بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
((اللّهم ربّ النور العظيم وربّ الكرسي الرفيع وربّ البحر المسجور))..
هذه الفقرة وردت في الدعاء المعروف بدعاء العهد الذي جاءت ألفاظه على لسان الامام الصادق (عليه السلام)..
وما أردنا إيضاحه هنا في هذه الفقرة هو عبارة (البحر المسجور) حتى نعلم ما تعنيه هذه الفقرة من هذا الدعاء العظيم..
بداية لنتعرف لغوياً على معنى المسجور..
هناك معنيان وجدتهما لهذه المفردة: الأول بمعنى الممتلئ كما جاء في المعجم الوسيط، والثاني بمعنى الموقد ناراً يوم القيامة كما جاء في معجم كلمات القرآن..
وعلى ضوء هذين المعنيين سنتعرف على معنى هذه الفقرة أعلاه..
فاذا كان المراد الأول فيأخذك التفكير والتأمل بعظمة الله سبحانه وتعالى بهذا الخلق العظيم وجماله ولطافته لما يحمل من أمواج متلاطمة، وهذا هو المطلوب أن يتفكّر العبد بعظمة الله من خلال هذا البحر الممتلئ والمتلاطم الأمواج وكيفية خلقه وتسييره بهذه الكيفية الجمالية والمخيفة في بعض الأحيان لما تراه من أمواج تعلو الى أمتار قد يغطي مدينة بكاملها، فبالرغم من روعته فانّه قد يتسبب بغرق المدن ويجرفها إذا ما أراد الله سبحانه وتعالى ذلك، ويقف الانسان عاجزاً أمامه لا يستطيع ردّه بالرغم من أخذ التدابير اللازمة، لأنه ببساطة لا يقف أمام البحر حدّ إذا ما هاج وماج..
أما على المعنى الثاني فانّ الأمر يصبح أكثر تفكّراً وتأملاً إذا ما ربطنا المعنى بيوم القيامة وما تحويه من العذابات المنتظرة لمن لا يسير وفق ما أراده الله سبحانه وتعالى، وما يؤيد هذا المعنى قوله تعالى ((وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ))التكوير : 6، أي سعّرت هذه البحار ناراً حامية، وبعبارة أخرى انّ هذه البحار تصبح ناراً يوم القيامة، عندها يقفز الى أذهاننا عذاب يوم القيامة الذي توعد الله سبحانه وتعالى العاصين به من خلال قوله تعالى ((فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ))غافر : 72..
فمجرد التفكير والتأمل في هذا المعنى يجعلك تركع ذليلاً حقيراً أمام عظمة الباري عزّ وجلّ، وكذلك تتهيّب من ذلك اليوم المنتظر الذي تحاول أن تتجنّبه لما يحمل من عذاب أليم وهو بالتأكيد لا يُقاس بنار الدنيا، ويمكن أن نقرّب التفكير لأنفسنا بمجرد أن نرى البراكين تسيل في البحار وهي مستعرة بالنار من غير أن تنطفئ..
اذن تعرّفنا على معنى هذه المفردة البسيطة بحروفها العظيمة بمعناها، ومن خلالها أصبحنا نعرف لماذا وضعها الامام (عليه السلام) في الدعاء وماذا يقصد من ورائها، فاذا مررنا بهذه الألفاظ يكون المعنى حاضر في أذهاننا فتكون قراءتنا لها معنى فتكون محفّزة لعمل الخير والانتهاء عما لا يرضى الله به، فيكون عندها الدعاء قد فعل دوره الحقيقي في القارئ المتفكّر، ومن هنا يكون هناك فرق بين أن نقرأ الدعاء بمجرد التلفظ وبين أن نحس ونعي المعنى المراد من هذه الألفاظ..
أسأل الله تعالى أن نكون وإياكم من المتفكرين المتأملين بمعاني كلمات المعصومين (عليهم السلام)..
والحمد لله ربّ العالمين
تعليق