رجل زيدي
إعتنق مذهب الشيعة الإماميّة على يد السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (قدس سره) بعد أن أوضح له فساد مذهبه.
قال السيّد (قدس سره) حضر عندي... بعض الزيديّة وقد قال لي: إنّ جماعة من الإماميّة يريدون منّي الرجوع عن مذهبي بغير حجّة، واُريد أن تكشف لي عن حقيقة الأمر بما يثبت في عقلي.
قلت له: هل يقبل عقل عاقل فاضل أنّ سلطان العالمين ينفذ رسولا أفضل من الأوّلين والآخرين إلى الخلائق في المشارق والمغارب ويصدّقه بالمعجزات القاهرة، والآيات الباهرة، ثمّ يعكس هذا الاهتمام الهائل، والتدبير الكامل، ويجعل عيار اعتماد الإسلام والمسلمين على ظن ضعيف يمكن ظهور فساده وبطلانه للعارفين؟
فقال: كيف هذا؟ فقلت: لأنّكم إذا بنيتم أمر الإمامة أنتم ومن وافقكم أو وافقتموه على الاختيار من الأمـّة للإمام على ظاهر عدالته وشجاعته وأمانته وسيرته، وليس معكم في الاختيار له إلاّ غلبة الظنّ الذي يمكن أن يظهر خلافه لكلّ من عمل عليه كما جرى للملائكة وهم أفضل اختياراً من بني آدم لمّا عارضوا الله جلّ جلاله في أنّه جعل آدم خليفة وقالوا ) أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ(([1]) فلمّا كشف لهم حال آدم(عليه السلام)رجعوا عن اختيارهم لعزل آدم وقالوا ) سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا(([2]) وكما جرى لآدم الأكل من الشجرة، وكما جرى لموسى في اختياره سبعين رجلا من خيار قومه للميقات، ثمّ قال عنهم بعد ذلك ) أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا(([3])حيث قالوا ) أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً(([4]) وكما جرى ليعقوب(عليه السلام) في اختيار أولاده لحفظ ولده يوسف، وغيره من اختيار الأنبياء والأوصياء والأولياء وظهر لهم بعد ذلك الاختيار ضعف تلك الآراء.
فاذا كان هؤلاء المعصومون قد دخل عليهم في اختيارهم ماقد شهد به القرآن، والإجماع من المسلمين، فكيف يكون اختيار غيرهم ممّن يعرف من نفسه أنـّه ما مارس أبداً خلافة ولا أمارة ولارياسة حتّى يعرف شروطها وتفصيل مباشرتها فيستصلح لها من يقوم لها، وما معه إلاّ ظن ضعيف بصلاح ظاهر من يختاره.
وهل يقبل عقل عاقل، وفضل فاضل أنّ قوماً ما يعرفون مباشرة، ولا مكاشفة تفصيل ما يحتاج إليه من يختارونه فيكون اختيارهم لأمر لا يعرفونه حجّة على من حضر، وعلى من لم يحضر، امّا هذا من الغلط المستنكر؟
ومن أين للذين يختارون إمامهم معرفة بتدبير الجيوش والعساكر، وتدبير البلاد، وعمارة الأرضين والاصلاح لاختلاف ارادات العالمين حتى يختاروا واحداً يقوم بما يجهلونه (إنّا لِلّهِ وَإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ) ممّن قلّدهم في ذلك أو يقلّدونه.
وممّا يقال لهم: إنّ هؤلاء الذين يختارون الإمام للمسلمين من الذي يختارهم لهم لتعيين الإمام؟ ومن أيّ المذاهب يكونون؟ فان مذاهب الذين يذهبون إلى اختيار الإمام مختلفة، وكم يكون مقدار ما بلغوا إليه من العلوم حتى يختاروا عندها الإمام؟ وكم يكون عددهم؟ وهل يكونون في بلد واحد؟ أو من بلاد متفرّقة؟ وهل يحتاجون قبل اختيارهم للإمام أن يسافروا إلى البلاد يستعلمون من فيها ممّن يصلح للإمامة أو لا يصلح؟ أو هل يحتاجون أن يراسلوا من بعد عنهم من البلاد ويعرّفونهم أنـّهم يريدون اختيار الإمام للمسلمين؟ فإن كان في بلد غير بلدهم من يصلح أو يرجّح ممّن هو في بلادهم يعرفونهم، أم يختارون من غير كشف لما في البلاد. ومن غير مراسلة لعلماء بلاد الإسلام؟
فإن كان سؤال من هذه السؤالات يتعذّر قيام الحجّة على صحته وعلى لزومه لله جلّ جلاله، ولزومه لرسوله(صلى الله عليه وآله)، ولزومه لمن لا يكون مختاراً لِم يختارونه من علماء الإسلام أفلا ترى تعذّر ما ادّعوه من اختيار الإمام...
ولقد سمع منّي بعض هذا الكلام شخص من أهل العلم من علم الكلام فقال: إنّ الناس ما زالوا يعملون في مصالحهم على الظنون.
فقلت له: هب أنـّهم يعملون في مصالحهم في نفوسهم بظنونهم فكيف تجاوزوا ذلك إلى التحكيم على تدبير الله جلّ جلاله في عباده وبلاده، والاقدام بظنونهم الضعيفة على هدم الاهتمام بثبوت اقدام النبوّة الشريفة، ونقل تدبيرها عن اليقين الشريف إلى الظنّ الضعيف.
ومن جعل لهم ولاية على كلّ مَن في الدنيا والدين؟ وما حضروا معهم في اختيار الإمام ولا شاركوهم، ولا أذنوا لهم من سائر بلاد الإسلام. ومن ولاّهم عليّ وأنا غافل بعيد عنهم حتّى يختاروا لي بظنّهم الضعيف إماماً، ما وكّلتهم فيه، ولا أرضى أبداً بالاختيار منهم، فهل هذا إلاّ ظلم هائل، وجور شامل، من غير رضى من يدّعي وكالته، ونيابة ما استنابه فيها.
ثُمّ قلت لهم: أنتم ما كنتم تتفكّرون فساده في أوّل مرّة لمّا أظهر العدل واجتمعتم عليه، فلمّا تمكّن منكم قتلكم، وأخذ أموالكم.
وقد رأيتم ورأينا، وسمعتم وسمعنا من اختيار الملوك والخلفاء، والاطّلاع الغلط في الاختيار لهم، وقتلهم وعزلهم، وفساد تلك الآراء.([5])
وقلت لهم: أنتم تعلمون أنـّه يمكن أن يكون عند وقت اختياركم لواحد من ولد فاطمة(عليها السلام) غير معصوم، ولا منصوص عليه أن يكون في ذلك البلد وغيره من هو مثله أو أرجح منه ولا تعرفونه، فكيف تبايعون رجلا وتقتلون أنفسكم بين يديه ولعلّ غيره أرجح منه. وأقوم بما تريدون؟
وقلت لهم: أنتم يا بني الحسن لعلّ ما منعكم من القول بامامة أئمـّة بني الحسين إلاّ أنـّكم ولد الإمام الأكبر، ولعلّكم أبيتم أن تكونوا تبعاً لولد الإمام الأصغر، وما أراكم خلصتم من هذا العار، لأنّكم قلّدتم زيداً وهو حسني، فنسبتم مذهبكم إليه. وفي بني الحسن والحسين(عليهما السلام) مَن هو أفضل منه. قبله كان عبد الله ابن الحسن وولداه والباقر والصادق(عليهما السلام) ما يقصرون عنه.
ثمّ انّكم ما وجدتم له فقهاً، أو مذهباً يقوم بالشريعة فتمّمتم مذهبكم بمذهب أبي حنيفة([6]) وأبو حنيفة من العوامّ والغلمان لجدكم ولكم، فإذا رضيتم إماماً زيدياً وهو حسني مرقّع مذهبه بمذهب أبي حنيفة فأنا أدلّكم على الباقر والصادق(عليهما السلام)من بني الحسين(عليه السلام) من غير مرقعين. وعلومهم كافية في أمور الدنيا والدين([7]).
ثمّ قلت له: الناس يعرفون انّا كنّامعشر بني هاشم رؤساء في الجاهليّة والإسلام، وما كنّا أبداً تبعاً ولا أذناباً للعوام، فلمّا بعث محمد(صلى الله عليه وآله) وشرّفنا بنبوّته وشريعته نصير تبعاً لغلمانه وللعوام من اُمّته؟ وتعجز عناية الله جلّ جلاله به أن يكون لنا رئيس منّا، أيّ مصيبة حملتكم على ذلك؟ وفينا من لايحسن أبو حنيفة يجلس بين يديه، ويحتاج أبو حنيفة وغيره من العلماء أن يقرؤا عليه.
فعرف الزيدي الحقّ ورجع عن مذهبه في الحال([8]).
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ البقرة: 30.
[2] ـ سورة البقرة آية 32 .
[3] ـ الأعراف: 155.
[4] ـ النساء: 153.
[5] ـ الرضوي: وفي عصرنا هذا عصر الظلم والظلمات والتضليل والالحاد وقول الزور والبهتان نرى في مختلف الاقطار من مارسوا السياسة وزاولوها، وتوغّلوا فيها ردحاً من الزمن لمّا اختاروا رجلا لمقام ماظنّوا فيه كفائته له ولياقته فأعلنوا للملأ العام ذلك، وسرعان ما تغيّرت فيه آراؤهم فنقموا عليه واستبدلوا به من ظنّوه خيراً منه، وهذا ما وقع غير مرّة في مختلف الأقطار.
[6] ـ وللوقوف على بعض فتاوى أبي حنيفة السخيفة راجع ص 26 من هذا الكتاب وللاحاطة على أكثر من ذلك راجع كتابنا (مهاترات بين أصحاب المذاهب الأربعة).
[7] ـ ولكي يقف القارئ النبيل على مالهذين الإمامين(عليهما السلام) من مقام شامخ وعظيم في العلم فليرجع إلى الجزء الأوّل من كتابنا (قالوا في أئمتنا وقالوا في أئمّتهم) ففيه شهادات قيّمة لرجالات علميّة واجتماعيّة مرموقة في هذين الإمامين(عليهما السلام) من غير شيعتهما.
[8] ـ كشف المحجّة لثمرة المهجة.
تعليق