الصيحة التي ستسبق ظهور الإمام المهدي عليه السلام، ما هي؟ ومتى تقع؟ وما مضمونها؟
بقلم: الشيخ وسام البلداوي
ان الصيحة من الأمور المحتومة
لقد وردت روايات عديدة تؤكد على أن الصيحة شأنها شأن السفياني من الأمور الحتمية فعن أبي حمزة الثمالي قال: «إن أبا جعفر كان يقول: خروج السفياني من المحتوم والنداء من المحتوم» (كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ص435).
وعن محمد بن علي الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه يقول: «اختلاف بني العباس من المحتوم والنداء من المحتوم وخروج القائم من المحتوم...» (كتاب الكافي للشيخ الكليني: ج8، ص310).
محتوى الصيحة ومضمونها
أما محتوى هذه الصيحة ومضمونها فهو كما صرحت به الروايات الشريفة، فعن أبي حمزة الثمالي عن الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: «...ينادي مناد من السماء أول النهار يسمعه كل قوم بألسنتهم: ألا إن الحق في علي وشيعته...» (كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ص435).
وفي رواية ثانية قال صلوات الله وسلامه عليه: «ولا يخرج القائم حتى ينادى باسمه من جوف السماء... قلت: بم ينادى؟ قال: باسمه واسم أبيه، ألا إن فلان بن فلان قائم آل محمد فاسمعوا له وأطيعوه، فلا يبقى شيء من خلق الله فيه الروح إلا يسمع الصيحة» (كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص301).
في أن الصيحة صيحتان صيحة حق وصيحة باطل
وينبغي على المؤمن المنتظر أن يكون معلوما لديه، أن الصيحة المذكورة في الروايات الشريفة صيحتان، صيحة حق ينادي بها جبرائيل ــ عليه السلام ــ، بهدف إعلان وقت الظهور وتمهيد النفوس والأجواء لاستقبال هذا الحدث العظيم، وهي بشارة للمؤمنين وتطمينا لقلوبهم، والصيحة الأخرى باطلة، وهي صيحة ضلال، ينادي بها إبليس اللعين يهدف من خلالها بث الشك في قلوب أوليائه، وإبطال تأثير صيحة جبرائيل، والتعمية والتشويش على محتوى الصيحة الحقة التي ينادي بها جبرائيل ومضمونها، فعن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: «قلت: وكيف يكون النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار يسمعه كل قوم بألسنتهم: ألا إن الحق في علي وشيعته. ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: ألا إن الحق في عثمان وشيعته فعند ذلك يرتاب المبطلون» (كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ص435).
وعن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله صلوات الله وسلامه عليه يقول: «هما صيحتان صيحة في أول الليل، وصيحة في آخر الليلة الثانية قال: فقلت: كيف ذلك؟ قال: فقال: واحدة من السماء، وواحدة من إبليس فقلت: وكيف تعرف هذه من هذه؟ فقال: يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون» (كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص273 – 274).
وعن زرارة عن أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه قال: «ينادي مناد باسم القائم عليه السلام، قلت: خاص أو عام؟ قال: عام يسمع كل قوم بلسانهم، قلت: فمن يخالف القائم عليه السلام وقد نودي باسمه؟ قال: لا يدعهم إبليس حتى ينادي في آخر الليل ويشكك الناس» (كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص650 – 651).
وعن أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: «صوت جبرائيل من السماء، وصوت إبليس من الأرض، فاتبعوا الصوت الأول وإياكم والأخير أن تفتتنوا به» (المصدر السابق: ص652).
كيف نميز بين صيحة الحق وصيحة الباطل؟
يتبين لنا من تلك الروايات السالفة الذكر أن بين كلتا الصيحتين الحقة والباطلة عدة فروق تتميز كل واحدة منهما عن الأخرى، وهذه الفروق كما بينت على لسان الروايات هي:
الفرق الأول:
ان على المؤمنين إتباع الصيحة الأولى دون الثانية؛ لان جبرائيل هو الذي سيبدأ بالصيحة، وكردّة فعل من قبل اللعين إبليس تصدر منه الصيحة الثانية.
ولو فرضنا جدلا ان إبليس اللعين، وزيادة منه في الإغواء والشيطنة، أراد أن يبتدئ بالصيحة الباطلة، فان الفرق الثاني هو الذي سيكشف بطلان دعوته وصيحته.
الفرق الثاني
المضمون للصيحة الباطلة سيكون عبارة عن الدعوة لبني أمية وباطلهم، أو الدعوة إلى نصرة السفياني وفتنته، وهو مروي عن الصادق صلوات الله وسلامه عليه حيث قال: «ثم ينادي إبليس ــ لعنه الله ــ في آخر النهار: ألا إن الحق في السفياني وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون» (كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص652، الباب السابع والخمسون علامات خروج القائم).
ولا تنافي بين ندائه باسم عثمان وبين ندائه باسم السفياني؛ لأنه، وكما عرفنا سابقا، فان نسب السفياني يرجع إلى بني أمية كما ان نسب عثمان يرجع إلى بني أمية، أيضا، وبحسب الظاهر يوجد تشابه وثيق فيما بين السفياني وعثمان ليس هاهنا محل بيانه.
وعليه؛ فحتى لو ابتدأ بالصيحة قبل جبرائيل عليه السلام، فيمكن مع ذلك تمييز الصيحة الحقة من المبطلة، بالمضمون الذي ستحتوي عليه كلتا الصيحتين، فصيحة جبرائيل هي صيحة حق لدعوتها إلى أمر صحيح ثابت الأحقية، وان المنادي بها ملك معصوم لا يصدر منه إلا الحق، والصيحة الثانية هي باطل لصدورها من موجود باطل، لا يصدر منه إلا الفساد والباطل، وهو إبليس عليه اللعنة، وأيضا هي باطلة لاحتوائها على أمر باطل.
الفرق الثالث
ان موعد كلتا الصيحتين سواء الحقة منها أو الباطلة سيكون في شهر رمضان وبالتحديد في اليوم الثالث والعشرين منه، ولكن الاختلاف في الروايات وقع أليلا ستقع الصيحة أم نهارا؟ فمن الروايات ما نص على أن الصيحة أو النداء سيكون وقوعها نهار ذلك اليوم، كما في الرواية التي عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه: «كيف يكون ذلك النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن الحق في علي وشيعته، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألا إن الحق في السفياني وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون» (كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص652).
ومن الروايات ما نصت على أن الصيحة أو النداء يكون في ليلة اليوم الثالث والعشرين من شهر رمضان، وان هذه الليلة ستصادف ليلة يوم الجمعة، فعن أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه قال: «الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان» (المصدر السابق: ص250).
وفي روايات أخرى ان الصيحة ستقع في نهار ذلك اليوم، وكذلك في الليل، كما في الرواية التي عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله صلوات الله وسلامه عليه يقول: «هما صيحتان: صيحة في أول الليل، وصيحة في آخر الليلة الثانية، قال: فقلت: كيف ذلك؟ قال: فقال: واحدة من السماء، وواحدة من إبليس فقلت: وكيف تعرف هذه من هذه؟ فقال: يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون» (كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص273 – 274).
وهذا الاختلاف في تحديد الموعد الدقيق للصيحة والنداء ناتج عن ان أصل وجود الصيحة هو من المحتوم الذي لا يتخلف ان شاء الله، كما عرفنا ذلك من قبل، ولكن موعدها خاضع لقانون المحو والإثبات فيمكن أن يكون نهارا، ويمكن أن يكون ليلا، ويمكن أن يكون غير ذلك، بحسب الحكمة والمصلحة التي هي في علم الله سبحانه.
أو ربما تكون الصيحة والنداء صيحتين أو ثلاثاً ولان المضمون واحد والمحتوى نفسه، عدت واحدة في بعض الروايات، وعدت أكثر من واحدة في روايات أخرى.
وسواء كانت الصيحة والنداء نهارا أو ليلا، أو كانت واحدة أو أكثر، كل ذلك لا يهم بعد أن بينا من قبل ان الضروري على كل المؤمنين هو التوجه والانتباه إلى مضمون تلك الصيحة ومحتواها، فإن ذلك المضمون والمحتوى هو الذي سيحدد كون تلك الصيحة هي صيحة جبرائيل التي هي صيحة الحق والبشرى، أو أنها صيحة إبليس الباطلة الضالة.
الصيحة بعد السفياني بشهرين وقبل الظهور بخمسة أشهر
ذكرت بعض الروايات بان السفياني عليه اللعنة سيخرج في شهر رجب، والصيحة والنداء يكونان في شهر رمضان، أي بعد شهرين تقريبا، وفي شهر محرم الحرام وفي يومه العاشر سيخرج الإمام المهدي أرواحنا فداه، أي بعد سبعة أشهر من خروج السفياني، وخمسة أشهر من الصيحة، وهي فترة قصيرة في نظر العقلاء، بحيث يمكن ان يقال: إنّ هنالك اتصالا قريبا جدا بين كل من السفياني والصيحة والمهدي صلوات الله وسلامه عليه، لذلك شُبهت هذه الأحداث بالخرز التي تتبع إحداها الأخرى حين سقوطها، فعن الإمام أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه انه قيل له: «ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟ فقال: بلى، قلت: وما هي؟ قال: هلاك العباسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء. فقلت: جعلت فداك، أخاف أن يطول هذا الأمر؟ فقال: لا، إنما هو كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا» (كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص273 – 274).
إمكان مشاهدة الإمام عليه السلام بعد الصيحة والسفياني
ان بعد هاتين العلامتين ووقوعهما خارجاً سيتحقق عصر الظهور المقدس، أو بمعنى آخر؛ أن الصيحة والسفياني سيكونان علامة من علامات بدء الظهور، الذي سيكون سريعاً جداً، وفي هذه المدة سيتكرر ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه للعيان وفي مناطق مختلفة ولأشخاص مختلفين حسب الحاجة والحكمة.
وهذا الظهور والاتصال بالآخرين لا يتعارض مع توقيع الشيخ السمري والذي ينص على القول: (ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
وذلك لان المانع من المشاهدة قبل الصيحة والسفياني، هو تعارض مثل هذه المشاهدة مع مفهوم الغيبة التامة الكبرى، وهذا التعارض لا يصبح له معنى بعد ظهور السفياني، ونداء جبرائيل باسمه صلوات الله وسلامه عليه.
وذلك لأن بعد الصيحة والسفياني تنتهي مرحلة الغيبة التامة المطلقة، وتبدأ أول مقدمات مرحلة الظهور المقدس، فلا ضرر يذكر في انكشاف أمر المهدي صلوات الله وسلامه عليه ودعوته حينئذ، لان إرهاصات خروجه صلوات الله وسلامه عليه وظهوره ستبين للعيان وتتضح عند كل إنسان، واكبر إرهاص يكون فيه تصريح واضح بخروجه صلوات الله وسلامه عليه هو الصيحة التي ستكشف أمر قيامه كشفا عاما حتى عند غير المسلمين، بحيث يفهمه كل الناس مهما كانت لغتهم، كما مر توضيحه من قبل على لسان الروايات الشريفة.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين.
تعليق