مسلم بن عقيل داعية وسفير الامام الحسين (ع)في الكوفة
بقلم|مجاهد منعثر منشد
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )
صدق الله العلي العظيم
فيا ابن عقيل فدتك النفوس لـعظم رزيـتك الـفادحة
بكتك دما يا ابن عم الحسين مـدامعُ شـيعتك الـسافحة
لأنـك لـم ترْوَ من شربةٍ ثـناياك فـيها غدت طائحة
رموك من القصر إذ أوثقوك فهل سلمت فيك من جارحة
و سـحبا تُـجَرُّ بـأسواقهم ألـستَ أمـيرهم الـبارحة
قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم وسلم ) بقتله : قال الإمام علي ( عليه السلام ) لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يا رسول الله إنّك لتحبّ عقيلاً ) ؟ قال : ( أي والله إنّي لأحبّه حُبَّين ، حبّاً له وحبّاً لحبّ أبيطالب له ، وإن ولده مقتول ويقصد بذلك مسلم في محبّة ولدك ، فتدمع عليه عيون المؤمنين ، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون ) .
ثمّ بكى رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتّى جرت دموعه على صدره ، ثمّ قال : ( إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي )(1).
هو السيّد أبو عبد الله ، مسلم بن عقيل بن أبي طالب . ولد عام 22 هـ بالمدينة المنوّرة .
أُمّه :السيّدة علية .
و زوجته : السيّدة رقية بنت الإمام علي ( عليهما السلام ).
وله بنت اسمها حميدة أمها أم كلثوم الصغرى بنت أمير المؤمنين وتزوج حميدة ابن عمها وابن خالتها عبدالله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ، وأمه زينب الصغرى بنت أميرالمؤمنين .
فأولاد مسلم الذكور خمسة ؛ عبدالله ومحمد استشهدا يوم الطف ، واثنان قتلا بالكوفة ، والخامس لم يقع الباحثين على خبره .
لقد ترعرع مسلم في حجر أبيه عقيل ، و لما توفي أبوه رعاه عمه أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فتلقى منه الكثير من المعارف و الصفات الحميدة.
و كان مسلم بن عقيل من الأصحاب المخلصين للأئمة الأطهار عليهم السلام ، و لهذا كانت له مكانة خاصة عندهم .
وكان عاقلاً عالماً شجاعاً ، وكان الإمام الحسين ( عليه السلام ) يلقّبه بثقتي ، وهو ما أشارإليه في رسالته إلى أهل الكوفة .
ولشجاعته اختاره عمُّه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حرب صفّين ، ووضعه على ميمنة العسكر مع الحسن والحسين (عليهما السلام) .
لما دخل المسلمون مدينة البهنسا ( في صعيد مصر الأدنى غربي النيل ) دخل مسلم بن عقيل ( والذي رأى من قبل اخويه جعفرا وعليا جريحين ) وكان يرتجز ويقول :
ضناني الهم مع حزني الطويل لفقد صاحبي مجد أثيل
فـوا ثأرا لجعفر مع علي ليوث الحرب آل بني عقيل
سأقتل بالمهند كل قرم عسى بالثأر ان يشفى غليلي (2).
. وخرج مع الإمام الحسين (عليه السلام ) من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة، بعد رفض الإمام (عليه السلام ) البيعة ليزيد .
و أرسله الإمام الحسين (عليه السلام ) سفيراً إلى أهل الكوفة، لاستطلاع الأوضاع هناك وأخذ البيعة للإمام (عليه السلام ) منهم .
قال الإمام الحسين (عليه السلام ) في كتابه لأهل الكوفة: وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، فأقام هناك 64 يوماً .
أرسل معه رسالة جاء فيها :
انا باعث اليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي ، مسلم بن عقيل ، فان كتب إلي بانه قد اجتمع رأي ملاءكم وذوي الحجى والفضل منكم ، على مثل ما قدمت به رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، فاني اقدم اليكم وشيكا ، انشاء الله.. (3).
.
وكان ابن عقيل عارفا بخطورة المهمة التي يندفع اليها ، اولم تكن واقعة عاشوراء ميراثا فكريا لآل بيت الرسول .
يتواصون بها ، ويتساءلوون عن تفاصيلها ، اولم يبشر الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ امير المؤمنين عليا ـ عليه السلام ـ بان ولد عقيل يقتل في محبة ولده ، اولم يسمع مسلم هذه الرواية ووعاها .
وقد ودعه الامام الحسين عليه السلام بالقول :
اني موجهك الى أهل الكوفة وسيقضي الله من أمرك ما يحب ويرضى ، وارجو ان اكون انا وانت ، في درجة الشهداء فامض ببركة الله وعونه (4).
وكان أحد أصحاب مسلم بن عقيل و اسمه شريك ـ يتظاهر بأنه من أتباع يزيد ، فمرض يوما، فعزم ابن زياد على زيارته .
رأى شريك أن هذه فرصة ثمينة للقضاء على ابن زياد ، فطلب من مسلم بن عقيل أن يختبئ وراء الباب و أن يقوم بقتل ابن زياد .
جاء ابن زياد إلى شريك و جلس عنده، و كان لا يعلم أن مسلم بن عقيل مختبئ وراء الباب، و لما جلس ابن زياد ، أشار شريك بشكل خفي إلى مسلم أن يهجم على ابن زياد ، ولكن مسلم بن عقيل لم يفعل ! كرر شريك إشارته و لكن لم يرَ أن مسلم بن عقيل قد تحرك فتعجب من ذلك .
ولما خرج ابن زياد ، ظهر مسلم من مخبئه ، فسأله شريك :
لماذا لم تقم بقتل ابن زياد ، كانت فرصة كبيرة !
فرد عليه مسلم بن عقيل بأن: أخلاقه الكريمة تمنعه من الغدر بالناس حتى لو كانوا أعداءهم !وهكذا كان بنو هاشم يلتزمون بتعاليم الإسلام في كل لحظات حياتهم .
فكتب عملاء الحكم الاموي الى يزيد (عليه اللعنه ) عن تحركات سفير الحسين (عليه السلام ) ، رسائل تخبره عن مجيء مسلم ( عليه السلام ) منها :
أمّا بعد ، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدِم الكوفة ، وبايعته الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام ) ، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قوياً ، ينفّذ أمرك ، ويعمل مثل عملك في عدوّك ، فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يَتَضَعَّف .
إرسال ابن زياد إلى الكوفة :
كتب يزيد بن معاوية رسالة إلى واليه في البصرة ، عبيد الله بن زياد ،يطلب منه أن يذهب إلى الكوفة ، ليسيطر على الوضع فيها ، ويقف أمام مسلم ( عليه السلام ) وتحرّكاته .
ومنذ وصول ابن زياد إلى قصر الإمارة في الكوفة ، أخذ يتهدّد ويتوعّد المعارضين والرافضين لحكومة يزيد .
و لمّا سمع مسلم ( عليه السلام ) بوصول ابن زياد ، وما توعّد به ، خرج من دار المختار سرّاً إلى دار هاني بن عروة ليستقر بها ، ولكن جواسيس ابن زياد عرفوا بمكانه ، فأمر ابن زياد بإلقاء القبض على هاني بن عروة وسجنه .
ورأى مسلم بن عقيل ـ سلام الله عليه ـ ان ابن زياد يضيق عليه الخناق .
وان عليه ان يبادر بالقيام قبل ان يؤخذ اليه اسيرا .
على يد جلاوزته وجواسيسه ، خصوصا وقد فقد ابرز اعوانه هاني بن عروة .
ولمّا بلغ خبر إلقاء القبض على هاني بن عروة إلى مسلم ، أمر ( عليه السلام ) أن ينادى في الناس (يا منصور أمت ) فاجتمع الناس في مسجد الكوفة .
فلمّا رأى ابن زياد ذلك ، دعا جماعة من رؤساء القبائل ، وأمرهم أن يسيروا في الكوفة ، ويخذلوا الناس عن مسلم ، ويعلموهم بوصول الجند من الشام .
فلمّا سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرّقون ، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وزوجها وتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول له :
غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر ؟! فيذهب به فينصرف ، فما زالوا يتفرّقون حتّى أمسى مسلم وحيداً ، ليس معه أحداً يدلّه على الطريق ، فمضى يمشي في أزقة الكوفة ، حتّى وصل إلى باب امرأة يقال لها : طوعة ، وهي على باب دارها تنتظر ولداً لها ، فسلّم عليها وقال : يا أمة الله أسقيني ماء ، فسقته وجلس .
فقالت : يا عبد الله ، قم فاذهب إلى أهلك ؟ فقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ، فهل لك في أجر ومعروف ، ولعلّي أكافئك بعد اليوم ؟ فقالت : ومن أنت ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل ، فأدخلته إلى دارها .
وكان ولد طوعه من جواسيس ابن زياد ، فابلغ ابن زياد بمكان مسلم ( عليه السلام ) ، فأرسل جماعةلإلقاء القبض عليه ، ولكن مسلم أخذ يقاتلهم قتال الأبطال ، وهو يقول :
أقـسمت لا أقـتل إلاّ حرّا إنّي رأيت الموت شيئاً نكرا
كـلّ امرئ يوماً ملاق شرّا أخـاف أن أكذب أو أغرا
حتّى أثخن بالجراحات ، فألقوا عليه القبض ، وأخذوه أسيراً إلى ابن زياد .
و أُدخل مسلم ( عليه السلام ) على ابن زياد ، فأخذ ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعلياً وعقيلاً ، ومسلم ( عليه السلام ) لا يكلّمه .
ثمّ قال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ، ثمّ أتبعوه جسده ، فأخذه بكر بن حمران الأحمري ليقتله ، ومسلم يكبّر الله ويستغفره ، ويصلّي على النبي وآله ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا ) .
ثمّ أمر ابن زياد بقتل هاني بن عروة فقتل ، وجرّت جثتا مسلم وهاني بحبلين في الأسواق.
وبعد ان قام الجلاد بكير بجريمته دعاه ابن زياد فقال له اقتلته قال : نعم .
قال : فما كان يقول وانتم تصعدون به لتقتلوه ؟ قال : كان يكبر ويسبح ويهلل ويستغفر الله .
فلما ادنيناه لنضرب عنقه قال : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا ثم خذلونا وقتلونا ، فضربته ضربة لم تعمل شيئا فقال لي : اوما يكفيك في خدش مني وفاء بدمك ايها العبد ؟ قال ابن زياد وفخرا عند الموت ، قال وضربته الثانية فقتلته .
واستشهد مسلم ( عليه السلام ) في التاسع من ذي الحجّة 60 هـ ، ودفن في الكوفة ، وقبره معروف .
فسلام الله عليه من شهيد لا يطلى دمه حتى قيام ولي الله بقية الله الحجة بن الحسن (عجل ) ، هاتفا يالثارات الحسين ...
الهوامش
(1) آمالي الصدوق ـ ص 114 .
(2) مبعوث الحسين (ع) ص 51 عن فتوح البهنسا الغراء
(3) بحار الانوار / ج 44 ص 334
(4) مبعوث الحسين (ع) ـ ص 11 نقلا عن مقتل الحسين للخوارزمي .
تعليق