إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

د. فاضل عبود التميمي الحضور الصوفيّ في (مقام الخمسة عشرة سجدة) للشاعرة أسماء غريب

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • د. فاضل عبود التميمي الحضور الصوفيّ في (مقام الخمسة عشرة سجدة) للشاعرة أسماء غريب

    الحضور الصوفيّ في
    (مقام الخمسة عشرة سجدة) للشاعرة أسماء غريب د.فاضل عبود التميمي

    يحضر(التصوّف) في المجموعة الشعريّةمقام الخمسة عشر سجدة) التي صدرت في العام 2013 عن دار النشر الإيطالية "نووفا إيبسا إيديتوره" للشاعرة د. أسماء غريب ليكون معلما بارزا من معالم تجربتها الشعريّة، فقد اختارت -الشاعرة- لنفسها السجود في (مقامات) تتسع للكثير من التجارب التي تستبطن الوعي الإنساني وهو يتعالى على صغائر الحياة بدءا من العنوان، وانتهاء بالسطر الأخير من المجموعة الذي تبنى دلالته على فكرة التوحيد بمعناها الصوفي الدقيق.
    ينفتح عنوان المجموعة على فكرة صوفيّة قارّة في عالم التصوف هي فكرة (المقام) التي تعني مقام (العبد) إزاء قدرة (الله) سبحانه وتعالى، وتعلقه بالذات الالهية بوساطة جملة من الرياضات الروحانيّة، والعبادات التي يؤديها الإنسان لكي يؤمّن لنفسه الانتماء إلى الحقيقة التي تعلو على كلّ شيء جاعلة منه كائنا آخر بعلامات مميّزة.
    تتعدّد (المقامات) الصوفيّة عند المتصوّفة تبعا لتعدد رؤى (المريد) غير أنّ الشاعرة (أسماء غريب) اختارت لتجربتها مقاما واحدا من جملة المقامات التي يمارسها الصوفي، وهو يتقرب إلى الذات الإلهية هو: (مقام الخمسة عشر سجدة) الذي ينفتح بدوره على أربعين مقاما فرعيّا كانت بمنزلة المفاتيح التي تتيح للشاعرة الدخول إلى المقام الأكبر، بمعنى أنّ كلّ قصيدة كانت مفتاحا شعريّا ولجت من خلاله الشاعرة عالما أرحب ينفتح على طقسيّة متعدّدة الرؤى تنتمي إلى عالم مغاير يبدو قريبا من أفكار الشاعرة، وتوهجاتها التي لا تنطفئ.
    والأفكار الصوفيّة التي تتخذ لها حيّزا واضحا في تخيّل الشاعرة تعمل على تلوين الكتابة الشعريّة بما هو مغاير لنمط التشكيل الحقيقي الذي ينتمي إلى الحياة مضيئة - في المجموعة - أنماطا من التعبير الشعري التي تختزل بها الشاعرة تجربة معينة، أو موقفا صريحا لها من الكون والوجود لتسهم من خلاله في التعبير عن الحاجة المعاصرة لأن يكون (النور) مفتاحا يلج مغاليق الأرواح وهي تتدافع فيما بينها طمعا في لا شيء.
    تنهض في المجموعة صورة أولى للصوفي الذي لا ينتمي إلا إلى عالمه الخاص ذاك الذي ليس له في الوجود سوى كيانه الماثل أمام نفسه التي يتطلع إليها وهو قانع بما يكابد من عشق، ووحشة طريق:
    كنتُ في يوم ما أنا
    وكان الطريق موحشا وطويلا
    وكنتُ فيه غريبا وضعيفا
    كقوقعة نُسيت عند شاطئ بحر......ص14، فالصوفي هنا لا يعاني من غربة دنيويّة إنّما هو في طريقه لأن يأخذ الحقائق متخليّا عمّا في العالم من وجود زائل لا ينتمي إلى عالم الحق المطلق.
    وتنهض في المجموعة صورة الصوفي الوله بسرّ الأحرف القرآنيّة المقطّعة وهي تستهل آي القرآن الكريم حاوية أصواتا، وعلامات يستثمرها الصوفي ليؤكّد هويّته الإنسانيّة في عالم يمور بما هو زائف وعجيب:
    في صدر الكاف والهاء
    أدخل ولا تخف فساحتك
    رحى لا ملوك فيها........ص19، الرمزيّة في النص السابق لا تكشف عن إبهام اللغة الذي ينغلق على معميّات غائمة، إنّما تكشف بجلاء عن قصور التلقي الذي لا يتساوق وقراءة (الصوفي) التي تتعمّد الحفر في النفس، والمكابدة في الشوق الذي ينقل النفس من حال إلى أخرى.
    وتتراءى في المجموعة صورة الصوفي الذي لا عشق له سوى التعبّد في ملكوت عشقه الأكبر وهو يصيخ السمع:
    للعشق الأكبر نوتة لها نبضان:
    واحد في الروح وآخر في القلب
    فإمّا عاليان معا وإمّا لا.....ص31، فللصوفيّ عشقه الذي يرتبط بـ (أحواله) المقترنة بالمحبّة المطلقة تجاه (المعشوق) الذي لا يهدأ المتصوفة إلا بالدخول في عالمه الذي يتعالى عن كلّ ما هو دنيويّ.
    ويحضر في المجموعة الزمن المطلق الذي يعيشه (الصوفي) بعيدا عن التحديدات الزمنيّة التي تقيّد التجربة الحياتيّة بقيود التوقيعات الراهنة:
    باثنين يوما ما
    من شهر ما
    في سنة ما
    صادفت عيناه عيناها...ص34
    أو في قولها:
    في فجر خميس ما
    من شهر ما
    بسنة ما
    طرق بابها....ص35، فالزمن هنا يتّصل بفكرة (الزمنية) التي ترتبط بوعي الشاعر الذي يتحرّر من فكرة الزمن الفردي، والتاريخي لتجري وقائعه في (لحظات) تفارق الزمن الحقيقي.
    وتنهض التجربة الصوفية عند الشاعرة وهي تقترب من لازمة نصيّة شهيرة لـ(النِّفَّريّ) مفيدة من تكرار دلالاتها التي يعلو خلفها صوت يحيل على شكل شعري له طابعه الإنساني الراكز في منطقة الوعي الخاص بالشاعرة:
    أدخلني محراب الصخرة وقال:
    " أرأيت كيف صنعت هذا المحراب؟
    أرأيت كيف رصرصت بعزتي وجلالي الحجر
    الصلد بداخله
    وكيف وضعت أمام بابه حاجبا من كبريت نقي
    شفاف".....ص40
    إنّ صورة تركيب اللازمة في أدخلني......وقال) لم تأت اعتباطا في سياق الجمل الشعريّة الماضية إنّما جاء بتأثير مباشر من لغة (النِّفَّريّ) وهو من أشهر الصوفيّة الذي كان قد استهل جميع نصوصه الصوفية في كتابه الشهير: (كتاب المواقف) الذي حققه المستشرقأرثر يوحنا أربري)، ونشرته دار الكتب المصريّة في القاهرة 1934 بعبارة كانت لازمة نصيّة تكرّرت في كلّ مواقفه أوقفني......وقال لي) ليشير إلى الذات الإلهيّة، وتجلي صوتها البهي في خطابه الصوفي، يقول في استهلال: (موقف العز) :
    (أوقفني في العز وقال لي: لا يستقل به من دوني شيء....)...(كتاب المواقف) للنِّفَّريّ ص1، فأوقفني.............وقال لي:... (النِّفَّريّة) تظهر بفعل التأثير التناصيّ في لغة الشاعرة ثانية :
    أدخلني محراب الصخرة وقال:
    أرأيت كيف صنعت هذا المحراب؟........ص40
    وتتكرّر اللازمة ثالثة في استهلال قصيدة (مقام ابراهيم):
    أدخلني قلب سارة وقال:
    أرأيت أين زرعت حبي لإبراهيم؟....ص63
    وتبزغ رابعة في قصيدة (مقام الغوث والثور والتنين):
    أدخلني مقام الغوث وقال لي:
    السلام عليك أيها الشاعر البنفسجي الحزين.........ص75 .
    وورد في متن المجموعة بيت (الحلاج) :
    أنا من أهوى، ومن أهوى أنا نحـــــن روحان حللنا بدنا
    في سياق التجربة الشعريّة للشاعرة لكن بصورة تخالف نمط المرجع السابق :
    وأنا لست من أهوى ومن أهوى أنا
    لا أحل في أحد ولا يحل في أحد..... ص58
    ويتكرر اللون (الأزرق) في متن المجموعة ،وهو لون السماء الذي لا يدانيه صفاء دنيويّ ليحيل بنسقه الكليّ على لون (الخرقة) الصوفيّة التي اشتهر بها متصوّفة بغداد في العصر العباسي في تماه تحبّذه الشعريّة الحديثة، وتعمل على الأخذ به، فوجه (القرين) في قصيدة (مقام البدر والشمس) تحوّل إلى شعلة زرقاء تتوّج الجسد، والشعر يشبه الحرب الزرقاء، والماء له زرقة لونيّة واضحة، والعباءة حالكة الزرقة، وستار السواد أزرق، ومقام النور أزرق، واللهب أزرق، وسماء الزخ أزرق كذلك.
    وانفتحت المجموعة على ثنائيّات نصيّة اتسمت بالإيجاز، والانحياز الدلالي الصوفي لتلائم المشهد العام للمجموعة كما في: السماء والأرض: ص5، والعين والأذن: ص5، ص23، والظاهر والباطن: ص6، والسمع والبصر:ص9، ويومي وغدي:ص10، والعبيد والأسياد: ص19، والشهد والعلقم: ص24.
    هذه الثنائيات الضديّة تتحكم في الخطاب الصوفي سواء أكان شعرا، أم نثرا؛ لأنها تكشف بجلاء عن تناقضات الداخل التي هي في الأساس امتداد لتناقضات الخارج الذي يهيمن على الوجود فيحاول الصوفي الإفلات من هيمنته بوساطة الخطاب، وحضور الرؤيا التي تنبثق من متن اليقين متجاوزة الضدّ نفسه.
    وبعد: فقد حاولت الشاعرة (أسماء غريب) في مجموعتها الشعريّة (مقام الخمسة عشرة سجدة) أن تدخل في صلب موضوعة شعريّة قديمة قدم التصوّف نفسه، ولكنّها في الوقت نفسه جديدة أخذت شكلها الحديث من جوهر الحداثة الشعريّة التي جدّدت الوعي بخطاب (التصوّف)، ونظرت إليه من زاوية التحديث النوعي للقصيدة الجديدة.
    د. فاضل عبود التميمي

  • #2
    حفظك الباري أستاذي موضوع غريب جدا..
    sigpic
    إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
    ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
    ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
    لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

    تعليق


    • #3
      احسنت بارك الله فيك وجزيت خيرا
      حسين منجل العكيلي

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X