بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم والعن اعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ايها الاخوة الاعزاء هذا الموضوع خاص لمناسبة ذكرى استشهاد الامام محمد الباقر عليه السلام
بالرغم من ان الموضوع مؤلف من عدة صفحات لكنني اعتقد انه جميل ورائع اثناء القراءة ...
اسال الله تعالى ان يحفظ الجميع بحق الامام الباقر عليه السلام
في بيان ولادته واسمه وكنيته ولقبه
اعلم انه (عليه السلام) ولد يوم الاثنين في الثالث من صفر أو غرة رجب سنة (57 هـ) بالمدينة المنورة وكان (عليه السلام) حاضرا في وقعة الطف وعمره اربع سنين، امه الماجدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) وقيل لها أ ُم عبدالله، فأصبح (عليه السلام) ابن الخيرتين وعلويا بين العلويين.
روي في دعوات الراوندي عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال: كانت أ ُمي قاعدة عند جدار فتصدع الجدار وسمعنا هدة شديدة فقالت بيدها: لا وحق المصطفى ما أذن الله لك في السقوط، فبقي معلقا حتي جازته، فتصدق عنها أبي (عليه السلام) بمائة دينار.
وذكرها الصادق عليه السلام يوما فقال: كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن (عليه السلام) امرأة مثلها[1].
و روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) باسانيد معتبرة انه قال:
«الاوصياء اذا حملت بهم امهاتهم اصابها فترة شبه الغشية، فأقامت في ذلك يومها ذلك... ثم ترى في منامها رجلا يبشرها بغلام، عليم، حليم، فتفرح لذلك، ثم تنتبه من نومها فتسمع من جانبها الايمن في جانب البيت صوتا يقول: حملت بخير وتصيرين إلى خير وجئت بخير، أبشري بغلام حليم عليم.
وتجد خفة في بدنها ثم لم تجد بعد ذلك امتناع من جنبيها وبطنها فاذا كان لتسع من شهرها سمعت في البيت حسا شديدا فاذا كانت الليلة التي تلد فيها ظهر لها في البيت نور تراه لا يراه غيرها إلا أبوه، فاذا ولدته ولدته قاعدا وتفتحت له حتى يخرج متربعا يستدير بعد وقوعه إلى االأرض، فلا يخطىء القبلة حيث كانت بوجهه ثم يعطس ثلاثا يشير باصبعه بالتحميد ويقع مسرورا مختونا ورباعيتاه من فوق واسفل وناباه وضاحكاه، ومن بين يديه مثل سبيكة الذهب نور ويقيم يومه وليلته تسيل يداه ذهبا (نورا أصفرا مثل الذهب)...»[2].
اسمه الشريف محمد، وكنيته أبوجعفر، والقابه الشريفة الباقر والشاكر والهادي، وأشهر القابه الباقر، وقد لقبه رسول الله (عليه السلام) به كما ورد في رواية سفينة عن جابر بن عبدالله انه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يوشك ان تبقى حتى تلقى ولدا لي من الحسين (عليه السلام) يقال له: محمد، يبقر علم الدين بقرا فاذا ليقته فاقرأه مني السلام[3].
و روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن عمرو بن شمر قال: سألت جابر بن يزيد الجعفي فقلت له: ولم سمي الباقر باقرا؟ قال: لانه بقر العلم بقرا أي شقه شقا وأظهره إظهارا.
ولقد حدثني جابر بن عبدالله الانصاري انه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يا جابر انك ستبقى حتى تلقى ولدي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف في التوراة بباقر، فاذا لقيته فاقرأه مني السلام، فليقيه جابر بن عبدالله الانصاري في بعض سكك المدينة، فقال له: يا غلام من أنت؟ قال: أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
قال له جابر: يا بني أقبل فأقبل، ثم قال: أدبر فأدبر، فقال: شمائل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورب الكعبة، ثم قال: يا بني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرئك السلام، فقال: على رسول الله السلام ما دامت السماوات والارض وعليك يا جابر بما بلغت السلام، فقال له جابر: يا باقر، يا باقر، انت الباقر حقا أنت الذي تبقر العلم بقرا.
ثم كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه، فربما غلط جابر فيما يحدث به عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرد عليه ويذكره، فيقبل ذلك منه ويرجع إلى قوله، وكان يقول: يا باقر، يا باقر، يا باقر، اشهد بالله إنك قد اوتيت الحكم صبيا[4].
وفي تذكرة سبط ابن الجوزي: انما سمي الباقر من كثرة سجوده، بقر السجود جبهته، اي فتحها ووسعها، وقيل لغزارة علمه[5].
وقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة مع كثرة عناده ونصبه: «أبو جعفر محمد الباقر سمي بذلك من بقر الارض اي شقها وأثار مخباتها ومكامنها فلذلك هو أظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الاحكام واللطائف ما لا يخفى إلا علي منطمس البصيرة او فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه الخ»[6].
وكان نقش خاتمه (العزة لله) أو (العزة لله جميعا)[7] وعلى رواية انه كان يلبس خاتم جده الحسين (عليه السلام) وكان نقشه (ان الله بالغ امره)[8] وروي غير هذا ايضا ولا منافاة بينها لامكان تعدد خواتيمه ولكل نقش مستقل.
[1] - دعوات الراوندي: ص 68، ح 165 ـ و عنه في البحار، ج 46، ص 215.
[2] - الكافي: ج 1، ص 318، ح 5، باب مواليد الائمة (عليه السلام)
[3] - الارشاد: ج 1، ص 318، ح 5.
[4] - علل الشرايع: ص 233.
[5] - تذكرة الخواص: ص 336.
[6] - الصواعق المحرقة: ص 201، الفصل الثالث.
[7] - التهذيب: ج 1، ص 32.
[8] - مكارم الاخلاق: ص 91.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مكيدة الطاغية هشام مغادرة الإمام الباقر (عليه السلام) دمشق
أمر الطاغية هشام إغلاق جميع الحوانيت في دمشق بوجه الإمام خوفاً أن يفتتن الناس به، ويتبلور الرأي العام ضد بني أمية فأوعز إلى الأسواق في جميع المدن بإغلاق محلاتها التجارية الواقعة في طريق الإمام (عليه السلام). وقد أراد بذلك هلاك الإمام (عليه السلام) والقضاء عليه وعلى من معه. سارت قافلة الإمام (عليه السلام) وقد أضناها الجوع والعطش فاجتازت على بعض المدن فبادر أهلها إلى إغلاق محلاتهم بوجه الإمام، ولما رأى (عليه السلام) ذلك صعد على جبل هناك ورفع صوته قائلاً:
(يا أهل المدينة الظالم أهلها، أنا بقية الله، يقول الله تعالى: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ)[1] وما أنهى الإمام هذه الكلمات حتى بادر شيخ من شيوخ المدينة فنادى أهل قريته قائلاً: (يا قوم هذه والله دعوة شعيب، والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذ من فوقكم، ومن تحت أرجلكم فصدقوني هذه المرة، وأطيعوني، وكذبوني فيما تستأنفون فإني ناصح لكم).
فزع أهل المدينة فاستجابوا لدعوة الشيخ الذي نصحهم، ففتحوا حوانيتهم واشترى الإمام (عليه السلام) وقافلته ما أرادوه من المتاع [2] وفشلت بذلك مكيدة الطاغية، وقد انتهت إليه الأنباء، فلم يقف عند هذا الحد حتى دس إليه السم كما ذكرنا.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة هود، الآية 86.
2] المناقب [ج4 ص 690 والبحار ج11 ص 75.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
اعتقال الإمام الباقر (عليه السلام)
لما ذاع فضل الإمام (عليه السلام) بين أهل الشام، أمر الطاغية باعتقاله في السجن, وفي السجن بدأ يلقي بمحاضراته وعلومه وآدابه أمام السجناء الذين احتفوا به وقدروه تقديراً عظيماً. ولما علم بذلك هشام أمر بإخراجه من السجن وإرجاعه إلى المدينة خوفاً من الفتنة. هذا ما ألمحنا إليه في الرواية الأولى.
أما الرواية الثانية التي رويت عن عمارة بن زيد الواقدي فتقول: حج هشام سنة من السنين، وفي السنة نفسها حج الإمام محمد الباقر وابنه الإمام جعفر الصادق (عليهما السلام). فقال الإمام جعفر الصادق أمام حشد من الناس بينهم مسلمة بن عبد الملك أخو هشام:
(الحمد لله الذي بعث محمداً بالحق نبياً، وأكرمنا به، فنحن صفوة الله على خلقه، وخيرته من عباده، فالسعيد من تبعنا، والشقي من عادانا وخالفنا) ولما سمع مسلمة بادر إلى أخيه هشام وأخبره بمقالة الإمام الصادق. فأسرها هشام في نفسه، ولم يتعرض للإمامين بسوء في الحجاز، إلا أنه لما قفل راجعاً إلى دمشق أمر عامله على يثرب (المدينة) بإحضارهما إليه. ولما انتهيا إلى دمشق حجبهما ثلاثة أيام، ولم يسمح لهما بمقابلته استهانة بهما. وفي اليوم الرابع أذن لهما، وكان مجلسه مكتظاً بالأمويين وسائر حاشيته. وقد نصب ندماؤه برجاصاً [1] وأشياخ بني أمية يرمونه. يقول الإمام الصادق (عليه السلام) فلما دخلنا، كان أبي أمامي وأنا خلفه فنادى هشام: (يا محمد ارم مع أشياخ قومك).
فقال أبي: (قد كبرت عن الرمي، فإن رأيت أن تعفيني).
فصاح هشام: (وحق من أعزنا بدينه، وبنيه محمد (صلّى الله عليه وآله) لا أعفيك) وظن الطاغية أن الإمام سوف يخفق في رمايته فيتخذ ذلك وسيلة للحط من شأنه أمام الغوغاء من أهل الشام، وأومأ إلى شيخ من بني أمية أن يناول الإمام (عليه السلام) قوسه، فناوله، وتناول معه سهماً فوضعه في كبد القوس، ورمى به الغرض فأصاب وسطه، ثم تناول سهماً فرمى به فشق السهم الأول إلى نصله، وتابع الإمام الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض، ولم يحصل بعض ذلك إلى أعظم رام في العالم، وجعل هشام، يضطرب من الغيظ وورم أنفه، فلم يتمالك أن صاح:
(يا أبا جعفر أنت أرمى العرب والعجم!! وزعمت أنك قد كبرت!!) ثم أدركته الندامة على تقريظه للإمام، فأطرق برأسه إلى الأرض والإمام واقف، ولما طال وقوفه غضب (عليه السلام) وبان ذلك على سحنات وجهه الشريف وكان إذا غضب نظر إلى السماء، ولما بصر هشام غضب الإمام قام إليه واعتنقه، وأجلسه عن يمينه، وأقبل عليه بوجهه قائلاً:
(يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش، مادام فيها مثال لك لله درك!! من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟ أيرمي جعفر مثل رميك؟).
فقال أبو جعفر (عليه السلام): (إنا نحن نتوارث الكمال).
وثار الطاغية، واحمر وجهه، وهو يتمزق من الغيظ، وأطرق برأسه إلى الأرض، ثم رفع رأسه، وراح يقول:
(ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟).
ورد عليه الإمام مزاعمه قائلاً:
(نحن كذلك ولكن الله اختصنا من مكنون سره وخالص علمه بما لم يخص به أحد غيرنا). وطفق هشام قائلاً:
أليس الله بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها، فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) مبعوث إلى الناس كافة، وذلك قوله عز وجل (ولله ميراث السماوات والأرض)[2] فمن أين ورثتم هذا العلم؟ وليس بعد محمد نبي، ولا أنتم أنبياء).
ورد عليه الإمام ببالغ الحجة قائلاً:
(من قوله تعالى لنبيه: (لا تحرك به لسانك لتعجل به)[3] فالذي لم يحرك به لسانه لغيرنا أمره الله تعالى أن يخصنا به من دون غيرنا. فلذلك كان يناجي أخاه علياً من دون أصحابه وأنزل الله به قرآناً في قوله: (وتعيها أذن واعية)[4] فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): سألت أن يجعلها أذنك يا علي، فلذلك قال علي: علمني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب، خصه به النبي (صلّى الله عليه وآله) من مكنون سره، كما خص الله نبيه، وعلمه ما لم يخص به أحداً من قومه، حتى سار إلينا فتوارثناه من دون أهلنا)
التاع هشام، والتفت إلى الإمام وهو غضبان قائلاً:
(إن علياً كان يدعي علم الغيب؟ والله لم يطلع على غيبه أحداً فمن أين ادعى ذلك؟).
وأجابه الإمام (عليه السلام) بالواقع المشرق من جوانب حياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (إن الله أنزل على نبيه كتاباً بين دفته فيه ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)[5] .
وفي قوله تعالى: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)[6] وفي قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)[7] وفي قوله تعالى: (وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين)[8] وأوحى الله إلى نبيه أن لا يبقي في غيبة سره، ومكنون علمه شيئاً إلا يناجي به علياً، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده، ويتولى غسله وتحنيطه من دون قومه، وقال لأصحابه: حزم على أصحابي وقومي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي، فإنه مني، وأنا منه، له ما لي وعليه ما علي، وهو قاضي ديني، ومنجز وعدي، ثم قال لأصحابه: علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وعامه إلا عند علي، ولذلك قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أقضاكم علي) أي هو قاضيكم، وقال عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر، يشهد له عمر ويجحده غيره) وأطرق هشام برأسه إلى الأرض، ولم يجد منفذاً يسلك فيه للرد على الإمام فقال له:
(سل حاجتك).
قال الإمام (عليه السلام): (خلفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي) قال هشام: آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم، فلا تقم وسر من يومك)[9] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] هدف يرمونه بالسهام.
[2] سورة آل عمران، الآية 180.
[3] سورة القيامة، الآية 16.
[4] سورة الحاقة، الآية12.
[5] سورة النحل، الآية 89.
[6] سورة يس، الآية 12.
[7] سورة الأنعام، الآية38.
[8] سورة النمل، الآية 75.
[9] حياة الإمام محمد الباقر ج 2 ص 64 عن ضياء العالمين ج 2 ودلائل الإمامة ص 104 ـ 106.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
اغتيال الإمام (عليه السلام)
قال معاوية بن أبي سفيان: إن لله جنوداً من عسل، وبعد أن استوضحنا عن هذا السلاح، العسل، عرفنا أنه (السم) كانوا يخلطون العسل بالسم ويقدمونه شراباً لمن أرادوا اغتياله.
لقد تفنن الحكام الأمويون في طرق الإجرام والاغتيال ومن بين الشهداء الذين اغتالوهم بهذه الطريقة الإمام الباقر (عليه السلام).
اغتالته بالسم أيد آثمة لا عهد لها بالله ولا باليوم الآخر. جاء في بحار الأنوار:
إن هشام بن الحكم هو الذي قام باغتيال الإمام فدس إليه السم. وهذا القول هو المرجح لأن هشاماً كان حقوداً على آل النبي (صلّى الله عليه وآله) ونفسه مترعة بالبغض والكراهية لهم. فكلف إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ودس له السم وقد أهملت بعض المصادر اسم الشخص الذي اغتال الإمام واكتفت بالقول إنه مات مسموماً [1] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الأئمة الاثنى عشر لابن طولون ص 281.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إلى الفردوس الأعلى
بعد أن أدى الإمام (عليه السلام) رسالته الخالدة من نشر العلم في مختلف الميادين وإذاعة القيم الإنسانية بين الناس، اختاره الله إلى جواره لينعم في ظلال رحمته إلى جوار آبائه وأجداده عليهم أفضل الصلاة والسلام.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تعزية المسلمين للإمام الصادق (عليه السلام)
عندما عم الخبر هرع المسلمون من كل حدب وصوب إلى الإمام الصادق والحزن يدمي قلوبهم ليعزوه بمصابه ومصابهم الأليم، وليشاركوه اللوعة والأسى بفقد أبيه. وممن وفد عليه يعزيه سالم بن أبي حفصة. قال: لما توفي أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، قلت لأصحابي انتظروني حتى أدخل على أبي عبد الله جعفر بن محمد فأعزيه به، فدخلت عليه فعزيته. وقلت له: (إنا لله، وإنا إليه راجعون) ذهب والله من كان يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فلا يسأل عمن بينه وبين رسول الله والله لا يرى مثله أبداً. قال: وسكت الإمام أبو عبد الله (عليه السلام) ساعة ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم: قال الله تبارك وتعالى:
إن من عبادي من يتصدق بشق من تمرة فأربيها له، كما يربي أحدكم فلوه[1].
وخرج سالم بعد أن أخذ العجب منه مأخذه والتفت إلى أصحابه قائلاً: ما رأيت أعجب من هذا كنا نستعـــظم قول أبـــي جعفر (عليه السلام) قال رســـول الله (صلّى الله عليه وآله) بلا واسطة، فقـــال لي أبو عـــبد الله (عليه السلام): قال الله بلا واسطة [2].
ولا عجب ولا غرابة فالإمام الصادق (عليه السلام) ابن أبيه وحديثه مستمد من أحاديث آبائه الذين زقوا العلم زقاً وأخذوا علومهم من جدهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الفلو: المهر الصغير والأنثى فلوة والجمع أفلاء.
[2] أمالي الشيخ الطوسي ص 125.
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم والعن اعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ايها الاخوة الاعزاء هذا الموضوع خاص لمناسبة ذكرى استشهاد الامام محمد الباقر عليه السلام
بالرغم من ان الموضوع مؤلف من عدة صفحات لكنني اعتقد انه جميل ورائع اثناء القراءة ...
اسال الله تعالى ان يحفظ الجميع بحق الامام الباقر عليه السلام
في بيان ولادته واسمه وكنيته ولقبه
اعلم انه (عليه السلام) ولد يوم الاثنين في الثالث من صفر أو غرة رجب سنة (57 هـ) بالمدينة المنورة وكان (عليه السلام) حاضرا في وقعة الطف وعمره اربع سنين، امه الماجدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) وقيل لها أ ُم عبدالله، فأصبح (عليه السلام) ابن الخيرتين وعلويا بين العلويين.
روي في دعوات الراوندي عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال: كانت أ ُمي قاعدة عند جدار فتصدع الجدار وسمعنا هدة شديدة فقالت بيدها: لا وحق المصطفى ما أذن الله لك في السقوط، فبقي معلقا حتي جازته، فتصدق عنها أبي (عليه السلام) بمائة دينار.
وذكرها الصادق عليه السلام يوما فقال: كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن (عليه السلام) امرأة مثلها[1].
و روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) باسانيد معتبرة انه قال:
«الاوصياء اذا حملت بهم امهاتهم اصابها فترة شبه الغشية، فأقامت في ذلك يومها ذلك... ثم ترى في منامها رجلا يبشرها بغلام، عليم، حليم، فتفرح لذلك، ثم تنتبه من نومها فتسمع من جانبها الايمن في جانب البيت صوتا يقول: حملت بخير وتصيرين إلى خير وجئت بخير، أبشري بغلام حليم عليم.
وتجد خفة في بدنها ثم لم تجد بعد ذلك امتناع من جنبيها وبطنها فاذا كان لتسع من شهرها سمعت في البيت حسا شديدا فاذا كانت الليلة التي تلد فيها ظهر لها في البيت نور تراه لا يراه غيرها إلا أبوه، فاذا ولدته ولدته قاعدا وتفتحت له حتى يخرج متربعا يستدير بعد وقوعه إلى االأرض، فلا يخطىء القبلة حيث كانت بوجهه ثم يعطس ثلاثا يشير باصبعه بالتحميد ويقع مسرورا مختونا ورباعيتاه من فوق واسفل وناباه وضاحكاه، ومن بين يديه مثل سبيكة الذهب نور ويقيم يومه وليلته تسيل يداه ذهبا (نورا أصفرا مثل الذهب)...»[2].
اسمه الشريف محمد، وكنيته أبوجعفر، والقابه الشريفة الباقر والشاكر والهادي، وأشهر القابه الباقر، وقد لقبه رسول الله (عليه السلام) به كما ورد في رواية سفينة عن جابر بن عبدالله انه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يوشك ان تبقى حتى تلقى ولدا لي من الحسين (عليه السلام) يقال له: محمد، يبقر علم الدين بقرا فاذا ليقته فاقرأه مني السلام[3].
و روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن عمرو بن شمر قال: سألت جابر بن يزيد الجعفي فقلت له: ولم سمي الباقر باقرا؟ قال: لانه بقر العلم بقرا أي شقه شقا وأظهره إظهارا.
ولقد حدثني جابر بن عبدالله الانصاري انه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يا جابر انك ستبقى حتى تلقى ولدي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف في التوراة بباقر، فاذا لقيته فاقرأه مني السلام، فليقيه جابر بن عبدالله الانصاري في بعض سكك المدينة، فقال له: يا غلام من أنت؟ قال: أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
قال له جابر: يا بني أقبل فأقبل، ثم قال: أدبر فأدبر، فقال: شمائل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورب الكعبة، ثم قال: يا بني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرئك السلام، فقال: على رسول الله السلام ما دامت السماوات والارض وعليك يا جابر بما بلغت السلام، فقال له جابر: يا باقر، يا باقر، انت الباقر حقا أنت الذي تبقر العلم بقرا.
ثم كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه، فربما غلط جابر فيما يحدث به عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرد عليه ويذكره، فيقبل ذلك منه ويرجع إلى قوله، وكان يقول: يا باقر، يا باقر، يا باقر، اشهد بالله إنك قد اوتيت الحكم صبيا[4].
وفي تذكرة سبط ابن الجوزي: انما سمي الباقر من كثرة سجوده، بقر السجود جبهته، اي فتحها ووسعها، وقيل لغزارة علمه[5].
وقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة مع كثرة عناده ونصبه: «أبو جعفر محمد الباقر سمي بذلك من بقر الارض اي شقها وأثار مخباتها ومكامنها فلذلك هو أظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الاحكام واللطائف ما لا يخفى إلا علي منطمس البصيرة او فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه الخ»[6].
وكان نقش خاتمه (العزة لله) أو (العزة لله جميعا)[7] وعلى رواية انه كان يلبس خاتم جده الحسين (عليه السلام) وكان نقشه (ان الله بالغ امره)[8] وروي غير هذا ايضا ولا منافاة بينها لامكان تعدد خواتيمه ولكل نقش مستقل.
[1] - دعوات الراوندي: ص 68، ح 165 ـ و عنه في البحار، ج 46، ص 215.
[2] - الكافي: ج 1، ص 318، ح 5، باب مواليد الائمة (عليه السلام)
[3] - الارشاد: ج 1، ص 318، ح 5.
[4] - علل الشرايع: ص 233.
[5] - تذكرة الخواص: ص 336.
[6] - الصواعق المحرقة: ص 201، الفصل الثالث.
[7] - التهذيب: ج 1، ص 32.
[8] - مكارم الاخلاق: ص 91.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مكيدة الطاغية هشام مغادرة الإمام الباقر (عليه السلام) دمشق
أمر الطاغية هشام إغلاق جميع الحوانيت في دمشق بوجه الإمام خوفاً أن يفتتن الناس به، ويتبلور الرأي العام ضد بني أمية فأوعز إلى الأسواق في جميع المدن بإغلاق محلاتها التجارية الواقعة في طريق الإمام (عليه السلام). وقد أراد بذلك هلاك الإمام (عليه السلام) والقضاء عليه وعلى من معه. سارت قافلة الإمام (عليه السلام) وقد أضناها الجوع والعطش فاجتازت على بعض المدن فبادر أهلها إلى إغلاق محلاتهم بوجه الإمام، ولما رأى (عليه السلام) ذلك صعد على جبل هناك ورفع صوته قائلاً:
(يا أهل المدينة الظالم أهلها، أنا بقية الله، يقول الله تعالى: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ)[1] وما أنهى الإمام هذه الكلمات حتى بادر شيخ من شيوخ المدينة فنادى أهل قريته قائلاً: (يا قوم هذه والله دعوة شعيب، والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذ من فوقكم، ومن تحت أرجلكم فصدقوني هذه المرة، وأطيعوني، وكذبوني فيما تستأنفون فإني ناصح لكم).
فزع أهل المدينة فاستجابوا لدعوة الشيخ الذي نصحهم، ففتحوا حوانيتهم واشترى الإمام (عليه السلام) وقافلته ما أرادوه من المتاع [2] وفشلت بذلك مكيدة الطاغية، وقد انتهت إليه الأنباء، فلم يقف عند هذا الحد حتى دس إليه السم كما ذكرنا.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة هود، الآية 86.
2] المناقب [ج4 ص 690 والبحار ج11 ص 75.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
اعتقال الإمام الباقر (عليه السلام)
لما ذاع فضل الإمام (عليه السلام) بين أهل الشام، أمر الطاغية باعتقاله في السجن, وفي السجن بدأ يلقي بمحاضراته وعلومه وآدابه أمام السجناء الذين احتفوا به وقدروه تقديراً عظيماً. ولما علم بذلك هشام أمر بإخراجه من السجن وإرجاعه إلى المدينة خوفاً من الفتنة. هذا ما ألمحنا إليه في الرواية الأولى.
أما الرواية الثانية التي رويت عن عمارة بن زيد الواقدي فتقول: حج هشام سنة من السنين، وفي السنة نفسها حج الإمام محمد الباقر وابنه الإمام جعفر الصادق (عليهما السلام). فقال الإمام جعفر الصادق أمام حشد من الناس بينهم مسلمة بن عبد الملك أخو هشام:
(الحمد لله الذي بعث محمداً بالحق نبياً، وأكرمنا به، فنحن صفوة الله على خلقه، وخيرته من عباده، فالسعيد من تبعنا، والشقي من عادانا وخالفنا) ولما سمع مسلمة بادر إلى أخيه هشام وأخبره بمقالة الإمام الصادق. فأسرها هشام في نفسه، ولم يتعرض للإمامين بسوء في الحجاز، إلا أنه لما قفل راجعاً إلى دمشق أمر عامله على يثرب (المدينة) بإحضارهما إليه. ولما انتهيا إلى دمشق حجبهما ثلاثة أيام، ولم يسمح لهما بمقابلته استهانة بهما. وفي اليوم الرابع أذن لهما، وكان مجلسه مكتظاً بالأمويين وسائر حاشيته. وقد نصب ندماؤه برجاصاً [1] وأشياخ بني أمية يرمونه. يقول الإمام الصادق (عليه السلام) فلما دخلنا، كان أبي أمامي وأنا خلفه فنادى هشام: (يا محمد ارم مع أشياخ قومك).
فقال أبي: (قد كبرت عن الرمي، فإن رأيت أن تعفيني).
فصاح هشام: (وحق من أعزنا بدينه، وبنيه محمد (صلّى الله عليه وآله) لا أعفيك) وظن الطاغية أن الإمام سوف يخفق في رمايته فيتخذ ذلك وسيلة للحط من شأنه أمام الغوغاء من أهل الشام، وأومأ إلى شيخ من بني أمية أن يناول الإمام (عليه السلام) قوسه، فناوله، وتناول معه سهماً فوضعه في كبد القوس، ورمى به الغرض فأصاب وسطه، ثم تناول سهماً فرمى به فشق السهم الأول إلى نصله، وتابع الإمام الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض، ولم يحصل بعض ذلك إلى أعظم رام في العالم، وجعل هشام، يضطرب من الغيظ وورم أنفه، فلم يتمالك أن صاح:
(يا أبا جعفر أنت أرمى العرب والعجم!! وزعمت أنك قد كبرت!!) ثم أدركته الندامة على تقريظه للإمام، فأطرق برأسه إلى الأرض والإمام واقف، ولما طال وقوفه غضب (عليه السلام) وبان ذلك على سحنات وجهه الشريف وكان إذا غضب نظر إلى السماء، ولما بصر هشام غضب الإمام قام إليه واعتنقه، وأجلسه عن يمينه، وأقبل عليه بوجهه قائلاً:
(يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش، مادام فيها مثال لك لله درك!! من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟ أيرمي جعفر مثل رميك؟).
فقال أبو جعفر (عليه السلام): (إنا نحن نتوارث الكمال).
وثار الطاغية، واحمر وجهه، وهو يتمزق من الغيظ، وأطرق برأسه إلى الأرض، ثم رفع رأسه، وراح يقول:
(ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟).
ورد عليه الإمام مزاعمه قائلاً:
(نحن كذلك ولكن الله اختصنا من مكنون سره وخالص علمه بما لم يخص به أحد غيرنا). وطفق هشام قائلاً:
أليس الله بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها، فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) مبعوث إلى الناس كافة، وذلك قوله عز وجل (ولله ميراث السماوات والأرض)[2] فمن أين ورثتم هذا العلم؟ وليس بعد محمد نبي، ولا أنتم أنبياء).
ورد عليه الإمام ببالغ الحجة قائلاً:
(من قوله تعالى لنبيه: (لا تحرك به لسانك لتعجل به)[3] فالذي لم يحرك به لسانه لغيرنا أمره الله تعالى أن يخصنا به من دون غيرنا. فلذلك كان يناجي أخاه علياً من دون أصحابه وأنزل الله به قرآناً في قوله: (وتعيها أذن واعية)[4] فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): سألت أن يجعلها أذنك يا علي، فلذلك قال علي: علمني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب، خصه به النبي (صلّى الله عليه وآله) من مكنون سره، كما خص الله نبيه، وعلمه ما لم يخص به أحداً من قومه، حتى سار إلينا فتوارثناه من دون أهلنا)
التاع هشام، والتفت إلى الإمام وهو غضبان قائلاً:
(إن علياً كان يدعي علم الغيب؟ والله لم يطلع على غيبه أحداً فمن أين ادعى ذلك؟).
وأجابه الإمام (عليه السلام) بالواقع المشرق من جوانب حياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (إن الله أنزل على نبيه كتاباً بين دفته فيه ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)[5] .
وفي قوله تعالى: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)[6] وفي قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)[7] وفي قوله تعالى: (وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين)[8] وأوحى الله إلى نبيه أن لا يبقي في غيبة سره، ومكنون علمه شيئاً إلا يناجي به علياً، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده، ويتولى غسله وتحنيطه من دون قومه، وقال لأصحابه: حزم على أصحابي وقومي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي، فإنه مني، وأنا منه، له ما لي وعليه ما علي، وهو قاضي ديني، ومنجز وعدي، ثم قال لأصحابه: علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وعامه إلا عند علي، ولذلك قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أقضاكم علي) أي هو قاضيكم، وقال عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر، يشهد له عمر ويجحده غيره) وأطرق هشام برأسه إلى الأرض، ولم يجد منفذاً يسلك فيه للرد على الإمام فقال له:
(سل حاجتك).
قال الإمام (عليه السلام): (خلفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي) قال هشام: آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم، فلا تقم وسر من يومك)[9] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] هدف يرمونه بالسهام.
[2] سورة آل عمران، الآية 180.
[3] سورة القيامة، الآية 16.
[4] سورة الحاقة، الآية12.
[5] سورة النحل، الآية 89.
[6] سورة يس، الآية 12.
[7] سورة الأنعام، الآية38.
[8] سورة النمل، الآية 75.
[9] حياة الإمام محمد الباقر ج 2 ص 64 عن ضياء العالمين ج 2 ودلائل الإمامة ص 104 ـ 106.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
اغتيال الإمام (عليه السلام)
قال معاوية بن أبي سفيان: إن لله جنوداً من عسل، وبعد أن استوضحنا عن هذا السلاح، العسل، عرفنا أنه (السم) كانوا يخلطون العسل بالسم ويقدمونه شراباً لمن أرادوا اغتياله.
لقد تفنن الحكام الأمويون في طرق الإجرام والاغتيال ومن بين الشهداء الذين اغتالوهم بهذه الطريقة الإمام الباقر (عليه السلام).
اغتالته بالسم أيد آثمة لا عهد لها بالله ولا باليوم الآخر. جاء في بحار الأنوار:
إن هشام بن الحكم هو الذي قام باغتيال الإمام فدس إليه السم. وهذا القول هو المرجح لأن هشاماً كان حقوداً على آل النبي (صلّى الله عليه وآله) ونفسه مترعة بالبغض والكراهية لهم. فكلف إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ودس له السم وقد أهملت بعض المصادر اسم الشخص الذي اغتال الإمام واكتفت بالقول إنه مات مسموماً [1] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الأئمة الاثنى عشر لابن طولون ص 281.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إلى الفردوس الأعلى
بعد أن أدى الإمام (عليه السلام) رسالته الخالدة من نشر العلم في مختلف الميادين وإذاعة القيم الإنسانية بين الناس، اختاره الله إلى جواره لينعم في ظلال رحمته إلى جوار آبائه وأجداده عليهم أفضل الصلاة والسلام.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تعزية المسلمين للإمام الصادق (عليه السلام)
عندما عم الخبر هرع المسلمون من كل حدب وصوب إلى الإمام الصادق والحزن يدمي قلوبهم ليعزوه بمصابه ومصابهم الأليم، وليشاركوه اللوعة والأسى بفقد أبيه. وممن وفد عليه يعزيه سالم بن أبي حفصة. قال: لما توفي أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، قلت لأصحابي انتظروني حتى أدخل على أبي عبد الله جعفر بن محمد فأعزيه به، فدخلت عليه فعزيته. وقلت له: (إنا لله، وإنا إليه راجعون) ذهب والله من كان يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فلا يسأل عمن بينه وبين رسول الله والله لا يرى مثله أبداً. قال: وسكت الإمام أبو عبد الله (عليه السلام) ساعة ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم: قال الله تبارك وتعالى:
إن من عبادي من يتصدق بشق من تمرة فأربيها له، كما يربي أحدكم فلوه[1].
وخرج سالم بعد أن أخذ العجب منه مأخذه والتفت إلى أصحابه قائلاً: ما رأيت أعجب من هذا كنا نستعـــظم قول أبـــي جعفر (عليه السلام) قال رســـول الله (صلّى الله عليه وآله) بلا واسطة، فقـــال لي أبو عـــبد الله (عليه السلام): قال الله بلا واسطة [2].
ولا عجب ولا غرابة فالإمام الصادق (عليه السلام) ابن أبيه وحديثه مستمد من أحاديث آبائه الذين زقوا العلم زقاً وأخذوا علومهم من جدهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الفلو: المهر الصغير والأنثى فلوة والجمع أفلاء.
[2] أمالي الشيخ الطوسي ص 125.
تعليق