بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر العديد من كتاب السيرة والتاريخ قول الامام الحسين عليه السلام لمروان ابن الحكم : ((يابن الزرقاء) والزرقاء هي العاهرة أو البغي، كيف يمكن للإمام الحسين عليه السلام وهو أنبل النّاس خلقاً وأعفُّهم لساناً ان يتلفَّظ على أحدٍ بذلك؟والجواب :
أولا : بالنقض بما ورد عن النبي صلى الله عليه واله في كتب العامة بوصفه بابن الزرقاء فقد ورد في بعض الروايات انَّ الرسول الكريم (ص) نسب مروان وهو بعدُ رضيعاً إلى جدَّته الزرقاء كما في كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي قال: حدثنا عبد الله بن مروان المرواني عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد: " إنَّ مروان بن الحكم لمَّا ولد دُفع إلى رسول الله (ص) ليدعو له فأبى أنْ يفعل ثم قال: ابن الزرقاء، هلاك عامة أمتي على يديه ويدي ذريته"(1)
وثانيا : ان الزرقاء لا يراد منه البغي في اللغة والمقصود من الزرقاء في النصِّ المذكور هي الزرقاء بنت موهب جدة مروان بن الحكم لأبيه، نعم في قوله (ع) لمروان ياابن الزرقاء-لو صحَّ الخبر- تعريضٌ بواقع الحال الذي كانت عليه جدة مروان، فإنَّها كانت من ذوات الرايات التي يُستدلُّ بها على ثبوت البغاء كما ذكر ذلك إبنُ الأثير في كتابه الكامل في التاريخ (2) وأفاد كذلك: انَّ بني الحكم وبني مروان كانوا يُذمُّون بها.
وقال البلاذري في أنساب الأشراف إنَّ إسم الزرقاء: " مارية بنت موهب كندية، وهي الزرقاء التي يُعيَّرون بها، فيُقال بنو الزرقاء، وكان موهب قينا" (3)
فمساق هذا النص هو مساق ما تعارف بين المسلمين من تعيير زياد بن أبيه بأُمِّه سميَّة، فيُقال زياد بن سميَّة، وهي جارية لرجلٍ من ثقيف كانت معروفة بالبغاء، وقد أنجبت زياداً من سفاح أبي سفيان في قضيةٍ هي من أشهر أيام العرب، وكذلك فقد رُوي انَّ أمير المؤمنين (ع) قال عن عمرو بن العاص: "عجباً لإبن النابغة.." (4) وفي رواية " زعم ابن النابغة.."
وكذلك ماروي عن السيدة زينب بنت أمير المؤمنين(ع) انَّها واجهت ابن زياد في مجلسه بقولها: " هبلتك او ثكلتك امُّك ياابن مرجانة.." وكان كثيراً مايُذكر ابن زياد - في الروايات الواردة عن أهل البيت(ع) وفي المأثور عن الصالحين- بهذا اللقب، وكان كذلك معروفاً بالدَّعي ابن الدَّعي.
وثالثا : لم تكن الزرقاء ذات حرمة بعد انْ هتكتها بسؤ إختيارها حيث كانت من ذوات الرايات تدعو الناس علناً ودون مواربة إلى نفسها في سوق عكاظ وذي المجاز، فمثل هذه لا تكترث ولا يسوؤها مايُقال عنها، فلم تكن تستتر بسوءة ما تجترحه عن الناس رغم انَّ مثل فعلها كان معيباً عند أشراف العرب في الجاهلية، هذا وقد يتحاشى الناس -أعني الأخيار منهم- عن ذكر مثلها بسوء لو صلُح أبناؤها فيكون التكتُّم على سوءتها من الرعاية لحرمتهم، أما وقد عُرف أبناءُ هذه المرأة في الجاهلية والإسلام بأسوأ الخصال فلمَن ترعى الحرمة ؟!
نعم لايتلفَّظ الخيِّرون بالفاحش والبذيئ من الكلام حين تقتضي الحاجة إلى تبكيت هولاء وزجرهم أو توهينهم، ذلك لأنَّه لا يليق بدينهم وشأنهم ومروءاتهم، لذلك فهم يذكرونهم مثلاً بإسم من عُرف من أُمهاتهم وآبائهم بالسوء أو يصفون أفعالهم المشينة بطريق الكناية والتعريض كالتوصيف بذات الراية.
ثم إنَّ الرسول (ص) قد وصف مروان بن الحكم ومَن في عقبه بما يُضاهي نسبتهم للزرقاء بنت موهب في التحقير، فقد ثبت من طرقنا وطرق العامة انَّه (ص) وصف مروان بالوزغ ولعنه ولعن أباه الحكم ولعن مَن في صلبه، ووصف بني الحكم بن أبي العاص بالقردة.
- الفتن - نعيم بن حماد المروزي - ص 72.
- الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 4 ص 194.
- أنساب الأشراف - أحمد بن يحيى بن جابر (البلاذري) - ج 6 ص 257.
- نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج 1 ص 147.
تعليق