بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
كان قوم النبي نوح (عليه السلام) يظنون بأن الله لا يقبل منهم توبة لو عادوا إلى حظيرة الإيمان، لما سبق منهم من الذنوب والمعاصي!، فقد ورد أنه لما أمرهم النبي نوح (عليه السلام) بالعبادة، قالوا له: إن كان الدين القديم الذي كنا عليه حقاً فلم تأمرنا بتركه! وإن كان باطلاً فكيف يقبلنا بعد أن عصيناه؟!، فقال نوح (عليه السلام): «إنكم وإن كنتم عصيتموه ولكن استغفروه من تلك الذنوب، فإنه سبحانه كان غفاراً».
ظواهر بيئية واجتماعية وخيمة
تمر كثير من مناطقنا بظروف طبيعية واجتماعية عصيبة، ولهذه الظروف مشاهد واضحة لكل متأمل في مجريات حوادث المجتمع والتي منها:
1ـ عدم هطول الغيث هذا العام إلا نادراً، مما يعكس سلباً على الثروة الزراعية والقطاع الحيواني، كما أنه يؤثر بصورة مباشرة على الفلاحين، الذين يعتمدون في تحصيل أرزاقهم على المحاصيل الزراعية، وغير مباشرة لعوائلهم.
2ـ وقوع حوادث مرورية جمة، راح ضحيتها جمع غفير من الشباب، الذين هم في ريعان النظارة، وكان المجتمع يأمل لهم مستقبلاً زاهراً، ولعل السرعة كانت أبرز الأسباب الظاهرية، التي أدت إلى وقوعها.
3ـ حصول مشاكل أخلاقية عديدة، أدت إلى ضياع آمال كانت معقودة على تلك الفئات، وذهبت نفوس إلى غياهب السجون ربما كان يرتجى منها الخير، بيد أنها أفلت حين هوت في شرك الهوى والشهوات.
4ـ بروز ظاهرة السطو في المجتمع، وقد تمثلت في صور عديدة، كالهجوم على المنازل، والمدارس، والمحلات التجارية، ولم يسلم الباعة الذين يفترشون الشوارع والطرقات من هذه الظاهرة، كما لم تأمن بعض النساء من سلب حقائبهن المعلقة بأكتافهن.
5ـ ظهور البطالة في كثير من الأصقاع، مما اضطر البعض للسفر إلى مناطق بعيدة كسباً للرزق، بينما ركن آخرون وللأسف إلى تحصيل قوتهم بالعمل الحرام! كالذين يتاجرون بالخمور والمخدرات.
6ـ ارتفاع الأسعار في المواد الاستهلاكية، سواء المنتجات المحلية أو المستوردة، وكذلك حدث التضخم في أسعار بعض المقتنيات الضرورية، كالأدوات المنزلية، ومواد البناء، وغيرها.
ولسنا في صددت تبيان عدد الظواهر العالمية سواء على مستوى البيئة أو الاجتماع، التي وقعت قبل أعوام على الكرة الأرضية، مثل إعصار ميانمار والتي ذهب ضحيتها أكثر من عشرين ألف إنسان، أو الزلزال الذي ضرب الصين والذي راح ضحيته أكثر من ستين ألف إنسان، أو زلزال تركيا وتسونامي في شواطئ أندنوسيا والذي ذهب ضحيته الألوف من البشر، ولا ما حدث في استراليا من حرائق كبيرة في أطراف غاباتها، والتي أكلت مجموعة من المنازل، إنما الغرض أن نبين بأن هذه الظواهر تعد مصاديقاً للآية الكريمة التي تقول: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾[1] .
المجتمع بين المصائب والعودة إلى الله
التساؤل الملح يتلخص في التالي: ما هو السبيل لما نحن فيه من محن ومصائب؟
والجواب: يكمن في كلام النبي نوح (عليه السلام) إلى قومه، حيث يروى عن مقاتل: ««إن قوم نوح لما كذبوه زمانا ً طويلاً حبس الله عنهم المطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فرجعوا فيه إلى نوح، فقال نوح: استغفروا ربكم من الشرك يفتح الله عليكم أبواب نعمه»».[2] أي استغفروه من الذنب الذي وقعتم فيه وهو في ذلك العصر «الشرك بالله»، وبالنسبة لنا اليوم فالذنوب متعددة، والخلاص منها يستلزم تركها، فثمة من لا يعطي الحق الشرعي، أو يأكل المال الحرام، أو يتناول لحوم الناس بالغيبة، أو يعبد الشيطان بالاستماع إلى الغناء، وهناك من يتهاون في أداء الصلاة، لا لأنهم نائمون عنها فالنوم سلطان، كلا بل إنهم مستيقظون، ولكنهم يستبدلون الصلاة باللعب واللهو، بعضهم سراً وبعضهم علناً، كالذي يلعب في بعض الشوارع من الفجر حتى طلوع الشمس، وهم بذلك يعلنون للناس بأنهم يستبدلون الصلاة باللعب!!
وفي الواقع إن الذي لا تهمه تأدية الصلاة، لا يردعه رادع عن ارتكاب الجريمة! ففي الحديث: ««لا يزال الشيطان يرعب من بني آدم ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيعهن تجرأ عليه وأوقعه في العظائم»»[3] ؛ فإذا ضيع الناس الصلاة وسقطوا في وحل الشهوات، فإن هذا هو التيه والضياع، الذي يكون مآله إلى فساد المجتمع، قال تعالى: ﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾.[4]
وكان قوم النبي نوح (عليه السلام) يظنون بأن الله لا يقبل منهم توبة لو عادوا إلى حظيرة الإيمان، لما سبق منهم من الذنوب والمعاصي!، فقد ورد أنه لما أمرهم النبي نوح (عليه السلام) بالعبادة، قالوا له: إن كان الدين القديم الذي كنا عليه حقاً فلم تأمرنا بتركه! وإن كان باطلاً فكيف يقبلنا بعد أن عصيناه؟!، فقال نوح (عليه السلام): «إنكم وإن كنتم عصيتموه ولكن استغفروه من تلك الذنوب، فإنه سبحانه كان غفاراً».[5]
كلمات تحتاج إلى وقفة تأمل
«أ» والملفت في الآية الكريمة هي كلمة غفارا، ولم يقل غافر، بل قال غفارا، وهي صيغة المبالغة على وزن مفعال كمعطار ومثقال، وجيء بها لتعليل الاستغفار، بأن الله تعالى موصوف بالغفران، وهي صفة ثابتة تعهد الله بها لعبادة المستغفرين، وقد جاء في الدعاء في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين (عليه السلام): ««يا من سعد برحمته القاصدون، ولم يشق بنقمته المستغفرون»»[6] .
«ب» والملفت في هذه الآيات أن الله تبارك وتعالى قد ربط بين العامل المعنوي والناتج المادي، فحيث أن المجتمع يحتاج إلى لمطر، ويبتغي النعم، ويطلب الأموال والبنين، ويتمنى الجنات والأنهار، فإن القرآن يقول: إن سبباً واحداً لهو كفيل بأن يعطي كل هذه المطالب ألا وهو العودة إلى الله عز وجل بترك الذنوب والتوجه إلى الله بالدعاء، فقد ورد في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالصحيفة السجادية قوله: ««إلهي من ذا الذي نزل بك ملتمساً قراك فما قريته، ومن ذا الذي أناخ ببابك مرتجياً نداك فما أوليته، أيحسن أن أرجع عن بابك بالخيبة مصروفاً، ولست أعرف سواك مولىً بالإحسان موصوفاً، كيف أرجو غيرك والخير كله بيدك، وكيف أؤمل سواك والخلق والأمر لك، أأقطع رجائي منك وقد أوليتني ما أسأله من فضلك، أم تفقرني إلى مثلي وأنا أعتصم بحبلك»».[7]
«ج» كلمة السماء: وهي تعني هنا المطر، حيث ذكروا أن من أسماء المطر السماء، والشاهد في استعمال كلمة السماء بمعنى المطر:
أولاً: ما ورد في حديث الموطأ والصحيحين: عن زيد بن خالد الجهني: أنه قال: ««صلى بنا رسول الله (صلى الله وعليه وآله) صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل»».[8]
ثانياً: وقول معاوية بن مالك بن جعفر:
إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا [9]
«د» كلمة مدرار: وتعني كثيرة الدر وهو السيلان، بمعنى تتابع نزول المطر، وعادة الأرض التي يكثر فيها المطر تكون أرضاً خصبة وكثيرة الزروع والأنهار والخيرات.
«و» كلمة أموال: وهي تشمل كل ما يطلق عليه مال، فالمنزل، والدابة، والأرض، والمقتنيات الأخرى بما في ذلك الدراهم يطلق عليه مال.
ويتلخص من هذه المفردات أن العودة إلى الله عز وجل، هو السبيل الوحيد للخلاص من المصاعب والويلات التي ألمت بالأمة، وثم تحصيل كل الخيرات التي يطمع اللبيب الحصول عليها، وهذا ما أكدته الآيات المباركة، حيث قال عز شأنه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا «» يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا «» وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾. [10]
عاملان مهمان يجلبان الخير:
كما يلفت نظرنا القرآن الكريم إلى مسببات أخرى توصل المرء إلى الحياة الرغيدة منها:
«1» التمسك بالدين: حيث قال تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾[11] ، وفي مقابل ذلك فإن الكفر والعصيان سببان لنزول السخط الإلهي قال تعالى: ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا «» أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ﴾.[12]
«2» الإصلاح الاجتماعي: حيث ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾.[13]
وأما أذا أصرت البشرية في تجنب كل مسببات سلامتها، فحينئذ إذا نزل بها البلاء الإلهي فلا تلوم إلا نفسها، وهذا ما حدث فعلاً لقوم النبي نوح (عليه السلام)، فإنه وبعد كل النصائح التي قدمها النبي لهم فإنهم لم يرجعوا عن غيهم، بل كانوا يتواصون في مقاطعة النبي (عليه السلام)، وكان بعض الآباء يوصي ابنه أن لا يقترب من النبي بعد موته، مما حدا بالنبي نوح (عليه السلام) أن يعلن عن يأسه من صلاحهم، فقال لربه: ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا • إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾.[14]
ومن خلال ما تقدم يبدو صدق الثقافة التي تقول: بأن العودة إلى التمسك بتعاليم الدين هو السبيل السليم للخلاص من كل مشاكلنا، وأنها الطريق الصائب الذي يوصلنا إلى هضبة النجاة من كل المصائب والشرور المحدقة بالأمة، كما أنه الدرب الذي يوصلنا إلى نيل الأهداف الطموحة على كل الأصعدة، والتي بها يسعد الكائن البشري في الدنيا والآخرة.
نسأل الله عز وجل أن يأخذ بأيدينا إلى شاطئ النجاة إنه سميع مجيب، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ــــــــــــ
[1] «41» سورة الروم.
[2] تفسير الفخر الرازي ج 30 ص 137.
[3] ميزان الحكمة ج5 ص 404.
[4] «59» سورة مريم.
[5] تفسير الفخر الرازي ج 30 ص 137 وَ 138.
[6] الصحيفة السجادية «ابطحي» - الإمام زين العابدين - ص 406.
[7] الصحيفة السجادية «ابطحي» - الإمام زين العابدين - ص 406.
[8] التحرير والتنوير ج29 ص 184.
[9] التحرير والتنوير ج29 ص 184.
[10] «10 ـ12» سورة نوح.
[11] «16» سورة الجن.
[12] «90ـ91» سورة مريم.
[13] «117» سورة هود.
[14] «26ـ27» سورة نوح
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
كان قوم النبي نوح (عليه السلام) يظنون بأن الله لا يقبل منهم توبة لو عادوا إلى حظيرة الإيمان، لما سبق منهم من الذنوب والمعاصي!، فقد ورد أنه لما أمرهم النبي نوح (عليه السلام) بالعبادة، قالوا له: إن كان الدين القديم الذي كنا عليه حقاً فلم تأمرنا بتركه! وإن كان باطلاً فكيف يقبلنا بعد أن عصيناه؟!، فقال نوح (عليه السلام): «إنكم وإن كنتم عصيتموه ولكن استغفروه من تلك الذنوب، فإنه سبحانه كان غفاراً».
ظواهر بيئية واجتماعية وخيمة
تمر كثير من مناطقنا بظروف طبيعية واجتماعية عصيبة، ولهذه الظروف مشاهد واضحة لكل متأمل في مجريات حوادث المجتمع والتي منها:
1ـ عدم هطول الغيث هذا العام إلا نادراً، مما يعكس سلباً على الثروة الزراعية والقطاع الحيواني، كما أنه يؤثر بصورة مباشرة على الفلاحين، الذين يعتمدون في تحصيل أرزاقهم على المحاصيل الزراعية، وغير مباشرة لعوائلهم.
2ـ وقوع حوادث مرورية جمة، راح ضحيتها جمع غفير من الشباب، الذين هم في ريعان النظارة، وكان المجتمع يأمل لهم مستقبلاً زاهراً، ولعل السرعة كانت أبرز الأسباب الظاهرية، التي أدت إلى وقوعها.
3ـ حصول مشاكل أخلاقية عديدة، أدت إلى ضياع آمال كانت معقودة على تلك الفئات، وذهبت نفوس إلى غياهب السجون ربما كان يرتجى منها الخير، بيد أنها أفلت حين هوت في شرك الهوى والشهوات.
4ـ بروز ظاهرة السطو في المجتمع، وقد تمثلت في صور عديدة، كالهجوم على المنازل، والمدارس، والمحلات التجارية، ولم يسلم الباعة الذين يفترشون الشوارع والطرقات من هذه الظاهرة، كما لم تأمن بعض النساء من سلب حقائبهن المعلقة بأكتافهن.
5ـ ظهور البطالة في كثير من الأصقاع، مما اضطر البعض للسفر إلى مناطق بعيدة كسباً للرزق، بينما ركن آخرون وللأسف إلى تحصيل قوتهم بالعمل الحرام! كالذين يتاجرون بالخمور والمخدرات.
6ـ ارتفاع الأسعار في المواد الاستهلاكية، سواء المنتجات المحلية أو المستوردة، وكذلك حدث التضخم في أسعار بعض المقتنيات الضرورية، كالأدوات المنزلية، ومواد البناء، وغيرها.
ولسنا في صددت تبيان عدد الظواهر العالمية سواء على مستوى البيئة أو الاجتماع، التي وقعت قبل أعوام على الكرة الأرضية، مثل إعصار ميانمار والتي ذهب ضحيتها أكثر من عشرين ألف إنسان، أو الزلزال الذي ضرب الصين والذي راح ضحيته أكثر من ستين ألف إنسان، أو زلزال تركيا وتسونامي في شواطئ أندنوسيا والذي ذهب ضحيته الألوف من البشر، ولا ما حدث في استراليا من حرائق كبيرة في أطراف غاباتها، والتي أكلت مجموعة من المنازل، إنما الغرض أن نبين بأن هذه الظواهر تعد مصاديقاً للآية الكريمة التي تقول: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾[1] .
المجتمع بين المصائب والعودة إلى الله
التساؤل الملح يتلخص في التالي: ما هو السبيل لما نحن فيه من محن ومصائب؟
والجواب: يكمن في كلام النبي نوح (عليه السلام) إلى قومه، حيث يروى عن مقاتل: ««إن قوم نوح لما كذبوه زمانا ً طويلاً حبس الله عنهم المطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فرجعوا فيه إلى نوح، فقال نوح: استغفروا ربكم من الشرك يفتح الله عليكم أبواب نعمه»».[2] أي استغفروه من الذنب الذي وقعتم فيه وهو في ذلك العصر «الشرك بالله»، وبالنسبة لنا اليوم فالذنوب متعددة، والخلاص منها يستلزم تركها، فثمة من لا يعطي الحق الشرعي، أو يأكل المال الحرام، أو يتناول لحوم الناس بالغيبة، أو يعبد الشيطان بالاستماع إلى الغناء، وهناك من يتهاون في أداء الصلاة، لا لأنهم نائمون عنها فالنوم سلطان، كلا بل إنهم مستيقظون، ولكنهم يستبدلون الصلاة باللعب واللهو، بعضهم سراً وبعضهم علناً، كالذي يلعب في بعض الشوارع من الفجر حتى طلوع الشمس، وهم بذلك يعلنون للناس بأنهم يستبدلون الصلاة باللعب!!
وفي الواقع إن الذي لا تهمه تأدية الصلاة، لا يردعه رادع عن ارتكاب الجريمة! ففي الحديث: ««لا يزال الشيطان يرعب من بني آدم ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيعهن تجرأ عليه وأوقعه في العظائم»»[3] ؛ فإذا ضيع الناس الصلاة وسقطوا في وحل الشهوات، فإن هذا هو التيه والضياع، الذي يكون مآله إلى فساد المجتمع، قال تعالى: ﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾.[4]
وكان قوم النبي نوح (عليه السلام) يظنون بأن الله لا يقبل منهم توبة لو عادوا إلى حظيرة الإيمان، لما سبق منهم من الذنوب والمعاصي!، فقد ورد أنه لما أمرهم النبي نوح (عليه السلام) بالعبادة، قالوا له: إن كان الدين القديم الذي كنا عليه حقاً فلم تأمرنا بتركه! وإن كان باطلاً فكيف يقبلنا بعد أن عصيناه؟!، فقال نوح (عليه السلام): «إنكم وإن كنتم عصيتموه ولكن استغفروه من تلك الذنوب، فإنه سبحانه كان غفاراً».[5]
كلمات تحتاج إلى وقفة تأمل
«أ» والملفت في الآية الكريمة هي كلمة غفارا، ولم يقل غافر، بل قال غفارا، وهي صيغة المبالغة على وزن مفعال كمعطار ومثقال، وجيء بها لتعليل الاستغفار، بأن الله تعالى موصوف بالغفران، وهي صفة ثابتة تعهد الله بها لعبادة المستغفرين، وقد جاء في الدعاء في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين (عليه السلام): ««يا من سعد برحمته القاصدون، ولم يشق بنقمته المستغفرون»»[6] .
«ب» والملفت في هذه الآيات أن الله تبارك وتعالى قد ربط بين العامل المعنوي والناتج المادي، فحيث أن المجتمع يحتاج إلى لمطر، ويبتغي النعم، ويطلب الأموال والبنين، ويتمنى الجنات والأنهار، فإن القرآن يقول: إن سبباً واحداً لهو كفيل بأن يعطي كل هذه المطالب ألا وهو العودة إلى الله عز وجل بترك الذنوب والتوجه إلى الله بالدعاء، فقد ورد في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالصحيفة السجادية قوله: ««إلهي من ذا الذي نزل بك ملتمساً قراك فما قريته، ومن ذا الذي أناخ ببابك مرتجياً نداك فما أوليته، أيحسن أن أرجع عن بابك بالخيبة مصروفاً، ولست أعرف سواك مولىً بالإحسان موصوفاً، كيف أرجو غيرك والخير كله بيدك، وكيف أؤمل سواك والخلق والأمر لك، أأقطع رجائي منك وقد أوليتني ما أسأله من فضلك، أم تفقرني إلى مثلي وأنا أعتصم بحبلك»».[7]
«ج» كلمة السماء: وهي تعني هنا المطر، حيث ذكروا أن من أسماء المطر السماء، والشاهد في استعمال كلمة السماء بمعنى المطر:
أولاً: ما ورد في حديث الموطأ والصحيحين: عن زيد بن خالد الجهني: أنه قال: ««صلى بنا رسول الله (صلى الله وعليه وآله) صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل»».[8]
ثانياً: وقول معاوية بن مالك بن جعفر:
إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا [9]
«د» كلمة مدرار: وتعني كثيرة الدر وهو السيلان، بمعنى تتابع نزول المطر، وعادة الأرض التي يكثر فيها المطر تكون أرضاً خصبة وكثيرة الزروع والأنهار والخيرات.
«و» كلمة أموال: وهي تشمل كل ما يطلق عليه مال، فالمنزل، والدابة، والأرض، والمقتنيات الأخرى بما في ذلك الدراهم يطلق عليه مال.
ويتلخص من هذه المفردات أن العودة إلى الله عز وجل، هو السبيل الوحيد للخلاص من المصاعب والويلات التي ألمت بالأمة، وثم تحصيل كل الخيرات التي يطمع اللبيب الحصول عليها، وهذا ما أكدته الآيات المباركة، حيث قال عز شأنه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا «» يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا «» وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾. [10]
عاملان مهمان يجلبان الخير:
كما يلفت نظرنا القرآن الكريم إلى مسببات أخرى توصل المرء إلى الحياة الرغيدة منها:
«1» التمسك بالدين: حيث قال تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾[11] ، وفي مقابل ذلك فإن الكفر والعصيان سببان لنزول السخط الإلهي قال تعالى: ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا «» أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ﴾.[12]
«2» الإصلاح الاجتماعي: حيث ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾.[13]
وأما أذا أصرت البشرية في تجنب كل مسببات سلامتها، فحينئذ إذا نزل بها البلاء الإلهي فلا تلوم إلا نفسها، وهذا ما حدث فعلاً لقوم النبي نوح (عليه السلام)، فإنه وبعد كل النصائح التي قدمها النبي لهم فإنهم لم يرجعوا عن غيهم، بل كانوا يتواصون في مقاطعة النبي (عليه السلام)، وكان بعض الآباء يوصي ابنه أن لا يقترب من النبي بعد موته، مما حدا بالنبي نوح (عليه السلام) أن يعلن عن يأسه من صلاحهم، فقال لربه: ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا • إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾.[14]
ومن خلال ما تقدم يبدو صدق الثقافة التي تقول: بأن العودة إلى التمسك بتعاليم الدين هو السبيل السليم للخلاص من كل مشاكلنا، وأنها الطريق الصائب الذي يوصلنا إلى هضبة النجاة من كل المصائب والشرور المحدقة بالأمة، كما أنه الدرب الذي يوصلنا إلى نيل الأهداف الطموحة على كل الأصعدة، والتي بها يسعد الكائن البشري في الدنيا والآخرة.
نسأل الله عز وجل أن يأخذ بأيدينا إلى شاطئ النجاة إنه سميع مجيب، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
ــــــــــــ
[1] «41» سورة الروم.
[2] تفسير الفخر الرازي ج 30 ص 137.
[3] ميزان الحكمة ج5 ص 404.
[4] «59» سورة مريم.
[5] تفسير الفخر الرازي ج 30 ص 137 وَ 138.
[6] الصحيفة السجادية «ابطحي» - الإمام زين العابدين - ص 406.
[7] الصحيفة السجادية «ابطحي» - الإمام زين العابدين - ص 406.
[8] التحرير والتنوير ج29 ص 184.
[9] التحرير والتنوير ج29 ص 184.
[10] «10 ـ12» سورة نوح.
[11] «16» سورة الجن.
[12] «90ـ91» سورة مريم.
[13] «117» سورة هود.
[14] «26ـ27» سورة نوح
تعليق