بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطيبين الطاهرين
لا تجد إنساناً سالماً في نفسه وفكره يقبل دعاوي الآخرين بلا دليل يثبتها ، وهذا أمر بديهي فطري جُبِل الإنسان عليه ، يقول الشيخ الرئيس : « من قبل دعوى المدّعي بلا بيّنة وبرهان فقد خرج عن الفطرة الإسلامية » (١).
على هذا فيجب أن تقترن دعوى النبوّة بدليل يثبت صحّتها وإلاّ كانت دعوى فارغة غير قابلة للإذعان والقبول ، لكن طرق التعرّف على صدق الدعوى ثلاث :
١ ـ التحدّي بالأمر الخارق للعادة على الشرائط المقرّرة في محلّه ( الإعجاز ).
٢ ـ تصديق النبيّ السابق بنبوّة النبيّ اللاحق.
٣ ـ جمع القرائن والشواهد من حالات المدّعي ، والمؤمنين به ومنهجه والأداة التي استعان بها في نشر رسالته ، إلى غير ذلك من القرائن التي تفيد العلم بكيفيّة دعوى المدّعي صدقاً وكذباً.
وقد استدلّ القرآن على صدق النبي الخاتم بتنصيص أنبياء الاُمم على نبوّته ، وقد عرفت تنصيص المسيح عليه بالاسم والتبشير به (٢) كما عرفت انّ سماته الواردة في العهدين كانت في الكثرة والوفور إلى درجة كانت الاُمم تعرفه على وجه دقيق كما تعرف أبناءها (٣).
وقد صرّح القرآن بأنّ أهل الكتاب يجدون اسم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مكتوباً في التوراة والإنجيل ، قال عزّ من قائل :
( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ ) [ الأعراف / ١٥٧ ].
وقد آمن كثير من اليهود والنصارى بنبوّة النبيّ الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ومماته لصراحة البشائر الواردة في التوراة والإنجيل ، بل لم يقتصر سبحانه على ذكر اسمه وسماته في العهدين ، بل ذكر سمات أصحابه وقال :
( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) [ الفتح / ٢٩ ].
كما لم يقتصر على أخذ العهد من النبيين ببيان البشائر به ، بل أخذ الميثاق من أهل الكتاب على تبيين بشائره للناس وعدم كتمانها ، قال سبحانه :
( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) [ آل عمران / ١٨٧ ].
وهذه الآية تؤيّد ما استظهرناه من قوله سبحانه : ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ... وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ... ) وإنّ أخذ الميثاق لم يكن مختصّاً بالأنبياء ، بل أخذ سبحانه الميثاق من اُممهم بواسطتهم ، وممّا أخذ منهم الميثاق عليه هو تبيين سمات الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وعدم كتمانها.
وقد كان ظهور النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بين الاُمّيين على وجه كان اليهود يستفتحون به على مشركي الأوس والخزرج ، وكانوا يقولون لمن ينابذهم : هذا نبيّ قد أطلّ زمانه ينصرنا عليكم ، قال سبحانه : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) [ البقرة / ٨٩ ].
روى الطبرسي عن معاذ بن جبل ، وبشر بن البراء : إنّهما خاطبا معشر اليهود وقالا لهم : اتّقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل الشرك ، وتصفونه وتذكرون أنّه مبعوث ، فقال سلام بن مسلم أخو بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، ما هو بالذي كنّا نذكر لكم ، فنزلت هذه الآية (4).
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه لما كثر الحيّان ( الأوس والخزرج ) بالمدينة ، كانوا يتناولون أموال اليهود ، فكانت اليهود تقول لهم : أمّا لو بعث محمد لنخرجنّكم من ديارنا وأموالنا ، فلمّا بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم آمنت به الأنصار ، وكفرت به اليهود ، وهو قوله تعالى :
( وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) (5).
وبالرغم من أخذ الميثاق من الاُمم ، وبالرغم من تعرّف تلك الاُمم على النبي الخاتم ، عمد أصحاب الأهواء منهم إلى كتمان البشائر به ، واخفاء علائمه ، وسماته الواردة في كتبهم كما يقول سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ البقرة / ١٧٤ ].
وقال سبحانه :
( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) [ البقرة / ١٥٩ ].
والمعنيّ بالآية نظراء كعب بن الأشرف وكعب بن أسد وابن صوريا وغيرهم من علماء اليهود والنصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونبوّته وهم يجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل مثبّتاً فيهما.
قال (6) العلاّمة الطباطبائي : المراد بالكتمان وهو الإخفاء أعمّ من كتمان أصل الآية وعدم إظهارها للناس ، أو كتمان دلالتها بالتأويل ، أو صرف الدلالة بالتوجيه كما كانت اليهود تصنع ببشارات النبوّة ذلك فما يجهله الناس لا يظهرونه ، وما يعلم به الناس يؤوّلونه بصرفه عنه صلى الله عليه وآله وسلم (7).
وقال سبحانه :
( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ).
والضمير في « لتبيّننّه » إمّا عائد إلى النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم المفهوم من سياق الآية ، أو إلى الكتاب المذكور قلبه ، وعلى كل تقدير يدخل في الآية ، بيان أمر النبي لأنّه في الكتاب ، والظاهر أنّ الآية مطلقة تعمّ كل ما يكتمونه من بيان الدين والأحكام والفتاوى والشهادات.
الهوامش
1. نقله سيدنا الاُستاذ الإمام القائد الراحل في درسه ولم يذكر مصدره.
2. الصف / ٦.
3. البقرة / ٤٦.
4. مجمع البيان ج ١ ص ١٥٨.
5. تفسير العياشي ج ١ ص ٥٠.
6. مجمع البيان ج ١ ص ١٩٥.
7. الميزان ج ١ ص ٣٩٤.
اللهم صلِ على محمد واله الطيبين الطاهرين
لا تجد إنساناً سالماً في نفسه وفكره يقبل دعاوي الآخرين بلا دليل يثبتها ، وهذا أمر بديهي فطري جُبِل الإنسان عليه ، يقول الشيخ الرئيس : « من قبل دعوى المدّعي بلا بيّنة وبرهان فقد خرج عن الفطرة الإسلامية » (١).
على هذا فيجب أن تقترن دعوى النبوّة بدليل يثبت صحّتها وإلاّ كانت دعوى فارغة غير قابلة للإذعان والقبول ، لكن طرق التعرّف على صدق الدعوى ثلاث :
١ ـ التحدّي بالأمر الخارق للعادة على الشرائط المقرّرة في محلّه ( الإعجاز ).
٢ ـ تصديق النبيّ السابق بنبوّة النبيّ اللاحق.
٣ ـ جمع القرائن والشواهد من حالات المدّعي ، والمؤمنين به ومنهجه والأداة التي استعان بها في نشر رسالته ، إلى غير ذلك من القرائن التي تفيد العلم بكيفيّة دعوى المدّعي صدقاً وكذباً.
وقد استدلّ القرآن على صدق النبي الخاتم بتنصيص أنبياء الاُمم على نبوّته ، وقد عرفت تنصيص المسيح عليه بالاسم والتبشير به (٢) كما عرفت انّ سماته الواردة في العهدين كانت في الكثرة والوفور إلى درجة كانت الاُمم تعرفه على وجه دقيق كما تعرف أبناءها (٣).
وقد صرّح القرآن بأنّ أهل الكتاب يجدون اسم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مكتوباً في التوراة والإنجيل ، قال عزّ من قائل :
( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ ) [ الأعراف / ١٥٧ ].
وقد آمن كثير من اليهود والنصارى بنبوّة النبيّ الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ومماته لصراحة البشائر الواردة في التوراة والإنجيل ، بل لم يقتصر سبحانه على ذكر اسمه وسماته في العهدين ، بل ذكر سمات أصحابه وقال :
( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) [ الفتح / ٢٩ ].
كما لم يقتصر على أخذ العهد من النبيين ببيان البشائر به ، بل أخذ الميثاق من أهل الكتاب على تبيين بشائره للناس وعدم كتمانها ، قال سبحانه :
( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) [ آل عمران / ١٨٧ ].
وهذه الآية تؤيّد ما استظهرناه من قوله سبحانه : ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ... وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ... ) وإنّ أخذ الميثاق لم يكن مختصّاً بالأنبياء ، بل أخذ سبحانه الميثاق من اُممهم بواسطتهم ، وممّا أخذ منهم الميثاق عليه هو تبيين سمات الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وعدم كتمانها.
وقد كان ظهور النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بين الاُمّيين على وجه كان اليهود يستفتحون به على مشركي الأوس والخزرج ، وكانوا يقولون لمن ينابذهم : هذا نبيّ قد أطلّ زمانه ينصرنا عليكم ، قال سبحانه : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) [ البقرة / ٨٩ ].
روى الطبرسي عن معاذ بن جبل ، وبشر بن البراء : إنّهما خاطبا معشر اليهود وقالا لهم : اتّقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل الشرك ، وتصفونه وتذكرون أنّه مبعوث ، فقال سلام بن مسلم أخو بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، ما هو بالذي كنّا نذكر لكم ، فنزلت هذه الآية (4).
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه لما كثر الحيّان ( الأوس والخزرج ) بالمدينة ، كانوا يتناولون أموال اليهود ، فكانت اليهود تقول لهم : أمّا لو بعث محمد لنخرجنّكم من ديارنا وأموالنا ، فلمّا بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم آمنت به الأنصار ، وكفرت به اليهود ، وهو قوله تعالى :
( وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) (5).
وبالرغم من أخذ الميثاق من الاُمم ، وبالرغم من تعرّف تلك الاُمم على النبي الخاتم ، عمد أصحاب الأهواء منهم إلى كتمان البشائر به ، واخفاء علائمه ، وسماته الواردة في كتبهم كما يقول سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ البقرة / ١٧٤ ].
وقال سبحانه :
( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) [ البقرة / ١٥٩ ].
والمعنيّ بالآية نظراء كعب بن الأشرف وكعب بن أسد وابن صوريا وغيرهم من علماء اليهود والنصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونبوّته وهم يجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل مثبّتاً فيهما.
قال (6) العلاّمة الطباطبائي : المراد بالكتمان وهو الإخفاء أعمّ من كتمان أصل الآية وعدم إظهارها للناس ، أو كتمان دلالتها بالتأويل ، أو صرف الدلالة بالتوجيه كما كانت اليهود تصنع ببشارات النبوّة ذلك فما يجهله الناس لا يظهرونه ، وما يعلم به الناس يؤوّلونه بصرفه عنه صلى الله عليه وآله وسلم (7).
وقال سبحانه :
( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ).
والضمير في « لتبيّننّه » إمّا عائد إلى النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم المفهوم من سياق الآية ، أو إلى الكتاب المذكور قلبه ، وعلى كل تقدير يدخل في الآية ، بيان أمر النبي لأنّه في الكتاب ، والظاهر أنّ الآية مطلقة تعمّ كل ما يكتمونه من بيان الدين والأحكام والفتاوى والشهادات.
الهوامش
1. نقله سيدنا الاُستاذ الإمام القائد الراحل في درسه ولم يذكر مصدره.
2. الصف / ٦.
3. البقرة / ٤٦.
4. مجمع البيان ج ١ ص ١٥٨.
5. تفسير العياشي ج ١ ص ٥٠.
6. مجمع البيان ج ١ ص ١٩٥.
7. الميزان ج ١ ص ٣٩٤.
تعليق