بسم الله الرحمن الرحيم
قد يُظن ان اعظم ما قدمه الامام الحسين عليه السلام في كربلاء هو نفسه الشريفة الا ان المتأمل باحاديث الامام في كربلاء يجد انه عليه السلام قد ضحى بما هو اعز عليه من نفسه وهو ولده علي الأكبر عليه السلام فقد نقل الينا التاريخ انه عليه السلام قد ابن ولده بقوله على الدنيا بعدك العفا مما يشير بكل وضوح انَّ علياً الأكبر كان أعزَّ على نفسه من نفسه وانَّ رؤيته لمصرعه وأشلائه وهي موزَّعة ودمه الزاكي مسفوحاً أشقُّ على قلبه من كلِّ ما كان قد إنتابه من عظائم المحن، بل صار القتلُ الذي ينتظره أيسرَ شيئٍ على قلبه بعد رحيل الأكبر، وهذا هو معنى " على الدنيا بعدك العفا " فكلُّ خطيرٍ بعد رحيله حقير، وكلُّ عسيرٍ بعد رحيله يسير، فجراحاتُ الأكبر والدماءُ النازفةُ منها، ووقْعُ أنَّاته على قلبِ الحسين قد سكَّن كلَّ ألمٍ كان قد إنتاب قلب الحسين وكلَّ ألمٍ سينتابُه، ذلك لأنَّ الجرح يُسكنه الذي هو آلمُ.وأما الغايةُ من هذا الذي أفاده في تأبين ولدِه الأكبر فلعلَّه أرادَ منه الإيحاء بأنَّ هذا الذي يحظى من قلبه بهذا المستوى من التعلُّق والحب قد سخى به في سبيل إعلاء دين الله جل وعلا، فكل نفيسٍ يرخص في هذا الطريق، فلم يكن رحيلُ الأكبر شهيداً وقع قسراً ودون إختيارٍ من الحسين (ع) فقد كان يملك انْ يصرف عنه هذا المصير الدامي لكنَّه لم يفعل بل عمِد إلى انْ يكون هو السابق غيرَه إلى هذا الطريق.
فمن ذلك ما ورد في زيارة الناحية الخاصة بالشهداء المرويَّة عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) قال: "وأومِ وأشِرْ إلى عليِّ بن الحسين (ع) وقل: السلام عليك يا أولَ قتيلٍ من نسل خير سليل، من سلالة إبراهيم الخليل، صلى الله عليك وعلى أبيك، إذ قال فيك: قتل اللهُ قوماً قتلوك، يا بني ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول، على الدنيا بعدك العفا"(1)
ومنه: ما أورده الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد قال: "فبصر به مرَّة بن منقذ العبدي فقال: علَيَّ آثام العرب إنْ مرَّ بي يفعل مثل ذلك إنْ لم أثكله أباه، فمر يشتد على الناس كما مرَّ في الأول، فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه فصرع، واحتواه القوم فقطَّعوه بأسيافهم، فجاء الحسين (ع) حتى وقف عليه فقال: " قتل الله قوماً قتلوك يا بني، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول! " وانهملت عيناه بالدموع ثم قال: " على الدنيا بعدك العفاء"(2)
1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 45 ص 65.
2- الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 ص 106.
تعليق