بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
((وقد أتيتك يا الهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي))..
هذا المقطع رائع بحق وكلّ مقاطع دعاء كميل رائعة وتمثّل تحفة فنية غنية بالمعلومات الأخلاقية والتربوية لمن ينشده..
معلوم انّ التقصير هو عدم الوفاء بالعمل المطلوب منه أو المفروض انّه يفعله..
أما الاسراف فهو تجاوز الحد وتكرار هذا التقصير..
نأتي لهذه الفقرة من الدعاء التي تبتدئ بحالة الانكسار والتذلّل لله سبحانه وتعالى من قبل العبد بعد أن أحسّ بأنّ مآله اليه تعالى ولا يمكن الفرار من حكومته..
اذن لابد من التذلّل والمبالغة بهذا الإحساس فيعبّر الداعي بهذا التعبير الجميل والرائع (وقد أتيتك يا الهي) أي انّه يقرّ ويعترف بما جناه من التقصير ولهذا جاء الى منقذه الأوحد مما قد يؤول اليه..
نعم يعترف بأنّه قصّر بارتكاب الذنوب والمعاصي أو أخفق في بعض الواجبات أو حتى انّه يحسّ بتقصيره بعدم الاتيان ببعض المستحبّات لأنّها في حقيقة الأمر محبوبة لله تعالى، والذي يحبّ يسعى لارضاء محبوبه بما يحبّ، اذن هو مقصّر تجاه محبوبه..
ولن يكتفي الداعي بالاعتراف بالوقوع بالذنب فقط، بل يعترف بانّه تمادى وتكرّر منه الوقوع بهذا الذنب، فبعد أن كان مقصّراً صار مسرفاً بارتكاب الذنب مرّات ومرّات من غير أن ينتبه- من شدّة غفلته وغرقه في مشتهيات الدنيا وملذاتها- الى انّ هناك خالق يراقبه وينتظر منه أن يتخلّق بالاخلاق التي تدخله الجنّة، ولكن الغفلة وملذّات الدنيا حالت بينه وبين ذلك..
ومع ذلك فانّ اللّه سبحانه وتعالى ينتظر من هذا العبد أن يثوب الى رشده ويفيق من غفلته لانّه عزّ وجلّ قال ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))الزمر : 53، لذلك نجد هذا الداع قد تمسّك برحمة وعفو الله تعالى ومن هذه المعاني والأمل الذي تعطيه هذه الآية الكريمة ينطلق الداع الى الله سبحانه وتعالى جاثياً على ركبتيه ودموعه جارية على خديه يرجوه ويتوسّل اليه أن يسامحه ويعفو عنه، وكأنه (الداع) يشير الى هذه الآية ويجعلها ذريعة للعفو والمغفرة ((وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا))آل عمران : 147..
نسأل الله تعالى أن نكون من المعترفين المقرّين بذنوبنا النادمين على أفعالنا التائبين منها وأن نسلك موارد العلم والمعرفة المقرّبة لله تعالى بفضل الصلاة على محمد وآل محمد (عليهم السلام)..
والحمد لله ربّ العالمين
تعليق