قال كارلس ديكنز الكاتب الانكليزي (إن كان الامام الحسين عليه السلام قد حارب من اجل اهداف دنيوية فأنني لا ادرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال إذن فالعقل يحكم انه ضحى فقط من اجل الاسلام )حدثت الكثير من المعارك والحوادث على مر السنين منذ ان خلق الله البشرية ولحد كتابة هذا المقال ولكن ما يثلج القلب هو ان واقعة الطف وبطلها الامام الحسين عليه السلام قدر لها ان تكون نزيف الذاكرة الذي لايتوقف بافكار وأنامل الكتاب وحناجر القراء ,هذه الواقعة ظهرت جلياً للسماء من فلوات كربلاء بعيدة عن وسائل الاعلام الدنيوية وأن وجدت لتصوير الواقعة ويتم نقل الاحداث ربما بمرورالوقت تتلاشى لكثرة المفاجأت وزخمة العمل الانساني والتاريخ يغنينا عن حوداث وحروب مرٌت على البشرية والتي طوى الزمن تفاصيلها,فقدر بمعجزة الخالق ان تحفظ واقعة الطف ورجالها الميامين وان يذاع هدفها بكافة معطياتها وحوارتها الى أذهان الانسانية لتتناقلها الاجيال وبذلك فقد مرٌت قرون واندثرت حضارات وظٌل اسم الحسين عليه السلام شمس الله في عالم الخليقة ونبراس الانسانية والشموخ والعنفوان الذي حرك الضمائر وارشد الاحرار في العالم لقلع اركان الظلم في اي مكان وزمان ,فالحسين عليه السلام جمع بين شجاعة السيف والاخلاص والوفاء لاصحابه حينما اجمعهم وقال لهم (لا أعلم اصحاباَ اولى ولا خير من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا آوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعا خيراً , الا واني أظن يومنا من هولاء غداً , الا وإني قد أذنت لكم , فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام )) ولم يستثني في هذا الطلب وهو في ارض المعركة من ان يقول الى جون الذي كان مولى الى ابي ذر الغفاري , واصبح مع الامام الحسين في واقعة الطف قال له ( أنما تبعتنا طلبا للعافية فأنت في أذن مني , فقال جون : أنا في الرخاء الحس قصاعكم وفي الشدة اخذلكم ) وقد بين لهم بأن القوم يطلبوني انا لاغيري وقد قدم نفسه الأبية فداءً من اجل الاحبة والاقرباء هذه عظمة الهيبة وعطاءا بلا حدود سيما الفاعل والقائل هو الامام الحسين عليه السلام الذي تجلت فيه معاني الاثار والسمو والرفعة ,وروي انه عليه السلام لما عزم على الخروج الى العراق قام خطيبا ً فقال ( الحمد ما شاء الله ولاقوة الا بالله , وصلى الله على رسوله , خط الموت على لود ادم مخط القلادة على جيد الفتاة , وما أولهني الى اسلافي أشتياق يعقوب الى يوسف , وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النووايس وكربلاء) وحينما عزم على الخروج لتغير الواقع الاسلامي بعد أن اندثرت السنة النبوية متخذة منعطفا خطيراً يقود بها الاسلام الى هاوية الانحدار والاذلال على رجل مثل يزيد صاحب كل الموبقات والتي اظهرها علنيا أمام الملأ , التقى الامام بأخيه ابن الحنفية وسأله فما حداِك: على الخروج عاجلاً فقال عليه السلام :أتاني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعد ما فارقتك فقال: ياحسين عليه السلام أخرج فان الله قد شاء أن يراك قتيلاً فقال أبن الحنفية : أنا لله وانا اليه راجعون , فما معنى حملكُ هولاء النساء معك وانت تخرج على مثل هذه الحالة : فقال له : قد قال لي : أن الله قد شاء أن يراهنٌ سبايا , ومضى الى طريقه, ان اي شخص حينما يواجه الموت يرتعش يصفر يتنكر لبعض الامور وقد يفر الى الدنيا بما عرفِ على ان النفس عزيزة , الا الامام الحسين عليه السلام فكانت خطواته شامخه ولم ينكسر او يتأسف لشيء قد مضى بل كان مسرعا الى القدر المحتوم الذي رسمه الله اليه وقد ادى ما عليه من فروض وهو في ساحة الوغى لايبالي بجموع الاعداء , ثم ذهب مخاطبا ملقيا عليهم الحجة وقال لهم أنسبوني من أنا : الست انا احد اصحاب الكساء, أنا أبن بنت نبيكم , أنا سيد شباب اهل الجنة , ثم هل تطلبون بدما ً لكم ارقته , بمالاً لكم أخذته , أم بسنة غيرتها , أم بشريعة بدلتها , قالوا نقاتلك بغضا وعناداً بابيك أمير المؤمنين , في واقعة الطف ايضا هنالك حوارت ومواقف من قلب المعركة تباينت فيها صدق الكلمة وعزة النفس وغزارة الايمان ودونت بأحرف من نور كما جرى الحديث بين حبيب بن مظاهر الاسدي ومسلمه بن عوسجه وهو يصارع الألم:عندما رأى حبيب مسلم فيه رمقاً من الانفاس الاخيرة قال له : لولا أني أعلم في أثرك لاحقا بك من ساعتي لاحببت أن توصيني , واجابه مسلم بصوت ضعيف بل انا اوصيك بهذا وأهو بيده الى الحسين عليه السلام أن تموت دونه , فقال : حبيب : أفعل ورب الكعبة وبعد ذلك مات مسلم ,ولم يغفل لنا التاريخ بعد ان مرٌت على المعركة اكثر من ثلاثة عشر قرناً دور النساء وما ألت اليهن المصائب وماقدمنٌ من بطولات وتفاني في اداء الواجب المقدس ومضنٌ الى ربهن خالدات وتركن بصمات كبيرة خلفهن من العز والاِباء في سفر التاريخ الى يوم القيامة كدور الحوراء زينب صاحبة الاعلام والصوت المدوي الذي هشم صرح يزيد الدنيوي وما حملته من صبر وتفاني من اجل ان يبقى استشهاد الامام الحسين عليه السلام واصحابه منارا تنصب له الرايات وتقام له المنابر في كل بقعة من بقاع الكون مابقيت البشرية ,والدور التوجيهي كدور دلهم أمرة زهير بن القين وهي تحث زوجها على نصرة ابي عبد الله وان يسمع له ويطيعه , فكانت المرأة المثالية وصاحبة المشورة الحسنة ,ولايختلف الامر عن دور الحماية التي قامت بها المرأة المسكينة ( طوعة ) ومن حماية مسلم واكرام سفير الامام الحسين بعد أن خذله اهل الكوفة وكان لزوجة الحسين عليه السلام الرباب بنت أمرى القيس الذي تزوجها الامام ايام الخليفة الثاني لها موقعا كبيراً في قلب الحسين واولادها سكينة وعبد الله الرضيع , فكانت مثال الاخلاص والالتزام وبعد استشهاد الامام قالت لا استضل بعد الحسين ابداً وحينما عادت امرت بقلع سقف بيتها وماتت هكذا صبرا ووفاءاً , لم تنتهي واقعة الطف يوما فانها المسار الحقيقي لكل فعاليات التغير ومحاربة الطواغيت ونصرة العدل ,فاستذكارها يخلُد النفس والبكاء عليها رسالة حماس يدك مضاجع التكفيرين ,فأملنا ان لاننسى الحسين يوما ونغمر انفسنا بمشاغل الدنيا كما قيل ( يامن بدنياه اشتغل قد غمره طول الآمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل ) وماروي في كتاب تهذيب الاحكام , عن الامام الصادق عليه السلام انه قال ( زيارة الحسين بن علي عليهما السلام ) واجبة على كل من يقرٌ للحسين بالامامة من الله عز وجل .
صادق غانم الأسدي
تعليق