بسم الله الرحمن الرحيم
كربلاء قضية متجذّرة في الوعي الإسلامي، ساهمت في تشكل الوعي الحركي الثائر على الظلم و الفساد ، و باتت مع تقادم الزمن أكثر رسوخاً في وجدان الأمّة، و بعبارة أخرى إنّها تلك الواقعة التي قفزت فوق الزمان و المكان، مستمدة من نور مشكاة النبوة رمزيتها، فاستحالت نهجاً يحمل شعلة متوقّدة تسمو بالإنسان في آفاق العزّة و الكرامة، و تعبّر في مدلولاتها عن محورية الصراع الدائر بين الاستكبار و الاستضعاف، و بين رمز العدالة والتفاني في اللهّ و رمز الاستغراق في حطام الدنيا الفانية.
في كُلّ سنة لنا ذكرى مع أجواء عاشوراء ، و في كُلّ سنة نستعيد في وعينا و حياتنا كربلاء ، لكن قيمة عاشوراء و كربلاء الذكرى أن لها لقاء في كُلّ زمن مع الأمّة ، تمدها و تعطيها من حيويتها ، فتعيش الأمّة آفاق الإمام الحسين (عليه السّلام) تلك الآفاق الواسعة الرحبة التي لا تعيش في الدوائر الضيقة ، بل تشمل العالم الإسلامي كله ، فالحسين (عليه السّلام) كان ينظر من خلال آفاق جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذي أرسله الله رحمة للعالمين و من هنا كان يطرح دوما و في كُلّ موسم لعاشور ، شعار أنّ الإسلام ( محمدي الوجود حسيني البقاء ) نظراً لأهمية الدور الذي قام به الحسين (عليه السّلام) من خلال ثورته ، فقد استطاع هذا الإمام أن يعيد تصويب المسار ، بعد أن بدأ الانحراف السريع نتيجة لإبعاد الإسلام عن ساحة الحياة ، و هذه الصورة عبر عنها الحسين (عليه السّلام) آنذاك عندما قال : ( ألا و إنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، و تركوا طاعة الرحمان ، و احلّوا حرام الله، و حرّموا حلاله، و استأثروا بالفيء، و عطلوا الحدود، و أنا أحقّ من غيّر.
الحركة الحسينية لم تكن انتحارية
يصف بعض الباحثين ثورة الإمام الحسين بأنها مأساة إنسانية مروعة ، و يرى آخرون إنّها أشبه بعملية انتحارية لم تبلغ أهدافها، بل أسفرت عن نتائج مؤلمة ، لا تزال علامة فارقة في جبين الإنسانية، و لطخة عار في تاريخها . بيد أنّ هذا التحليل يبدو سطحياً و ساذجاً و هو مبتنِ على رؤية قاصرة لأهداف الثورة و مقاصدها و نتائجها ، و يؤسف أنّ بعض علماء المسلمين لم يوفقوا لإدراك أبعاد تلك الثورة، و بليغ دروسها، و عظيم عطائها، و كانوا أقصر نظراً من الزعيم الهندي الشهير غاندي القائل : ( تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر
و يظهر للمتأمل أنّ أساس الاشتباه لدى هؤلاء هو في نظرتهم لمفهومي النصر و الهزيمة ، هذه النظرة الضيقة التي تحدد مفهوم النصر بمقدار النجاح العسكري فحسب ، الأمر الذي لم يتحقق في نهضة الحسين (عليه السّلام) ما يجعل منها حركة فاشلة وفق المقياس المذكور . لكنّ النظرة المذكورة لمفهوم النصر غير صحيحة، بل هي مجترئة و مشوهة و لا تلامس الحقيقة ، فالحقيقة التي يدركها البصير و المتابع لحركة النهضة الحسينية و تداعياتها و نتائجها على الواقع الإسلامي ماضياً و حاضراً هي أنّ دماء الحسين (عليه السّلام) ساهمت في تغيير مجرى التاريخ الإسلامي . و أيقظت الضمائر الميتة، و حررت إرادتها، و خلقت حركة وعي في الأمّة الإسلامية كان من نتائجها حركات التمرد، و ثورات الغضب و الانتقام التي تلاحقت و تتالت
1 ـ حيث نجد بعد عام من ثورة الحسين (عليه السّلام) أنّ المدينة تثور على يزيد ، و تطرد واليه و جميع الأمويين
2 ـ و في السنة الثانية تثور مكّة المكرمة أيضاً على يزيد الطاغية.
3 ـ و يصبح حكم الأمويين مهدداً بالسقوط بعد موت يزيد ، و نمو و تطور حركة عبد الله بن الزبير ، و المختار بن أبي عبيدة الثقفي.
4 ـ و بعد ذلك أخذت الثورات تتوالى، حيث ظهرت ثورة التوابين و التي تعتبر أثراً مباشراً لثورة الحسين (عليه السّلام) حيث كانت شعاراتهم يا لثارات الحسين، و لم تهدأ هذه الثورة حتى تكون ثورة المختار، و الذي قام من أجل الثأر لدماء الحسين (عليه السّلام)، و يتمكن المختار من عمل عسكري مهم و عمل سياسي أهم ، أما العمل العسكري فهو القضاء على الجيش الأموي، و قتل عبيد الله بن زياد الذي كان يقود هذا الجيش ، و العمل السياسي هو تصفية الكوفة من جميع قتلة الحسين (عليه السّلام)، و من أنصار الأمويين . و قد استمر هذا التحرك و الرفض في الأمّة حتى تمت الإطاحة بالحكم الأموي بعد عدة عقود من الزمن . هذا من جهة.
و من جهة أخرى فإنّ الحسين (عليه السّلام) أصبح مثلاً أعلى لكلّ الثوار، و المناضلين من أجل التحرر و الإنعتاق من نير الظالمين و المستبدين . و عندما يغدو المرء ملهماً للثوار فهذا دليل انتصار لا هزيمة ، و عندما تزلزل دماءه الزكية عروش الظالمين فهذا دليل نصر مؤزر لا مأساة مروعة . .و لكنّ السؤال هنا ماهي النقاط و الوسائل التي أكد عليها الإمام في نهضته، و كان لها الدور و التأثير البالغ في ضمير الأمّة و إرادتها ، ثمّ كان لها هذا التأثير البالغ في جميع الأجيال و العصور ؟ في معرض الجواب على هذا السؤال يجدر بنا أولاً أن نعالج العناوين التالية:
1ـ دراسة دوافع الثورة الحسينية، و أسباب هذه الحركة التي قام بها الإمام الحسين (عليه السّلام).
2 ـ الجواب على السؤال الذي لازال موجوداً في كثير من أذهان الدارسين و الباحثين عن ثورة الحسين (عليه السّلام) ، هذا السؤال هو : لماذا لم يكن هدف الحسين (عليه السّلام) هو الوصول على السلطة . ثمّ الأهمّ من ذلك ، لماذا لم يتحقق للحسين (عليه السّلام) أن يصل إلى تغيير الحكم و الإطاحة بنظام يزيد بن معاوية ؟ و بصدد الجواب على هذا السؤال نفسه ، لابد لنا من:1 ـ أن نتعرف على الشروط الأساسية العامة التي يجب أن تتوفر في الثورة الناجحة.
2 ـ الفحص على وجود هذه الشروط الأساسية و توفرها في ثورة الحسين (عليه السّلام) أو عدم توفرها .
3 ـ إذا وجدناها متوفرة في ثورة الحسين (عليه السّلام) ، يطرح السؤال نفسه مرة أخرى و هو : لماذا لم تتمكن ثورة الحسين (عليه السّلام) من أن تحقق هدف الإطاحة بحكم يزيد ، على الرغم من إنّها كانت تستجمع الشروط التي لابد لكلّ ثورة ناجحة أن تستجمعها؟
دوافع الثورة الحسينية
التفسيرات التي أعطيت من بعض المستشرقين ، من بعض المسلمين ، من بعض الحكام أنفسهم في زمن الإمام و بعده ، قسم من هذه التفسيرات نصنفها و نجعلها في عداد التفسيرات الباطلة، لأنها ناتجة من أغراض و نوايا سيئة نجد بذورها منذ زمن الحكام الأمويين، و قد نجد الباحثين المتأخرين قد تأثروا بتلك الكلمات التي يجدونها مبثوثة في بعض الكتب التاريخية ، و قسم من هذه التفسيرات الباطلة قد تكون ناتجة من أن أصحاب التفسير و التحليل التاريخي لقضية الحسين (عليه السّلام) و هم بعيدون كُلّ البعد عن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عن حقيقة الأئمة و معنى الإمامة ، و يمكننا هنا أن نشير إلى تفسير في هذه القائمة:
ثورة الحسين (عليه السّلام) صراع قبلي (!)
فُسّرَت الحركة التغييرية للحسين (عليه السّلام) في بعض كتب التاريخ و بعض كتب الاستشراق على أساس أنّ حركة الحسين كانت حركة قبلية ( عشائرية )، تعبّر عن الصراع المحتدم بين قبيلتين قرشيتين ، كانتا تتصارعان على السلطة و الهيمنة قبل الإسلام ، و استمّر هذا الصراع بينهما إلى ما بعد الإسلام ، ذلك هو الصراع بين بني هاشم و بني أمية ، و حاول هذا التفسير أن يستشهد لما ذهب إليه ببعض الأشعار و القصائد و قد أنشدها بعض الشعراء من مثل الأخطل و غيره أو بعض الأشعار التي ذكرها بعض السلاطين و الحكام الجاهلين أنفسهم .الحقائق الثابتة ترفض هذا التفسير:لا يمكن قبول هذا التفسير للأسباب التالية :
1 ـ هذا التفسير يتنافى مع أصل العقيدة الإسلامية، لأنّه يبتني على قاعدة ترفض الإيمان بحسب الحقيقة ، و تعتبر الحسين، و الأئمة، و الرسول الكريم جميعاً منطلقاتهم منطلقات من هذا القبيل ، و هذا يرجع إلى عدم الإيمان بنبوة الرسول، و صدقه و الأئمة.
إذن فمن ناحية المعتقد هذا تفسير يتنافى مع أصل العقيدة الإسلامية، فضلاً عن العقيدة الخاصة في حقّ أهل البيت (عليه السّلام) الذين طهرهم الله و اذهب عنهم الرجس...
2 ـ أمّا من الناحية التاريخية ، عندما يراجع الإنسان التاريخ يجد أنّ هذا التفسير لا يمكن أن يقبل حتى لو قطعنا النظر عن الجانب العقائدي في هذه المسألة ، فملاحظة التاريخ و دراسة ما وقع في التاريخ الإسلامي دراسة موضوعية علمية ، تكشف للإنسان بأقلّ التفاتة ، أنّ هذا الصراع بحسب الحقيقة لا يمكن أن يكون صراع بين قبيلتين و أنّ دوافعه الحقيقية إحساسات عشائرية أو قبائلية أو شيء من هذا القبيل ، كيف و أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بحسب تاريخه أوّل من عارض هذه الفكرة، و طبقها في حقّ نفسه و في مجتمعه ، سلمان الفارسي يجعله محمدياً بينما أبا لهب يجعله كافراً ، هل هناك ما هو أوضح من هذا دلالة على أنّ عمل النبي و سلوكه و تفكيره لم يكن عشائرياً.
3 ـ لو كانت المسألة مسألة قبيلة و عشيرة لكان ينبغي على الإمام الحسين (عليه السّلام) أن ينهض بعشيرته قبل أن ينهض بالغرباء البعيدين عن عشيرته ، كان ينبغي أن ينهض في موطن عشيرته و هو الحجاز، بينما المسألة لم تكن كذلك لا الحركة بدأت من موطن تلك العشيرة و لا المتحركين بهذه الحركة كانوا من أصحاب هذه العشيرة ، ذلك أنّ أصحاب الحسين (عليه السّلام) سواء كانوا من حيث الانتماء القبلي أو من حيث الانتماء القومي أو الشعوبي ، أو من حيث الانتماء لمستوى الثقافة أو مستوى الوضع الاجتماعي ، بل و حتى من حيث الانتماء المذهبي يمثلون نماذج و عينات متعددة و مختلفة ، حيث نلاحظ أنّ هناك اختلافاً عظيماً بين هؤلاء ، و لا يمكن أن تجمع كُلّ هؤلاء أو توحدهم قضية الصراع القبلي!!
كربلاء قضية متجذّرة في الوعي الإسلامي، ساهمت في تشكل الوعي الحركي الثائر على الظلم و الفساد ، و باتت مع تقادم الزمن أكثر رسوخاً في وجدان الأمّة، و بعبارة أخرى إنّها تلك الواقعة التي قفزت فوق الزمان و المكان، مستمدة من نور مشكاة النبوة رمزيتها، فاستحالت نهجاً يحمل شعلة متوقّدة تسمو بالإنسان في آفاق العزّة و الكرامة، و تعبّر في مدلولاتها عن محورية الصراع الدائر بين الاستكبار و الاستضعاف، و بين رمز العدالة والتفاني في اللهّ و رمز الاستغراق في حطام الدنيا الفانية.
في كُلّ سنة لنا ذكرى مع أجواء عاشوراء ، و في كُلّ سنة نستعيد في وعينا و حياتنا كربلاء ، لكن قيمة عاشوراء و كربلاء الذكرى أن لها لقاء في كُلّ زمن مع الأمّة ، تمدها و تعطيها من حيويتها ، فتعيش الأمّة آفاق الإمام الحسين (عليه السّلام) تلك الآفاق الواسعة الرحبة التي لا تعيش في الدوائر الضيقة ، بل تشمل العالم الإسلامي كله ، فالحسين (عليه السّلام) كان ينظر من خلال آفاق جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذي أرسله الله رحمة للعالمين و من هنا كان يطرح دوما و في كُلّ موسم لعاشور ، شعار أنّ الإسلام ( محمدي الوجود حسيني البقاء ) نظراً لأهمية الدور الذي قام به الحسين (عليه السّلام) من خلال ثورته ، فقد استطاع هذا الإمام أن يعيد تصويب المسار ، بعد أن بدأ الانحراف السريع نتيجة لإبعاد الإسلام عن ساحة الحياة ، و هذه الصورة عبر عنها الحسين (عليه السّلام) آنذاك عندما قال : ( ألا و إنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، و تركوا طاعة الرحمان ، و احلّوا حرام الله، و حرّموا حلاله، و استأثروا بالفيء، و عطلوا الحدود، و أنا أحقّ من غيّر.
الحركة الحسينية لم تكن انتحارية
يصف بعض الباحثين ثورة الإمام الحسين بأنها مأساة إنسانية مروعة ، و يرى آخرون إنّها أشبه بعملية انتحارية لم تبلغ أهدافها، بل أسفرت عن نتائج مؤلمة ، لا تزال علامة فارقة في جبين الإنسانية، و لطخة عار في تاريخها . بيد أنّ هذا التحليل يبدو سطحياً و ساذجاً و هو مبتنِ على رؤية قاصرة لأهداف الثورة و مقاصدها و نتائجها ، و يؤسف أنّ بعض علماء المسلمين لم يوفقوا لإدراك أبعاد تلك الثورة، و بليغ دروسها، و عظيم عطائها، و كانوا أقصر نظراً من الزعيم الهندي الشهير غاندي القائل : ( تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر
و يظهر للمتأمل أنّ أساس الاشتباه لدى هؤلاء هو في نظرتهم لمفهومي النصر و الهزيمة ، هذه النظرة الضيقة التي تحدد مفهوم النصر بمقدار النجاح العسكري فحسب ، الأمر الذي لم يتحقق في نهضة الحسين (عليه السّلام) ما يجعل منها حركة فاشلة وفق المقياس المذكور . لكنّ النظرة المذكورة لمفهوم النصر غير صحيحة، بل هي مجترئة و مشوهة و لا تلامس الحقيقة ، فالحقيقة التي يدركها البصير و المتابع لحركة النهضة الحسينية و تداعياتها و نتائجها على الواقع الإسلامي ماضياً و حاضراً هي أنّ دماء الحسين (عليه السّلام) ساهمت في تغيير مجرى التاريخ الإسلامي . و أيقظت الضمائر الميتة، و حررت إرادتها، و خلقت حركة وعي في الأمّة الإسلامية كان من نتائجها حركات التمرد، و ثورات الغضب و الانتقام التي تلاحقت و تتالت
1 ـ حيث نجد بعد عام من ثورة الحسين (عليه السّلام) أنّ المدينة تثور على يزيد ، و تطرد واليه و جميع الأمويين
2 ـ و في السنة الثانية تثور مكّة المكرمة أيضاً على يزيد الطاغية.
3 ـ و يصبح حكم الأمويين مهدداً بالسقوط بعد موت يزيد ، و نمو و تطور حركة عبد الله بن الزبير ، و المختار بن أبي عبيدة الثقفي.
4 ـ و بعد ذلك أخذت الثورات تتوالى، حيث ظهرت ثورة التوابين و التي تعتبر أثراً مباشراً لثورة الحسين (عليه السّلام) حيث كانت شعاراتهم يا لثارات الحسين، و لم تهدأ هذه الثورة حتى تكون ثورة المختار، و الذي قام من أجل الثأر لدماء الحسين (عليه السّلام)، و يتمكن المختار من عمل عسكري مهم و عمل سياسي أهم ، أما العمل العسكري فهو القضاء على الجيش الأموي، و قتل عبيد الله بن زياد الذي كان يقود هذا الجيش ، و العمل السياسي هو تصفية الكوفة من جميع قتلة الحسين (عليه السّلام)، و من أنصار الأمويين . و قد استمر هذا التحرك و الرفض في الأمّة حتى تمت الإطاحة بالحكم الأموي بعد عدة عقود من الزمن . هذا من جهة.
و من جهة أخرى فإنّ الحسين (عليه السّلام) أصبح مثلاً أعلى لكلّ الثوار، و المناضلين من أجل التحرر و الإنعتاق من نير الظالمين و المستبدين . و عندما يغدو المرء ملهماً للثوار فهذا دليل انتصار لا هزيمة ، و عندما تزلزل دماءه الزكية عروش الظالمين فهذا دليل نصر مؤزر لا مأساة مروعة . .و لكنّ السؤال هنا ماهي النقاط و الوسائل التي أكد عليها الإمام في نهضته، و كان لها الدور و التأثير البالغ في ضمير الأمّة و إرادتها ، ثمّ كان لها هذا التأثير البالغ في جميع الأجيال و العصور ؟ في معرض الجواب على هذا السؤال يجدر بنا أولاً أن نعالج العناوين التالية:
1ـ دراسة دوافع الثورة الحسينية، و أسباب هذه الحركة التي قام بها الإمام الحسين (عليه السّلام).
2 ـ الجواب على السؤال الذي لازال موجوداً في كثير من أذهان الدارسين و الباحثين عن ثورة الحسين (عليه السّلام) ، هذا السؤال هو : لماذا لم يكن هدف الحسين (عليه السّلام) هو الوصول على السلطة . ثمّ الأهمّ من ذلك ، لماذا لم يتحقق للحسين (عليه السّلام) أن يصل إلى تغيير الحكم و الإطاحة بنظام يزيد بن معاوية ؟ و بصدد الجواب على هذا السؤال نفسه ، لابد لنا من:1 ـ أن نتعرف على الشروط الأساسية العامة التي يجب أن تتوفر في الثورة الناجحة.
2 ـ الفحص على وجود هذه الشروط الأساسية و توفرها في ثورة الحسين (عليه السّلام) أو عدم توفرها .
3 ـ إذا وجدناها متوفرة في ثورة الحسين (عليه السّلام) ، يطرح السؤال نفسه مرة أخرى و هو : لماذا لم تتمكن ثورة الحسين (عليه السّلام) من أن تحقق هدف الإطاحة بحكم يزيد ، على الرغم من إنّها كانت تستجمع الشروط التي لابد لكلّ ثورة ناجحة أن تستجمعها؟
دوافع الثورة الحسينية
التفسيرات التي أعطيت من بعض المستشرقين ، من بعض المسلمين ، من بعض الحكام أنفسهم في زمن الإمام و بعده ، قسم من هذه التفسيرات نصنفها و نجعلها في عداد التفسيرات الباطلة، لأنها ناتجة من أغراض و نوايا سيئة نجد بذورها منذ زمن الحكام الأمويين، و قد نجد الباحثين المتأخرين قد تأثروا بتلك الكلمات التي يجدونها مبثوثة في بعض الكتب التاريخية ، و قسم من هذه التفسيرات الباطلة قد تكون ناتجة من أن أصحاب التفسير و التحليل التاريخي لقضية الحسين (عليه السّلام) و هم بعيدون كُلّ البعد عن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عن حقيقة الأئمة و معنى الإمامة ، و يمكننا هنا أن نشير إلى تفسير في هذه القائمة:
ثورة الحسين (عليه السّلام) صراع قبلي (!)
فُسّرَت الحركة التغييرية للحسين (عليه السّلام) في بعض كتب التاريخ و بعض كتب الاستشراق على أساس أنّ حركة الحسين كانت حركة قبلية ( عشائرية )، تعبّر عن الصراع المحتدم بين قبيلتين قرشيتين ، كانتا تتصارعان على السلطة و الهيمنة قبل الإسلام ، و استمّر هذا الصراع بينهما إلى ما بعد الإسلام ، ذلك هو الصراع بين بني هاشم و بني أمية ، و حاول هذا التفسير أن يستشهد لما ذهب إليه ببعض الأشعار و القصائد و قد أنشدها بعض الشعراء من مثل الأخطل و غيره أو بعض الأشعار التي ذكرها بعض السلاطين و الحكام الجاهلين أنفسهم .الحقائق الثابتة ترفض هذا التفسير:لا يمكن قبول هذا التفسير للأسباب التالية :
1 ـ هذا التفسير يتنافى مع أصل العقيدة الإسلامية، لأنّه يبتني على قاعدة ترفض الإيمان بحسب الحقيقة ، و تعتبر الحسين، و الأئمة، و الرسول الكريم جميعاً منطلقاتهم منطلقات من هذا القبيل ، و هذا يرجع إلى عدم الإيمان بنبوة الرسول، و صدقه و الأئمة.
إذن فمن ناحية المعتقد هذا تفسير يتنافى مع أصل العقيدة الإسلامية، فضلاً عن العقيدة الخاصة في حقّ أهل البيت (عليه السّلام) الذين طهرهم الله و اذهب عنهم الرجس...
2 ـ أمّا من الناحية التاريخية ، عندما يراجع الإنسان التاريخ يجد أنّ هذا التفسير لا يمكن أن يقبل حتى لو قطعنا النظر عن الجانب العقائدي في هذه المسألة ، فملاحظة التاريخ و دراسة ما وقع في التاريخ الإسلامي دراسة موضوعية علمية ، تكشف للإنسان بأقلّ التفاتة ، أنّ هذا الصراع بحسب الحقيقة لا يمكن أن يكون صراع بين قبيلتين و أنّ دوافعه الحقيقية إحساسات عشائرية أو قبائلية أو شيء من هذا القبيل ، كيف و أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بحسب تاريخه أوّل من عارض هذه الفكرة، و طبقها في حقّ نفسه و في مجتمعه ، سلمان الفارسي يجعله محمدياً بينما أبا لهب يجعله كافراً ، هل هناك ما هو أوضح من هذا دلالة على أنّ عمل النبي و سلوكه و تفكيره لم يكن عشائرياً.
3 ـ لو كانت المسألة مسألة قبيلة و عشيرة لكان ينبغي على الإمام الحسين (عليه السّلام) أن ينهض بعشيرته قبل أن ينهض بالغرباء البعيدين عن عشيرته ، كان ينبغي أن ينهض في موطن عشيرته و هو الحجاز، بينما المسألة لم تكن كذلك لا الحركة بدأت من موطن تلك العشيرة و لا المتحركين بهذه الحركة كانوا من أصحاب هذه العشيرة ، ذلك أنّ أصحاب الحسين (عليه السّلام) سواء كانوا من حيث الانتماء القبلي أو من حيث الانتماء القومي أو الشعوبي ، أو من حيث الانتماء لمستوى الثقافة أو مستوى الوضع الاجتماعي ، بل و حتى من حيث الانتماء المذهبي يمثلون نماذج و عينات متعددة و مختلفة ، حيث نلاحظ أنّ هناك اختلافاً عظيماً بين هؤلاء ، و لا يمكن أن تجمع كُلّ هؤلاء أو توحدهم قضية الصراع القبلي!!
تعليق