بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
((وأمات قلبي عظيم جنايتي))..
مائدة أخرى يطرحها الامام زين العابدين (عليه السلام) ويضعها بين أيدينا فنتلقّف منها ما يمكننا وعلى قدرنا، من خلال هذه الصورة الرائعة التي رسمها لنا الامام (عليه السلام) من خلال هذه الفقرة المقتطعة من مناجاة التائبين..
اذن لنتناول بعضاً من هذه المائدة:
طبعا المقصود بالقلب هنا ليس ذلك القلب الصنوبري الموجود بين الأضلاع، وإنّما هو الذي يعبّر عنه بالنفس المدركة أو العقل، وبعبارة أخرى هو الذي يمكن أن يهتدي عن طريقه الانسان فيشرق الايمان في تلك النفس ويدرك اليقين..
ومن هنا الامام (عليه السلام) يعبّر عن هذا القلب ولكن بصورته الميّتة، وهذه الميتة لها أسبابها، وقد أوضحها الامام (عليه السلام) بقوله (عظيم جنايتي)..
فالامام (عليه السلام) هنا في دور المربي لنا وكأنّه يقول هناك مسببات لموت القلب التي تمنع نور الايمان من الوصول اليه عليكم إكتشافها ومعرفتها لتقفوا عليها وتعالجوها وتقتلعوها من جذورها، لأنّ هذه القلوب إذا ماتت عميت عن مرادها وانحرفت عن مسارها ((فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ))الحج : 46..
اذن لنقف على بعض هذه الأسباب التي تسبب عمى القلب وإماتته، وإذا عرفناها يبقى العلاج بتركها والندم على ما سبق من إقترافها والتوبة بعدم العود اليها أبداً..
وخير ما نستشهد به هو أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) للوقوف على بعض هذه الأسباب:
فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((ثَلاثٌ يُقَسِّيْنَ القَلْبَ: اِسْتِمَاعِ اللَّهْو، وطَلَبِ الصَّيدِ، وإِتْيَانِ بَاب السُّلْطَان))
وقال (صلّى الله عليه وآله)) ((إيَّاكُم واسْتِشْعَار الطَّمَع فإنَّه يَشوبُ القَلْبُ شِدَّة الحِرْصِ، ويَخْتمُ عَلَى القُلُوبِ بِطَابِع حُبِّ الدُّنيَا))..
وقال (صلى الله عليه وآله): ((إيَّاكُمْ والمِرَاء والخُصُومَة فإنَّهُمَا يمرضَانِ القُلُوب عَلَى الإخْوَانِ، وَينبتُ عَلَيْهِمَا النِّفَاقُ))..
وقال (صلى الله عليه وآله): ((أربع يُمِتْنَ القَلبَ: الذَّنبُ عَلى الذَّنبِ، وكثْرَة مُناقَشة النساء - يَعني: مُحَادَثَتهُنَّ -، ومُمَارَاة الأحْمَق، تَقولُ ويَقولُ ولا يَرجَعُ إلى خَير، ومُجَالَسَة المَوتَى))..
وقال (صلى الله عليه وآله): ((إيَّاكَ وكثْرَة الضِّحْكِ فإنَّهُ يُمِيتُ القَلْبَ
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): ((طَهِّرُوا قُلوبَكُم مِن دَرَنِ السَّيِّئَاتِ تُضَاعَفُ لَكُمُ الحَسَنَاتُ))..
وقال (عليه السلام) أيضاً: ((طَهِّرُوا قُلوبَكُم مِنَ الحِقْدِ فَإنَّه دَاءٌ مُوبي))..
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (مَا مِنْ شَيءٍ أفْسَدُ للقَلْبِ مِن خَطِيئَة، إنَّ القَلْبَ لَيوَاقِعُ الخَطِيئَةَ فَمَا تَزَالُ بِهِ حَتَّى تَغْلبُ عَليه - أي: عَلَى القَلْبِ - فَيَصيرُ أعْلاهُ أسفَلَهُ))..
وقال (عليه السلام): ((الغَضَبُ مُمْحِقَةٌ لِقَلْبِ الحَكِيمِ، ومَنْ لَمْ يَمْلُكُ غَضَبَهُ لَمْ يَمْلُكُ عَقلَهُ))..
وقال الإمام الكاظم ((عليه السلام)): ((أوْحَى اللهُ إلى دَاود: يَا دَاودَ حَذِّرْ فَأنْذِرْ أصْحَابَك عَن حُبِّ الشَّهَوَات، فإنَّ المعلِّقَة قُلوبَهم شَهَواتُ الدُّنْيا قُلوبُهُم مَحْجَوبَة عَنِّي))..
نستخلص مما سبق من الأحاديث الشريفة انّ كلّ ما لا يرضى الله تعالى عنه فهو يكون سبباً في قساوة القلب وإماتته..
وبوقوفنا على هذه الأسباب يمكننا معالجتها إذا ما كان هناك حزم وإصرار لانارة القلب وإعادة هذه النفس الى جادّة الصواب لتسمو وتتكامل حتى تستحق أن تكون في مصافّ المؤمنين المخلصين..
وسنتعرّض لاحقاً للامور التي تساعد على إحياء القلب وديمومته في السير باتجاه الباري عزّ وجلّ..
تعليق