بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الاطهار
هذه كلمات الفقهاء والعلماء في بيان الفرق بين ملكة الاجتهاد وسائر الملكات النفسانية الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الاطهار
السيد ابو القاسم الخوئي :
أن ملكة الاجتهاد غير ملكة السخاوة والشجاعة ونحوهما من الملكات ، إذ الملكة في مثلهما إنما تتحقق بالعمل وبالمزاولة كدخول المخاوف والتصدي للمهالك ، فإن بذلك يضعف الخوف متدرّجاً ويزول شيئاً فشيئاً حتى لا يخاف صاحبه من الحروب العظيمة وغيرها من الاُمور المهام ، فترى أنه يدخل الأمر الخطير كما يدخل داره . وكذلك الحال في ملكة السخاوة فإن بالاعطاء متدرّجاً قد يصل الانسان مرتبة يقدّم غيره على نفسه ، فيبقى جائعاً ويطعم ما بيده لغيره . والمتحصل أن العمل في أمثال تلك الملكات متقدم على الملكة ، وهذا بخلاف ملكة الاجتهاد لأنها إنما تتوقف على جملة من المبادئ والعلوم كالنحو والصرف وغيرهما ، والعمدة علم الاُصول فبعدما تعلّمها الانسان تحصل له ملكة الاستنباط وإن لم يتصدّ للاستنباط ولا في حكم واحد، إذن العمل أي الاستنباط متأخر عن الملكة ، فلا وجه لما قد يتوهم من أنها كسائر الملكات غير منفكة عن العمل والاستنباط ، فمن حصلت له الملكة فلا محالة اشتغل بالاستنباط ، وعليه فبمجرّد حصول الملكة له يحصل له الأمن عن العقاب . بل الاستنباط كما عرفت متأخر عن الملكة من غير أن يكون له دخل في حصولها . نعم تتقوى الملكة بالممارسة والاستنباط ـ بعد تحققها في نفسها ـ لا أنها تتوقف عليه في الوجود (1) .
السيد الروحاني :
ان ملكة الاجتهاد تفارق سائر الملكات ـ كالشجاعة والسخاء ـ من جهة ان تلك الملكات يمكن ان تتحقق بالمداومة على الافعال المسانخة لاثارها ولكن هذه الملكة لايمكن ان تتحقق باعتبار ان ماهو اثرها ـ وهو الاستنباط ـ لا مسانخ له وهو نفسه مما لا يمكن حصوله من غير سبق الملكة (2)
الشيخ الاصفهاني :
فالمجتهد هو المستنبط عن ملكة. وهو موضوع الاحكام باعتبار انطباق عنوان الفقيه والعارف بالأحكام عليه، لا أنه من الملكات واستفادة الحكم من اثارها - كما في ملكة العدالة والشجاعة والسخاوة - كما أنه تختلف هذه القوة مع سائر الملكات بحصول تلك الملكات - أحيانا - من الافعال المسانخة لآثارها التي تكون تلك الملكات مصادرها بخلاف القوة على الاستنباط فإنها تحصل دائما بسبب معرفة العلوم التي يتوقف عليها الاستنباط، لا نفس الاستنباط فإنه يستحيل بلا قوة عليه.
ولا يخفى أنه ليست ملكة الاستنباط الا تلك القوة الحاصلة من معرفة ما ذكره، لا قوة أخرى تسمى بالقوة القدسية وأنها نور يقذفه الله في قلب من يشاء، فان الاجتهاد - بمعنى " استفراغ الوسع في تحصيل الحجة على الحكم " ممكن الحصول للعادل، والفاسق والمؤمن والمنافق، لتسببه عن اعمال القوة النظرية الحاصلة من اتقان العلوم النظرية الدخيلة في تحصيل الحجة على الحكم، من دون حاجة إلى قوة قدسية الهية أو قذف نور منه تعالى في قلب المستنبط، وإن كان كل قوة وكمال علمي أو عملي منه تعالى.
وتفاوت أرباب العلوم النظرية في جودة الاستنباط وسرعته من ناحية جودة الفهم واتقان المقدمات.
نعم تزيد هذه القوة بأعمالها في الاستنباط كما في سائر الملكات فتدبر(3)
السيد الشوستري :
فالاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع ونحوه لا يتوقف على قوة قدسية و موهبة إلهية وقذف نور منه تعالى شأنه في قلب المستنبط وإن كان كل كمال علمي وعملي منه تعالى. فما في القوانين والفصول من (اعتبار القوة القدسية) إن أريد به مجرد ملكة الاستنباط كان في محله، لما تقدم من استحالة الاجتهاد بدون هذه الملكة. وإن أريد به أمر آخر وهو إشراق الفيوضات الربانية على قلب المجتهد، فلا ريب في عدم اعتباره في أصل الاجتهاد، لحصول ملكة الاستنباط للعادل والفاسق والمؤمن والمنافق بمجرد إتقان المبادئ الدخيلة في تحصيل الحجة على الحكم الشرعي.نعم لا شك في أن المجتهد الموضوع لجميع الآثار كنفوذ قضائه و ولايته على القصر والجهات وغيرهما هو المجتهد العادل، بل فوق العدالة بناء على ما هو المحتمل من رواية التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام. وحصول هذه الملكة القدسية يتوقف على الالتزام العملي بأوامر الشارع ونواهيه
وتخلية النفس من الرذائل و تحليتها بالفضائل والمراقبة في الخلوة والجلوة، فإنه لايعزب عن علمه وساوس النفس فضلا عن أعمال الجوارح، ولا ريب في أن حصول هذه القوة القدسية في مثل هذه الأزمنة كاد أن يلحق بالمحالات إلا من شملته العناية الإلهية، عصمنا الله جميعا من الخطأ والزلل في القول والعمل.وفي ختام الكلام لا بأس بذكر أمر تعرض له بعض المحققين، وهو:
أن ملكة الاجتهاد تفترق عن الملكات الخلقية كالشجاعة و السخاوة ونحوهما بأن هذه الملكات تحصل من الافعال المسانخة لاثارها، فالشجاع لا بد أن تتكرر منه منازلة الابطال، والاقدام في المخاوف حتى تحصل له ملكة الشجاعة ويصح إطلاق الشجاع عليه، وبعد حصولها تكون الافعال الصادرة منه آثارا لتلك القوة الراسخة في نفسه، ومسانخة للأفعال السابقة على حصول الملكة، فالافعال السابقة على حصولها واللاحقة له
متماثلة. وهذا بخلاف ملكة الاستنباط، فإن حصولها منوط بإتقان مبادئ الاجتهاد خصوصا علم الأصول، وبعد حصول هذه الملكة تكون نتيجتها القدرة على استنباط الاحكام الفرعية، ومن المعلوم مغايرة الاستنباط المتوقف على الملكة للمبادئ التي يتوقف حصول الملكة عليها.وحيث كانت ملكة الاستنباط مقدمة على نفس العمل - لاستحالته بلا قوة عليه - تعرف إمكان انفكاكها عن الاستنباط الخارجي، فقد تحصل هذه القدرة بسبب إتقان مبادئ حصول الملكة (4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
1ـ التنقيح في شرح العروة الوثقى : تقرير الشيخ علي الغروي لابحاث السيد ابو القاسم الخوئي:ج1،ص10
2ـ فقه الاجتهاد والتقليد : السيد هادي الروحاني : تقريرا لدروس السيد محمد صادق الروحاني ، ص17
3ـ نهاية الدراية في شرح الكفاية : الشيخ محمد حسين الغروي الاصفهاني ، ج3،ص425
4ـ منتهى الدراية : السيد محمد جعفر الشوستري : ج8 ، 378
تعليق