراد غيره وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ فيه وجهان. أحدهما أنه نهي من الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله) أن يقول إني أفعل شيئا في الغد إلا أن يقيد ذلك بمشية الله تعالى فيقول إن شاء الله تعالى وفيه إضمار القول. وثانيهما أن قوله أَنْ يَشاءَ اللَّهُ بمعنى المصدر وتقديره ولا تقولن إني فاعل شيئا غدا إلا بمشية الله والمعنى لا تقل إني أفعل إلا ما يشاء الله ويريده من الطاعات وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ أي إذا نسيت الاستثناء ثم تذكرت فقل إن شاء الله وإن كان بعد يوم أو شهر أو سنة وقد روي ذلك عن أئمتنا (عليهم السلام) ويمكن أن يكون الوجه فيه أنه إذا استثنى بعد النسيان فإنه يحصل له ثواب المستثنى من غير أن يؤثر الاستثناء بعد انفصال الكلام في الكلام وفي إبطال الحنث وسقوط الكفارة في اليمين وقيل معناه واذكر ربك إذا غضبت بالاستغفار ليزول عنك الغضب وقيل إنه أمر بالانقطاع إلى الله تعالى ومعناه وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ شيئا بك إليه حاجة يذكره لك وقيل المراد به الصلاة والمعنى إذا نسيت صلاة فصلها إذا ذكرتها. قول يحتمل أن يكون الخطاب متوجها إليه (صلى الله عليه وآله) والمراد به غيره ويمكن أن يكون المراد بالنسيان الترك وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى. ثم قال في قوله وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً أي قل عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب إلى الرشد وأدل من قصة أصحاب الكهف. قوله تعالى طه ذهب أكثر المفسرين إلى أن معناه يارجل بلسان الحبشية أو النبطية وقيل هو من أسماء النبي (صلى الله عليه وآله) وقال الطبرسي روي عن الحسن أنه قرأ طه بفتح الطاء وسكون الهاء فإن صح فأصله طأ فأبدل من الهمزة هاء ومعناه طأ الأرض بقدميك جميعا فقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه فأنزل الله طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فوضعها وروي ذلك عن أبي عبد الله u وقال قتادة كان يصلي الليل كله ويعلق صدره
بحبل حتى لا يغلبه النوم فأمره الله سبحانه أن يخفف عن نفسه وذكر أنه ما أنزل عليه
الوحي ليتعب كل هذا التعب. قوله تعالى ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى قال البيضاوي ما أنزلناه عليك لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريش إذ ما عليك إلا
أن تبلغ أو بكثرة الرياضة وكثرة التهجد والقيام على ساق والشقاء شائع بمعنى التعب وقيل رد وتكذيب للكفرة فإنهم لما رأوا كثرة عبادته قالوا إنك لتشقى
بترك ديننا وإن القرآن أنزل عليك لتشقى به إِلَّا تَذْكِرَةً لكن تذكيرا وانتصابه على الاستثناء المنقطع لِمَنْ يَخْشى لمن في قلبه خشية ورقة يتأثر بالإنذار أو لمن علم الله منه أنه يخشى بالتخويف منه فإنه المنتفع به. قوله تعالى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قيل أي وصل وأنت حامد لربك على هدايته وتوفيقه أو نزهه عن الشرك وعن سائر ما يضيفون إليه من النقائص حامدا له على ما ميزك بالهدى معترفا بأنه المولى للنعم كلها قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعني الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِها يعني الظهر والعصر لأنهما في آخر النهار أو العصر وحده وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ ساعاته فَسَبِّحْ يعني المغرب والعشاء وقيل صلاة الليل وَأَطْرافَ النَّهارِ تكرير لصلاتي الصبح والمغرب إرادة الاختصاص أو أمر بصلاة الظهر فإنه نهاية النصف الأول من النهار وبداية النصف الأخير لَعَلَّكَ تَرْضى أي سبح في هذه الأوقات طمعا أن تنال عند الله مابه ترضى نفسك وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أي نظر عينيك إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ استحسانا وتمنيا أن يكون لك مثله أَزْواجاً مِنْهُمْ أصنافا من الكفرة زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا الزهرة الزينة والبهجة منصوب بمحذوف دل عليه متعنا أو به على تضمينه معنى أعطينا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ أي لنبلوهم ونختبرهم فيه أو لنعذبهم في الآخرة بسببه وَرِزْقُ رَبِّكَ وما ادخره لك في الآخرة أو ما رزقك من الهدى والنبوة خَيْرٌ مما منحهم في الدنيا وَأَبْقى فإنه لا ينقطع. وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ قال الطبرسي أي أهل بيتك وأهل دينك بالصلاة روى أبو سعيد الخدري قال لما نزلت هذه الآية كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر وقت كل صلاة فيقول الصلاة يرحمكم الله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ورواه ابن عقدة من طرق كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) وعن غيرهم مثل أبي بردة وأبي رافع. وقال أبو جعفر u أمره الله تعالى أن يخص أهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهله عند الله منزلة ليست للناس فأمرهم مع الناس عامة وأمرهم خاصة. وَاصْطَبِرْ عَلَيْها أي واصبر على فعلها وعلى أمرهم بها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً لخلقنا ولا لنفسك بل كلفناك للعبادة وأداء الرسالة وضمنا رزق جميع العباد نَحْنُ نَرْزُقُكَ الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله) والمراد به جميع الخلق أي نرزق جميعهم ولا نسترزقهم وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى أي العاقبة المحمودة لأهل التقوى. قوله تعالى وَ اخْفِضْ جَناحَكَ أي لين جانبك لهم مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد أن ينحط الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ أي إلى التهجد أو للإنذار وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ أي ترددك في تصفح أحوال المتهجدين كما روي أنه ص لما نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع من دندنتهم بذكر الله والتلاوة أو تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والركوع والسجود والقعود إذا أمهم. قال الطبرسي وقيل معناه وتقلبك في أصلاب الموحدين من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيا وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله u قالا في أصلاب النبيين نبي بعد نبي حتى أخرجه من
صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم. قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ أي سبب للانتهاء عن المعاصي حال الاشتغال بها وغيرها من حيث إنها
تذكر الله وتورث للنفس خشية منه أو
الصلاة الكاملة هي التي تكون كذلك فإن لم تكن كذلك فكأنها ليست بصلاة كما روى الطبرسي مرسلا عن أبي عبد الله u قال من أحب أن يعلم
أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر فبقدر ما منعته قبلت منه وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ أي ذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم
إياه بطاعته أو ذكر العبد لله في جميع الأحوال أكبر الطاعات أو أكبر في النهي عن الفحشاء و المنكر و سيأتي لها في كتاب الإمامة تأويلات أخر. قوله
تعالى فَاصْبِرْ أي على أذاهم إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ أي ولا يحملنك على الخفة والقلق الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ
بتكذيبهم. قوله تعالى وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً على سائر الأمم وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ تهييج له على ما هو عليه مخالفتهم وَدَعْ أَذاهُمْ أي إيذاءهم إياك ولا تحتفل به أو إيذاءك إياهم مجازاة ومؤاخذة على كفرهم ولذلك قيل إنه منسوخ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا موكولا إليه الأمر في الأحوال كلها قوله تعالى فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ أي فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم و إصرارهم على التكذيب إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ فيجازيهم عليه. قوله تعالى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ قال البيضاوي رد لقولهم إن محمدا شاعر أي ماعلمناه الشعر بتعليم القرآن فإنه غير مقفى ولا موزون و ليس معناه ما يتوخاه الشعراء من التخييلات المرغبة و المنفرة وَما يَنْبَغِي لَهُ وما يصح له الشعر ولا يتأتى له إن أراد قرضه على ما اختبرتم طبعه نحوا من أربعين سنة و قوله :-
أنا النبي لا كذب....... أنا ابن عبد المطلب.
هل أنت إلا إصبع دميت.....و في سبيل الله ما لقيت.
الإيمان أو تفعل بهم ما تريد وإنما أنت داع. وفي قوله تعالى وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ بإمهالهم وإبقائك في عنائهم فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا في حفظنا بحيث نراك ونكلؤك وَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ عن أي مكان قمت أو من منامك أو إلى الصلاة وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ فإن العبادة فيه أشق على النفس وأبعد عن الرئاء وَإِدْبارَ النُّجُومِ
وإذا أدبرت النجوم من آخر الليل. وقال الطبرسي رحمه الله يعني الركعتين قبل صلاة الفجر وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله u. وقال
البيضاوي في قوله تعالى ن من أسماء الحروف وقيل اسم الحوت والمراد به الجنس أو اليهموت وهو الذي عليه الأرض أو الدواة فإن بعض الحيتان يستخرج
منه شيء أسود يكتب به. وقال الطبرسي روي مرفوعا إلى النبي ص قال هو نهر في الجنة قال الله له كن مدادا فجمد وكان أبيض من اللبن وأحلى من
الشهد ثم قال للقلم اكتب فكتب القلم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة عن أبي جعفر الباقر u. وَالْقَلَمِ قال البيضاوي هو الذي خط اللوح أو الذي يخط به أقسم به لكثرة فوائده وَما يَسْطُرُونَ وما يكتبون و الضمير للقلم بالمعنى الأول على التعظيم أو بالمعنى الثاني على إرادة الجنس وإسناد الفعل إلى الآلة وإجرائه مجرى أولي العلم لإقامته مقامه أو لأصحابه أو للحفظة وما مصدرية أو موصولة ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ جواب القسم و المعنى ما أنت بمجنون منعما عليك بالنبوة وحصافة الرأي وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً على الاحتمال أو الإبلاغ غَيْرَ مَمْنُونٍ مقطوع أو ممنون به عليك من الناس فإنه تعالى يعطيك بلا توسط وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ إذ تحتمل من قومك ما لا يحتمله أمثالك فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ أيكم الذي فتن بالجنون والباء مزيدة أو بأيكم الجنون على أن الْمَفْتُونُ مصدر أو بأي الفريقين منكم الجنون أ بفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين أي في أيهما من يستحق هذا الاسم فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ يونس إِذْ نادى في بطن الحوت وَهُوَ مَكْظُومٌ مملو غيظا في الضجرة فتبتلي ببلائه. وقال الطبرسي رحمه الله إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ أي على دين عظيم وقيل معناه أنك متخلق بأخلاق الإسلام وعلى طبع كريم وقيل سمي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه ويعضده ما روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وقال (صلى الله عليه وآله) أدبني ربي فأحسن تأديبي وقال وأخبرني السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني عن أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن الضحاك بن مزاحم قال لما رأت قريش تقديم النبي (صلى الله عليه وآله) عليا u وإعظامه له نالوا من علي u وقالوا قد افتتن به محمد (صلى الله عليه وآله) فأنزل الله تعالى ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ قسم أقسم الله به ما أَنْتَ يا محمد
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ يعني القرآن إلى قوله بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهم النفر الذين قالوا ما قالوا وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ علي بن أبي طالب
u. وقال البيضاوي في قوله تعالى مُلْتَحَداً أي منحرفا وملتجئا إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ استثناء من قوله لا أَمْلِكُ فإن التبليغ إرشاد وإنفاع أو من مُلْتَحَداً ورِسالاتِهِ عطف على بَلاغاً مِنَ اللَّهِ. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ في الأمر بالتوحيد إذ الكلام فيه حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ في الدنيا كوقعة بدر أو في الآخرة قُلْ إِنْ أَدْرِي أي ما أدري أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً غاية يطول مدتها كأنه لما سمع المشركون حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ قالوا متى يكون إنكارا فقيل قل إنه كائن لا محالة و لكن لا أدري وقته فَلا يُظْهِرُ فلا يطلع عَلى غَيْبِهِ أَحَداً أي على الغيب المخصوص به علمه إِلَّا مَنِ ارْتَضى يعلم بعضه حتى يكون له معجزة مِنْ رَسُولٍ بيان لمن. فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ من بين يدي المرتضى وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً حرسا من الملائكة يحرسونه من اختطاف الشياطين وتخاليطهم لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا أي ليعلم النبي الموحى إليه أن قد أبلغ جبرئيل والملائكة النازلون بالوحي أو ليعلم الله أن أبلغ الأنبياء بمعنى ليتعلق علمه به موجودا رِسالاتِ رَبِّهِمْ كما هي محروسة عن التغيير وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ بما عند الرسل وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً حتى القطر والرمل وفي قوله تعالى يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ أي قم إلى الصلاة أو داوم عليها إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ الاستثناء من الليل ونصفه بدل من قليلا وقلته بالنسبة إلى الكل والتخيير بين قيام النصف والزائد عليه كالثلثين والناقص عنه كالثلث أو نصفه بدل من الليل والاستثناء منه و الضمير في منه وعليه للأقل من النصف كالثلث فيكون التخيير بينه وبين الأقل منه كالربع والأكثر منه كالنصف أو للنصف والتخيير بين أن يقوم أقل منه على البت وأن يختار أحد الأمرين من الأقل والأكثر أو الاستثناء من أعداد الليل فإنه عام والتخيير بين قيام النصف والناقص عنه والزائد عليه وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا اقرأه على تؤدة وتبيين حروف بحيث يتمكن السامع من عدها إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا يعني القرآن فإنه لما فيه من التكاليف الشاقة ثقيل على المكلفين أو رصين لرزانة لفظه ومتانة معناه أو ثقيل على المتأمل فيه لافتقاره إلى مزيد تصفية للسر وتحديد للنظر أو ثقيل في الميزان أو على الكفار والفجار أو ثقيل تلقيه لقول عائشة رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فينفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقا إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ إن النفس التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة من نشأ من مكانه إذا نهض أو قيام الليل على أن الناشئة له أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث أو ساعات الليل فإنها تحدث واحدة بعد أخرى أو ساعاتها الأول من نشأت إذا ابتدأت هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً أي كلفة أو ثبات قدم وَأَقْوَمُ قِيلًا وأسد مقالا أو أثبت قراءة لحضور القلب وهدوء الأصوات إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا تقلبا في مهامك و اشتغالا بها فعليك بالتهجد فإن مناجات الحق تستدعي فراغا وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ودم على ذكره ليلا ونهارا وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا وانقطع إليه بالعبادة وجرد نفسك عما سواه رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ خبر محذوف أو مبتدأ خبره لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا مسبب عن التهليلة فإن توحده بالألوهية يقتضي أن توكل إليه الأمور وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ من الخرافات وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا بأن تجانبهم وتداريهم ولا تكافيهم وتكل أمرهم إلى الله كما قال وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ دعني وإياهم وكل إلى أمرهم أُولِي النَّعْمَةِ أرباب التنعم يريد صناديد قريش وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا زمانا أو إمهالا إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ استعار الأدنى للأقل لأن الأقرب إلى الشيء أقل بعدا منه ونصفه وثلثه عطف على أدنى. وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ويقوم ذلك جماعة من أصحابك وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يعلم مقادير ساعاتهما كما هي إلا الله عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ أي لن تحصوا تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات فَتابَ عَلَيْكُمْ بالترخيص في ترك القيام المقدور ورفع التبعة فيه فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل عبر عن الصلاة بالقراءة كما عبر عنها بسائر أركانها قيل كان التهجد واجبا على التخيير المذكور فعسر عليهم القيام به فنسخ به ثم نسخ هذا بالصلوات الخمس أو فاقرءوا القرآن بعينه كيفما تيسر عليكم عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى استئناف يبين حكمة أخرى مقتضية للترخيص والتخفيف ولذلك كرر الحكم مرتبا عليه وقال وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ والضرب في الأرض ابتغاء للفضل أو المسافرة للتجارة وتحصيل العلم. يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أي المتدثر وهو لابس الدثار وسيأتي القول فيه قُمْ من مضجعك أو قم قيام عزم وجد فَأَنْذِرْ مطلق للتعميم أو مقدر بمفعول دل عليه قوله وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وخصص ربك بالتكبير وهو وصفه بالكبرياء عقدا وقولا وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ من النجاسات فإن التطهير واجب في الصلاة محبوب في غيرها وذلك بغسلها أو بحفظها عن النجاسة كتقصيرها مخافة جر الذيول فيها وهو أول ما أمر به من رفض العادات المذمومة أو طهر نفسك من الأخلاق والأفعال الذميمة أو فطهر دثار النبوة عما يدنسه من الحقد و الضجر وقلة الصبر وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ واهجر العذاب بالثبات على هجر ما يؤدي إليه من الشرك وغيره من القبائح وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ولا تعط مستكثرا نهى عن الاستغزار وهو أن يهب شيئا طامعا في عوض أكثر نهي تنزيه أو نهيا خاصا به (صلى الله عليه وآله) أو لا تمنن على الله بعبادتك مستكثرا إياها أو على الناس بالتبليغ مستكثرا به الأجر منهم أو مستكثرا إياه وَلِرَبِّكَ و لوجهه أو أمره فَاصْبِرْ فاستعمل الصبر أو فاصبر على مشاق التكاليف وأذى المشركين. وفي قوله تعالى وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً أي كل واحد من مرتكب الإثم الداعي لك إليه ومن الغالي في الكفر الداعي إليه وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا أي وداوم على ذكره أو دم على صلاة الفجر والظهر والعصر فإن الأصيل يتناول وقتيهما وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وبعض الليل فصل له ولعل المراد به صلاة المغرب والعشاء وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا و تهجد له طائفة طويلة من الليل.([1])[1]- بحار الأنوار ج : 16 ص : 195 - 214
تعليق