نزول سورة الدهر في أهل البيت(عليهم السلام)
سورة الدهر
إِنّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا * يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنّا نَخَافُ مِن رّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنّةً وَحَرِيرًا * مُتّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِن فِضّةٍ قَدّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مّنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثمّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مّشْكُورًا(1).
سبب نزول السورة
ذهب المفسّرون إلى أنّ الآية 5ـ22 نزلت في بيان فضل الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) بعد وفائهم بالنذر وإطعامهم المسكين واليتيم والأسير في قصّة طويلة، وكان نزولها في المدينة المنوّرة في 25 ذي الحجّة.
قصّة النذر
نذكر مضمون القصّة باختصار:
روي أنّ الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) مرضا، فعادهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) في ناسٍ معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت لولديك، فنذر علي وفاطمة(عليهما السلام) وجاريتهما فضّة، إن برءا الحسن والحسين ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام قربةً إلى الله تعالى.
فشفيا(عليهما السلام) من المرض، فلمّا أرادوا أن يصوموا وفاء لنذرهم، ما كان معهم شيء، فاستقرض علي(عليه السلام) ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة(عليها السلام) صاعاً، واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فلمّا وضعوها بين أيديهم ليفطروا، جاءهم سائل قائلاً: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة.
فألقى علي وألقى القوم من أيديهم الطعام، وأنشأ علي(عليه السلام) هذه الأبيات:
فاطم ذات الودّ واليقين ** يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين ** قد جاء بالباب له حنين
يشكو إلى الله ويستكين ** يشكو إلينا جائع حزين
كلّ امرئ بكسبه رهين ** من يفعل الخير يقف سَمِين
ويدخل الجنّة آمنين ** حرّمت الجنّة على الضنين
يهوى من النار إلى سِجّين ** ويخرج منها إن خرج بعد حين
وأنشأت فاطمة(عليها السلام) هذه الأبيات:
أمرك يابن العم سمع طاعة ** ما بي من لؤم ولا ضراعة
أمط عنّي اللؤم والرقاعة ** غديت بالبرّ له صناعة
إنّي سأعطيه ولا أنهيه ساعة ** أرجو إن أطعمتُ من مجاعة
أن ألحق الأخيار والجماعة ** وأدخل الجنّة لي شفاعة
فأعطوه طعامهم، وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء، وأصبحوا صياماً.
فلمّا أمسوا في اليوم الثاني ووضعوا الطعام بين أيديهم ليفطروا، جاءهم سائل قائلاً: السلام عليكم أهل بيت محمّد، يتيم من يتامى المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة.
فألقى علي وألقى القوم من بين أيديهم الطعام، وأنشأ علي(عليه السلام) هذه الأبيات:
فاطم بنت السيّد الكريم ** بنت نبيٍّ ليس بالزنيم
قد جاءنا الله بذي اليتيم ** ومن يسلم فهو السليم
حُرّمت الجنّة على اللئيم ** لا يجوز الصراط المستقيم
طعامه الضريع في الجحيم ** فصاحب البخل يقف ذميم
وأنشأت فاطمة(عليها السلام) هذه الأبيات:
إنّي سأُعطيه ولا أُبالي ** وأوثر الله على عيالي
وأقض هذا الغزل في الأغزال ** أرجو بذاك الفوز في المال
أن يقبل الله وينمي مالي ** ويكفني همّي في أطفال
أمسوا جياعاً وهم أشبال ** أكرمهم عليّ في العيال
بكربلا يقتل اقتتال ** ولمن قتله الويل والوبال
فأعطوه طعامهم، وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء، وأصبحوا صياماً.
فلمّا أمسوا في اليوم الثالث ووضعوا الطعام بين أيديهم ليفطروا، جاءهم أسير قائلاً: السلام عليكم أهل بيت محمّد، والله ما أنصفتمونا من أنفسكم، تأسرونا وتقيّدونا ولا تطعمونا، أطعموني فإنّي أسير محمّد.
فألقى علي وألقى القوم من أيديهم الطعام، فأنشأ علي(عليه السلام) هذه الأبيات:
يا فاطمة حبيبتي وبنت أحمد ** يا بنت من سمّاه الله فهو محمّد
قد زانه الله بخلقٍ أغيد ** قد جاءنا الله بذي المقيّد
بالقيد مأسور فليس يهتدي ** من يطعم اليوم يجده في غد
عند الإله الواحد الموحّد ** وما زرعه الزارعون يحصد
أعطيه ولا تجعليه أنكد ** ثمّ اطلبي خزائن التي لم تنفد
وأنشأت فاطمة(عليها السلام) هذه الأبيات:
يابن عمِّ لم يبق إلّا صاع ** قد دَبِرَت الكفّ مع الذراع
ابنَيّ والله هما جياع ** يا ربّ لا تتركهما ضِيَاع
أبوهما للخير صنّاع ** قد يصنع الخير بابتداع
عبل الذراعين شديد الباع ** وما على رأسي من قناع
إلّا قناع نسجه نساع
فأعطوه طعامهم، وقد قضى الله عليهم نذرهم، فلمّا أصبحوا أخذ علي(عليه السلام) بيد الحسن والحسين(عليهما السلام) وأقبلوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلمّا نظر إليهما ـ وهما يرتعشان من شدّة الجوع ـ قال: «ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم»، فأخبروه بما حصل، فانطلق معهم إلى منزل فاطمة(عليها السلام)، فلمّا نظر إليها رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد تغيّر لونها والتصق بطنها بظهرها وغارت عيناها، فساءه ذلك، فرفع رأسه إلى السماء قائلاً: «اللّهمّ أشبع آل محمّد»، فهبط جبرائيل(عليه السلام) وقال: «خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك»، وقرأ عليه السورة(2).
ــــــــــــــــــــــــــ
1. الدهر: 5ـ22.
2. اُنظر: تفسير فرات الكوفي: 520، تفسير القمّي 2/398.
بقلم : محمد أمين نجف
سورة الدهر
إِنّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا * يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنّا نَخَافُ مِن رّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنّةً وَحَرِيرًا * مُتّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِن فِضّةٍ قَدّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مّنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثمّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مّشْكُورًا(1).
سبب نزول السورة
ذهب المفسّرون إلى أنّ الآية 5ـ22 نزلت في بيان فضل الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) بعد وفائهم بالنذر وإطعامهم المسكين واليتيم والأسير في قصّة طويلة، وكان نزولها في المدينة المنوّرة في 25 ذي الحجّة.
قصّة النذر
نذكر مضمون القصّة باختصار:
روي أنّ الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) مرضا، فعادهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) في ناسٍ معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت لولديك، فنذر علي وفاطمة(عليهما السلام) وجاريتهما فضّة، إن برءا الحسن والحسين ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام قربةً إلى الله تعالى.
فشفيا(عليهما السلام) من المرض، فلمّا أرادوا أن يصوموا وفاء لنذرهم، ما كان معهم شيء، فاستقرض علي(عليه السلام) ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة(عليها السلام) صاعاً، واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فلمّا وضعوها بين أيديهم ليفطروا، جاءهم سائل قائلاً: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة.
فألقى علي وألقى القوم من أيديهم الطعام، وأنشأ علي(عليه السلام) هذه الأبيات:
فاطم ذات الودّ واليقين ** يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين ** قد جاء بالباب له حنين
يشكو إلى الله ويستكين ** يشكو إلينا جائع حزين
كلّ امرئ بكسبه رهين ** من يفعل الخير يقف سَمِين
ويدخل الجنّة آمنين ** حرّمت الجنّة على الضنين
يهوى من النار إلى سِجّين ** ويخرج منها إن خرج بعد حين
وأنشأت فاطمة(عليها السلام) هذه الأبيات:
أمرك يابن العم سمع طاعة ** ما بي من لؤم ولا ضراعة
أمط عنّي اللؤم والرقاعة ** غديت بالبرّ له صناعة
إنّي سأعطيه ولا أنهيه ساعة ** أرجو إن أطعمتُ من مجاعة
أن ألحق الأخيار والجماعة ** وأدخل الجنّة لي شفاعة
فأعطوه طعامهم، وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء، وأصبحوا صياماً.
فلمّا أمسوا في اليوم الثاني ووضعوا الطعام بين أيديهم ليفطروا، جاءهم سائل قائلاً: السلام عليكم أهل بيت محمّد، يتيم من يتامى المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة.
فألقى علي وألقى القوم من بين أيديهم الطعام، وأنشأ علي(عليه السلام) هذه الأبيات:
فاطم بنت السيّد الكريم ** بنت نبيٍّ ليس بالزنيم
قد جاءنا الله بذي اليتيم ** ومن يسلم فهو السليم
حُرّمت الجنّة على اللئيم ** لا يجوز الصراط المستقيم
طعامه الضريع في الجحيم ** فصاحب البخل يقف ذميم
وأنشأت فاطمة(عليها السلام) هذه الأبيات:
إنّي سأُعطيه ولا أُبالي ** وأوثر الله على عيالي
وأقض هذا الغزل في الأغزال ** أرجو بذاك الفوز في المال
أن يقبل الله وينمي مالي ** ويكفني همّي في أطفال
أمسوا جياعاً وهم أشبال ** أكرمهم عليّ في العيال
بكربلا يقتل اقتتال ** ولمن قتله الويل والوبال
فأعطوه طعامهم، وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء، وأصبحوا صياماً.
فلمّا أمسوا في اليوم الثالث ووضعوا الطعام بين أيديهم ليفطروا، جاءهم أسير قائلاً: السلام عليكم أهل بيت محمّد، والله ما أنصفتمونا من أنفسكم، تأسرونا وتقيّدونا ولا تطعمونا، أطعموني فإنّي أسير محمّد.
فألقى علي وألقى القوم من أيديهم الطعام، فأنشأ علي(عليه السلام) هذه الأبيات:
يا فاطمة حبيبتي وبنت أحمد ** يا بنت من سمّاه الله فهو محمّد
قد زانه الله بخلقٍ أغيد ** قد جاءنا الله بذي المقيّد
بالقيد مأسور فليس يهتدي ** من يطعم اليوم يجده في غد
عند الإله الواحد الموحّد ** وما زرعه الزارعون يحصد
أعطيه ولا تجعليه أنكد ** ثمّ اطلبي خزائن التي لم تنفد
وأنشأت فاطمة(عليها السلام) هذه الأبيات:
يابن عمِّ لم يبق إلّا صاع ** قد دَبِرَت الكفّ مع الذراع
ابنَيّ والله هما جياع ** يا ربّ لا تتركهما ضِيَاع
أبوهما للخير صنّاع ** قد يصنع الخير بابتداع
عبل الذراعين شديد الباع ** وما على رأسي من قناع
إلّا قناع نسجه نساع
فأعطوه طعامهم، وقد قضى الله عليهم نذرهم، فلمّا أصبحوا أخذ علي(عليه السلام) بيد الحسن والحسين(عليهما السلام) وأقبلوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلمّا نظر إليهما ـ وهما يرتعشان من شدّة الجوع ـ قال: «ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم»، فأخبروه بما حصل، فانطلق معهم إلى منزل فاطمة(عليها السلام)، فلمّا نظر إليها رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد تغيّر لونها والتصق بطنها بظهرها وغارت عيناها، فساءه ذلك، فرفع رأسه إلى السماء قائلاً: «اللّهمّ أشبع آل محمّد»، فهبط جبرائيل(عليه السلام) وقال: «خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك»، وقرأ عليه السورة(2).
ــــــــــــــــــــــــــ
1. الدهر: 5ـ22.
2. اُنظر: تفسير فرات الكوفي: 520، تفسير القمّي 2/398.
بقلم : محمد أمين نجف
تعليق