لبيك يا حسين
نَثَرت الشمس خيوط شعرها الجميل صوب المشرق على صوت زقزقة العصافير وهي تعانق أشجار النخيل الباسقة عند الضياء الأول في صباح يوم من أيام فصل الربيع فطل عليها نور يعانق السماء من قبة ذهبية قد خالط لونها ذلك النور الوهاج استحيت وخجلت وقررت أن تعود أدراجها ولكن طمع المنظر قد شغف قلبها وسيطر على هواجسها حتى باتت تنحني أجلالاً وتقدساً لذلك المشهد العظيم استأذنت بالدخول في ذلك الرحاب ألملكوتي الذي يسع ضياءه كل علم الأشهاد وهي تستمع لتراتيل أنشودة الصباح من قلوب تعلقت في ستار الكعبة وهي تردد لبيك يا حسين ... لبيك يا حسين بعد أن طال انتظاره لسنوات وسنوات عجاف على نفوس خالطتها العتمة منذ زمن مضى وأيام قحط وجوع وحرمان ممزوج بالخوف الذي تهتز منه فرائص الشيوخ والصبيان والأطفال والنساء الذي أصابهم من نمرود آخر الزمان الذي أهلك الحرث والنسل حتى باتت الأشياء تأكل بعضها من أجل ديمومة البقاء الذي ضاعت فيه جميع ملامح الحياة لا لون فيها ولا طعم ولا رائحة سوى أصوات النياح التي تملأ الآفاق من كل صوب الكل يلعن حظه العاثر وينتظر المصير الذي كان يترقبه عند كل مساء حيث تأتي ذئاب الليل لتفترس أجساد العراة الذين باتوا قميصي البطون من شدة الجوع ذنبهم الوحيد يتضرعون لله أن يخلصهم هذا الغول الذي سلبهم كل حقوق الآدميين وجعلهم عبيد يسوق بعضهم بعضا إلى حتفه وما أن يصبح الصباح إلا وتجتمع الناس على أصوات عويل النساء الثكلى بفقيد قد رحل في ظلمة الليل الدامس إلى غياهب النسيان دون لقاء عن زوج أو أبن أو حبيب لقد ذهبوا إلى المجهول الذي لا يعلمه إلا الله ... ولـــــــــــــــــــــــــــــكن!بين هذا وذاك تحاول تلك النفوس الضعيفة أن تتوجه إلى مأوى تلوذ به وتلتحف بدفئه لتطفأ شدة الجوع والعطش والبرد وتنفس ما بها من هم وخوف ووجل علها تخفف ذلك الوطء الجاثم على قلوب فارقتها الابتسامة وروح المرح منذ زمن بعيد عند أول حاكم حكم البلاد بدعوى حسبنا كتاب الله في يوم رزيٍّ أسود وتحت أعواد سقيفة الظلام بسط الطاغوت يده ليبايعه الشيطان على أن يكون سوطا يقتل الأحرار الذين ذابت أرواحهم على دكت العتبة القدسية في رحاب النور الأقدس عند سدرت المنتهى .
ولكن التعلق بذلك الظل الظليل لا يخلوا من مخاطر كثيرة وتضحيات جسام تزهق فيه الأرواح وتقطع فيه الأوصال وتسبى فيه النساء وتدفن في الحقائق بين طيات النسيان لتمحوها من ذاكرة التاريخ . لكن التعلق فيه هوية الفقراء والمستضعفين يرفع شأنهم ويقوي شكيمتهم . لذلك تراهم لم ينقطعوا يوما عن التواصل معه يسلكون الطرق الوعرة والملغمة بأصناف من الوحوش التي تعيش على دماء الأبرياء من أجل الوصول إلى الغاية إلى الهدف وفي كل مرة يكون الثمن باهض عن سابقه المال يُجمع والأعضاء تنبت من جديد في ميلاد يوم جديد عند اللقاء وأما القتل ففيه المنى المنشود الذي تجتمع فيه الأرواح مع الأنيس الذي طال لقاءه مع أنشودة يا ليتنا كنا معكم سيدي فنفوز فوزا عظيما .
إن النفوس المستضعفة تستأنس في كل ذلك بل تتسابق القلوب قبل الأقدام حتى تكون بالصدارة متحدية هول المطلع وفراق الأحبة . وعندما تسألهم ألا ترون فيه هلاككم ؟ الكل يصيح بل فيه حياتنا وديمومة وجودنا وخلودنا . الكل يسير نحو الهدف نحو الغاية تتقدمهم قلوبهم ملآها حرارة اللقاء حتى يصل الأمر للتدافع من أجل الفوز باللقاء عندها تتعانق الأرواح وتشتبك الأيدي ويطفح الحنين إلى العيون ليغمرها الدموع التي يمتزج مع القبلات وتروح الصدور تسبح على الشباك كالغريق الذي يبحث عن قش للخلاص عندها تبدأ الشكوى والأنين والبكاء بين العاشقين لساعات وساعات هذا يشكي من ظلمة الأيام وطول انتظار وذاك يشكي ظلم الطغاة وحوافر الخيل وعطش اليتامى وسبي النساء حتى تستريح النفوس وتستكين الأبدان التي اختلطت بتراب الأرض لتبرأ العيوب التي صنعها الحرمان والجوع ومرارة ألم الفراق عندها تعيد الحياة رونقها وتصفى النفوس بعد أن يرتفع كل هم وغم ويتجدد الأمل في لقاء جديد في يوم جديد نهتف فيه لبيك يا حسين ... لبيك يا حسين
29 / 10 / 2013
تعليق