42- الاستبشار بالتضحية!..
إنه من الطبيعي أن المنبع الذي وهب هذا الحب للأم الذي له ما له من المعاني، بإمكانه أيضا أن يقذف درجة أعلى وأعلى من هذا الحب في قلوب عباده المؤمنين.. فالذي جعل المودة الزوجية، والذي جعل مودة الأمومة، ما المانع أن يجعل ما لا يقاس بذلك في قلب المؤمن؟.. ففي حياة النبي وآل النبي (ص) هذه العلاقة كانت تصل إلى درجة أنهم يستبشرون في التضحية في مجال القرب إلى الله عز وجل.. شاء الله -عز وجل- أن يرى الحسين قتيلا وشهيدا، ومن هنا كلما اشتدد عليه البلاء أشرق لونه؛ لأنه يرى أن هذا البلاء في مرضاة رب العالمين، وهو الذي ختم حياته المباركة في المناجاة الحسينية: (إلهي!.. رضا بقضائك، وتسليما لأمرك؛ لا معبود لي سواك).
43- المزج بين دمعتين!..
إن على المؤمن أن يمزج بين دمعتين: دمعة التأسف على مصائبهم –عليهم السلام– كما قال الإمام الرضا (ع): (فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام).. وبين دمعة من دموع المناجاة بين يدي الله -عز وجل-.. هاتان الدمعتان إذا امتزجتا، خلقتا المعجزات، أقلها العتق!.. فإذن، على المؤمن أن لا يطلب من الله -عز وجل- عتق هذه الليالي، أو عتق السنة.. بل يقول: يا رب!.. أعتقنا إلى الأبد من نار جهنم.
44- العطاء لمن تعرض له!.
إن هذا العطاء الحسيني الذي هو كالشمس، عطاء عام شامل، ولكن هذا العطاء لمن تعرض له.. فكلنا غرقى، وكلنا هلكى، والحسين (ع) سفينة النجاة.. ولكن سفينة النجاة تنتشل من طلب النجاة، وإلا الذي لا يريد النجاة، والذي لا يستغيث بأهل النجاة، هذا الإنسان قد لا يغاث إلا تفضلاً.
45- خلود القضية الحسينية!..
إن البعض يظن أن مسألة النهضة الحسينية واقعة تاريخية، انتهت بموت العناصر المتواجهة فيها، وهذا خطأ جسيم!.. فكما أن تاريخ المواجهات لم يمت -طوال التاريخ- بين الأنبياء وأعدائهم، ومن هنا جعله القرآن عبرة لأولي الألباب، فكذلك قضية الحسين (ع) خالدة، لأن منهجه (منهج المواجهة مع الظلم الفكري والعملي) لازال حياً ماثلاً للجميع.. فمتى مات الباطل، لتموت المواجهة معه؟..
46- توقير المجالس!..
إن مجالس ذكر الحسين (ع) إنما هي في واقعها ذكر لله تعالى، فإنه إنما اكتسب الخلود، بتحقيقه أعلى صور العبودية لرب العالمين.. وهي الفداء بالنفس، وأية نفس؟!.. وعليه، فلابد من توقير تلك المجالس، بالدخول فيها: بالتسمية، والطهور، واستحضارها كجامعة من أعرق الجامعات الإسلامية الشعبية.
47- المجالس الحسينية جامعة كبرى!..
إن مجالس الحسين (ع) تعد بحق جامعة كبرى لها فروعها في عواصم المدن الكبرى إلى الأرياف الصغرى.. ومن هنا لا نرى أمة متفقهة في كليات الشريعة -فقها، وتاريخا، وسيرة- كأتباع مذهب أهل البيت (ع) الذين يدخلون هذه الجامعة شهرين في كل عام، سواء في ذلك الصغير الذي لم يبلغ الحلم، إلى الكبير الذي وصل إلى مشارف نهاية عمره!..
48- موسم مصالحة!..
هناك ارتباط وتجانس بين عشرات ثلاث: العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، والعشر الأوائل من شهر ذي الحجة الحرام، والعشر الأوائل من محرم الحرام.. وهي بمجموعها تمثل شهرا كاملا في كل عام.. علينا أن نتخذ من مجموع هذه العشرات المباركات، والموزعة على مدار السنة محطات لإعادة الصلة بالله -تعالى- الذي نبتعد عنه خطوة بعد كل معصية؛ لنعوض بذلك أميال البعد عنه، بخطوة جريئة إليه في كل موسم مصالحة!..
49- درس العبودية!..
إن حركة الحسين (ع) كانت أسلوب حياة في التعامل مع النفس والآخرين، فإنه أراد أن يعلمنا درس العبودية في كل مراحل حركته المباركة.. فنراه يخرج من جانب البيت الإلهي الآمن، عندما يرى رضا ربه في ذلك.. ونراه يعرض عياله للأسر والسبي، عندما يرى بأن الله -تعالى- شاء أن يراهن سبايا.. ويعرض نفسه لأقصى صور الهتك والتعذيب، عندما يرى بأن الله -تعالى- شاء أن يراه قتيلا.
50- تخليد الذكر!..
إن الطبع البشري يميل إلى تخليد الذكر، وبقاء الأثر بعد الرحيل من هذه الدنيا الفانية.. ولا سبيل إلى ذلك إلا بالارتباط بمبدأ الخلود، فهو الذي لو بارك في عمل أو وجود ربطه بأسباب الدوام والخلود، كما ورد فيما أوحاه الله -تعالى- إلى نبي من أنبيائه: (إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية).. وهو ما نراه متجليا في نهضة الحسين (ع)؛ ففي كل سنة تمر علينا ذكراه، وكأنها ذكرى جديدة.
51- النفوس المطمئنة!..
إن النفوس المطمئنة نفوس قليلة في عالم الوجود، كنفس الحسين (ع).. أما نفوسنا نحن، فهي نفوس أمارة أو لوامة.. لذا على المؤمن أن يتخذ ساعة من ليل أو نهار، فيتشبه بنبي الله يونس (ع) فيسجد ويقرأ آية: {لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.. يكفي أن يقولها مرة واحدة، ولكن بانقطاع شديد إلى الله عز وجل.
52- اختلاق الجو المؤثر!..
ليحاول الإنسان أن يجعل لنفسه جواً مؤثراً، ويتفاعل لذكر الحسين (ع)، ولا يجعل ذلك وقفاً على المآتم والمجالس.. وهذه الأيام -بحمد لله- وسائل التأثر كثيرة، بإمكانه أن يسمع شريطاً، أو ينظر إلى فيلم، أو هو بنفسه يتمتم لوحده ببعض الأبيات، وإذا بالدموع تسيل على خديه.. إن هذه اللحظات من البكاء في الخلوات بفعل الإنسان، وبتذكره لمصائب الحسين (ع)، لا يقاس بهذه المجالس؛ لأن الجو الجماعي قد يكون هو المؤثر، ولعل الأنفاس القدسية للآخرين هي المؤثرة.. ولكن الإنسان عندما يكون في جو خالٍ، فالأمر يعود إليه، لا للجو، ولا للمأتم، ولا للخطيب، ولا للأجواء المباركة.. بل هو من تفاعل بنفسه، هنيئاً لمن كان كذلك!..
53- ثمرة المجالس!..
إن السعي بين الصفا والمروة من شعائر الله -عزّ وجلّ- فكيف بإحياء ذكرى الحسين الشهيد (صلوات الله عليه) الذي خرج في طلب إصلاح أمة جده (ص) (ومن يعظم شعائر الله؛ فإنها من تقوى القلوب)، القرآن يذهب يمينا وشمالاً ويرجع إلى القلوب، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.. ثمرة الصيام التقوى، وثمرة إحياء مجالس أهل البيت (ع) أيضا تقوى القلب؛ أن يعيش الإنسان حالة من حالات المراقبة الباطنية.. إن الذي يريد أن يصلح جوارحه من دون حركةٍ جوانحية، هذا الإنسان سيخونه الأمر، ولا يمكنه أن يفلح في حياته.
54- جلب العناية الإلهية!..
إنَّ بعض الأولياء والصالحين ينتظرون هذه الليالي والأيام، لا لأجل إقامة عزاء الحسين فحسب!.. وإنما من أجل إصلاح أنفسهم، وجلب العناية الإلهية؛ لأن الرحمة الإلهية هذه الليالي والأيام رحمة غامرة.. في العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، الأجواء التوحيدية، والهبات الإلهية غامرة؛ وكذلك في هذه العشرة المباركة، بفضل التوسل بأهل بيت النبوة (ع)، أبواب السماء مفتوحة.. الإمام الرضا -عليه السلام- يقول: (إن يوم الحسين أقرح قلوبنا، إن يوم الحسين أدمى جفوننا، إن يوم الحسين أسبل دموعنا، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء.. فعلى مثل الحسين فليبك الباكون؛ فان البكاء يحط الذنوب العظام)؛ الذين يعيشون حالات البعد عن الله -عزّ وجلّ- حالة من حالات القطيعة: ينظر إلى قلبه، فلا يجد نور الإيمان في قلبه.. وينظر إلى حياته الماضية، فلا يجد محطةً يعوّل عليها بينه وبين الله -عزّ وجلّ-.. لذا اغتنموا هذه العشرة!..
55- انتشار المذهب!..
إن مذهب أهل البيت (ع) هو الأشد انتشاراً، والسر في ذلك الانتشار؛ هو وجود شخصية كالإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
56- رد السلام!..
إن الإمام المعصوم (ع)، يرد السلام؛ لأنه سلام على حي، وهذا السلام يوجب الرد.. الإنسان الذي تحت قبة الحسين -عليه السلام- وفي جوار مرقده الشريف، ويقول: السلام عليك يا أبا عبد الله.. الشهداء أحياء يرزقون، فكيف بإمام الشهداء، وسيد الشهداء.. ما المانع أن يكون الجواب بحسب القواعد الفقهية واجباً، أو تفضلاً من المعصوم.
57- التميز في الإيمان!..
إن أصحاب الإمام الحسين (ع) لهم تميز في إيمانهم؟.. والسبب في ذلك، أنه علينا أن لا ننظر إلى الإمام الحسين -عليه السلام- بعد مرور أكثر من ألف عام.. نعم، نحن اليوم في حالة من حالات الوضوح الفكري، أما في تلك الأيام وقبل الإمام الحسين عليه السلام، كانت الدعايات والشائعات كثيرة في حق أخيه، وهناك من اتهموا أمير المؤمنين أنهُ كان لا يُصلي، واستغربوا عندما سمعوا باستشهادهِ في المحراب!.. فيخرج الإمام الحسين -عليه السلام- في هذا الجو المضلل.. وعليه، فإن تلك بطولة من هؤلاء، إذ ميزوا أن الحق مع الحسين عليه السلام.
58- ماذا بعد عاشوراء!..
إن هنالك سؤالا نطرحه بعد كلَّ موسم ماذا بعد عاشوراء الحسين (عليه السلام)؟..من الطبيعي أن المجالس بعد هذه الأيام وهذه الليالي، لا تقاس بالعشرة الأولى من شهر محرم والثانية.. والحال أنَّ مصيبة أهل البيت (ع) تبدأ بهذا اليوم وما بعده، إلى يوم الأربعين.. فإذن، ينبغي أن نحافظ على المجالس، وخاصةً أن هنالك الكثير من الكلمات والمواعظ؛ المستوحاة من الكتاب والسنة وتراث أهل البيت (ع).. نحن طوال السنة نمضي أوقاتنا في جلسات: بعضها جادة، وبعضها لاهية.. فبعد شهر محرم وصفر، هناك فرص كافية للجلوس مع الآخرين.
59- قطف الثمار!..
نحن لا نقطف ثمار عاشوراء والمجالس كما ينبغي.. مثل إنسان يزرع شجرة، يسقي الشجرة، ويعتني بها، وبالتالي تعطي الثمار اليانعة، ولا يقطفها إلى أن تذبل.. نحن في تعاملنا مع مجالس أهل البيت (ع) هكذا.. مجلس عقد باسم معصوم من أئمة أهل البيت (ع)، جلست ساعة أو ساعتين، فرحاً فرحت، حزناً حزنت، أجريت الدموع في مناسبتهم.. الآن تخرج، ولا تقطف الثمرة.. حاول أن تأخذ محطة خفيفة وأنت على الباب.. إذا كان في المسجد عليك بركعتين من الصلاة بين يدي الله عز وجل.. ركعتان مقتصدتان، فيهما توجه، فيهما إنابة، ولا زالت دموع البكاء على مولاك الحسين تجري على خديك.. قف بين يدي الله -عز وجل- وقفة خاشعة.. البعض -مع الأسف- يلتهي على الأبواب بالشراب والطعام وما شابه ذلك، ويضحك مع إخوانه.. والدموع لاتزال على خديه، وإذا به يدخل في عالم الغافلين.
60- تحويل الضيق!..
لطالما أراد الإنسان أن يسجد لله شكرا، وإذ بهذا الشكر يجره إلى المناجاة مع رب العالمين.. بعض العلماء يقول: ليس هناك مانع أبدا، أن تبكي على مشكلة من مصائب الدنيا، وبمجرد أن تدمع عيناك، ويرق قلبك؛ تحوّل الحالة إلى رب العالمين.. (تبكيك عيني لا لأجل مثوبة ولكن عيني لأجلك دامعة)، قال الرضا (ع): (... فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام).. هذا ليس فيه أي شك أو شبهة، ولا رياء.. بل العكس، يضيق صدر الإنسان من الدنيا، فيحول هذا الضيق للآخرة.. ولعل الله يبتلي المؤمن ببعض هذا الضيق حتى يذكره به!.. فإذن، إن المؤمن يشكر الله أن ابتلاه بهذه المصيبة، حتى يذكر ربه.
إنه من الطبيعي أن المنبع الذي وهب هذا الحب للأم الذي له ما له من المعاني، بإمكانه أيضا أن يقذف درجة أعلى وأعلى من هذا الحب في قلوب عباده المؤمنين.. فالذي جعل المودة الزوجية، والذي جعل مودة الأمومة، ما المانع أن يجعل ما لا يقاس بذلك في قلب المؤمن؟.. ففي حياة النبي وآل النبي (ص) هذه العلاقة كانت تصل إلى درجة أنهم يستبشرون في التضحية في مجال القرب إلى الله عز وجل.. شاء الله -عز وجل- أن يرى الحسين قتيلا وشهيدا، ومن هنا كلما اشتدد عليه البلاء أشرق لونه؛ لأنه يرى أن هذا البلاء في مرضاة رب العالمين، وهو الذي ختم حياته المباركة في المناجاة الحسينية: (إلهي!.. رضا بقضائك، وتسليما لأمرك؛ لا معبود لي سواك).
43- المزج بين دمعتين!..
إن على المؤمن أن يمزج بين دمعتين: دمعة التأسف على مصائبهم –عليهم السلام– كما قال الإمام الرضا (ع): (فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام).. وبين دمعة من دموع المناجاة بين يدي الله -عز وجل-.. هاتان الدمعتان إذا امتزجتا، خلقتا المعجزات، أقلها العتق!.. فإذن، على المؤمن أن لا يطلب من الله -عز وجل- عتق هذه الليالي، أو عتق السنة.. بل يقول: يا رب!.. أعتقنا إلى الأبد من نار جهنم.
44- العطاء لمن تعرض له!.
إن هذا العطاء الحسيني الذي هو كالشمس، عطاء عام شامل، ولكن هذا العطاء لمن تعرض له.. فكلنا غرقى، وكلنا هلكى، والحسين (ع) سفينة النجاة.. ولكن سفينة النجاة تنتشل من طلب النجاة، وإلا الذي لا يريد النجاة، والذي لا يستغيث بأهل النجاة، هذا الإنسان قد لا يغاث إلا تفضلاً.
45- خلود القضية الحسينية!..
إن البعض يظن أن مسألة النهضة الحسينية واقعة تاريخية، انتهت بموت العناصر المتواجهة فيها، وهذا خطأ جسيم!.. فكما أن تاريخ المواجهات لم يمت -طوال التاريخ- بين الأنبياء وأعدائهم، ومن هنا جعله القرآن عبرة لأولي الألباب، فكذلك قضية الحسين (ع) خالدة، لأن منهجه (منهج المواجهة مع الظلم الفكري والعملي) لازال حياً ماثلاً للجميع.. فمتى مات الباطل، لتموت المواجهة معه؟..
46- توقير المجالس!..
إن مجالس ذكر الحسين (ع) إنما هي في واقعها ذكر لله تعالى، فإنه إنما اكتسب الخلود، بتحقيقه أعلى صور العبودية لرب العالمين.. وهي الفداء بالنفس، وأية نفس؟!.. وعليه، فلابد من توقير تلك المجالس، بالدخول فيها: بالتسمية، والطهور، واستحضارها كجامعة من أعرق الجامعات الإسلامية الشعبية.
47- المجالس الحسينية جامعة كبرى!..
إن مجالس الحسين (ع) تعد بحق جامعة كبرى لها فروعها في عواصم المدن الكبرى إلى الأرياف الصغرى.. ومن هنا لا نرى أمة متفقهة في كليات الشريعة -فقها، وتاريخا، وسيرة- كأتباع مذهب أهل البيت (ع) الذين يدخلون هذه الجامعة شهرين في كل عام، سواء في ذلك الصغير الذي لم يبلغ الحلم، إلى الكبير الذي وصل إلى مشارف نهاية عمره!..
48- موسم مصالحة!..
هناك ارتباط وتجانس بين عشرات ثلاث: العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، والعشر الأوائل من شهر ذي الحجة الحرام، والعشر الأوائل من محرم الحرام.. وهي بمجموعها تمثل شهرا كاملا في كل عام.. علينا أن نتخذ من مجموع هذه العشرات المباركات، والموزعة على مدار السنة محطات لإعادة الصلة بالله -تعالى- الذي نبتعد عنه خطوة بعد كل معصية؛ لنعوض بذلك أميال البعد عنه، بخطوة جريئة إليه في كل موسم مصالحة!..
49- درس العبودية!..
إن حركة الحسين (ع) كانت أسلوب حياة في التعامل مع النفس والآخرين، فإنه أراد أن يعلمنا درس العبودية في كل مراحل حركته المباركة.. فنراه يخرج من جانب البيت الإلهي الآمن، عندما يرى رضا ربه في ذلك.. ونراه يعرض عياله للأسر والسبي، عندما يرى بأن الله -تعالى- شاء أن يراهن سبايا.. ويعرض نفسه لأقصى صور الهتك والتعذيب، عندما يرى بأن الله -تعالى- شاء أن يراه قتيلا.
50- تخليد الذكر!..
إن الطبع البشري يميل إلى تخليد الذكر، وبقاء الأثر بعد الرحيل من هذه الدنيا الفانية.. ولا سبيل إلى ذلك إلا بالارتباط بمبدأ الخلود، فهو الذي لو بارك في عمل أو وجود ربطه بأسباب الدوام والخلود، كما ورد فيما أوحاه الله -تعالى- إلى نبي من أنبيائه: (إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية).. وهو ما نراه متجليا في نهضة الحسين (ع)؛ ففي كل سنة تمر علينا ذكراه، وكأنها ذكرى جديدة.
51- النفوس المطمئنة!..
إن النفوس المطمئنة نفوس قليلة في عالم الوجود، كنفس الحسين (ع).. أما نفوسنا نحن، فهي نفوس أمارة أو لوامة.. لذا على المؤمن أن يتخذ ساعة من ليل أو نهار، فيتشبه بنبي الله يونس (ع) فيسجد ويقرأ آية: {لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.. يكفي أن يقولها مرة واحدة، ولكن بانقطاع شديد إلى الله عز وجل.
52- اختلاق الجو المؤثر!..
ليحاول الإنسان أن يجعل لنفسه جواً مؤثراً، ويتفاعل لذكر الحسين (ع)، ولا يجعل ذلك وقفاً على المآتم والمجالس.. وهذه الأيام -بحمد لله- وسائل التأثر كثيرة، بإمكانه أن يسمع شريطاً، أو ينظر إلى فيلم، أو هو بنفسه يتمتم لوحده ببعض الأبيات، وإذا بالدموع تسيل على خديه.. إن هذه اللحظات من البكاء في الخلوات بفعل الإنسان، وبتذكره لمصائب الحسين (ع)، لا يقاس بهذه المجالس؛ لأن الجو الجماعي قد يكون هو المؤثر، ولعل الأنفاس القدسية للآخرين هي المؤثرة.. ولكن الإنسان عندما يكون في جو خالٍ، فالأمر يعود إليه، لا للجو، ولا للمأتم، ولا للخطيب، ولا للأجواء المباركة.. بل هو من تفاعل بنفسه، هنيئاً لمن كان كذلك!..
53- ثمرة المجالس!..
إن السعي بين الصفا والمروة من شعائر الله -عزّ وجلّ- فكيف بإحياء ذكرى الحسين الشهيد (صلوات الله عليه) الذي خرج في طلب إصلاح أمة جده (ص) (ومن يعظم شعائر الله؛ فإنها من تقوى القلوب)، القرآن يذهب يمينا وشمالاً ويرجع إلى القلوب، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.. ثمرة الصيام التقوى، وثمرة إحياء مجالس أهل البيت (ع) أيضا تقوى القلب؛ أن يعيش الإنسان حالة من حالات المراقبة الباطنية.. إن الذي يريد أن يصلح جوارحه من دون حركةٍ جوانحية، هذا الإنسان سيخونه الأمر، ولا يمكنه أن يفلح في حياته.
54- جلب العناية الإلهية!..
إنَّ بعض الأولياء والصالحين ينتظرون هذه الليالي والأيام، لا لأجل إقامة عزاء الحسين فحسب!.. وإنما من أجل إصلاح أنفسهم، وجلب العناية الإلهية؛ لأن الرحمة الإلهية هذه الليالي والأيام رحمة غامرة.. في العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، الأجواء التوحيدية، والهبات الإلهية غامرة؛ وكذلك في هذه العشرة المباركة، بفضل التوسل بأهل بيت النبوة (ع)، أبواب السماء مفتوحة.. الإمام الرضا -عليه السلام- يقول: (إن يوم الحسين أقرح قلوبنا، إن يوم الحسين أدمى جفوننا، إن يوم الحسين أسبل دموعنا، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء.. فعلى مثل الحسين فليبك الباكون؛ فان البكاء يحط الذنوب العظام)؛ الذين يعيشون حالات البعد عن الله -عزّ وجلّ- حالة من حالات القطيعة: ينظر إلى قلبه، فلا يجد نور الإيمان في قلبه.. وينظر إلى حياته الماضية، فلا يجد محطةً يعوّل عليها بينه وبين الله -عزّ وجلّ-.. لذا اغتنموا هذه العشرة!..
55- انتشار المذهب!..
إن مذهب أهل البيت (ع) هو الأشد انتشاراً، والسر في ذلك الانتشار؛ هو وجود شخصية كالإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
56- رد السلام!..
إن الإمام المعصوم (ع)، يرد السلام؛ لأنه سلام على حي، وهذا السلام يوجب الرد.. الإنسان الذي تحت قبة الحسين -عليه السلام- وفي جوار مرقده الشريف، ويقول: السلام عليك يا أبا عبد الله.. الشهداء أحياء يرزقون، فكيف بإمام الشهداء، وسيد الشهداء.. ما المانع أن يكون الجواب بحسب القواعد الفقهية واجباً، أو تفضلاً من المعصوم.
57- التميز في الإيمان!..
إن أصحاب الإمام الحسين (ع) لهم تميز في إيمانهم؟.. والسبب في ذلك، أنه علينا أن لا ننظر إلى الإمام الحسين -عليه السلام- بعد مرور أكثر من ألف عام.. نعم، نحن اليوم في حالة من حالات الوضوح الفكري، أما في تلك الأيام وقبل الإمام الحسين عليه السلام، كانت الدعايات والشائعات كثيرة في حق أخيه، وهناك من اتهموا أمير المؤمنين أنهُ كان لا يُصلي، واستغربوا عندما سمعوا باستشهادهِ في المحراب!.. فيخرج الإمام الحسين -عليه السلام- في هذا الجو المضلل.. وعليه، فإن تلك بطولة من هؤلاء، إذ ميزوا أن الحق مع الحسين عليه السلام.
58- ماذا بعد عاشوراء!..
إن هنالك سؤالا نطرحه بعد كلَّ موسم ماذا بعد عاشوراء الحسين (عليه السلام)؟..من الطبيعي أن المجالس بعد هذه الأيام وهذه الليالي، لا تقاس بالعشرة الأولى من شهر محرم والثانية.. والحال أنَّ مصيبة أهل البيت (ع) تبدأ بهذا اليوم وما بعده، إلى يوم الأربعين.. فإذن، ينبغي أن نحافظ على المجالس، وخاصةً أن هنالك الكثير من الكلمات والمواعظ؛ المستوحاة من الكتاب والسنة وتراث أهل البيت (ع).. نحن طوال السنة نمضي أوقاتنا في جلسات: بعضها جادة، وبعضها لاهية.. فبعد شهر محرم وصفر، هناك فرص كافية للجلوس مع الآخرين.
59- قطف الثمار!..
نحن لا نقطف ثمار عاشوراء والمجالس كما ينبغي.. مثل إنسان يزرع شجرة، يسقي الشجرة، ويعتني بها، وبالتالي تعطي الثمار اليانعة، ولا يقطفها إلى أن تذبل.. نحن في تعاملنا مع مجالس أهل البيت (ع) هكذا.. مجلس عقد باسم معصوم من أئمة أهل البيت (ع)، جلست ساعة أو ساعتين، فرحاً فرحت، حزناً حزنت، أجريت الدموع في مناسبتهم.. الآن تخرج، ولا تقطف الثمرة.. حاول أن تأخذ محطة خفيفة وأنت على الباب.. إذا كان في المسجد عليك بركعتين من الصلاة بين يدي الله عز وجل.. ركعتان مقتصدتان، فيهما توجه، فيهما إنابة، ولا زالت دموع البكاء على مولاك الحسين تجري على خديك.. قف بين يدي الله -عز وجل- وقفة خاشعة.. البعض -مع الأسف- يلتهي على الأبواب بالشراب والطعام وما شابه ذلك، ويضحك مع إخوانه.. والدموع لاتزال على خديه، وإذا به يدخل في عالم الغافلين.
60- تحويل الضيق!..
لطالما أراد الإنسان أن يسجد لله شكرا، وإذ بهذا الشكر يجره إلى المناجاة مع رب العالمين.. بعض العلماء يقول: ليس هناك مانع أبدا، أن تبكي على مشكلة من مصائب الدنيا، وبمجرد أن تدمع عيناك، ويرق قلبك؛ تحوّل الحالة إلى رب العالمين.. (تبكيك عيني لا لأجل مثوبة ولكن عيني لأجلك دامعة)، قال الرضا (ع): (... فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام).. هذا ليس فيه أي شك أو شبهة، ولا رياء.. بل العكس، يضيق صدر الإنسان من الدنيا، فيحول هذا الضيق للآخرة.. ولعل الله يبتلي المؤمن ببعض هذا الضيق حتى يذكره به!.. فإذن، إن المؤمن يشكر الله أن ابتلاه بهذه المصيبة، حتى يذكر ربه.
تعليق