حقوق النفس
بيد أن صحة النفس ووسائل وقايتها وعلاجها ، وعوامل رقيها وتكاملها ، ورعاية حقوقها وواجباتها ، يجهلها أو يتجاهلها الكثيرون لقلة احتفائهم بالقيم الروحية والمفاهيم النفسية ، وجهلهم بعلل النفس وانحرافاتها . وما تعكسه من آثار سيئة على حياة الناس .
فالأمراض الجسمية تبرز سماتها وأعراضها على الجسم في صور من الشحوب والهزال والانهيار .
أما العلل النفسية والروحية فإن مضاعفاتها لا يتبينها إلا العارفون من الناس ، حيث تبدو في صور مقيتة من جموح النفس ، وتمردها على الحق ، ونزوعها إلى الآثام والمنكرات ، وهيامها بحب المادة وتقديسها وعبادتها ، ونبذها للقيم الروحية ومثلها العليا . مما يوجب مسخها وهبوطها إلى درك الحيوان .
من أجل ذلك كانت العلل الروحية والنفسية أصعب علاجاً ، وأشد عناءً من العلل الجسمية ، لعسر علاج الأولى ، ويسر الثانية في الغالب .
وكانت عناية الحكماء والأولياء بتهذيب النفس ، وتربية الوجدان أضعاف عنايتهم بالجسد
وهذا ما يحتم على كل واع مستنير أن يعني بتركيز نفسه ، وتصعيد كفاءتها ، وتهذيب ملكاتها ، ووقايتها من الشذوذ والانحراف ، وذلك برعاية حقوقها ، وحسن سياستها وتوجيهها .
وإليك طرفاً من طلائع حقوق النفس :
1 ـ تثقيف النفس :
وذلك : بتنويرها بالمعرفة الإلهية والعقيدة الحقة ، وتزويدها بالمعارف النافعة التي تنير للإنسان سبل الهداية وتوجهه وجهة الخير والسداد . وهذه هي أسمى غايات النفس وأشواقها .
فهي تصبو إلى العقيدة ، وتهفو إلى الإيمان بالله عزوجل ، وتتعشق العلم ، وتهفو إلى استجلاء الحقائق ، واستكشاف أسرار الكون وألغاز الحياة . تتطلع إلى ذلك تطلع الظمآن إلى الماء ، وتلتمس الذي لنفسها كما يلتمسه هو سواء بسواء . فإن ظفرت بذلك أحست بالطمأنينة والارتياح ، وإن فقدته شعرت بالقلق والسأم .
2 ـ إصلاح السريرة :
للإنسان صورتان : صورة ظاهرية تتمثل في إطار جسده المادي ، وصورة باطنية تتمثل فيها خصائصه النفسية ، وسجاياه الخلقية .
وكما تكون الصورة الظاهرية هدفاً للمدح أو الذم ، ومدعاة للحب أو الكره نظراً لصفاتها الجميلة أو القبيحة . كذلك الصورة الباطنية يعروها المدح والذم ، وتبعث على الإعجاب أو الإستنكار ، تبعاً لما تتسم به من طيبة أو خبث ، من تلالوء أو ظلام .
وكما يهتم العقلاء بتجميل صورهم المادية ، وإضهارها بالمظهر اللائق الجذاب . كذلك يجدوا الاهتمام بتجميل صورهم الباطنية ، وتزيينها بالطيبة وصفاء السريرة وجمال الخلق . لتغدو وضاءة مشعة بألوان الخير والجمال . وذلك
بتطهيرها من أوضار الرياء والنفاق ، والحسد والمكر ونحوها من السجايا الهابطة المقيتة .
من أجل ذلك حرض أهل البيت عليهم السلام على تهذيب النفس وإصلاح السريرة ، وحسن الطوية لتكون ينبوعاً ثراً فياضاً الفضائل وحسن الأخلاق .
فعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : «قال أمير المؤمنين (ع) : كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضاً ، كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة :
من كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا ، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عزوجل أصلح الله له فيما بينه وبين الناس» .
وقال الصادق (ع) : «ما من عبد يسر خيراً إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر الله له خيراً ، وما من عبد يسر شراً ، إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر الله له شراً» .
وعنه (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «سيأتي على الناس زمان ، تخبث فيه سرائرهم ، وتحسن فيه علانيتهم ، طمعاً في الدنيا ، لا يريدون به ما عند ربهم ، يكون دينهم رياءً ، لا يخالطهم خوف ، يعمهم الله بعقاب ، فيدعونه دعاء الغريق ، فلا يستجيب لهم» .
3 ـ ضبط النفس :
تنزع النفس بغرائزها وشهواتها إلى الشذوذ والانحراف ، وتخدع أربابها بسحرها الفاتن وأهوائها المظللة ، حتى تجمح بهم في متاهات الغواية والضلال «إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي» (يوسف : 53) .
وهذا ما يحفز كل واع مستنير ، أن يعني بضبط نفسه ، والسيطرة عليها وتحصينها ضد المعاصي والآثام ، وترويضها على طاعة الله تعالى ، واتباع شرعته ومنهاجه .
وقد حث القرآن الكريم على ضبط النفس ، والحد من جماحها وتوجيهها شطر الخير والصلاح .
قال تعالى : «ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها» (الشمس : 7 ـ 10) .
وقال تعالى : «وأما من خاف مقام ربه ، ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى» (النازعات : 41) . «فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا ، فإن الجحيم هي المأوى» (النازعات : 37) .
وهكذا حرض أهل البيت عليهم السلام على ضبط النفس ، وقمع نزواتها ، معتبرين ذلك أفضل صور الجهاد .
فعن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال . «قال أمير المؤمنين (ع) : إن رسول الله (ص) بعث سرية ، فلما رجعوا قال : مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر . قيل : يا رسول الله وما الجهاد الأكبر ؟
قال (ص) : جهاد النفس . ثم قال : أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه» .
وعن عبد الله بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي (ع) عن أبيها (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «ثلاث خصال ، من كن فيه ، استكمل ، خصال الإيمان : الذي إذا رضى لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل ، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له» .
ـ محاسبة النفس :
والمراد منها هو : محاسبة النفس في كل يوم عما عملته من الطاعات والمعاصي ، والموازنة بينهما ، فإن رجحت كفة كفة الطاعات ، شكر المحاسب الله على توفيقه لها ، وفوزه بشرف طاعته ورضاه .
وإن رجحت كفة المعاصي أدب المحاسب نفسه بالتقريع والتأنيب على إغفال الطاعة ، والنزوع للآثام .
قال الإمام موسى بن جعفر (ع) : «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل حسنة استزاد الله تعالى ، وإن عمل سيئة استغفر الله تعالى منها وتاب إليه» .
بيد أن صحة النفس ووسائل وقايتها وعلاجها ، وعوامل رقيها وتكاملها ، ورعاية حقوقها وواجباتها ، يجهلها أو يتجاهلها الكثيرون لقلة احتفائهم بالقيم الروحية والمفاهيم النفسية ، وجهلهم بعلل النفس وانحرافاتها . وما تعكسه من آثار سيئة على حياة الناس .
فالأمراض الجسمية تبرز سماتها وأعراضها على الجسم في صور من الشحوب والهزال والانهيار .
أما العلل النفسية والروحية فإن مضاعفاتها لا يتبينها إلا العارفون من الناس ، حيث تبدو في صور مقيتة من جموح النفس ، وتمردها على الحق ، ونزوعها إلى الآثام والمنكرات ، وهيامها بحب المادة وتقديسها وعبادتها ، ونبذها للقيم الروحية ومثلها العليا . مما يوجب مسخها وهبوطها إلى درك الحيوان .
من أجل ذلك كانت العلل الروحية والنفسية أصعب علاجاً ، وأشد عناءً من العلل الجسمية ، لعسر علاج الأولى ، ويسر الثانية في الغالب .
وكانت عناية الحكماء والأولياء بتهذيب النفس ، وتربية الوجدان أضعاف عنايتهم بالجسد
وهذا ما يحتم على كل واع مستنير أن يعني بتركيز نفسه ، وتصعيد كفاءتها ، وتهذيب ملكاتها ، ووقايتها من الشذوذ والانحراف ، وذلك برعاية حقوقها ، وحسن سياستها وتوجيهها .
وإليك طرفاً من طلائع حقوق النفس :
1 ـ تثقيف النفس :
وذلك : بتنويرها بالمعرفة الإلهية والعقيدة الحقة ، وتزويدها بالمعارف النافعة التي تنير للإنسان سبل الهداية وتوجهه وجهة الخير والسداد . وهذه هي أسمى غايات النفس وأشواقها .
فهي تصبو إلى العقيدة ، وتهفو إلى الإيمان بالله عزوجل ، وتتعشق العلم ، وتهفو إلى استجلاء الحقائق ، واستكشاف أسرار الكون وألغاز الحياة . تتطلع إلى ذلك تطلع الظمآن إلى الماء ، وتلتمس الذي لنفسها كما يلتمسه هو سواء بسواء . فإن ظفرت بذلك أحست بالطمأنينة والارتياح ، وإن فقدته شعرت بالقلق والسأم .
2 ـ إصلاح السريرة :
للإنسان صورتان : صورة ظاهرية تتمثل في إطار جسده المادي ، وصورة باطنية تتمثل فيها خصائصه النفسية ، وسجاياه الخلقية .
وكما تكون الصورة الظاهرية هدفاً للمدح أو الذم ، ومدعاة للحب أو الكره نظراً لصفاتها الجميلة أو القبيحة . كذلك الصورة الباطنية يعروها المدح والذم ، وتبعث على الإعجاب أو الإستنكار ، تبعاً لما تتسم به من طيبة أو خبث ، من تلالوء أو ظلام .
وكما يهتم العقلاء بتجميل صورهم المادية ، وإضهارها بالمظهر اللائق الجذاب . كذلك يجدوا الاهتمام بتجميل صورهم الباطنية ، وتزيينها بالطيبة وصفاء السريرة وجمال الخلق . لتغدو وضاءة مشعة بألوان الخير والجمال . وذلك
بتطهيرها من أوضار الرياء والنفاق ، والحسد والمكر ونحوها من السجايا الهابطة المقيتة .
من أجل ذلك حرض أهل البيت عليهم السلام على تهذيب النفس وإصلاح السريرة ، وحسن الطوية لتكون ينبوعاً ثراً فياضاً الفضائل وحسن الأخلاق .
فعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : «قال أمير المؤمنين (ع) : كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضاً ، كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة :
من كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا ، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عزوجل أصلح الله له فيما بينه وبين الناس» .
وقال الصادق (ع) : «ما من عبد يسر خيراً إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر الله له خيراً ، وما من عبد يسر شراً ، إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر الله له شراً» .
وعنه (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «سيأتي على الناس زمان ، تخبث فيه سرائرهم ، وتحسن فيه علانيتهم ، طمعاً في الدنيا ، لا يريدون به ما عند ربهم ، يكون دينهم رياءً ، لا يخالطهم خوف ، يعمهم الله بعقاب ، فيدعونه دعاء الغريق ، فلا يستجيب لهم» .
3 ـ ضبط النفس :
تنزع النفس بغرائزها وشهواتها إلى الشذوذ والانحراف ، وتخدع أربابها بسحرها الفاتن وأهوائها المظللة ، حتى تجمح بهم في متاهات الغواية والضلال «إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي» (يوسف : 53) .
وهذا ما يحفز كل واع مستنير ، أن يعني بضبط نفسه ، والسيطرة عليها وتحصينها ضد المعاصي والآثام ، وترويضها على طاعة الله تعالى ، واتباع شرعته ومنهاجه .
وقد حث القرآن الكريم على ضبط النفس ، والحد من جماحها وتوجيهها شطر الخير والصلاح .
قال تعالى : «ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها» (الشمس : 7 ـ 10) .
وقال تعالى : «وأما من خاف مقام ربه ، ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى» (النازعات : 41) . «فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا ، فإن الجحيم هي المأوى» (النازعات : 37) .
وهكذا حرض أهل البيت عليهم السلام على ضبط النفس ، وقمع نزواتها ، معتبرين ذلك أفضل صور الجهاد .
فعن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال . «قال أمير المؤمنين (ع) : إن رسول الله (ص) بعث سرية ، فلما رجعوا قال : مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر . قيل : يا رسول الله وما الجهاد الأكبر ؟
قال (ص) : جهاد النفس . ثم قال : أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه» .
وعن عبد الله بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي (ع) عن أبيها (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «ثلاث خصال ، من كن فيه ، استكمل ، خصال الإيمان : الذي إذا رضى لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل ، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له» .
ـ محاسبة النفس :
والمراد منها هو : محاسبة النفس في كل يوم عما عملته من الطاعات والمعاصي ، والموازنة بينهما ، فإن رجحت كفة كفة الطاعات ، شكر المحاسب الله على توفيقه لها ، وفوزه بشرف طاعته ورضاه .
وإن رجحت كفة المعاصي أدب المحاسب نفسه بالتقريع والتأنيب على إغفال الطاعة ، والنزوع للآثام .
قال الإمام موسى بن جعفر (ع) : «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل حسنة استزاد الله تعالى ، وإن عمل سيئة استغفر الله تعالى منها وتاب إليه» .
تعليق