تأملات وعبر من حياة أبينا آدم (ع)
إن القرآن الكريم يكثر من ذكر الأنبياء السلف، رغبة في أن نتأسى بهديهم، ونكتشف الدروس من حياتهم -ومع الأسف- فإننا ننظر إلى أن هذه قصص كباقي القصص.. والحال بأن القرآن الكريم، لم يرد ذكر هذه الأمور لمجرد الذكر، وإنما لأجل الاعتبار بما وقع على الأنبياء عليهم السلام.
نبدأ بنبي الله آدم، الذي نرتبط به ارتباطا عاطفيا وعضويا، لأنه هو أبونا وحواء أمنا.. ولهذا فإن البعض من الصالحين، يوصي بأنه في ضمن ذكر الأرحام والوالدين والأجداد، علينا أن نخص آدم بالذكر، لأنه جدنا الأكبر.
إن تذكّر هذه الحالة الجامعة، وهي أننا جميعا من نسل آدم، أيضا يلقننا شيئا من حالة الإحساس بالأخوة مع من حولنا.. فالأخوة الأرضية -بالإضافة إلى الأخوة الإسلامية، والإيمانية، والتقوائية، وغيرها- هي من العناصر المشتركة بيننا وبين كل إنسان على وجه الأرض، كوننا من هذا الوجود المبارك.
هنالك بعض المحطات الملفتة في حياة آدم (ع)، منها:
أولا: خلقة آدم، وقصة السجود له، وتمرد إبليس على السجود.
ثانيا: مسألة الأسماء التي علمها آدم، أو عُرضت عليه.. فما هي هذه الأسماء؟..
ثالثا: مسألة اقترابه من الشجرة المنهية، ووسوسة الشيطان له.
رابعا: الخروج من الجنة، وما آل إليه الأمر.
خامسا: البحث في أن هذه القضية هل هي معصية أو غير معصية؟..
إن الله عز وجل عندما ذكر آدم في سورة البقرة، جعل الآية تبدأ بهذه المقولة الإلهية: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.. فالمستفاد من هذه الآية، ومن آيات أخرى شبيهة، أن الكلام ليس بالنسبة لآدم فحسب!.. فكلمة الخليفة في القرآن أُطلقت على آدم، كما في هذه الآية.. وفي نفس الوقت في سور أخرى، فبني آدم هم المخاطبون بهذه الخلافة كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ}، {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ}.. فإذن، إن هذه الآيات تؤكد على أن هذه السمة العظيمة -سمة الخلافة الإلهية- سمة أعطيت لآدم، وبني آدم.
ومن أجلّ أوصاف الإنسان على وجه الأرض، أن يكون خليفة لله عز وجل، بمعنى أن يكون عاكسا لصفات الرب في حدود البشرية.. فعادة الخليفة يمثل المستخلف في صفاته الأساسية وبدرجة متقاربة.. ففي السفارات في الدول، إن توجه السفير الفكري، ونمط معيشته، ولغته، وثقافته، وحضارته، وعاداته، تشابه إلى حد كبير الجهة التي أرسلته.. وإلا لو كان على مستوى المرسل، لما كان سفيرا بل كان أميرا.. والفارق هو أن السفير يشبه الأمير، ولهذا اختير كسفير بينه وبين الطرف المقابل.
ومن الأبحاث الملفتة في هذه السورة، هذه الآيات: {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}.. فمن أين علمت الملائكة بهذه الخصوصية؟.. وهنا رأيان.. الرأي الأول يقول: بأن الملائكة لاحظت أن هذا الوجود يحتوي على قوتين: قوة الشهوة، وقوة الغضب.. ولكل من هاتين الشهوتين آثارهما في الحياة الدنيا: فالشهوة تجر الإنسان إلى الإفساد، وقوة الغضب تجر الإنسان إلى سفك الدماء.. وخاصة عندما يلاحظ أن آدم هو رأس سلسلة، ولو كان يعيش في هذه الدنيا لوحده، أو مع قرينته حواء لهان الأمر.. فالملائكة تعلم أن هناك نسلا، وأن هنالك حضارات، ومدنا: أفرادا ومجتمعات.. ومن الطبيعي عندما تتكاثر الأفراد في البيئة الواحدة، وتتزاحم المصالح.. أن توجد هذه الأرضية.
فإذن، إن القرآن الكريم عندما يعبّر هذا التعبير، يلحظ أن هنالك وجودا مدنيا، ووجودا حضاريا، ولازمة التكاثر في الأفراد، تظهر هذه المفاسد.. ومن هنا نعلم أن الإسلام يريد منا أن نكون على مستوى الخلافة الأرضية، في خضم التعامل مع البشر.. وإلا، فلو كان الإنسان وحيدا في هذه الدنيا، في مغارة، أو في صومعة، قد لا يبتلى بهذه الانحرافات الشهوية والغضبية.
وهناك رأي آخر: مروي هذا عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: (ما عَلِم الملائكة بقولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}، لولا أنهم قد كانوا رأوا من يفسد فيها ويسفك الدماء).. فهذه النظرية تقول بأن هنالك أجيالا بشرية منقرضة قبل آدم عليه السلام.. وإن كانت هذه الأجيال افتراضا بأنها في مستوى عقلي وشعوري أقل من هذا النسل الأخير، الذي بدئ بآدم، واستمر إلى النبي الخاتم، ثم ينتهي إلى قيام القائم، ثم القيامة بعد ذلك.
ومن الأبحاث الملفتة في هذه الصفحة من القرآن الكريم، أنها تتناول موضوع تعليم آدم الأسماء الحسنى.. فهنا المفسرون عاشوا في بحث، أو في حالة من حالات التنازع فيما بينهم في تفسير هذه الأسماء.. فمنهم من ذهب إلى أنها أسماء لفظية بسيطة، كأسماء الأشياء: هذه شجرة، وهذه أرض، وهذه سماء.. فاقتصروا على الجانب اللفظي، وقالوا: بأن هذه هي الأسماء المتعارفة.. وطبعا هذا الرأي مع التدبر والتأمل، لا يمكن أن يقبل، لأن هذا ليس من باب التميز.. فالطفل عندما يلقن بأن هذه اسمها شجرة، يقول بأنها شجرة، فهذه حالة من حالات البغبغائية في حياة الإنسان.. وليس هذا مما يمكن أن يقدّم رب العالمين آدم كموجود متميز بما يسكتهم.. فالقرآن يريد أن يقنع الملائكة بأن هذا الموجود جدير بالخلافة، وأن هذا الموجود جدير بالسجود له.. فإذاً، إن القضية أرقى من الأسماء العادية، وخاصة عندما نصل إلى قوله تعالى: {فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء}.. فيبدو أن هناك إشارة لموجودات راقية، وأن آدم عليه السلام اطلع على حقائق عالية في هذا الوجود.. وهذه الحقائق لم تكن منكشفة للملائكة حق الانكشاف، وكانت محجوبة بحجاب الغيب.. ومن هنا قال بعض المفسرين: بأن المراد بها الوجودات الطاهرة، المتمثلة بالنبي وآله صلوات الله وسلامه عليهم.. وهذا التفسير مناسب لجو الآية.. فالله عز وجل يبين فضل آدم، من خلال معرفته بحقائق عالية مقدسة، وهذه الحقائق كانت خافية على الملائكة.
أما مسألة السجود، فهي أيضا من المحطات الملفتة في هذا المجال.. فيلاحظ بأن أول درس أراد الله عز وجل أن يعلمه للملائكة وآدم ومن تتلى عليه هذه الآيات، مسألة العبودية لله عز وجل.. فثمرة الحياة، وثمرة الرسالات، وثمرة الخلقة، هي أن يعيش الإنسان حالة التعبد لله عز وجل.. وهذه العبودية قد تظهر بأشكال مختلفة، قد توافق المزاج، وقد لا توافق المزاج.. فالعبودية الكاملة أن يكون الإنسان بين يدي مولاه، وكأنه لا اختيار له.. قال الصادق (ع): (أمر الله إبليس بالسجود لآدم، فقال: يا ربّ!.. وعزتك إن أعفيتني من السجود لآدم، لأعبدنّك عبادةً ما عبدك أحدٌ قطّ مثلها).. وإبليس بسابقته في العبادة وطول سجوده وصلاته، من الذين يتوقع منهم هذه الدعوة في قبال الملائكة.. ولكن انظروا إلى الجواب من الله عز وجل: (قال الله جلّ جلاله: إني أحبّ أن أُطاع من حيث أريد).. أي أن إرادتي الآن يا إبليس أن تكون ساجدا لآدم.. وهذا السجود إذا كان لآدم بأمر الله عز وجل، فلا ضير في ذلك أبدا.
ومن هنا نحن نستغرب من الذين ينكرون على البعض التفاتهم، أو توسلهم، أو تقديرهم للذوات الطاهرة، من الذين يمثلون الرسالة الخاتمة من النبي وآله.. حيث أن تعظيم ذلك النبي بالزيارة، وبالتوسل به، وتشييد مقامه، والقيام بأي عمل يدل على تعظيم هذا الموجود: بشعرٍ، أو بنثرٍ، أو ببناءٍ، أو بأي حركة.. يعود إلى الله عز وجل تعظيما لشعائره، وتكريما لأوليائه.. كما أن السجود لآدم -بحسب الظاهر- هو لمخلوق أرضي، ولكنه لله في النتيجة.
ويلاحظ بأن للشيطان -على كل حال- اعترافات جميلة في بعض النصوص، تدل على أن إبليس تأذى من حالة الطرد الإلهي واللعن.. وقال: (إنّ إبليس رنّ أربعة رنّات: أوّلّهن يوم لُعن).. أي طُرد من رحمة الله عز وجل، ولهذا الطرد آثاره، فإبليس يعلم أن هذا الطرد له تبعاته في الدنيا وفي الآخرة.. (ويوم أُهبط إلى الأرض، وحيث بعث محمّدا (ص) على فترة من الرسل).. وبعثة النبي (ص) أيضا جعلته في عداد اللعن الإلهي، لأن وجود النبي وجود رحمة، كما أن اللعن طرد من الرحمة، فكذلك بعثة النبي جلب للرحمة، وهي معاكسة لمسيرة إبليس.. (وحين اُنزلت أمّ الكتاب)، ومن الغريب أن الرواية تجعل المحطة الرابعة، وحين أنزلت أم الكتاب، أي سورة الحمد!.. فهذه السورة كأنها من المحطات التاريخية التي أزعجت إبليس، ولا عجب في ذلك، بعد أن نلاحظ بأن التقرب إلى الله عز وجل في الصلاة، لا يتم إلا من خلال فاتحة الكتاب.
إن الله عز وجل عندما حذر من تلك الشجرة قال: {وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ}.. فسياسة الشريعة، والقرآن، ورب العالمين بالنسبة للمعاصي، أن يبعد الإنسان عن الاقتراب من أجواء المعصية.. ففي عالم التعامل مع النساء، إن الزنا -وهو قمة الانحراف طبعا- أمر منهي عنه.. ولكن قبل ذلك هناك نهي عن النظر، وعن الاقتراب، وعن الاختلاط، وعن الجلوس في موضع يحس فيه الرجل بحرارة امرأة -مثلا- وأن يأخذ المتاع من وراء حجاب، وتشريع الحجاب، واللين في القول والخضوع في القول.. كل هذه التشريعات تشريعات احتياطية، من أجل عدم وقوع الإنسان في المعصية.
ثم يذكر القرآن الكريم كيد إبليس فيقول: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا}.. وكأن القضية أرقى من الوسوسة، فالشيطان يوسوس للإنسان، ولكن عندما يصل الأمر لآدم يقول: {أَزَلَّهُمَا}.. يبدو أن هنالك عملية حسية، وأن الشيطان بتمثله أمام آدم، وهذه الحركة من المناصحة، ومن الإغواء بقوله: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ}.. فكأن الشيطان كان له دور قوي جدا إلى حد يصدق عليه بأنه أزلهما، وليست مجرد وسوسة.
إن هذا الأمر قد يتفق في حياتنا نحن أيضا.. فالإنسان الذي يطيع إبليس، ويعيش الأجواء الإبليسية، ويكثر من المتابعة.. فإنه قد يصل في بعض الحالات إلى هذه الدرجة، وهي أن الشيطان يتحكم فيه تحكما.. فالمسألة تتجاوز الوسوسة إلى مسألة الإضلال والإغواء الحسي، وقد يصل الأمر في البعض إلى هذه الدرجة.
ولكن هل هذه الحركة كانت معصية من آدم؟..
إن الآيات حسب الظاهر فيها نوع من أنواع الإشعار بذلك {فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ}، {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}، {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.. إلا أن لدى التأمل في قصة آدم، بعد الفراغ من مسألة أن الأنبياء إذا جوزنا عليهم المعصية، سقطوا عن قابلية الاقتداء.. فمع هذه القاعدة الكلية، يبدو أن الله عز وجل نهى آدم نهيا تنزيهيا، لا مولويا.. بمعنى أن الله عز وجل أراد أن يقول لآدم: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ}.. أي إذا أردتم السعادة، فعليكم الامتثال لهذا الأمر بعدم الأكل من هذه الشجرة.. وإذا أكلتم فإن النتيجة الطبيعية هو الطرد من هذه الجنة، وتحمل الأرض ومشاق الأرض.
وكأن الله عز وجل أراد أن يقول: إن البقاء في هذا المكان المريح، والملفت، والذي تتنعمون فيه؛ مشروط بهذا الشرط.. وعليه، فإن المراد هنا بالظلم ظلم النفس وحرمانها من هذا الامتياز العظيم، أي العيش في هذه الجنة.. ولهذا القرآن في آية أخرى يقول: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى}.. أي إذا خرجت من الجنة، فإن هناك مجالا لأن تجوع، ولأن تعرى، ولأن تظمأ إلى آخره من خصوصيات هذه الأرض؛ فالظلم هنا بهذا المعنى.. والعصيان بمعنى المخالفة للأمر الإرشادي، ولهذا الأمر النصحي.
ومن الأمور المؤيدة لهذه النظرية، أي أن المسألة لم تكن معصية بالمعنى الاصطلاحي.. فنحن نعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.. فآدم (ع) بكى بعد خروجه من الجنة بكاءً كثيراً، ويعد من البكّائين في التاريخ.. فإذن، إن كان عاصيا، فمن المفروض أن الله سبحانه وتعالى -لطفاً به- أن يرده إلى ما كان فيه.. فقد كان في الجنة، فأخطأ خطأً، أو عصيانا -كما هو فرض القائل- ثم تاب إلى الله عز وجل، وكأنه لم يعمل شيئا.. ولكن لم يرجع إلى الجنة، لأن المسألة ليست مسألة معصية بالمعنى المصطلح.. إنما هي مسألة تكوينية، فمثلا: إذا اقتربت من هذه النار فسوف تحترق، ثم ندمت، وتبت بعد ذلك، فلا أثر له، فأنت احترقت بهذه النار.. أو دخلت البحر من دون سباحة تغرق.. فإذاً، إن ندامة آدم عليه السلام لم تنفعه شيئا، لأن القضية كانت في عالم التكوين لا في عالم التشريع.
ودليل ثالث وهو بيِّن أيضا: {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.. وبالتالي، فإن التشريعات الإلهية: الحلال، والحرام، والنهي، والهدي الإلهي، أو التشريع.. قد جاءت بعد النزول من تلك الجنة، وإلا، فإن في الجنة لم يكن هناك تشريع ونهي مولوي، وإنما كان بعد الهبوط.
فإذن، هذه ثلاثة أدلة: الظلم ظلم للنفس.. والنهي نهي تنزيهي، لا نهي مولوي.. والأمر لو كان من باب المعصية، فمن المفروض أن يرجع للجنة بعد ذلك.. وكذلك فإن التشريع بدأ بعد الهبوط.
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.. هناك مقولة معروفة، وهي: أن توبة العبد بين توبتين من الله عز وجل.. التوبة الأولى: من الله، أي رجوع الله على عبده، بأن ييسر له أسباب التوبة، ويذكره بالتوبة، ويذكره بالمصير الأبدي؛ وفي قصة آدم {تَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ}.. وعليه، فإن الحركة الأولية هي من الله عز وجل في تهيئة الأسباب، ثم العبد الموفق يتوب إلى الله عز وجل؛ فهنا توبة العبد.. ثم تأتي التوبة النهائية، وهو الاصطفاء الإلهي، والتجاوز، والتعامل مع العبد، وكأنه لم يذنب.
ومن هنا نعلم أن الإنسان العاصي، إذا أراد أن يتوب، فليطلب من الله عز وجل هاتين التوبتين: وهي أن يوفقه أولا للإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.. ثم يطلب من ربه أن يرجع إليه بالرحمة، ويرد عليه ما كان قد سلبه بمعصيته لله سبحانه وتعالى.
إن الآية تقول: {اهْبِطُواْ} وبعد الهبوط إلى الأرض يعيشون حالة العداوة {اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}.. فلازمة الحياة الأرضية هي: هذه المشاكسات، والتداخلات، والتزاحمات بين المصالح.. وبالتالي، فإن من أراد أن يعيش في المجتمع، عليه أن يتجهز بما يعينه على عدم التورط في المعاصي، التي تتطلبها الحياة الاجتماعية.
منقــــــــــــــــول
تعليق