بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرة هي الصورة الفضيعة التي حدثت يوم عاشوراء وكثيرة هي المصائب التي حلت بسيد الشهداء عليه السلام لكن طالما كان هناك بعض هذه الحوادث يأخذ مني ماخذا خاصا وهي الاحداث التي حصلت لاطفال هم بعمر الزهور مما يكشف اللثام عن حقيقة قتلة الحسين عليه السلام فلازالت صور موت السيدة رقية عليها السلام ومقتل عبد الله الرضيع عليه السلام والقاسم وغيرهم لكني وجدت روايات كثيرة في كتب معتبرة تخبر عن مقتل طفل اخر على صدر عمه الحسين صلوات الله عليه نعم قُتل صبيٌّ صغير لم يبلغ الحلم بل لم يُراهق، قُتل وهو على صدر الحسين (ع) أو في حجره أو كان بجنبه لائذاً به، وكان ذلك الصبيِّ قد أفلَتَ من يد النساء وأخذ يعدو حيث المعركة متَّجهاً نحو الحسين (ع)، والحسين (ع) حينذاك مُحاطا بالجند مُثخناً بالجراح صريعاً أو كان قد أقعده النزف عن القتال، وقد قُتل عامةُ مَن كان معه ممَّن يقوى على حمل السلاح، فحين اقترب الصبيُّ من عمِّه صادفه ورجلٌ يُدعى بحر بن كعب رافعاً سيفه يبتغي ضرب الحسين (ع) فمدَّ الغلامُ يده بعفويةٍ يحمي بها عمَّه فأهوى الرجل بسيفه على يد الصبي فبترها، فما كان من الغلام إلا انْ صرخ عالياً يستنجد بأُمِّه أو عمَّه فاجتذبه الحسين (ع) فضمَّه إلى صدره أو أجلسه في حجره يُصبِّره فرماه رجلٌ من معسكر يزيد فذبحه وهو على صدر عمِّه أو حجره أو انَّه فارق الحياة على صدر عمِّه بفعل النزف والهلع الذي أصابه، فرفع الحسين (ع) يده إلى السماء وقال: "اللهم إنْ متَّعتهم إلى حين ففرِّقهم فِرَقا، واجعلهم طرائق قِددا، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبدا، فإنَّهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا"
ونصُّ ما وقع بحسب ما رواه ابنُ نما الحلِّي في مثير الأحزان قال: "... ثم قصدوه (ع) بالحرب وجعلوه شلواً من كثرة الطعن والضرب وهو يستقى شربةً من ماء فلا يجد، وقد اصابته اثنتان وسبعون جراحة فوقف وقد ضعف عن القتال اتاه حجر على جبهته هشمها ثم اتاه سهم له ثلاث شعب مسموم فوقع على قلبه فقال: بسم الله وعلى ملة رسول الله (ص) ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: الهى تعلم أنَّهم يقتلون ابن بنتِ نبيِّهم ثم ضعف من كثرة انبعاث الدم بعد اخراج السهم من وراء ظهره وهو ملقىً في الأرض، فكلَّما جاءه رجلٌ انصرف عنه كراهية انْ يلقى الله بدمه فجاء مالك بن النثر فسبَّه وضربه بالسيف على رأسه فقطع القلنسوة ووصل إلى رأسه فامتلأت دما فقال (ع): لا اكلتَ بيمينك وحشرَك الله مع الظالمين، واستدعى قلنسوةً فلبسها فلبثوا قليلاً ثم كرُّوا عليه فخرج إليه عبد الله بن الحسن وهو غلام لم يُراهق من عند النساء يشتدُّ حتى وقف إلى جنب الحسين (ع) فلحقته زينب بنت علي (ع) لتحبسه فامتنع امتناعاً شديداً وقال: لا أفارق عمِّي، فأهوى بحر بن كعب، وقيل حرملة بن كاهل إلى الحسين (ع) فقال له الغلام: ويلك يا بن الخبيثة أتقتل عمي!! فضربه بالسيف فاتَّقاها بيده فبقيت على الجلد معلَّقة فنادي يا عماه -وفي رواية المفيد والطبري قال: يا أمتاه!- فأخذه وضمَّه إليه وقال: يا بن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير، فإنَّ الله يُلحقك بآبائك الصالحين، فرماه حرملة فذبحه فقال الحسين (ع): اللهم إنْ متَّعتهم إلى حين ففرِّقهم فرقا واجعلهم طرائق قددا ولا تُرضِ عنهم ابدا"( 1).
وقد نقلنا النصَّ بطوله ليتبيَّن القارئ أجواءَ هذا المشهد الفظيع، غلامٌ في عمر الصبى أدهشه الخطب فراح يعدو مرعوباً ليلوذ بعمِّه أو انَّه خرج يحسب لبراءته انَّه قادرٌ على حماية عمِّه الذي تحلَّقت حوله الرجال تروم قتله ولا يجد مَن يدفعُ عنه فانبعث غيرَ مُدرِكٍ انَّه يرجو ما لا يُرجى، فما أفاق إلا حين وجد يده الصغيرةً معلقة وقد كان يأمل أنْ يدفع بها عن عمِّه فحينذاك أدركتْه طفولتُه فراح يضجُّ مستنجداً بأمِّه وعمِّه، فحنى عليه الحسين وضمَّه إلى صدره في مشهدٍ ترقُّ لأساه قلوبُ الأسوياء، وأما المتوحِّشون الذين أحاطوا بالحسين فمثل هذه المشاهدِ لا تروقُ لهم بل تزيد في ضراوتهم، ولهذا اندفعوا إلى إسدال الستار على هذا المشهد الرهيب وكانت وسيلتهم ذبحَ الغلام.
هذا وقد نصَّ على وقوع هذا الحدث بتفاوتٍ يسير الكثيرُ ممَّن أرَّخ لمقتل الحسين (ع) منهم الشيخ المفيد في الإرشاد( 2)، ومنهم الطبرسي في إعلام الورى( 3)، والسيد ابن طاووس في اللهوف( 4)، ومنهم ابو مخنف الأزدي في مقتل الحسين (ع)( 5)، والبلاذري في أنساب الأشراف( 6)، والطبري في تاريخه( 7)، وابنُ الأثير في الكامل( 8)، وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين( 9)، وابن كثير في البداية والنهاية( 10)، والنويري في نهاية الأرب( 11) وغيرهم.
-----------
1- مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص55-56.
2- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 ص110-111.
3- إعلام الورى بأعلام الهدى -الشيخ الطبرسي- ج1 ص467-468.
4- اللهوف في قتلى الطفوف -السيد ابن طاووس- ص72.
5- مقتل الحسين (ع) -أبو مخنف الأزدي- ص191-193.
6- أنساب الأشراف -أحمد بن يحيى بن جابر (البلاذري)- ج3 ص202.
7- تاريخ الطبري -محمد بن جرير الطبري- ج4 ص344-345.
8- الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 ص77.
9- مقاتل الطالبيين -أبي الفرج الأصفهاني- ص77.
10- البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 ص202-203.
11- نهاية الأرب في فنون الأدب -النويري- ج20 ص458-459.
تعليق