بسم الله الرحمن الرحيم
استمرارا في سعينا لرد الشبهات التي قد تثار حول كربلاء وما جرى فيها نذكر شبهة قد تطرح في المقام وخلاصتها : ان التاريخ قد اخبرنا بما لا يقبل الشك ان معاوية لعنه الله قد نقض الصلح الذي كان بينه وبين الامام الحسن عليه السلام فلا الزام على الامام الحسين عليه السلام من جهة هذا الاتفاق فلماذا لم يثر الامام الحسين عليه السلام على معاوية ؟والجواب :
لامكان ان يشوه معاوية ثورة الامام الحسين عليه السلام بانه نقض الاتفاق لأنّ الناس كانوا يعرفون أنّ الحسن والحسين قد عاهدا معاوية على السكوت عنه والتسليم له مادام حياً، ولو ثار الحسين على معاوية لأمكن لمعاوية أن يصوّره بصورة منتهز ناقض لعهده وميثاقه وعلى أيّ حال كانت معاهدة الصلح يمكن أن تكون ذريعة لإعلام معاوية ودعايته ضدّ ثورة الحسين الاحتمالية.
ومن جهة أُخرى يجب أن نرى كيف كان يحكم المجتمع على ثورة الحسين المحتملة؟
ومن الواضح انّ مجتمع الحسين الذي لم يكن يملك قابلية الثورة والأهلية للقيام بها ويؤثر السلامة والعافية كان يرى أنّه قد عاهد وعليه أن يفي بما عاهد، وعليه لو كان الإمام الحسين يقوم بثورته في عهد معاوية كان سيقدمها على أنّها نقض للعهد والميثاق، ويظهرها للرأي العام وكأنّها تمرّد غير مشروع .
وأكبر الظن انّ الحسين لو ثار في عهد معاوية لما كان لثورته كلّ هذا الوهج الساطع والأثر الكبير، وسر ذلك يكمن في دهاء ومكر معاوية وأُسلوبه الخاص في معالجة الأُمور، ومع أنّ معاوية قد حرف الإسلام عملياً واستبدل الخلافة الإسلامية البسيطة المتواضعة بالحكم الارستقراطي الملكي الأموي، وحول المجتمع إلى مجتمع غير إسلامي، غير انّه كان يدرك جيداً انّه ليس ينبغي له وهو يحكم الناس بسلطان الدين أن يرتكب من الأعمال ما يراه العامة تحدياً للدين الذي يحكم بسلطانه، بل عليه أن يضفي على أعماله طابعاً دينياً لتنسجم هذه الأعمال مع ما يتمتع به من المنصب، وأمّا ما لا يمكن تغطيته وتمويهه من التصرفات فليرتكبه في السر.
وعلى الرغم من ذلك فقد أظهره سلوكه المحافظ على تعاليم الدين بمظهر صعّب على الناس معرفته على حقيقته.
هذا وقد استغل معاوية ظروفه جيداً لإضفاء الطابع الديني على منصبه، تارة بدعواه انّه يطالب بدم عثمان، وأُخرى بماموّه به على الرأي العام بعد أمر التحكيم وصلحه مع الحسن وبيعة الناس له من جدارته وصلوحه للخلافة.
وعليه لو كان الإمام الحسين يثور في عهده، لكان من السهل عليه أن يقدّم ثورته إلى الرأي العام على أنّها تعبير عن نزاع سياسي على السلطة وليست ثورة للحقّ على الباطل.
وجميع تلك الموانع لم تكن لتجعل الحسين أن يلتزم الصمت أزاء ظلم معاوية وانحرافه الكبيرين، بل كان يبذل قصارى جهده في الوقوف ضدّ كلّ التصرفات الظالمة التي قام بها معاوية في تلك الأجواء المفعمة بالإرهاب والاضطهاد .
تعليق