الزواج عند المسلمين
لم يترك الإسلام الحنيف شيءً إلا نظمه وهذبه وأرسى له قواعده العامة الشاملة الكاملة والزواج وسبل الوصول إلى السعادة والعيش الرغيد في ضل تلك الشراكة المقدسة ليست بمعزل عن تشريعات الإسلام وحكمته البالغة تلك القواعد لها أشكال مختلفة فمنها القواعد القرآنية العامة والخاصة التي تصدت لتنظيم تلك النواة التي سَتكون مجتمعاً يحمل صفاتها وما تحس به فاستقرارها يعني استقرار مجتمع بأسره، فترى الله عز وجل في كتابه العزيز يضع جملة من القواعد الأخلاقية والنظم الاجتماعية العامة التي تسمو بمطبقيها إلى أعالي سلم الرقي الإنساني داعية إلى التواضع والمحبة والتسامح والتسابق في الخيرات وكظم الغيظ فهاهي الآية (134) من سورة آل عمران وفي وصفها للمتقين تجدها ترسم طريق سعادة في غاية السمو قال تعالى : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{134}
وكثيرة هي الآيات الأخلاقية العامة ذات النفع الكبير إذا ما طبقت في نظامنا الأسري وجعلنها هي الحاكمة فلا باس إن نتعلم من سورة لقمان ومن الآية (18و19)( وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{18} وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ{19})
فقد تضمنت الآيتان السابقتان أسراراً عظيمة لسعادة الزوجية غابت عن الكثير ، فالتواضع واللين وعدم التعالي بين الزوجين كذلك خفض الصوت واعتدال الفعل والقول كلها من أسمى سبل الوصول إلى السعادة، ثم ما لبث القرآن الكريم يذكرنا بما أودع الله عز وجل في الإنسان من استعداد لتحول ذلك البيت الذي يجمع الزوجين إلى روض جنة وطمأنينة فهو يبين في سورة الروم وفي الآية (21) قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{21}) كيف إن الله وبرحمته العظيمة جعل بين الزوجين تلك المودة والرحمة التي كثيراً ما نجعلها تختفي بفعل ساعة غضب ووسوسة شيطان أو مع صعوبة حياة، لتستحيل معها حياتنا إلى جحيم وحرب وصراع فالخطاب القرآني لتلك الآية العظيمة يمكننا أن نستعين به لتخلص من كل تلك القناعات السلبية التي تقضي أن نسلم للخلاف وان نقر أنه الحقيقة الثابتة في حين إن الحقيقة هي المودة والرحمة .
ولنبي الرحمة والمحبة والتسامح دروس ودروس في سبيل الوصول إلى السعادة الزوجية كذلك أهل البيت (عليهم السلام) فمدرسة النبوة تلك كانت سراجا للسعادة والفرح، من خلال ما تركوه من سيرة عبقة متمثلة بسلوكهم وقولهم النير.
فما سيرة الرسول الأكرم إلا مثالا اكبر للسعادة والتضحية والمحبة والفداء والخلاص وجدت لها المثل من زوجة مؤمنة بذلت كل شيء من أجل أن يقدما الأنموذج الأكمل للزواج السعيد.
أما أحاديثه النيرة وكلماته السامية فما هي إلا شعاع نور يهي إلى السعادة فحديث واحد كفيل إن يوصل إلى السعادة فعندما يقول (صلى الله عليه واله)(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله) (من لا يحضره الفقيه. ج3. ص 443) وعندما نتأمل في كلمة الخير نجد أنها تشمل كل المعاني السامية من الحب والصدق والتسامح والصفح عن الأخر ولنتخيل أننا في بيت يعيش الزوجان فيه تحد سقف تلك المضامين السامية هل ستغيب البسمة عن ذلك البيت وهل سيحس ساكنيه بالحزن.
أما الأنموذج الأخر فهو بيت فاطمة وعلي فسيرتهما سيرة تعاون وصبر وإخلاص أنتج بيتاً في غاية الكمال الأسري ليعلمنا أمير المؤمنين سراً من أسرار السعادة تلك حيث قال (عليه السلام) (من لانت كلمته وجبت محبته) (بحار الأنوار ج 68.ص396) ليبين لنا ما للين الكلمة من اثر بالغ في مد حبائل المحبة بين الزوجين وضرورة الاهتمام بها وعدم التغافل عن الكلمة الطيبة التي تفضي إلى المحبة التي هي مصدر السعادة على مر الدهور والأزمان
تعليق