كثير ما تثار الأسئلة والاستفهامات حول قضية الإمام المهدي عليه السلام وحياته، ومن تلك الأسئلة:
أين يعيش المهدي ؟
متى يظهر ؟
ما هو تكليف المؤمنين تجاهه وتجاه الأحكام الشرعية في زمن الغيبة ؟
ما هي الحوادث الكائنة عند ظهوره وبعد ظهوره ؟
أمّا أين يعيش ؟
فنقول: فأين يعيش الخضر؟
نحن نسأل القائلين ببقاء الخضر وغير الخضر عليه السلام ممّن يعتقدون _بحسب رواياتهم_ بقاءهم، فهؤلاء أين يعيشون؟
فالمسألة ليست مسألة، أنّ الإمام أين يعيش !
وأمّا الحوادث الكائنة عند ظهوره وبعد ظهوره؟.
فتلك حوادث وقضايا مستقبلية وردت بها أخبار، وتلك الأخبار مدوّنة في الكتب المعنيّة.
والشيء الذي أراه مهمّاً من الناحية الاعتقادية والعملية، وأرجو أنْ تلتفتوا إليه هي أنْ تلاحظوا إذا كانت غيبة الإمام عليه السلام لمصلحة أو لسبب، ذلك السبب إمّا وجود المانع وإمّا عدم المقتضي، أي أنّ غيبة الإمام عليه السلام إمّا هي لعدم المقتضي لظهوره أي لعدم وجود الأرضية المناسبة لظهوره، أو لوجود الموانع عن ظهوره. فوجود الموانع وعدم المقتضي كان السبب في غيبة الإمام عليه السلام، وهذا واضح. إنّا لا نعلم أنّ المانع متى يرتفع، ولا نعلم أنّ المقتضي متى يتحقق ويحصل، ولذا ورد في الروايات: (إنّما أمرنا بغتة).
فظهور الإمام عليه السلام متى يكون؟ يكون حيث لا يكون مانع وتتمّ المقدمات والأرضية المناسبة لظهوره .
وهذا متى يكون ؟ العلم عند الله سبحانه وتعالى، فيمكن أن يكون غداً، ويمكن أن يكون بعد غد، وهكذا، هذه نقطة.
والنقطة الثانية: إنّ في رواياتنا أنّ حكومة المهدي ستكون حكومة داود عليه السلام، إنّه يحكم بحكم داود عليه السلام، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان وبعضكم ألحن بحجّته من بعض، وأيّما رجل قطعت له قطعة فإنّما أقطع له قطعة من نار).
أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا تخاصم إليه رجلان على أيّ شيء، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم يطلب من المدعي البيّنة، وحينئذ إنْ أقام البيّنة أخذ الشيء من المدعى عليه وسلّمه إلى المدعي، وهذا الحكم يكون على أساس البيّنة، يقول رسول الله إنّما أقضي عليكم إنّما أقضي بينكم بالبيّنة، أمّا إذا كانت البيّنة كاذبة والمدعي أقامها وعن هذا الطريق تملّك الشيء، فليعلم بأنّ الشيء هذا قطعة من النار، بمعنى أنّ وظيفتي أنْ أحكم بينكم بحسب البيّنة، لكن أنت أيّها المدعي إنْ كنت تعلم بينك وبين ربّك أنّ الشيء ليس لك، فلا يجوز لك أخذه.
إذن، يكون حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحكم الإسلامي على أساس القواعد المقرّرة، وهذه هي الأدلة الظاهرية المعمول بها.
فإذا جاء المهدي عليه السلام، لا يأخذ بهذه القواعد والأحكام الظاهرية، وإنّما يحكم طبق الواقع، فإذا جاء ورأى أنّ الشيء الذي بيدي هذا الشيء الذي بحوزتي هو لزيد، أخذه منّي وأرجعه إلى زيد، وإذا علم أنّ هذه الدار التي أسكنها ملك لعمرو أخذها منّي وأرجعها إلى عمرو، فكلّ حقّ يرجع إلى صاحبه بحسب الواقع.
وعلى هذا ، إذا كان ظهور الإمام عليه السلام بغتة، وكان حكمه بحسب الواقع ، فنحن ماذا يكون تكليفنا فيما يتعلّق بنا في شؤوننا الداخلية والشخصية ؟
في أُمورنا الاجتماعية ؟
في حقوق الله سبحانه وتعالى علينا؟ وفي حقوق الآخرين علينا ؟
ماذا يكون تكليفنا وفي كلّ لحظة نحتمل ظهور الإمام عليه السلام، وفي تلك اللحظة نعتقد بأنّ حكومته ستكون طبق الواقع لا على أساس القواعد الظاهرية ؟
فحينئذ ماذا يكون تكليف كلّ فرد منّا؟
وهذا معنى (أفضل الأعمال انتظار الفرج).
وهذا معنى ما ورد في الروايات من أنّ الأئمّة عليه السلام كانوا ينهون الأصحاب عن الاستعجال بظهور الإمام عليه السلام، إنّما كانوا يأمرون ويؤكّدون على إطاعة الإنسان لربّه وأنْ يكون مستعدّاً لظهور الإمام عليه السلام.
وبعبارة أُخرى: مسألة الانتظار، ومسألة ترقب الحكومة الحقّة، هذه المسألة خير وسيلة لإصلاح الفرد والمجتمع، وإذا صَلُحنا فقد مهّدنا الطريق لظهور الإمام عليه السلام، ولأنْ نكون من أعوانه وأنصاره.
ولذا أمرونا بكثرة الدعاء لفرجهم عليهم السلام، ولذا أمرونا بالانتظار لظهورهم، هذا الانتظار معناه أنْ يعكس الإنسان في نفسه ويطبّق على نفسه ما يقتضيه الواقع، قبل أنْ يأتي الإمام عليه السلام ويكون هو المطبِّق، ولربّما يكون هناك شخص يواجه الإمام عليه السلام ويأخذ الإمام منه كلّ شيء، لانّ كلّ الأشياء التي بحوزته ليست له، وهذا ممكن.
فإذا راقبنا أنفسنا وطبّقنا عقائدنا ومعتقداتنا في سلوكنا الشخصي والاجتماعي، نكون ممهّدين ومساعدين ومعاونين على تحقّق الأرضية المناسبة لظهور الإمام عليه السلام.
السيد علي الميلاني/ منقول
تعليق