بسم الله الرحمن الرحيم
التنبيه الأول : لا ربط للشفاعة بالشرك
قد يتصور البعض أن اتخاذ الشفعاء يعد من موجبات الشرك كما قد يفهم من قوله تعالى ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ ) (1)
وقوله تعالى ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) (2) ،
غير أن الاعتقاد بالشفاعة يعتبر من مسلمات الدين الإسلامي الحنيف ، فقد بين القرآن عقيدة الشفاعة في العديد من آياته ، قال تعالى ( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) (3) ،
وقال متحدثا عن شفاعة الملائكة ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) (4) ،
وبهذا لا ربط للشرك بالاعتقاد بالشفاعة لا من قريب ولا من بعيد .
وأما بالنسبة لقوله تعالى ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ ) وقوله تعالى ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )
فالشرك المتحقق عند أولئك لم يكن من جهة الاعتقاد بالشفاعة وإنما كان من جهة عبادتهم لغير الله ، وأما الشفاعة المذكورة في الآيتين فهي أمرٌ اعتقدوه في الأولاد المزعومين زائدٌ على عبادتهم لها ، فقد تخيلوا أن إكرام أبناء الرب بعبادتها يقرب من الإله الأكبر ويرضيه ويوجب قبول شفاعتها فيما يختص به الإله الأكبر من قدرات ، والآيتان غير ناظرتين إلى ممارساتهم الأخرى مع تلك الآلهة من قبيل طلب قضاء الحوائج منها باعتبار أنهم كانوا يعتقدون بقدرتها على الضر والنفع بذاتها وبشكل مستقل عن الإله الأكبر فيمالا يختص به من قدرات.
التنبيه الثاني : لا علاقة للتوسل بالشرك أيضا
حقيقة التوسل أن يتوجه العبد لله ويدعوه ولكن يذكر في دعائه صفاته الجليلة التي تقتضي قضاء حاجة العبد كسعة رحمته وغفرانه ، فيتوسل بهذه الصفات ، وقد يتوسل بالمكانة الخاصة التي للأنبياء والصالحين عنده من عباده ، وقد توسل عمر بعم النبي العباس بن عبد المطلب كما في صحيح البخاري فقال : " اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا " (5) .
فاتخاذ الوسائل المقربة إلى الله من ضرورات الدين ومسلماته ، فقد علمنا الله عز وجل المناسك وشرع لنا أعمالا نتقرب بها إليه ، ولقد ذكرها بعبارة عامة في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (6) .
ومن تلك الوسائل الصلاة والحج وتقبيل الحجر الأسود وشد الرحال إلى المساجد الثلاثة بل زيارة قبر النبي (ص) ودعاء الله عند قبره كما شرع لنا دعاءه عز وجل في كل مكان بل شرع لنا السلام عليه (ص) أينما كنا ، فيتقرب المسلم إلى الله بالسلام على خاتم الرسل وتحصيل رده لأن روحه ترد عليه (ص) فيرد السلام كما في الخبر الصحيح الذي مر ذكره
.
وهذه كلها قربات هي من صلب التوحيد ولا تمت إلى الشرك بصلة إلا إذا قصد المتقرب عبادة الرسول أو القبر أو صاحب القبر ، وهذا ما لم يقع فيه مسلم شهد الشهادتين .
نعم يمكن أن يدخل بحث الوسيلة في بحث السنة والبدعة فما هو ثابت في الشرع يدخل في السنة وما هو غير ثابت يعتبر بدعة ، ولا يمكن اعتبار الثابت وغير الثابت في الشرع هنا من الشرك والتوحيد بأي وجه .
وهناك عبارة جامعة لابن تيمية هي صريحة في عدم ارتباط بحثي الشفاعة والتوسل بالشرك والتوحيد قال في كتابه ( قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ) :
" وقد ذكر علماء الإسلام وأئمة الدين الأدعية الشرعية وأعرضوا عن الأدعية البدعية فينبغي إتباع ذلك والمراتب في هذا الباب ثلاث :
إحداها : أن يدعو غير الله وهو ميت أو غائب سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم فيقول : يا سيد فلان أغثني ... أو انصرني على عدوي ... فهذا شرك بهم وإن كان يقع كثير من الناس في بعضه .
الثانية : أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين : ادع الله لي أو ادع لنا ربك أو اسأل الله لنا ... ، فهذا أيضا لا يستريب عالم أنه غير جائز وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة ...
الثالثة : أن يقال : أسألك بفلان أو بجاه فلان عندك ونحو ذلك الذي تقدم عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما أنه منهي عنه ، وتقدم أيضا أنه هذا ليس بمشهور عن الصحابة ... " (7) .
وكما ترى فإنه اعتبر فقط دعاء الميت مباشرة وكأنه القادر على قضاء الحوائج هو الموجب للشرك ، وأما الاحتمالان الآخران - أي طلب الشفاعة من غير الله في المرتبة الثانية والتوسل بمكانة شخص في المرتبة الثالثة - فقد أدخلهما في بحث السنة والبدعة ، واعتبر الأول منهما من البدع وتردد في بدعية الآخر .
ــــــــــــــــ@@ـــــــــــ@@ــــــــــــــــــ@ @ــــــــــــ
(1) يونس : 18 .
(2) الزمر : 3 .
(3) طه : 109
(4) الأنبياء : 28
(5) صحيح البخاري ج1 ص 342 .
(6) المائدة : 35 .
(7) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 164- 168 .
قد يتصور البعض أن اتخاذ الشفعاء يعد من موجبات الشرك كما قد يفهم من قوله تعالى ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ ) (1)
وقوله تعالى ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) (2) ،
غير أن الاعتقاد بالشفاعة يعتبر من مسلمات الدين الإسلامي الحنيف ، فقد بين القرآن عقيدة الشفاعة في العديد من آياته ، قال تعالى ( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) (3) ،
وقال متحدثا عن شفاعة الملائكة ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) (4) ،
وبهذا لا ربط للشرك بالاعتقاد بالشفاعة لا من قريب ولا من بعيد .
وأما بالنسبة لقوله تعالى ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ ) وقوله تعالى ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )
فالشرك المتحقق عند أولئك لم يكن من جهة الاعتقاد بالشفاعة وإنما كان من جهة عبادتهم لغير الله ، وأما الشفاعة المذكورة في الآيتين فهي أمرٌ اعتقدوه في الأولاد المزعومين زائدٌ على عبادتهم لها ، فقد تخيلوا أن إكرام أبناء الرب بعبادتها يقرب من الإله الأكبر ويرضيه ويوجب قبول شفاعتها فيما يختص به الإله الأكبر من قدرات ، والآيتان غير ناظرتين إلى ممارساتهم الأخرى مع تلك الآلهة من قبيل طلب قضاء الحوائج منها باعتبار أنهم كانوا يعتقدون بقدرتها على الضر والنفع بذاتها وبشكل مستقل عن الإله الأكبر فيمالا يختص به من قدرات.
التنبيه الثاني : لا علاقة للتوسل بالشرك أيضا
حقيقة التوسل أن يتوجه العبد لله ويدعوه ولكن يذكر في دعائه صفاته الجليلة التي تقتضي قضاء حاجة العبد كسعة رحمته وغفرانه ، فيتوسل بهذه الصفات ، وقد يتوسل بالمكانة الخاصة التي للأنبياء والصالحين عنده من عباده ، وقد توسل عمر بعم النبي العباس بن عبد المطلب كما في صحيح البخاري فقال : " اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا " (5) .
فاتخاذ الوسائل المقربة إلى الله من ضرورات الدين ومسلماته ، فقد علمنا الله عز وجل المناسك وشرع لنا أعمالا نتقرب بها إليه ، ولقد ذكرها بعبارة عامة في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (6) .
ومن تلك الوسائل الصلاة والحج وتقبيل الحجر الأسود وشد الرحال إلى المساجد الثلاثة بل زيارة قبر النبي (ص) ودعاء الله عند قبره كما شرع لنا دعاءه عز وجل في كل مكان بل شرع لنا السلام عليه (ص) أينما كنا ، فيتقرب المسلم إلى الله بالسلام على خاتم الرسل وتحصيل رده لأن روحه ترد عليه (ص) فيرد السلام كما في الخبر الصحيح الذي مر ذكره
.
وهذه كلها قربات هي من صلب التوحيد ولا تمت إلى الشرك بصلة إلا إذا قصد المتقرب عبادة الرسول أو القبر أو صاحب القبر ، وهذا ما لم يقع فيه مسلم شهد الشهادتين .
نعم يمكن أن يدخل بحث الوسيلة في بحث السنة والبدعة فما هو ثابت في الشرع يدخل في السنة وما هو غير ثابت يعتبر بدعة ، ولا يمكن اعتبار الثابت وغير الثابت في الشرع هنا من الشرك والتوحيد بأي وجه .
وهناك عبارة جامعة لابن تيمية هي صريحة في عدم ارتباط بحثي الشفاعة والتوسل بالشرك والتوحيد قال في كتابه ( قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ) :
" وقد ذكر علماء الإسلام وأئمة الدين الأدعية الشرعية وأعرضوا عن الأدعية البدعية فينبغي إتباع ذلك والمراتب في هذا الباب ثلاث :
إحداها : أن يدعو غير الله وهو ميت أو غائب سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم فيقول : يا سيد فلان أغثني ... أو انصرني على عدوي ... فهذا شرك بهم وإن كان يقع كثير من الناس في بعضه .
الثانية : أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين : ادع الله لي أو ادع لنا ربك أو اسأل الله لنا ... ، فهذا أيضا لا يستريب عالم أنه غير جائز وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة ...
الثالثة : أن يقال : أسألك بفلان أو بجاه فلان عندك ونحو ذلك الذي تقدم عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما أنه منهي عنه ، وتقدم أيضا أنه هذا ليس بمشهور عن الصحابة ... " (7) .
وكما ترى فإنه اعتبر فقط دعاء الميت مباشرة وكأنه القادر على قضاء الحوائج هو الموجب للشرك ، وأما الاحتمالان الآخران - أي طلب الشفاعة من غير الله في المرتبة الثانية والتوسل بمكانة شخص في المرتبة الثالثة - فقد أدخلهما في بحث السنة والبدعة ، واعتبر الأول منهما من البدع وتردد في بدعية الآخر .
ــــــــــــــــ@@ـــــــــــ@@ــــــــــــــــــ@ @ــــــــــــ
(1) يونس : 18 .
(2) الزمر : 3 .
(3) طه : 109
(4) الأنبياء : 28
(5) صحيح البخاري ج1 ص 342 .
(6) المائدة : 35 .
(7) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 164- 168 .
تعليق