سلام من السلام عليكم
الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يكن له ندٌّ ولا ولد , ثمَّ الصلاة على نبيه المصطفى ، وآله الميامين الشرفا ، الذين خصّهم الله بآية التطهير . يقول تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)
الدعاء مزيج من "الدعوة" و "المسألة" ، وهو ضالّة البشريّة في أمسها ويومها.
الدعوة
الغربة والوحدة مشاعر ثقيلة لا تُنكر عاشها الإنسان كثيراً طيلة حياته ، وله عنها ذكريات كثيرة حلوة ومرّة . ومهما حاول التخفيف من وطأة هذه الغربة - بأسباب مادّيّة من قبيل الزوجةِ والأولاد والأصدقاء والوالدين والإخوة والأخوات، وما إلى ذلك - تبقى تطلّ عليه بين الحين والآخر لحظاتٌ يستشعر فيها ألم الغربةِ يعتصر كلّ موضع من أركان روحه ، فتدفع كلّ لبيب عاقل إلى التنقيب عن ضالّة اُخرى تختلف عمّا تعارف عليه لحدّ الآن.
الألم الذي يكابده الإنسان اليوم ، بقيت معطياتُ الفكر البشريّ عاجزةً عن إدراك كنهه فضلاً عن معالجته . أمّا من له بالوحي معتقد وصِلة فيدرك تمامَ الإدراك أنّ مشاعر الغربة هذه نابعةٌ من ألم البُعد والإعراض عن البارئ تعالى .
إن كلّ مخلوق - في أيّة مرتبة كان - يفتقر لخالقه في ديمومةِ حياته ، مثلما يفتقر إليه في نشأته الاُولى. وكما أنّ بدايةَ وجوده من البارئ عزّوجلّ ، فكذا لا تتيسّر له مواصلةُ وجوده بدونه. أو كما يُقال بأنَّ العِلّة المحدثة للكائنات هي ذاتُ العلّة المُبقية لها. وفي ضوء هذه القاعدة يبقى الانسان محتاجاً لخالقه أشدَّ الحاجة ، وبدونه يستشعر الغربة والوحدة.
جوهرة الإنسان لا تأتَلِف بتاتاً مع الطبيعة المادّيّة ؛ لأنّ شرف (ونفختُ فيه من روحي)(1)
يختصّ بالإنسان وحده.
الإنسان قادم من العالم العلويّ ويعود إليه، وإنّما أُلقي في هذه الربوع ليربّي قابليّاته وكفاءاته ثمّ يعود إلى منطلقه الأوّل وإلى موضعه الأبديّ: (يا أيّها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه)(2)
. وهذا هو السبب الذي يجعل كلّ هذا العالم الماديّ بكلّ سعته يضيق أحياناً على الإنسان.
أجل، إنّ اللَّه تعالى خير أنيس ، إذ قال مولى المتّقين أميرالمؤمنين (ع) : "اللَّهُمَّ إنّك آنس الآنِسين لأوليائك"(3).
ولهذا السبب قالوا بعد تقسيم الدعاء إلى ثلاثة أوجُه: "فضربٌ منها توحيدُه والثناء عليه كقولك: يا اللَّه لا إله إلّا أنت ، وكقولك: ربّنا لك الحمد ..."(4)
ثمّ إنّ الإنسان يمدّ عبرَ الدعاء وشائج الصلة بينه وبين ربّه ، ويوصل ذاته بالقدرة المطلقة التي لا ضعفَ فيها ولا هوان . "ونحن حينما ندعو إنّما نوصل أنفسنا بالقوّة الأزليّة التي ترتبط بها جميع الكائنات"
وهذا هو الذي يجعل الإنسان صلباً كالفولاذ ، وشامخاً شموخَ الجبال ، ولا يجد الخوفُ إليه سبيلاً .
وبعبارة اُخرى، فإنّ الدعاء"استذكار لجذورِ الإنسان وأصالته"، وهو أفضل نوع من "الوعي الذاتيّ ويقظةِ القلب، لأنّ الإنسان كثيراً ما يتلوَّث في منعطفات الحياة المادّيّة بغبار الغفلة، وهنا يكون الدعاء هو الذي يمزّق حجب الغفلة ويشدّ انتباه الإنسان إلى مكانته الحقيقيّة".
الدعاء معناه "التذكير بالاِله المغفول عنه" و "الذات المنسيّة" و "فلسفة الموت والحياة المنسيّة".
وإذا كان "نسيان اللَّه" سبباً ل' "نسيان الذات"6
، فالدعاء يكون هنا مدعاة "للعثور على الذات"، و"لذكر اللَّه".
وبما أنّ الدعاء يمثّل حلقة الوصل بيننا وبين مصدر الحياة ، ولمّا كان الدعاءُ طريقَ الإنسان الغريب والوحيد إلى اللَّه ، ونظراً لكون الدعاء استذكاراً للفضائل والمكارم المنسيّة، يتّضح إذن وبكلّ جلاء السببُ الذي يَجعله باعثاً على "سكينة الروح" ، ودافعاً لحصول نمط من "الانشراح والانبساط الباطنيّ"، وحافزاً على "نفخ روح الشجاعة والبطولة" ، وكفيلاً "بتنوير العقل وتقوية الشعور الإنسانيّ"، وضماناً "للتعويض عن حالة التخلّف".
وفي وقت آخرنتطرق لموضوع المسألة إن شاء الله
الهوامش
1 . الحجر (15): 29؛ ص (38): 72 .
2 . الانشقاق (84): 6.
3 . نهج البلاغة ، الخطبة 227 .
4 . لسان العرب ، ج 14 ، ص 257 .
5 . كما في سورة الحشر (59): 19.
الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يكن له ندٌّ ولا ولد , ثمَّ الصلاة على نبيه المصطفى ، وآله الميامين الشرفا ، الذين خصّهم الله بآية التطهير . يقول تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)
الدعاء مزيج من "الدعوة" و "المسألة" ، وهو ضالّة البشريّة في أمسها ويومها.
الدعوة
الغربة والوحدة مشاعر ثقيلة لا تُنكر عاشها الإنسان كثيراً طيلة حياته ، وله عنها ذكريات كثيرة حلوة ومرّة . ومهما حاول التخفيف من وطأة هذه الغربة - بأسباب مادّيّة من قبيل الزوجةِ والأولاد والأصدقاء والوالدين والإخوة والأخوات، وما إلى ذلك - تبقى تطلّ عليه بين الحين والآخر لحظاتٌ يستشعر فيها ألم الغربةِ يعتصر كلّ موضع من أركان روحه ، فتدفع كلّ لبيب عاقل إلى التنقيب عن ضالّة اُخرى تختلف عمّا تعارف عليه لحدّ الآن.
الألم الذي يكابده الإنسان اليوم ، بقيت معطياتُ الفكر البشريّ عاجزةً عن إدراك كنهه فضلاً عن معالجته . أمّا من له بالوحي معتقد وصِلة فيدرك تمامَ الإدراك أنّ مشاعر الغربة هذه نابعةٌ من ألم البُعد والإعراض عن البارئ تعالى .
إن كلّ مخلوق - في أيّة مرتبة كان - يفتقر لخالقه في ديمومةِ حياته ، مثلما يفتقر إليه في نشأته الاُولى. وكما أنّ بدايةَ وجوده من البارئ عزّوجلّ ، فكذا لا تتيسّر له مواصلةُ وجوده بدونه. أو كما يُقال بأنَّ العِلّة المحدثة للكائنات هي ذاتُ العلّة المُبقية لها. وفي ضوء هذه القاعدة يبقى الانسان محتاجاً لخالقه أشدَّ الحاجة ، وبدونه يستشعر الغربة والوحدة.
جوهرة الإنسان لا تأتَلِف بتاتاً مع الطبيعة المادّيّة ؛ لأنّ شرف (ونفختُ فيه من روحي)(1)
يختصّ بالإنسان وحده.
الإنسان قادم من العالم العلويّ ويعود إليه، وإنّما أُلقي في هذه الربوع ليربّي قابليّاته وكفاءاته ثمّ يعود إلى منطلقه الأوّل وإلى موضعه الأبديّ: (يا أيّها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه)(2)
. وهذا هو السبب الذي يجعل كلّ هذا العالم الماديّ بكلّ سعته يضيق أحياناً على الإنسان.
أجل، إنّ اللَّه تعالى خير أنيس ، إذ قال مولى المتّقين أميرالمؤمنين (ع) : "اللَّهُمَّ إنّك آنس الآنِسين لأوليائك"(3).
ولهذا السبب قالوا بعد تقسيم الدعاء إلى ثلاثة أوجُه: "فضربٌ منها توحيدُه والثناء عليه كقولك: يا اللَّه لا إله إلّا أنت ، وكقولك: ربّنا لك الحمد ..."(4)
ثمّ إنّ الإنسان يمدّ عبرَ الدعاء وشائج الصلة بينه وبين ربّه ، ويوصل ذاته بالقدرة المطلقة التي لا ضعفَ فيها ولا هوان . "ونحن حينما ندعو إنّما نوصل أنفسنا بالقوّة الأزليّة التي ترتبط بها جميع الكائنات"
وهذا هو الذي يجعل الإنسان صلباً كالفولاذ ، وشامخاً شموخَ الجبال ، ولا يجد الخوفُ إليه سبيلاً .
وبعبارة اُخرى، فإنّ الدعاء"استذكار لجذورِ الإنسان وأصالته"، وهو أفضل نوع من "الوعي الذاتيّ ويقظةِ القلب، لأنّ الإنسان كثيراً ما يتلوَّث في منعطفات الحياة المادّيّة بغبار الغفلة، وهنا يكون الدعاء هو الذي يمزّق حجب الغفلة ويشدّ انتباه الإنسان إلى مكانته الحقيقيّة".
الدعاء معناه "التذكير بالاِله المغفول عنه" و "الذات المنسيّة" و "فلسفة الموت والحياة المنسيّة".
وإذا كان "نسيان اللَّه" سبباً ل' "نسيان الذات"6
، فالدعاء يكون هنا مدعاة "للعثور على الذات"، و"لذكر اللَّه".
وبما أنّ الدعاء يمثّل حلقة الوصل بيننا وبين مصدر الحياة ، ولمّا كان الدعاءُ طريقَ الإنسان الغريب والوحيد إلى اللَّه ، ونظراً لكون الدعاء استذكاراً للفضائل والمكارم المنسيّة، يتّضح إذن وبكلّ جلاء السببُ الذي يَجعله باعثاً على "سكينة الروح" ، ودافعاً لحصول نمط من "الانشراح والانبساط الباطنيّ"، وحافزاً على "نفخ روح الشجاعة والبطولة" ، وكفيلاً "بتنوير العقل وتقوية الشعور الإنسانيّ"، وضماناً "للتعويض عن حالة التخلّف".
وفي وقت آخرنتطرق لموضوع المسألة إن شاء الله
الهوامش
1 . الحجر (15): 29؛ ص (38): 72 .
2 . الانشقاق (84): 6.
3 . نهج البلاغة ، الخطبة 227 .
4 . لسان العرب ، ج 14 ، ص 257 .
5 . كما في سورة الحشر (59): 19.
تعليق