سلام من السلام عليكم
الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يكن له ندٌّ ولا ولد , ثمَّ الصلاة على نبيه المصطفى ، وآله الميامين الشرفا ، الذين خصّهم الله بآية التطهير . يقول تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)
ليس ثمة لذة أعظم من لذة المؤمن وسعادته حينما يرى آثار عمله وإيمانه المترتّبة في استجابة دعائه ، ذلك لاَنّه يحسّ بأنّه موضع لطف بارئه تعالى وعنايته ، وأنّه في ارتباط مباشر مع خالقه ، تلك سعادة ليس فوقها سعادة : « وأنلني حسن النظر في ما شكوت ، وأذقني حلاوة الصنع في ما سألت ».
ولكي نعيش لحظات تلك البهجة ونذوق حلاوة السرور ، علينا أن نتعرف على العوامل المؤثرة في استجابة الدعاء ، فقد يظنّ البعض أنّ السر في استجابة الدعاء يكمن في لفظ الدعاء مجرداً عن باقي العوامل الاُخرى ، فكثيراً ما نجد بعض الناس يتناقلن قطعاً من الدعاء المأثور التي هي مظنّة الاجابة أو نصّ على أنها تحتوي على اسم الله الاَعظم ، لكنهم يدعون بها فلا يستجاب لهم ، ذلك لاَنّهم يأخذون لفظ الدعاء مجرداً عن الشروط والآداب التي يجب أن تقارن الداعي فيستجاب دعاؤه .
الدعاء سلاح المؤمن وجنّته الواقية وسهام الليل التي يسدّدها كيفما يشاء ، والسلاح بضاربه لا بحدّه وحسب ، فإذا كان الفارس قوياً شجاعاً ويمتلك الجرأة والاقدام وكان سلاحه تاماً لا عيب فيه ، استطاع النكاية في العدو ، وإلاّ فقد تخلّف الاَثر ، وكذلك يحصل الاَثر من الدعاء ، فإذا راعي الداعي الآداب والشروط التي نصّت عليها الآيات القرآنية والسُنّة المباركة ، والتزم بالعوامل المؤثرة في استجابة الدعاء ، وانقطع إلى ربّه تعالى متخلياً عن جميع الاَسباب الاُخرى ، غير معوّل في تحصيل المطلوب على غير الله تعالى ، ثم دعا الله تعالى بلسانٍ يقرأ مافي صحيفة القلب ، فإنّ دعاءه مستجاب بإذن الله .
العوامل المؤثرة في استجابة الدعاء :
فيما أهم العوامل ذات الصلة في تحصيل أثر الدعاء :
1 ـ مراعاة الشروط والآداب الخاصة بالدعاء :
وقد ذكرناها سابقاً في اداب وشروط الدعاء ، ونذكر هنا حديثاً مهماً عن الاِمام الصادق عليه السلام يفيد التذكير بها .
عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال : قلت له : آيتان في كتاب الله لا أدري ما تأويلهما ؟
فقال : « وما هما ؟ قال: قلت: قوله تعالى : ( ادعوني استَجِب لكُم ) ثم أدعو فلا أرى الاجابة !
قال : فقال لي : أفترى الله تعالى أخلف وعده ؟ قال : قلت : لا .
قال : فمه ؟ قلت : لا أدري...
فقال : لكني أُخبرك إن شاء الله تعالى ، أما إنّكم لو أطعتموه فيما أمركم به ثمّ دعوتموه لاَجابكم ، ولكن تخالفونه وتعصونه فلا يجيبكم، ولو دعوتموه من جهة الدعاء لاَجابكم .
قال : قلت : وما جهة الدعاء ؟
قال : إذا أديت الفريضة مجّدت الله وعظّمته وتمدحه بكلّ ما تقدر عليه ، وتصلّي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتجتهد في الصلاة عليه وتشهد له بتبليغ الرسالة ، وتصلّي على أئمة الهدى عليهم السلام ، ثمّ تذكر بعد التحميد لله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أبلاك وأولاك ، وتذكر نعمه عندك وعليك ، وما صنع بك فتحمده وتشكره على ذلك ، ثم تعترف بذنوبك ذنب ذنب وتقرّ بها أو بما ذكرت منها ، وتجمل ما خفي عليك منها ، فتتوب إلى الله من جميع معاصيك وأنت تنوي ألا تعود ، وتستغفر الله منها بندامة وصدق نية وخوف ورجاء ، ويكون من قولك : «اللهمّ إني اعتذر إليك من ذنوبي ، واستغفرك وأتوب إليك ، فأعني على طاعتك ، ووفقني لما أوجبت عليَّ من كلِّ ما يرضيك ، فانّي لم أرَ أحداً بلغ شيئاً من طاعتك إلاّ بنعمتك عليه قبل طاعتك ، فأنعم عليَّ بنعمة أنال بها رضوانك والجنة» ثمّ تسأل بعد ذلك حاجتك ، فإنّي أرجو أن لا يخيّبك إن شاء الله تعالى... » .
2 ـ فقدان موانع الاجابة :
ومن الشروط المهمة التي يجب أن يراعيها الداعي ، هو إزالة الحجب والموانع التي تحول دون صعود الدعاء ، كاقتراف المعاصي وأكل الحرام والظلم وعقوق الوالدين وغيرها من الذنوب التي تحبس الدعاء ، ولا يتهيأ للداعي معها الاقبال على ربِّه ، والاقبال هو الشرط الاَساس في استجابة الدعاء ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « خير الدعاء ما صدر عن صدر نقيّ وقلب تقيّ » .
وفيما يلي أهم الموانع التي تحبس الدعاء :
أ ـ اقتراف الذنوب والمعاصي :
قال الاِمام أبو جعفر عليه السلام : « إنّ العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب ، أو إلى وقت بطيء ، فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك : لا تقض حاجته واحرمه إياها ، فإنّه تعرّض لسخطي ، واستوجب الحرمان مني »
ومن دعاء أمير المؤمنين عليه السلام : « اللهمّ إنّي أعوذ بك من ذنبٍ يحبط العمل ، وأعوذ بك من ذنبٍ يعجّل النقم ، وأعوذ بك من ذنبٍ يمنع الدعاء »
وعن الاِمام زين العابدين عليه السلام : « والذنوب التي ترد الدعاء : سوء النية ، وخبث السريرة ، والنفاق ، وترك التصديق بالاجابة ، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها ، وترك التقرّب إلى الله عزَّ وجلّ بالبرّ والصدقة ، واستعمال البذاء والفحش في القول »
ب ـ أكل الحرام :
ورد في الحديث القدسي : « فمنك الدعاء وعليَّ الاِجابة ، فلا تُحجب عني دعوة إلاّ دعوة آكل الحرام »
وروي أنّه قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا رسول الله أحبُّ أن يستجاب دعائي ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « طهّر مأكلك ، ولا تدخل بطنك الحرام ».
وعن الاِمام أبي عبدالله عليه السلام : « من سرّه أن تستجاب له دعوته ، فليطب مكسبه »
جـ ـ عقوق الوالدين وقطيعة الرحم :
قال الاِمام زين العابدين عليه السلام : « والذنوب التي تردُّ الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين » .
وعن الاِمام أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال: « لاتملّ من الدعاء ، فإنّه من الله عزَّ وجلَّ بمكان، وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم »
3 ـ ترصّد الاَزمنة الخاصة :
لابدّ للداعي أن يراعي اختيار الاَوقات التي هي مظنّة الاجابة ، فمن تأمل النصوص الاِسلامية يلاحظ أنّ الاَوقات ليست كلّها سواء ، فمنها ما تفتح فيها أبواب السماء ولا يحجب فيها الدعاء ومنها ما تستنزل فيها الرحمة أكثر من غيرها ، وفيما يلي أهم الاَوقات التي ترجى فيها الاجابة :
أ ـ جوف الليل :
جعل الله تعالى لساعات النصف الثاني من الليل من البركة والرحمة ما لم يجعله في الساعات الاُخرى من الليل والنهار ، ففي هذا الوقت يستولي النوم على غالب الناس ، فيتمكن أولياء الله تعالى من الاقبال عليه بالدعاء والذكر والانقطاع إليه بعيداً عن زحمة الحياة ومشاغلها ، فهذا الوقت إذن هو وقت الخلوة وفراغ القلب للعبادة والدعاء ، وهو يشتمل على مجاهدة النفس ومهاجرة الرقاد ومباعدة وثير المهاد والانقطاع إلى الواحد الاَحد .
عن نوف البكالي ـ في حديث ـ قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه وقال لي : « يا نوف ، إنّ داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنّها ساعة لايدعو فيها عبدٌ إلاّ استُجيب له »
وعن الاِمام الصادق عليه السلام ، قال : « كان فيما ناجى به موسى بن عمران عليه السلام أن قال له : يا بن عمران ، كذب من زعم أنّه يحبّني فإذا جنّه الليل نام عني ، أليس كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه ؟ ها أنا يا بن عمران مطّلع على أحبّائي إذا جنّهم الليل حوّلت أبصارهم في قلوبهم ، ومثلت عقوبتي بين أعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، ويكلموني عن الحضور .
يا بن عمران ، هب لي من قلبك الخشوع ، ومن بدنك الخضوع ، ومن عينيك الدموع ، وادعني في ظلم الليل ، فإنّك تجدني قريباً مجيباً»
وعن عبدة السابوري ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : إنّ الناس يروون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « إنّ في الليل لساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن بدعوة إلاّ استجيب له ؟ قال : نعم .
قلتُ : متى هي ؟ قال : ما بين نصف الليل إلى الثلث الباقي .
قلتُ : ليلة من الليالي أو كلّ ليلة ؟ فقال : كل ليلة »
وعن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « من قام من آخر الليل فتطهّر وصلّى ركعتين وحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه ، إمّا أن يعطيه الذي يسأله بعينه ، وإمّا أن يدّخر له ما هو خير له منه ».
ب ـ زوال الشمس :
عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس ، فإذا أراد ذلك قدّم شيئاً فتصدق به ، وشمّ شيئاً من طيب ، وراح إلى المسجد ، ودعا في حاجته بما شاء الله »
وعنه عليه السلام قال : « إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء ، وأبواب الجنان ، وقضيت الحوائج العظام ، فقيل له عليه السلام : من أي وقت ؟ قال عليه السلام : مقدار ما يصلي الرجل أربع ركعات مترسّلاً » .
جـ ـ الوتر والسحر وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس :
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « خير وقت دعوتم الله عزَّ وجلّ فيه الاَسحار ، وتلا هذه الآية في قول يعقوب عليه السلام : ( سوفَ أستفِرُ لكُم ربِّي ) قال : أخّرهم إلى السحر »
وقال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : « أجيبوا داعي الله ، واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فإنّه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الاَرض ، وهي الساعة التي يقسّم فيها الرزق بين عباده... توكّلوا على الله عند ركعتي الفجر إذا صليتموها ، ففيها تُعطوا الرغائب »
وقال الاِمام أبو جعفر عليه السلام : « إنّ الله عزَّ وجل يحبُّ من عباده المؤمنين كلّ دعاءٍ ، فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس ، فإنّها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، وتقسم فيها الاَرزاق ، وتقضى فيها الحوائج العظام »
. وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « يستجاب الدعاء في أربعة مواطن : في الوتر ، وبعد الفجر ، وبعد الظهر ، وبعد المغرب » .
د ـ قبل طلوع الشمس وقبل الغروب :
عن الاِمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ( وظِلالُهُم بالغدُوِّ والآصال )
قال : « هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، وهي ساعة اجابة»
وعن فضيل بن عثمان، عن الاِمام الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : أوصني . قال : « أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث... وإذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء واجتهد ، ولا يمنعك من شيء تطلبه من ربِّك ، ولا تقل : هذا مالا أُعطاه ، وادعُ فإنّ الله يفعل ما يشاء».
هـ ـ بعد الصلوات المكتوبة :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من أذى لله مكتوبة ، فله في أثرها دعوة مستجابة » .
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى فرض الصلوات في أفضل الساعات ، فعليكم بالدعاء في أدبار الصلوات » وقال عليه السلام : « عليكم بالدعاء في أدبار الصلوات فإنّه مستجاب » .
و ـ ليلة الجمعة ويومها :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ يوم الجمعة سيد الاَيام ، يضاعف الله عزَّ وجلَّ فيه الحسنات ، ويمحو فيه السيئات ، ويرفع فيه الدرجات ، ويستجيب فيه الدعوات »
وقال الاِمام أبو جعفر الباقر عليه السلام : « أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة يحافظ عليها ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا يسأل الله تعالى فيها عبدٌ خيراً إلاّ أعطاه »
وعن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الاِمام من الخطبة إلى أن تستوي الناس بالصفوف ، وساعة اُخرى من آخر النهار إلى غروب الشمس »
وكان الاَئمة من عترة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يهتمون بالقيام فيها وإحيائها بالعبادة والدعاء والاستغفار .
ومن الليالي الاُخرى التي تستحق الاحياء والعبادة والدعاء ، وروي أنّه تؤمل فيها الاستجابة : ليلة الفطر ، وليلة الاَضحى ، وليلة النصف من شعبان ، وأول ليلة من رجب ، فقد روي عن الاِمام الكاظم عليه السلام أنّه قال : «كان علي عليه السلام يقول : يعجبني أن يفرّغ الرجل نفسه في السنة أربع ليالٍ... »
ومن الليالي التي يستجاب فيها الدعاء ، ليلة العاشر من ذي القعدة ، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « في ذي القعدة ليلة مباركة هي ليلة عشر ، ينظر الله إلى عباده المؤمنين فيها بالرحمة »
ومن الليالي التي تؤمل فيها الاجابة ليلة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويومه ، وليلة مبعثه الشريف ويومه ، ويوم عرفة وليلة عرفة ، وخاصة إذا كان بالموقف أو عند مشهد الاِمام الحسين عليه السلام وليلة عيد الغدير ويومه ، وليلة النصف من رجب
ح ـ وهناك مواقيت روي أنها تفتح فيها أبواب السماء ، وتهبط فيها الرحمة ، ولا يحجب فيها الدعاء ، وهي ساعة قراءة القرآن ، وأوقات الاَذان ، وساعة نزول المطر ، وساعة التقاء الصفين ، ومصرع الشهداء ، وساعة دعوة المظلوم ، وعند ظهور أيّة معجزة لله في أرضه ، وعند هبوب الريح .
روي عن الاِمام أمير المؤمين عليه السلام أنّه قال : « اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن : عند قراءة القرآن ، وعند الاَذان ، وعند نزول الغيث ، وعند التقاء الصفين للشهادة ، وعند دعوة المظلوم ، فإنّها ليس لها حجاب دون العرش » ).
وعنه عليه السلام أنّه قال : « تفتّح أبواب السماء عند نزول الغيث ، وعند الزحف ، وعند الاَذان ، وعند قراءة القرآن ، ومع زوال الشمس ، وعند طلوع الفجر »
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « اطلبوا الدعاء في أربع ساعات : عند هبوب الرياح ، وزوال الاَفياء ، ونزول القطر ، وأول قطرة من دم القتيل المؤمن ، فإنّ أبواب السماء تفتّح عند هذه الاَشياء ».
4 ـ اختيار الاَمكنة الخاصة :
إنّ لله تعالى بقاعاً أحبّ أن يُعبد فيها وندب إلى أداء الاَعمال الصالحة فيها ، ومن هنا اكتسبت أهميةً وفضلاً على سواها ، ومن ذلك الفضل استجابة الدعاء في أروقتها ، ومن بين هذه البقاع أيضاً ما عمد الاَئمة الهداة عليهم السلام إلى الدعاء فيها أو حثّوا أصحابهم على زيارتها والدعاء فيها ، وهي بقاع الحج والزيارة المعروفة لدى جميع المسلمين .
أ ـ مكة المكرمة :
وهي البقعة التي اختارها الله تعالى من بين بقاع الاَرض لتكون محلاً لبيته الحرام ومكاناً لعبادته ونيل رحمته ، وفيها الكعبة المكرمة قبلة المسلمين وملجأ الهاربين ، بها يأمن الخائف ، وفيها تنزل الرحمة ، وعندها يستجاب الدعاء .
روي عن الاِمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « ما وقف أحد بتلك الجبال إلاّ استجيب له ، فأمّا المؤمنون فيستجاب لهم في آخرتهم ، وأمّا الكفار فيستجاب لهم في دنياهم »
وترجى إجابة الدعاء في عدة مواضع خلال مناسك الحج ، منها : عند الميزاب ، وعند المقام ، وعند الحجر الاَسود ، وبين المقام والباب ، وفي جوف الكعبة ، وعند بئر زمزم ، وعلى الصفا والمروة ، وعند الجمرات الثلاث ، وفي المزدلفة ، وفي عرفة ، وعند المشعر الحرام .
قال الله تعالى : ( فإذا أفضتُم من عرفاتٍ فاذكُروا الله عند المشعر الحرام)(
وروي (أنّ من الذنوب ما لا يغفر إلاّ بعرفة والمشعر الحرام)
.ومنها : المستجار ، والملتزم ، والركن اليماني .
قال الاِمام علي بن الحسين عليه السلام : « لما هبط آدم عليه السلام إلى الاَرض طاف بالبيت ، فلمّا كان عند المستجار ، دنا من البيت فرفع يديه إلى السماء ، فقال : يا ربِّ اغفر لي ، فنودي : أني قد غفرت لك ، قال : يا ربِّ ، ولولدي ، فنودي : يا آدم ، من جاءني من ولدك فباء بذنبه بهذا المكان غفرت له »
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « إنّ الله عزَّ وجلّ وكّل بالركن اليماني ملكاً هجّيراً يؤمّن على دعائكم »
وقال عمار بن معاوية : إنّ الصادق عليه السلام كان إذا انتهى إلى الملتزم قال لمواليه : « أميطوا عني حتى أقرّ لربي بذنوبي في هذا المكان ، فإنّ هذا مكان لم يقرّ عبد لربه بذنوبه ، ثم استغفر الله إلاّ غفر الله له » .
ب ـ المساجد :
المساجد عموماً بيوت الله في الاَرض ، فمن أتاها عارفاً بحقها ، فإنّ الله تعالى أكرم من أن يخيب زائره وقاصده .
قال الاِمام الصادق عليه السلام : « عليكم باتيان المساجد ، فإنّها بيوت الله في الاَرض... فأكثروا فيها الصلاة والدعاء »
وأشرف المساجد مسجد الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة الذي لا يضاهيه بالفضل والكرامة إلاّ المسجد الحرام .
قال الاِمام الصادق عليه السلام : « إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فائت المنبر وسل حاجتك ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة، ومنبري على بركة من ترع الجنة.. »
ومن المساجد التي ترجى فيها إجابة الدعاء ، مسجد الكوفة الكبير ، فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : « ما دعى فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلاّ أجابه الله ، وفرّج عنه كُربته »
ومنها مسجد السهلة بالكوفة ، وممّا ورد في فضل التعبّد فيه والدعاء ماروي عن الاِمام الصادق عليه السلام : « ما أتاه مكروب قط فصلّى فيه ما بين العشاءين ودعا الله إلاّ فرّج الله عنه ».
وعنه عليه السلام : « ما صلّى فيه أحدٌ فدعا الله بنيةٍ صادقةٍ إلاّ صرفه الله بقضاء حاجته » .
جـ ـ مشاهد الاَئمة عليهم السلام :
مشاهد الاَئمة المعصومين عليهم السلام الموزعة بين بقيع المدينة المنورة ونجف العراق وكربلاء وسامراء ومشهد الاِمام الرضا في طوس ، من البقاع المقدّسة التي ندب الاَئمة من عترة المصطفى عليهم السلام إلى زيارتها والصلاة فيها قربة إلى الله وأكّدوا على استجابة الدعاء فيها ، والحديث عن فضلها وشرفها جميعاً مما تطول به صفحات هذه الرسالة ، لذا نقتصر في بيان فضل تربة الاِمام الحسين الشهيد عليه السلام في كربلاء ، الذي ضحّى بنفسه وعياله وأهل بيته وأصحابه من أجل الاصلاح في أُمّة جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وإقامة مبادىء الدين القويم على أساس الكتاب الكريم وسُنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
قال الاِمام أبو جعفر عليه السلام : « إنّ الحسين صاحب كربلاء قتل مظلوماً مكروباً عطشاناً لهفان ، فآلى الله على نفسه أن لا يأتيه لهفان ولا مكروب ولا مذنب ولا مغموم ولا عطشان ولا من به عاهة ، ثم دعا عنده ، وتقرب بالحسين بن علي عليه السلام إلى الله عزَّ وجلّ إلاّ نفّس كربته ، وأعطاه مسألته ، وغفر ذنبه ، ومدّ في عمره ، وبسط في رزقه »
وعن شعيب العقرقوفي ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : من أتى قبر الحسين عليه السلام ، ماله من الثواب والاَجر ؟ قال عليه السلام : « يا شعيب ، ما صلّى عنده أحد الصلاة إلاّ قبلها الله منه ، ولا دعا عنده أحد دعوة إلاّ استجيب له عاجله وآجله»
وقال الاِمام الهادي عليه السلام : « إنّ لله تعالى مواضع يحبُّ أن يُدعى فيها ، وحائر الحسين عليه السلام منها »
أما المشاهد الاُخرى لاَئمة أهل البيت عليهم السلام فإنّ واقع الحال ينبىء عن استجابة الدعاء فيها ، فضلاً عن الروايات والاَخبار الكثيرة الواردة في فضل زيارتهم عليهم السلام والتوسل بهم من طرق الفريقين .
روى الخطيب البغدادي في تاريخه بالاسناد عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، قال : سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال يقول : ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به إلاّ سهّل الله تعالى لي ما أُحبّ
وقال ابن حبان في ترجمة الاِمام الرضا عليه السلام : «ما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس ، فزرت قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جده وعليه) ودعوت الله بازالتها عني إلاّ استجيب لي ، وزالت عني تلك الشدة ، وهذا شيء جرّبته مراراً ، فوجدته كذلك ، أماتنا الله على محبّة المصطفى وأهل بيته صلّى الله عليه وعليهم أجمعين»
الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يكن له ندٌّ ولا ولد , ثمَّ الصلاة على نبيه المصطفى ، وآله الميامين الشرفا ، الذين خصّهم الله بآية التطهير . يقول تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)
ليس ثمة لذة أعظم من لذة المؤمن وسعادته حينما يرى آثار عمله وإيمانه المترتّبة في استجابة دعائه ، ذلك لاَنّه يحسّ بأنّه موضع لطف بارئه تعالى وعنايته ، وأنّه في ارتباط مباشر مع خالقه ، تلك سعادة ليس فوقها سعادة : « وأنلني حسن النظر في ما شكوت ، وأذقني حلاوة الصنع في ما سألت ».
ولكي نعيش لحظات تلك البهجة ونذوق حلاوة السرور ، علينا أن نتعرف على العوامل المؤثرة في استجابة الدعاء ، فقد يظنّ البعض أنّ السر في استجابة الدعاء يكمن في لفظ الدعاء مجرداً عن باقي العوامل الاُخرى ، فكثيراً ما نجد بعض الناس يتناقلن قطعاً من الدعاء المأثور التي هي مظنّة الاجابة أو نصّ على أنها تحتوي على اسم الله الاَعظم ، لكنهم يدعون بها فلا يستجاب لهم ، ذلك لاَنّهم يأخذون لفظ الدعاء مجرداً عن الشروط والآداب التي يجب أن تقارن الداعي فيستجاب دعاؤه .
الدعاء سلاح المؤمن وجنّته الواقية وسهام الليل التي يسدّدها كيفما يشاء ، والسلاح بضاربه لا بحدّه وحسب ، فإذا كان الفارس قوياً شجاعاً ويمتلك الجرأة والاقدام وكان سلاحه تاماً لا عيب فيه ، استطاع النكاية في العدو ، وإلاّ فقد تخلّف الاَثر ، وكذلك يحصل الاَثر من الدعاء ، فإذا راعي الداعي الآداب والشروط التي نصّت عليها الآيات القرآنية والسُنّة المباركة ، والتزم بالعوامل المؤثرة في استجابة الدعاء ، وانقطع إلى ربّه تعالى متخلياً عن جميع الاَسباب الاُخرى ، غير معوّل في تحصيل المطلوب على غير الله تعالى ، ثم دعا الله تعالى بلسانٍ يقرأ مافي صحيفة القلب ، فإنّ دعاءه مستجاب بإذن الله .
العوامل المؤثرة في استجابة الدعاء :
فيما أهم العوامل ذات الصلة في تحصيل أثر الدعاء :
1 ـ مراعاة الشروط والآداب الخاصة بالدعاء :
وقد ذكرناها سابقاً في اداب وشروط الدعاء ، ونذكر هنا حديثاً مهماً عن الاِمام الصادق عليه السلام يفيد التذكير بها .
عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال : قلت له : آيتان في كتاب الله لا أدري ما تأويلهما ؟
فقال : « وما هما ؟ قال: قلت: قوله تعالى : ( ادعوني استَجِب لكُم ) ثم أدعو فلا أرى الاجابة !
قال : فقال لي : أفترى الله تعالى أخلف وعده ؟ قال : قلت : لا .
قال : فمه ؟ قلت : لا أدري...
فقال : لكني أُخبرك إن شاء الله تعالى ، أما إنّكم لو أطعتموه فيما أمركم به ثمّ دعوتموه لاَجابكم ، ولكن تخالفونه وتعصونه فلا يجيبكم، ولو دعوتموه من جهة الدعاء لاَجابكم .
قال : قلت : وما جهة الدعاء ؟
قال : إذا أديت الفريضة مجّدت الله وعظّمته وتمدحه بكلّ ما تقدر عليه ، وتصلّي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتجتهد في الصلاة عليه وتشهد له بتبليغ الرسالة ، وتصلّي على أئمة الهدى عليهم السلام ، ثمّ تذكر بعد التحميد لله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أبلاك وأولاك ، وتذكر نعمه عندك وعليك ، وما صنع بك فتحمده وتشكره على ذلك ، ثم تعترف بذنوبك ذنب ذنب وتقرّ بها أو بما ذكرت منها ، وتجمل ما خفي عليك منها ، فتتوب إلى الله من جميع معاصيك وأنت تنوي ألا تعود ، وتستغفر الله منها بندامة وصدق نية وخوف ورجاء ، ويكون من قولك : «اللهمّ إني اعتذر إليك من ذنوبي ، واستغفرك وأتوب إليك ، فأعني على طاعتك ، ووفقني لما أوجبت عليَّ من كلِّ ما يرضيك ، فانّي لم أرَ أحداً بلغ شيئاً من طاعتك إلاّ بنعمتك عليه قبل طاعتك ، فأنعم عليَّ بنعمة أنال بها رضوانك والجنة» ثمّ تسأل بعد ذلك حاجتك ، فإنّي أرجو أن لا يخيّبك إن شاء الله تعالى... » .
2 ـ فقدان موانع الاجابة :
ومن الشروط المهمة التي يجب أن يراعيها الداعي ، هو إزالة الحجب والموانع التي تحول دون صعود الدعاء ، كاقتراف المعاصي وأكل الحرام والظلم وعقوق الوالدين وغيرها من الذنوب التي تحبس الدعاء ، ولا يتهيأ للداعي معها الاقبال على ربِّه ، والاقبال هو الشرط الاَساس في استجابة الدعاء ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « خير الدعاء ما صدر عن صدر نقيّ وقلب تقيّ » .
وفيما يلي أهم الموانع التي تحبس الدعاء :
أ ـ اقتراف الذنوب والمعاصي :
قال الاِمام أبو جعفر عليه السلام : « إنّ العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب ، أو إلى وقت بطيء ، فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك : لا تقض حاجته واحرمه إياها ، فإنّه تعرّض لسخطي ، واستوجب الحرمان مني »
ومن دعاء أمير المؤمنين عليه السلام : « اللهمّ إنّي أعوذ بك من ذنبٍ يحبط العمل ، وأعوذ بك من ذنبٍ يعجّل النقم ، وأعوذ بك من ذنبٍ يمنع الدعاء »
وعن الاِمام زين العابدين عليه السلام : « والذنوب التي ترد الدعاء : سوء النية ، وخبث السريرة ، والنفاق ، وترك التصديق بالاجابة ، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها ، وترك التقرّب إلى الله عزَّ وجلّ بالبرّ والصدقة ، واستعمال البذاء والفحش في القول »
ب ـ أكل الحرام :
ورد في الحديث القدسي : « فمنك الدعاء وعليَّ الاِجابة ، فلا تُحجب عني دعوة إلاّ دعوة آكل الحرام »
وروي أنّه قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا رسول الله أحبُّ أن يستجاب دعائي ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « طهّر مأكلك ، ولا تدخل بطنك الحرام ».
وعن الاِمام أبي عبدالله عليه السلام : « من سرّه أن تستجاب له دعوته ، فليطب مكسبه »
جـ ـ عقوق الوالدين وقطيعة الرحم :
قال الاِمام زين العابدين عليه السلام : « والذنوب التي تردُّ الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين » .
وعن الاِمام أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال: « لاتملّ من الدعاء ، فإنّه من الله عزَّ وجلَّ بمكان، وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم »
3 ـ ترصّد الاَزمنة الخاصة :
لابدّ للداعي أن يراعي اختيار الاَوقات التي هي مظنّة الاجابة ، فمن تأمل النصوص الاِسلامية يلاحظ أنّ الاَوقات ليست كلّها سواء ، فمنها ما تفتح فيها أبواب السماء ولا يحجب فيها الدعاء ومنها ما تستنزل فيها الرحمة أكثر من غيرها ، وفيما يلي أهم الاَوقات التي ترجى فيها الاجابة :
أ ـ جوف الليل :
جعل الله تعالى لساعات النصف الثاني من الليل من البركة والرحمة ما لم يجعله في الساعات الاُخرى من الليل والنهار ، ففي هذا الوقت يستولي النوم على غالب الناس ، فيتمكن أولياء الله تعالى من الاقبال عليه بالدعاء والذكر والانقطاع إليه بعيداً عن زحمة الحياة ومشاغلها ، فهذا الوقت إذن هو وقت الخلوة وفراغ القلب للعبادة والدعاء ، وهو يشتمل على مجاهدة النفس ومهاجرة الرقاد ومباعدة وثير المهاد والانقطاع إلى الواحد الاَحد .
عن نوف البكالي ـ في حديث ـ قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه وقال لي : « يا نوف ، إنّ داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنّها ساعة لايدعو فيها عبدٌ إلاّ استُجيب له »
وعن الاِمام الصادق عليه السلام ، قال : « كان فيما ناجى به موسى بن عمران عليه السلام أن قال له : يا بن عمران ، كذب من زعم أنّه يحبّني فإذا جنّه الليل نام عني ، أليس كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه ؟ ها أنا يا بن عمران مطّلع على أحبّائي إذا جنّهم الليل حوّلت أبصارهم في قلوبهم ، ومثلت عقوبتي بين أعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، ويكلموني عن الحضور .
يا بن عمران ، هب لي من قلبك الخشوع ، ومن بدنك الخضوع ، ومن عينيك الدموع ، وادعني في ظلم الليل ، فإنّك تجدني قريباً مجيباً»
وعن عبدة السابوري ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : إنّ الناس يروون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « إنّ في الليل لساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن بدعوة إلاّ استجيب له ؟ قال : نعم .
قلتُ : متى هي ؟ قال : ما بين نصف الليل إلى الثلث الباقي .
قلتُ : ليلة من الليالي أو كلّ ليلة ؟ فقال : كل ليلة »
وعن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « من قام من آخر الليل فتطهّر وصلّى ركعتين وحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لم يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه ، إمّا أن يعطيه الذي يسأله بعينه ، وإمّا أن يدّخر له ما هو خير له منه ».
ب ـ زوال الشمس :
عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس ، فإذا أراد ذلك قدّم شيئاً فتصدق به ، وشمّ شيئاً من طيب ، وراح إلى المسجد ، ودعا في حاجته بما شاء الله »
وعنه عليه السلام قال : « إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء ، وأبواب الجنان ، وقضيت الحوائج العظام ، فقيل له عليه السلام : من أي وقت ؟ قال عليه السلام : مقدار ما يصلي الرجل أربع ركعات مترسّلاً » .
جـ ـ الوتر والسحر وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس :
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « خير وقت دعوتم الله عزَّ وجلّ فيه الاَسحار ، وتلا هذه الآية في قول يعقوب عليه السلام : ( سوفَ أستفِرُ لكُم ربِّي ) قال : أخّرهم إلى السحر »
وقال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : « أجيبوا داعي الله ، واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فإنّه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الاَرض ، وهي الساعة التي يقسّم فيها الرزق بين عباده... توكّلوا على الله عند ركعتي الفجر إذا صليتموها ، ففيها تُعطوا الرغائب »
وقال الاِمام أبو جعفر عليه السلام : « إنّ الله عزَّ وجل يحبُّ من عباده المؤمنين كلّ دعاءٍ ، فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس ، فإنّها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، وتقسم فيها الاَرزاق ، وتقضى فيها الحوائج العظام »
. وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « يستجاب الدعاء في أربعة مواطن : في الوتر ، وبعد الفجر ، وبعد الظهر ، وبعد المغرب » .
د ـ قبل طلوع الشمس وقبل الغروب :
عن الاِمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ( وظِلالُهُم بالغدُوِّ والآصال )
قال : « هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، وهي ساعة اجابة»
وعن فضيل بن عثمان، عن الاِمام الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : أوصني . قال : « أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث... وإذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء واجتهد ، ولا يمنعك من شيء تطلبه من ربِّك ، ولا تقل : هذا مالا أُعطاه ، وادعُ فإنّ الله يفعل ما يشاء».
هـ ـ بعد الصلوات المكتوبة :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من أذى لله مكتوبة ، فله في أثرها دعوة مستجابة » .
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى فرض الصلوات في أفضل الساعات ، فعليكم بالدعاء في أدبار الصلوات » وقال عليه السلام : « عليكم بالدعاء في أدبار الصلوات فإنّه مستجاب » .
و ـ ليلة الجمعة ويومها :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ يوم الجمعة سيد الاَيام ، يضاعف الله عزَّ وجلَّ فيه الحسنات ، ويمحو فيه السيئات ، ويرفع فيه الدرجات ، ويستجيب فيه الدعوات »
وقال الاِمام أبو جعفر الباقر عليه السلام : « أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة يحافظ عليها ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا يسأل الله تعالى فيها عبدٌ خيراً إلاّ أعطاه »
وعن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الاِمام من الخطبة إلى أن تستوي الناس بالصفوف ، وساعة اُخرى من آخر النهار إلى غروب الشمس »
وكان الاَئمة من عترة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يهتمون بالقيام فيها وإحيائها بالعبادة والدعاء والاستغفار .
ومن الليالي الاُخرى التي تستحق الاحياء والعبادة والدعاء ، وروي أنّه تؤمل فيها الاستجابة : ليلة الفطر ، وليلة الاَضحى ، وليلة النصف من شعبان ، وأول ليلة من رجب ، فقد روي عن الاِمام الكاظم عليه السلام أنّه قال : «كان علي عليه السلام يقول : يعجبني أن يفرّغ الرجل نفسه في السنة أربع ليالٍ... »
ومن الليالي التي يستجاب فيها الدعاء ، ليلة العاشر من ذي القعدة ، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « في ذي القعدة ليلة مباركة هي ليلة عشر ، ينظر الله إلى عباده المؤمنين فيها بالرحمة »
ومن الليالي التي تؤمل فيها الاجابة ليلة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويومه ، وليلة مبعثه الشريف ويومه ، ويوم عرفة وليلة عرفة ، وخاصة إذا كان بالموقف أو عند مشهد الاِمام الحسين عليه السلام وليلة عيد الغدير ويومه ، وليلة النصف من رجب
ح ـ وهناك مواقيت روي أنها تفتح فيها أبواب السماء ، وتهبط فيها الرحمة ، ولا يحجب فيها الدعاء ، وهي ساعة قراءة القرآن ، وأوقات الاَذان ، وساعة نزول المطر ، وساعة التقاء الصفين ، ومصرع الشهداء ، وساعة دعوة المظلوم ، وعند ظهور أيّة معجزة لله في أرضه ، وعند هبوب الريح .
روي عن الاِمام أمير المؤمين عليه السلام أنّه قال : « اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن : عند قراءة القرآن ، وعند الاَذان ، وعند نزول الغيث ، وعند التقاء الصفين للشهادة ، وعند دعوة المظلوم ، فإنّها ليس لها حجاب دون العرش » ).
وعنه عليه السلام أنّه قال : « تفتّح أبواب السماء عند نزول الغيث ، وعند الزحف ، وعند الاَذان ، وعند قراءة القرآن ، ومع زوال الشمس ، وعند طلوع الفجر »
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « اطلبوا الدعاء في أربع ساعات : عند هبوب الرياح ، وزوال الاَفياء ، ونزول القطر ، وأول قطرة من دم القتيل المؤمن ، فإنّ أبواب السماء تفتّح عند هذه الاَشياء ».
4 ـ اختيار الاَمكنة الخاصة :
إنّ لله تعالى بقاعاً أحبّ أن يُعبد فيها وندب إلى أداء الاَعمال الصالحة فيها ، ومن هنا اكتسبت أهميةً وفضلاً على سواها ، ومن ذلك الفضل استجابة الدعاء في أروقتها ، ومن بين هذه البقاع أيضاً ما عمد الاَئمة الهداة عليهم السلام إلى الدعاء فيها أو حثّوا أصحابهم على زيارتها والدعاء فيها ، وهي بقاع الحج والزيارة المعروفة لدى جميع المسلمين .
أ ـ مكة المكرمة :
وهي البقعة التي اختارها الله تعالى من بين بقاع الاَرض لتكون محلاً لبيته الحرام ومكاناً لعبادته ونيل رحمته ، وفيها الكعبة المكرمة قبلة المسلمين وملجأ الهاربين ، بها يأمن الخائف ، وفيها تنزل الرحمة ، وعندها يستجاب الدعاء .
روي عن الاِمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « ما وقف أحد بتلك الجبال إلاّ استجيب له ، فأمّا المؤمنون فيستجاب لهم في آخرتهم ، وأمّا الكفار فيستجاب لهم في دنياهم »
وترجى إجابة الدعاء في عدة مواضع خلال مناسك الحج ، منها : عند الميزاب ، وعند المقام ، وعند الحجر الاَسود ، وبين المقام والباب ، وفي جوف الكعبة ، وعند بئر زمزم ، وعلى الصفا والمروة ، وعند الجمرات الثلاث ، وفي المزدلفة ، وفي عرفة ، وعند المشعر الحرام .
قال الله تعالى : ( فإذا أفضتُم من عرفاتٍ فاذكُروا الله عند المشعر الحرام)(
وروي (أنّ من الذنوب ما لا يغفر إلاّ بعرفة والمشعر الحرام)
.ومنها : المستجار ، والملتزم ، والركن اليماني .
قال الاِمام علي بن الحسين عليه السلام : « لما هبط آدم عليه السلام إلى الاَرض طاف بالبيت ، فلمّا كان عند المستجار ، دنا من البيت فرفع يديه إلى السماء ، فقال : يا ربِّ اغفر لي ، فنودي : أني قد غفرت لك ، قال : يا ربِّ ، ولولدي ، فنودي : يا آدم ، من جاءني من ولدك فباء بذنبه بهذا المكان غفرت له »
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « إنّ الله عزَّ وجلّ وكّل بالركن اليماني ملكاً هجّيراً يؤمّن على دعائكم »
وقال عمار بن معاوية : إنّ الصادق عليه السلام كان إذا انتهى إلى الملتزم قال لمواليه : « أميطوا عني حتى أقرّ لربي بذنوبي في هذا المكان ، فإنّ هذا مكان لم يقرّ عبد لربه بذنوبه ، ثم استغفر الله إلاّ غفر الله له » .
ب ـ المساجد :
المساجد عموماً بيوت الله في الاَرض ، فمن أتاها عارفاً بحقها ، فإنّ الله تعالى أكرم من أن يخيب زائره وقاصده .
قال الاِمام الصادق عليه السلام : « عليكم باتيان المساجد ، فإنّها بيوت الله في الاَرض... فأكثروا فيها الصلاة والدعاء »
وأشرف المساجد مسجد الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة الذي لا يضاهيه بالفضل والكرامة إلاّ المسجد الحرام .
قال الاِمام الصادق عليه السلام : « إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فائت المنبر وسل حاجتك ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة، ومنبري على بركة من ترع الجنة.. »
ومن المساجد التي ترجى فيها إجابة الدعاء ، مسجد الكوفة الكبير ، فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : « ما دعى فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلاّ أجابه الله ، وفرّج عنه كُربته »
ومنها مسجد السهلة بالكوفة ، وممّا ورد في فضل التعبّد فيه والدعاء ماروي عن الاِمام الصادق عليه السلام : « ما أتاه مكروب قط فصلّى فيه ما بين العشاءين ودعا الله إلاّ فرّج الله عنه ».
وعنه عليه السلام : « ما صلّى فيه أحدٌ فدعا الله بنيةٍ صادقةٍ إلاّ صرفه الله بقضاء حاجته » .
جـ ـ مشاهد الاَئمة عليهم السلام :
مشاهد الاَئمة المعصومين عليهم السلام الموزعة بين بقيع المدينة المنورة ونجف العراق وكربلاء وسامراء ومشهد الاِمام الرضا في طوس ، من البقاع المقدّسة التي ندب الاَئمة من عترة المصطفى عليهم السلام إلى زيارتها والصلاة فيها قربة إلى الله وأكّدوا على استجابة الدعاء فيها ، والحديث عن فضلها وشرفها جميعاً مما تطول به صفحات هذه الرسالة ، لذا نقتصر في بيان فضل تربة الاِمام الحسين الشهيد عليه السلام في كربلاء ، الذي ضحّى بنفسه وعياله وأهل بيته وأصحابه من أجل الاصلاح في أُمّة جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وإقامة مبادىء الدين القويم على أساس الكتاب الكريم وسُنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
قال الاِمام أبو جعفر عليه السلام : « إنّ الحسين صاحب كربلاء قتل مظلوماً مكروباً عطشاناً لهفان ، فآلى الله على نفسه أن لا يأتيه لهفان ولا مكروب ولا مذنب ولا مغموم ولا عطشان ولا من به عاهة ، ثم دعا عنده ، وتقرب بالحسين بن علي عليه السلام إلى الله عزَّ وجلّ إلاّ نفّس كربته ، وأعطاه مسألته ، وغفر ذنبه ، ومدّ في عمره ، وبسط في رزقه »
وعن شعيب العقرقوفي ، قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : من أتى قبر الحسين عليه السلام ، ماله من الثواب والاَجر ؟ قال عليه السلام : « يا شعيب ، ما صلّى عنده أحد الصلاة إلاّ قبلها الله منه ، ولا دعا عنده أحد دعوة إلاّ استجيب له عاجله وآجله»
وقال الاِمام الهادي عليه السلام : « إنّ لله تعالى مواضع يحبُّ أن يُدعى فيها ، وحائر الحسين عليه السلام منها »
أما المشاهد الاُخرى لاَئمة أهل البيت عليهم السلام فإنّ واقع الحال ينبىء عن استجابة الدعاء فيها ، فضلاً عن الروايات والاَخبار الكثيرة الواردة في فضل زيارتهم عليهم السلام والتوسل بهم من طرق الفريقين .
روى الخطيب البغدادي في تاريخه بالاسناد عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، قال : سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال يقول : ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به إلاّ سهّل الله تعالى لي ما أُحبّ
وقال ابن حبان في ترجمة الاِمام الرضا عليه السلام : «ما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس ، فزرت قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جده وعليه) ودعوت الله بازالتها عني إلاّ استجيب لي ، وزالت عني تلك الشدة ، وهذا شيء جرّبته مراراً ، فوجدته كذلك ، أماتنا الله على محبّة المصطفى وأهل بيته صلّى الله عليه وعليهم أجمعين»
تعليق