بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
التشابه بين مقامي مريم وفاطمة(عليهما السلام)
وغرضنا من الاسهاب في مقام مريم (عليها السلام) سيتضح اذا ما عرفنا أن وحدة المناط بين مقامي مريم وفاطمة عليهما السلام سيكون بالأولوية القطعية المسلّمة لدى الفريقين.
فاذا كانت مريم سيدة نساء زمانها قد حازت على تلك المقامات السامية التي شهد بها القرآن الكريم من الاصطفاء والعصمة، فانّ فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والأخرين(2) ستكون لها تلك المقامات التي تثبت حجيتها كذلك بل انّ تصريح القرآن بمقامات فاطمة الزهراء(عليها السلام) يضاهي ويعظم عمّا صرّح به في مقامات مريم فيغنينا في الاستدلال عن الاولوية
وان كانت هي حقيقة ثابتة في روايات الفريقين فليس بدعاً اذن أن تعتقد الامامية ما تعتقده في فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فصريح القرآن يثبت حجية مريم بما لها من المقامات الالهية الثابتة وهي حجة لاحدى الشرائع السماوية فكيف بفاطمة الزهراء(عليها السلام) وقد أثبت لها صريح القرآن دخولها تحت عنوان أهل البيت الذي شمل نبي الشريعة الخاتمة! مما يعني أن هناك مقامات يشترك بها أهل البيت تخصصها بعد ذلك رتبهم الإلهية.
قال تعالى: {انّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}(1).
اتفق الفريقان على نزولها في أهل البيت، محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).
أخرج السيوطي عن ابن جرير وابن أبي حاتم والطبرانى وابن مردويه عن أمّ سلمة رضي الله عنها زوج النبي(صلى الله عليه وآله): أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري، فجاءت فاطمة عليها السلام ببرمة فيها حريرة فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً" فدعتهم، فبينما هم يأكلون اذ نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله)(انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)فأخذ النبي(صلى الله عليه وآله) بفضلة ازاره
فغشاهم اياها، ثم اخرج يده من الكساء وأومأ بها الى السماء ثم قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً" قالها ثلاث مرات، قالت أم سلمة رضي الله عنها فأدخلت رأسي في الستر فقلت: يا رسول الله وأنا معكم فقال: "انك الى خير" مرتين(1) هذاما أخرجه أهل السنّة في شأن نزولها ولعلّ طرقها بلغت العشرات لتصل الى حد التواتر دون أدنى ريب.
وما رواه الامامية من طرقهم كثير إلا أننا سنختصر على ما أورده صاحب البرهان في تفسيره من رواية عن أبي عبدالله(عليه السلام)عن أبي بصير قال: "سألت أبا عبدالله عن قول الله عزّوجل: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) قال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين(عليهم السلام) فقلت له: انّ الناس يقولون فما له لم يسمّ علياً وأهل بيته(عليهم السلام)في كتاب الله عزّوجل؟ قال: قولوا لهم انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كل أربعين درهماً درهماً حتى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي فسّر ذلك لهم ونزل الحج فلم يقل لهم طوفوا سبعاً وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ونزلت في علي والحسن والحسين عليهم السلام فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) في علي من كنت مولاه فعلي مولاه، وقال(عليه السلام): أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فاني سألت الله عزّوجل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما على الحوض فاعطاني ذلك، وقال: لا تعلموهم فهم أعلم منكم وقال: ثم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة فلو سكت رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلم يبيّن من أهل بيته لادعاها آل فلان وآل فلان ولكن الله عزوجل نزل في كتابه تصديقاً لنبيّه(صلى الله عليه وآله)(انّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) فكان علي والحسن والحسين وفاطمة(عليهم السلام) فأدخلهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) تحت الكساء في بيت أمّ سلمة ثم قال: "اللهمّ انّ لكل نبيّ أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهل بيتي وثقلي" فقالت أمّ سلمة ألست من أهلك؟ فقال: "انّك الى خير ولكن هؤلاء أهلي وثقلي" فلما قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله)كان عليّ أولى الناس بالناس لكثرة ما بلّغ فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأقامه للناس وأخذ بيده فلما مضى عليّ لم يكن يستطيع علي ولم يكن ليفعل ان يدخل محمد بن علي والعباس بن علي ولا أحداً من ولده اذاً لقال الحسن والحسين ان الله تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك وأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك وبلّغ فينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) كما بلّغ فيك واذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك...(1)
والذي يعنينا من هذه الرواية على طولها:
انّ هناك اشتراك في حيثيات الحجية لأهل الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير وخصصتهم الروايات المتواترة من قبل الفريقين بأنهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، لذا فقول الامام(عليه السلام) "اذاً لقال الحسن والحسين انّ الله تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك، وأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك وبلّغ فينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) كما بلّغ فيك واذهب عنّا الرجس كما أذهبه عنك..." مما يعني ان إذهاب الرجس عنهم له خصوصية في اثبات الحجية، فكما سيحتج الحسنان لاثبات حجيتهما بآية التطهير فانّ لفاطة الحجية كذلك منتزعة من آية التطهير ولإذهاب الرجس عنها(عليها السلام). وتلخّص من ذلك: أنه كما أُثبتت حجية السيدة مريم(عليها السلام) باصطفائها وتطهيرها لقوله تعالى {واذ قالت الملائكة يا مريم انّ الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين}(2) أمكن اثبات حجية السيدة فاطمة(عليها السلام)باصطفائها وتطهيرها للأولوية، ووجه الاولوية أن فاطمة (عليها السلام) قد تم اصطفائها وتطهيرها بآية التطهير مع النبي(صلى الله عليه وآله) وعلي
والحسنان(عليهم السلام) الذين ثبتت حجيتهم القطعية لكون الآية مشيرة الى اشتراك الحكم بين أهل البيت(عليهم السلام) الذين كانوا تحت الكساء ومنهم فاطمة(عليها السلام). وخصوص المطهّر في الأمّة الاسلامية في شريعة هذا الدين قد أثبت له القرآن وصف آخر وهو مس الكتاب المكنون الذي فيه حقيقة القرآن وذلك في قوله تعالى {فلا أقسم بمواقع النجوم وأنه لقسم لو تعلمون عظيم انّه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من ربّ العالمين أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أن تكذّبون}(1) ففي الآية قد عظّم الله تعالى القسم فيها بوجوه عديدة لا تخفى على المتأمل في تركيب ألفاظ الآية التي قد تربو على السبعة وجوه كل ذلك لتأكيد القضية التي أراد القسم عليها ثم أكد القضية بوجهين آخرين أيضاً مما يدلّ على أن القضية خبرية وليست انشائية والمخبر به هو كون القرآن ذو حقيقة تكوينية مكنونة علوية، وأن المصحف المنقوش بين الدفتين تنزيل لتلك الحقيقة من دون تجافي تلك الحقيقة التكوينية المحفوظة في كِن القرآن عن موقعها العلوي، وأن تلك الحقيقة لا يصل اليها ولا يدركها الا المطهر في شرع الاسلام.
والكتاب المكنون هذا الذي فيه حقيقة القرآن قد وصف في سورة الانعام بأنه الذي يُستطر فيه كل رطب ويابس، وفيه ما من غائبة كما في قوله تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}(1) وقوله تعالى {ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب}(2) وقوله تعالى {وما من غائبة في السماء والارض إلا في كتاب مبين}(3) وقوله تعالى {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة}(4)وقوله تعالى: {عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والارض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}(5) وقوله تعالى {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ان ذلك على الله يسير}(6). فقد وصف الكتاب بأوصاف جامعة محيطة بكل مغيبات الخلقة المستقبلية، ما هو كائن وما يكون وما هو خفي في النشآت العلوية، ومن ثم كان مصحف فاطمة(عليها السلام)مشتملاً على الأخبار
بالأمور المستقبلية بما كان وما هو كائن، الدال على أن احاطتها(عليها السلام)بذلك لاحاطتها بحقيقة القرآن العلوية في الكتاب المكنون بعد دلالة آية التطهير كونها مطهرة من كل رجس ودلالة سورة الواقعة على أنّ كل مطهر في هذه الشريعة يمس الكتاب المكنون، وهذا مقام لم تصل اليه مريم، بل هو خاص كما ذكرنا بالمطهرين في شرع الاسلام دون المعصومين بل الشرائع السابقة.
____________
1- البرهان: 3:113 .
2- البخاري4:248، وفي مناقب فاطمة(عليها السلام) نفس الحديث وكذلك في مجلد8:79، وصحيح مسلم4:1904 حديث97، والحديث بلفظ سيدة نساء أهل الجنة ومعلوم، وجامع الاصول9:129 - 131 حديث6677 وطبعة دار احياء التراث ح6665 والترمذي5:701 حديث 3872 - 3878 وسنن أبي داود4:355 حديث98 و99، ومعلوم ان ذلك يؤول الى انها سيّدة نساء العالمين من الاولين.
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
التشابه بين مقامي مريم وفاطمة(عليهما السلام)
وغرضنا من الاسهاب في مقام مريم (عليها السلام) سيتضح اذا ما عرفنا أن وحدة المناط بين مقامي مريم وفاطمة عليهما السلام سيكون بالأولوية القطعية المسلّمة لدى الفريقين.
فاذا كانت مريم سيدة نساء زمانها قد حازت على تلك المقامات السامية التي شهد بها القرآن الكريم من الاصطفاء والعصمة، فانّ فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والأخرين(2) ستكون لها تلك المقامات التي تثبت حجيتها كذلك بل انّ تصريح القرآن بمقامات فاطمة الزهراء(عليها السلام) يضاهي ويعظم عمّا صرّح به في مقامات مريم فيغنينا في الاستدلال عن الاولوية
وان كانت هي حقيقة ثابتة في روايات الفريقين فليس بدعاً اذن أن تعتقد الامامية ما تعتقده في فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فصريح القرآن يثبت حجية مريم بما لها من المقامات الالهية الثابتة وهي حجة لاحدى الشرائع السماوية فكيف بفاطمة الزهراء(عليها السلام) وقد أثبت لها صريح القرآن دخولها تحت عنوان أهل البيت الذي شمل نبي الشريعة الخاتمة! مما يعني أن هناك مقامات يشترك بها أهل البيت تخصصها بعد ذلك رتبهم الإلهية.
قال تعالى: {انّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}(1).
اتفق الفريقان على نزولها في أهل البيت، محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).
أخرج السيوطي عن ابن جرير وابن أبي حاتم والطبرانى وابن مردويه عن أمّ سلمة رضي الله عنها زوج النبي(صلى الله عليه وآله): أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري، فجاءت فاطمة عليها السلام ببرمة فيها حريرة فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً" فدعتهم، فبينما هم يأكلون اذ نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله)(انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)فأخذ النبي(صلى الله عليه وآله) بفضلة ازاره
فغشاهم اياها، ثم اخرج يده من الكساء وأومأ بها الى السماء ثم قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً" قالها ثلاث مرات، قالت أم سلمة رضي الله عنها فأدخلت رأسي في الستر فقلت: يا رسول الله وأنا معكم فقال: "انك الى خير" مرتين(1) هذاما أخرجه أهل السنّة في شأن نزولها ولعلّ طرقها بلغت العشرات لتصل الى حد التواتر دون أدنى ريب.
وما رواه الامامية من طرقهم كثير إلا أننا سنختصر على ما أورده صاحب البرهان في تفسيره من رواية عن أبي عبدالله(عليه السلام)عن أبي بصير قال: "سألت أبا عبدالله عن قول الله عزّوجل: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) قال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين(عليهم السلام) فقلت له: انّ الناس يقولون فما له لم يسمّ علياً وأهل بيته(عليهم السلام)في كتاب الله عزّوجل؟ قال: قولوا لهم انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كل أربعين درهماً درهماً حتى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي فسّر ذلك لهم ونزل الحج فلم يقل لهم طوفوا سبعاً وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ونزلت في علي والحسن والحسين عليهم السلام فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) في علي من كنت مولاه فعلي مولاه، وقال(عليه السلام): أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فاني سألت الله عزّوجل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما على الحوض فاعطاني ذلك، وقال: لا تعلموهم فهم أعلم منكم وقال: ثم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة فلو سكت رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلم يبيّن من أهل بيته لادعاها آل فلان وآل فلان ولكن الله عزوجل نزل في كتابه تصديقاً لنبيّه(صلى الله عليه وآله)(انّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) فكان علي والحسن والحسين وفاطمة(عليهم السلام) فأدخلهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) تحت الكساء في بيت أمّ سلمة ثم قال: "اللهمّ انّ لكل نبيّ أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهل بيتي وثقلي" فقالت أمّ سلمة ألست من أهلك؟ فقال: "انّك الى خير ولكن هؤلاء أهلي وثقلي" فلما قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله)كان عليّ أولى الناس بالناس لكثرة ما بلّغ فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأقامه للناس وأخذ بيده فلما مضى عليّ لم يكن يستطيع علي ولم يكن ليفعل ان يدخل محمد بن علي والعباس بن علي ولا أحداً من ولده اذاً لقال الحسن والحسين ان الله تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك وأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك وبلّغ فينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) كما بلّغ فيك واذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك...(1)
والذي يعنينا من هذه الرواية على طولها:
انّ هناك اشتراك في حيثيات الحجية لأهل الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير وخصصتهم الروايات المتواترة من قبل الفريقين بأنهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، لذا فقول الامام(عليه السلام) "اذاً لقال الحسن والحسين انّ الله تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك، وأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك وبلّغ فينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) كما بلّغ فيك واذهب عنّا الرجس كما أذهبه عنك..." مما يعني ان إذهاب الرجس عنهم له خصوصية في اثبات الحجية، فكما سيحتج الحسنان لاثبات حجيتهما بآية التطهير فانّ لفاطة الحجية كذلك منتزعة من آية التطهير ولإذهاب الرجس عنها(عليها السلام). وتلخّص من ذلك: أنه كما أُثبتت حجية السيدة مريم(عليها السلام) باصطفائها وتطهيرها لقوله تعالى {واذ قالت الملائكة يا مريم انّ الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين}(2) أمكن اثبات حجية السيدة فاطمة(عليها السلام)باصطفائها وتطهيرها للأولوية، ووجه الاولوية أن فاطمة (عليها السلام) قد تم اصطفائها وتطهيرها بآية التطهير مع النبي(صلى الله عليه وآله) وعلي
والحسنان(عليهم السلام) الذين ثبتت حجيتهم القطعية لكون الآية مشيرة الى اشتراك الحكم بين أهل البيت(عليهم السلام) الذين كانوا تحت الكساء ومنهم فاطمة(عليها السلام). وخصوص المطهّر في الأمّة الاسلامية في شريعة هذا الدين قد أثبت له القرآن وصف آخر وهو مس الكتاب المكنون الذي فيه حقيقة القرآن وذلك في قوله تعالى {فلا أقسم بمواقع النجوم وأنه لقسم لو تعلمون عظيم انّه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من ربّ العالمين أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أن تكذّبون}(1) ففي الآية قد عظّم الله تعالى القسم فيها بوجوه عديدة لا تخفى على المتأمل في تركيب ألفاظ الآية التي قد تربو على السبعة وجوه كل ذلك لتأكيد القضية التي أراد القسم عليها ثم أكد القضية بوجهين آخرين أيضاً مما يدلّ على أن القضية خبرية وليست انشائية والمخبر به هو كون القرآن ذو حقيقة تكوينية مكنونة علوية، وأن المصحف المنقوش بين الدفتين تنزيل لتلك الحقيقة من دون تجافي تلك الحقيقة التكوينية المحفوظة في كِن القرآن عن موقعها العلوي، وأن تلك الحقيقة لا يصل اليها ولا يدركها الا المطهر في شرع الاسلام.
والكتاب المكنون هذا الذي فيه حقيقة القرآن قد وصف في سورة الانعام بأنه الذي يُستطر فيه كل رطب ويابس، وفيه ما من غائبة كما في قوله تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}(1) وقوله تعالى {ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب}(2) وقوله تعالى {وما من غائبة في السماء والارض إلا في كتاب مبين}(3) وقوله تعالى {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة}(4)وقوله تعالى: {عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والارض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}(5) وقوله تعالى {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ان ذلك على الله يسير}(6). فقد وصف الكتاب بأوصاف جامعة محيطة بكل مغيبات الخلقة المستقبلية، ما هو كائن وما يكون وما هو خفي في النشآت العلوية، ومن ثم كان مصحف فاطمة(عليها السلام)مشتملاً على الأخبار
بالأمور المستقبلية بما كان وما هو كائن، الدال على أن احاطتها(عليها السلام)بذلك لاحاطتها بحقيقة القرآن العلوية في الكتاب المكنون بعد دلالة آية التطهير كونها مطهرة من كل رجس ودلالة سورة الواقعة على أنّ كل مطهر في هذه الشريعة يمس الكتاب المكنون، وهذا مقام لم تصل اليه مريم، بل هو خاص كما ذكرنا بالمطهرين في شرع الاسلام دون المعصومين بل الشرائع السابقة.
____________
1- البرهان: 3:113 .
2- البخاري4:248، وفي مناقب فاطمة(عليها السلام) نفس الحديث وكذلك في مجلد8:79، وصحيح مسلم4:1904 حديث97، والحديث بلفظ سيدة نساء أهل الجنة ومعلوم، وجامع الاصول9:129 - 131 حديث6677 وطبعة دار احياء التراث ح6665 والترمذي5:701 حديث 3872 - 3878 وسنن أبي داود4:355 حديث98 و99، ومعلوم ان ذلك يؤول الى انها سيّدة نساء العالمين من الاولين.
1- الاحزاب: 33 .
1- الدر المنثور 6: 603 دار الفكر بيروت.
1- البرهان في تفسير القرآن
2- آل عمران: 42 .
1- الواقعة: 79 ـ 81 .
1- الانعام: 59 .
2- الرعد: 39 .
3- النمل: 75 .
4- النحل: 89 .
5- سبأ: 3 .
6- فاطر: 11 .
مقامات فاطمة الزهراء في الكتاب والسنّة
1- الدر المنثور 6: 603 دار الفكر بيروت.
1- البرهان في تفسير القرآن
2- آل عمران: 42 .
1- الواقعة: 79 ـ 81 .
1- الانعام: 59 .
2- الرعد: 39 .
3- النمل: 75 .
4- النحل: 89 .
5- سبأ: 3 .
6- فاطر: 11 .
مقامات فاطمة الزهراء في الكتاب والسنّة
تعليق