بسم الله الرحمن الرحيم
للشريعة المحمدية المقدسة غايات وأهداف جليلة في مقدمتها السير ببني آدم إلى الكمال الإنساني والرجوع إلى حيث أمر الله قال تعالى: (إِنَّا لِلّهِ وإِنّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ)[1]، وقد أوجدت لذلك سبل بينتها وطرائق أوضحتها منها التمسك بالثقلين الكتاب العزيز والعترة الهادية صلوات الله عليها كما نص على ذلك حديث الثقلين المتواتر, ومنها كذلك ما ورد في الزيارات الشريفة إن الأئمة المعصومين سلام الله عليهم أبواب الله تعالى التي منها يؤتى، وإنهم سلام الله عليهم سفن النجاة فمن اقتفى أثرهم واتبع نهجهم وتمسك بهم أمن من الغرق والهلاك ووصل إلى بر الأمان حيث السعادة الأبدية والرضا الإلهي.
الإمام الحسين عليه السلام سفينة النجاة العظيمة والسريعة وفق الأحاديث الشريفة بل هو سلام الله عليه سفينة الكمال، وقد ورد في الأثر الشريف: «قال الحسين عليه السلام دخلت على جدي وعنده أُبي بن كعب فقال لي مرحباً يا زين السماوات والأرض فقال أُبي كيف يكون غيرك زينهما فقال صلى الله عليه وآله والذي بعثني بالحق انه لفي السماء أكبر منه في الأرض وانه مكتوب على يمين العرش وانه لمصباح هدى وسفينة نجاة»[2].
الحديث الشريف ذو مضامين كبيرة لا نستطيع الاحاطة بها بهذه المقالة الموجزة، لذا ومن اجل الوقوف على جانب صغير منها لا بد من بحث وجيز لبعض المفردات التي وردت فيه كالعرش ويمينه.
العَرْش في اللغة: سرير الملِك، يدلُّك على ذلك سرير ملِكة سَبَإِ، سمَّاه اللَّه عز وجل عَرْشاً فقال عز من قائل: (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ)[3] ،وقد يُستعار لغيره، والجمع أَعراشٌ وعُروشٌ وعِرَشَةٌ. والعَرْش: البيتُ، وجمعه عُروشٌ. وعَرْش البيت: سقفُه، والجمع كالجمع، وفي الحديث: أَو كالقِنْديلِ المعلَّق بالعَْرش،يعني بالسقف[4].
أما في الاصطلاح فلا يمكن لنا حده لأنه من الغيب فيتعين علينا طريقه وهو أهل بيت العصمة والرسالة سلام الله عليهم، حيث وردت في معاني العرش روايات كثيرة منها ما رواه العلامة المجلسي في البحار حيث أورد أكثر من ستين رواية، وظاهر بعضها إن للعرش مظاهر مختلفة بل ورد النص عليه في بعض الروايات كما ورد عن أبي عبد الله الصادق عليه الإسلام قال: «حملة العرش والعرش العلم ثمانية أربعة منا وأربعة ممن شاء الله»[5].
فنلاحظ ان الحديث الشريف قد بين لنا ان العرش هو العلم، وتوجد روايات أخر عرفت العرش بمظهر آخر من مظاهره وغيرها قالت انه اسم علم وقدرة وهكذا.
أما مسألة يمين العرش فلعلها لبيان الأقربية أو الأشرفية لاسيما وانه ورد أيضا إن الله سبحانه خلق العقل عن يمين العرش ففي حديث سماعة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «إن الله خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش...»[6].
اذاً فقد تقدم ان الحسين عليه السلام مكتوب على يمين العرش والعقل كذلك والعرش هو العلم وهو منتهى الكمال الإنساني الذي لا يستطيع الإنسان إدراك ما فوقه فعن أبي جعفر عليه السلام: «تكلموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق العرش فإن قوماً تكلموا في الله فتاهوا حتى كان الرجل ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه»[7].
وعليه فمن يصل إلى حقيقة الإمام الحسين عليه السلام فقد بلغ الكمال، ولا يُعترض ان ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فالجواب جلي في المقام حيث الحسين ورسول الله واحد وكما ورد في الحديث الشريف حيث روى سعيد بن راشد عن يعلى بن مرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا»[8].
المسير إلى الحسين مسير إلى الكمال:
الشريعة المقدسة طالما بعثت المسلمين إلى التكامل المعنوي عبر الماديات وتحمل الصعوبات والمشاق وكأفضل مثال لذلك السفر لحج بيت الله الحرام كفرض واجب على كل مستطيع واستحباب الحج لمن حج سابقا، وجعلت لذلك الثواب العظيم وذات الأمر نجده في زيارات مراقد المعصومين سلام الله عليهم ابتداء برسول الله صلى الله عليه وآله حتى الإمام الهادي والعسكري سلام الله عليهما لكن عند استقراء الروايات الشريفة نجد أن لزيارة سيد الشهداء تميُز خاص وثواب فاق الجميع بل فيها إشارة إلى التكامل الإنساني موضع البحث فعن زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما لمن زار قبر الحسين عليه السلام؟
قال: كان كمن زار الله فوق عرشه.
قال: قلت: ما لمن زار احد منكم؟
قال كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله[9].
وعن الحسين بن محمد القمي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «من زار قبر أبي عبد عليه السلام بشط الفرات كمن زار الله فوق عرشه»[10].
والجدير بالذكر ان زيارة سيد الشهداء عليه السلام وهي بهذا الثواب العظيم لابد لها من تكامل أولي واستعداد ذاتي حتى يوفق الشخص لزيارته فعن الفضيل بن عثمان عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من أراد الله به الخير قذف في قلبه حب الحسين عليه السلام وحب زيارته، ومن أراد الله به السوء قذف الله في قلبه بغض الحسين عليه السلام وبغض زيارته»[11].
فنلاحظ ان الرواية الشريفة هدفت الى جميع المؤمنين على حب الحسين وان الله يحب من احب الحسين عليه السلام كما صرحت بذلك رواية صدر البحث عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن هنا نفهم جانب من المتحابين في الله وقد جعل الله لهم الثواب العظيم والمنزلة الرفيعة فعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «المتحابون في الله يوم القيامة على ارض زبرجدة خضراء في ظل عرشه عن يمين وكلتا يديه يمين وجوههم أشد بياضاً وأضوء من الشمس الطالعة يغبطهم بمنزلتهم كل ملك مقرب وكل نبي مرسل، يقول الناس من هؤلاء فيقال هؤلاء المتحابون في الله»[12]، أي ان الحب والبغض في الله جامع لهدف واحد من مصاديقه الكاملة حب الحسين عليه السلام وإظهار ذلك الحب والود بالتوجه إلى الله سبحانه عبر الحسين ومن عند الحسين عليه السلام، فعظم الله سبحانه أجر من زار الحسين بثواب عظيم جزيل فجعل ووفق الروايات الشريفة في كل خطوة حجة وعمرة مبرورة وهكذا يضاعف الله لمن يشاء.
وقد قرن الله سبحانه بزيارة الحسين ظرفين مكاني وزماني وعظّمهما وجعلهما هدف الزائرين فوقتت الروايات الشريفة زيارات مخصوصة لسيد الشهداء عليه السلام كزيارة عرفة العظيمة وزيارة النصف من شعبان الشريفة وزيارة النصف من رجب وزيارة الأربعين وهي محل البحث، لذا سوف نبحث عبر الروايات في كلا الظرفين المكاني ارض كربلاء المقدسة والزماني زيارة الأربعين الشريفة.
كربلاء اشرف بقاع الأرض:
ارض كربلاء الطاهرة المطهرة بدم سيد الشهداء عليه السلام كما هو نص الزيارة الرجبية، بل إنها اشرف منزلة من ارض الكعبة المشرفة، ففي الخبر إن الله أوحى إلى أرض الكعبة التي افتخرت بنفسها انه لولا أرض كربلاء ما فضلتك: «عن أبي عبد الله عليه السلام: ان ارض الكعبة قالت: من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فجٍّ عميق وجُعلت حرم الله وأمنه. فأوحى الله اليها: كفّي وقرّي ما فضل ما فضلتِ به فيما أعطيت أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا من ضمته كربلاء لما خلقتك ولا خلقت الذي افتخرت به، فقري واستقري وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً، غير مستنكفٍ ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلا مسختك وهويت بك في نار جهنم»[13].
وعن أبي الجارود قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: اتخذ الله ارض كربلاء حرما آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله ارض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين الف عام وانه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيرها رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنها إلا النبيون والمرسلون ـ أو قال أولو العزم من الرسل ـ وأنها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض يغشي نورها أبصار أهل الجنة جميعاً وهي تنادي: أنا ارض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة[14].
زيارة الأربعين:
وظرفها الزماني يوم العشرين من شهر صفر الخير، قال المحدث الجليل الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان: روى الشيخ في التهذيب والمصباح عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال: «علامات المؤمن خمس، صلاة إحدى وخمسين، أي الفرائض اليومية وهي سبع عشر ركعة والنوافل اليومية زهي أربع وثلاثون ركعة وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين بالسجود والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم».
كما ونلحظ ان عدد الأربعين ذاته يمثل جانب التكامل في الإنسان قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «إذا بلغ العبد ثلاثاً وثلاثين سنة فقد بلغ أشده وإذا بلغ أربعين سنة فقد بلغ منتهاه»[15] ،وقال عليه السلام: «من حفظ من شيعتنا أربعين حديثاً بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً فلم يعذبه»[16].
والقرآن العظيم أشار إلى ذات العدد في مسألة التكامل قال تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ)[17]. وكذلك الله سبحانه واعد موسى عليه السلام لأربعين يوم حتى يتلقى التوراة منه سبحانه قال تعالى: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ)[18].
كذلك نجد الأمر في الروايات الشريفة ما ورد عن الإمام الصادق إنه قال: «إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلاً من المؤمنين فقالوا اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا قال الله تبارك وتعالى قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون».
والحديث حول صلاة الليل حيث يستحب الدعاء لأربعين مؤمناً وكذلك ما ورد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: من قدّم في دعائه أربعين من المؤمنين ثم دعا بنفسه أستجيب له.
وشاءت إرادة الله سبحانه أن تكون نهضة سيد الشهداء وآله الأطهار من حين شهادته في العاشر من محرم عام 61للهجرة في كربلاء حتى العشرين من صفر من ذات السنة وهي مدة مثلت مسيرة السبايا من كربلاء إلى الكوفة ومن ثم إلى دمشق في الشام والعودة إلى كربلاء المقدسة، وما مسير المؤمنين اليوم وبأعداد مليونية إلى كربلاء مشاة من جميع أنحاء العالم إلا تذكير بمسيرة كربلاء الخالدة.
وخلاصة الأمر إن من كان في كربلاء المقدسة ـ الظرف المكاني ـ وفي يوم الأربعين ـ الظرف الزماني ـ فقد جمع عاملي التكامل المنشود شرط الاستعداد المسبق للتكامل لاسيما حب الله ورسوله وأهل بيته وكذا إن يكون عارفا بحقهم أي الجانب العلمي، فمن يكون له ذلك يكون قاب قوسين من التكامل المقصود.
والحمد لله رب العالمين.
تعليق