قصة ولادة الامام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )
قصة زواج الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بالسيدة نرجس (عليها السلام) قصة معجزة بكل تفاصيلها وأمورها وكل أشخاصها وأحداثها.. فيد الغيب المقدسة واضحة في التأثير على حوادث القصة ومجرياتها من بدايتها وإلى نهايتها.. وهي ذات دلالات ولا يمكن لأمثالنا استيعابها..
فتاة في مقتبل العمر.. والفتاة كالزهرة تنشر طيبها وأريجها مبكرا من أجل أن تقطف وتزين بها البيوت والقصور والموائد.. وعمرها لا يزيد عن الثالثة عشر..
تربت في بيت عز وملك.. حيث أن جدها كان قيصر ملك الروم..
وتتمتع بحسب ونسب لا يضاهي حيث كانت ترجع إلى وصي عيسى المسيح (عليه السلام) شمعون الصفار (عليه السلام) وكان جدها مولعاً جداً بها ومعجباً بأدبها وذكائها وجمالها.
فأرسل إليها من أدبها بالآداب.. وعلمها اللغات والأخلاق الفاضلة.. فتأدبت وتعلمت وتخلقت بأخلاق رفيعة.
حاول جدها أن يزوجها لابن عمها ففشل في ذلك.. حيث سقط الشاب من كرسيه مغشياً عليه وتساقطت الصلبان.. فأعاد المحاولة لأخيه ففشل.. واغتم لما حصل، واغتم أكثر لما قاله المنجمون والقساوسة والكهان حول النحوس التي أحاطت بالمكان والزمان ذاك..
فدخل القصر وأرخى الستائر معلناً الحزن الشديد.
كان اسمها (مليكة) وبالفعل هي (ملكة) وأميرة لأنها حفيدة القيصر، و (ملكة) لو أن للإنسان أن يكون ملاكاً وذلك لطهارتها ونقائها وروحانيتها ونورانيتها..
وفي تلك الليلة رأت في منامها جدها شمعون الصفا ومعه سيده عيسى المسيح، والحواريين.. بينما هم كذلك إذ أقبل سيد الكونين أبو القاسم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبنائه الكرام (عليهم السلام)، فاعتنقا.. عيسى المسيح ( عليه السلام) والحبيب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتعارفا مع من كان معهما وذلك في بهو القصر الملكي لقيصر الروم وفي نفس المكان ذاك..
في ذلك الموقف النوراني.. الروحاني الذي ما كان ليحدث لولا عظمة الموقف وأهمية الأمر.. التفت الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى نبي الله عيسى المسيح (عليه السلام) قائلا: جئت إليك خاطبا من وصيك (شمعون) فتاته (مليكة) لابني هذا، وأومأبيده إلى أبي محمد، أي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)..
فنظر المسيح إلى شمعون وقال: قد أتاك الشرف.. فصل رحمك برحم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقال شمعون: قد فعلت.
فصعد على المنبر وخطب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) زوجني من ابنه.. وشهد المسيح (عليه السلام) وشهد أبناء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الحواريون..(1).
لقد جسدت هذه الرؤيا لقطة من عالم آخر يسمو فوق عالمنا المادي والحسي، وقد ترجمت القرار الإلهي منذ مجاهيل القدم بصيغة مشهد نموذجي فريد، لتعكس آفاقاً مستقبلية مشرقة، فكانت هذه الرؤيا هي الرابط، وهي حلقة الوصل الرائعة بين الماضي والحاضر والمستقل، وقد شاءت العناية الإلهية أن تعقد صلة حقيقية ومميزة واستثنائية بين السيد المسيح (عليه السلام) وبين قائم الأوصياء المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)..
فها هو السيد المسيح (عليه السلام) في الماضي السحيق يساهم مساهمة أساسية ويقوم بدور رئيسي في أحداث ذلك الرباط المقدس وذلك الزواج الملائكي التي تمخض بعد اجتياز عقبات وعقبات عن ولادة آخر حجج الله تعالى على وجه البسيطة بل في منظومة عالم الإمكان كلها..
وها هو السيد المسيح (عليه السلام) في الغد المشرق ينزل بأمر الله سبحانه وتعالى من السماء الرابعة إلى الدنيا ليصلي خلف إمامنا المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وليدعو الناس إلى الدين الإسلامي الحنيف.
وكان لابد أن يحيط خالق الكون ومن منطلق الحكمة الربانية ذلك الحدث السعيد بكافة مظاهر الإكرام والإكبار وبأجلى مظاهر القدس والروحانية والإجلال.. وهكذا تجلى السيد المسيح (عليه السلام) مع شمعون وعدد من الحواريين أيضا في قصر إمبراطور الروم، ثم نصبوا في القصر منبراً يباري السماء علواً وارتفاعاً.. كرمز للمجد السامي العظيم والمستقبل المشرق الرفيع..
ثم هاهو خاتم الرسل (صلى الله عليه وآله وسلم) يدخل مع مجموعة من الفتيان وعدة من بنيه أيضاً.. ونشاهد هنا واحد من أروع المشاهد على مر التاريخ البشري فها هو نبي الإسلام يعتنق السيد المسيح (عليه السلام) بأخوة ومحبة لا تضارع، أو ليسا رسولين لرب العالمين..؟
أولم يقل السيد المسيح (عليه السلام): (مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)(2).
أو ليس خاتم الرسل هو آخر مرحلة في قوس الصعود وسلسلة (التكامل التكويني والتشريعي) التي بدأها آدم (عليه السلام) أبو البشر ليواصل مشوارها أنبياء الله العظام.. نوح وإبراهيم وموسى ثم عيسى المسيح (عليه السلام) لتتوج تلك المسيرة الربانية الكبرى بمحمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهكذا أحاطت العناية الربانية بالسيدة (مليكة نرجس) من كل جانب فكانت هي تلك العذراء الوحيدة بين كل نساء الأرض.. التي يشارك في عملية خطبتها ومحفل عقدها نبيا أعظم ديانتين سماويتين.. لتقترن بإمام معصوم تخضع له الأكوان كلها ولتنجب (خاتم الأوصياء) والسبب المتصل بين الأرض والسماء، ومن بيمينه رزق الورى وبوجوده النوراني بقيت الأرض والسماء..
هكذا كان..
وما أروع ما كان!!
لقد كان (الإخراج) إلهياً و (الصياغة) ربانية و (الرغبة) من قبل خاتم الأنبياء وسيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الحب الأعلى لزوجها المرتقب، وكانت الخطبة من قبل واحد من أكبر الأنبياء من أولي العزم السيد المسيح (عليه السلام).. وحق لها كل ذلك..
أفلم تكن حفيدة وصي السيد المسيح (عليه السلام) شمعون الصفا (عليه السلام)؟
أفلم تكن هي ذلك الملاك الطاهر والجوهرة القدسية؟
أوليس هي التي قدر لها رب الأفلاك أن تكون والدة خاتم الأوصياء، ووارث الأنبياء وحجة الله على أهل الأرض والسماء..؟
وبعد ذلك.. فهي جديرة بكل ذلك بلا شك..
وحق لنساء الأرض أن يرفعن رؤوسهن شموخاً وكبرياء إذ كانت قد برزت من بينهن امرأة كنرجس.. وحق لنساء العالم أن يرسمن ذلك الوجه الملائكي الطاهر على لوحة القلب بأشعة من نور.. ووجب لبنات حواء أن يتخذن منها أسوة وقدوة ومناراً وضياءً وهادياً..
تلك الفتاة الطاهرة.. تلك الشابة الحرة المهاجرة.. تلك الأمير الأسيرة..
تلك الزوجة الوفية (الراضية والمرضية، التقية النقية، والصديقة الزكية).
تلك الأم الحنون.. ينبوع المحبة والإشفاق والإيثار لخاتم الأنوار..
تلك المرأة.. العطاء والولاء.. والغداء والمثل السامي في المعرفة والإيمان والعزم والمضاء إنها القدسية (مليكة) وبالعربية (نرجس).
إنها هي (مليكة)، (سوسن)، (حكيمة)، و(مريم) أيضا.
لقد كانت القديسة مريم العذراء أم السيد المسيح (عليه السلام) المعجزة.
وكانت السيدة نرجس أم الإمام الحجة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).. وهي حفيدة وصي السيد المسيح (عليه السلام) وكانت المخطوية منه والمبشر بها في إنجيله وكانت تحمل فيما تحمل من أسماء اسم مريم(3).
هكذا خطب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لابنه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) من السيد المسيح (عليه السلام).. ووصيه شمعون الصفا (عليه السلام) مليكة لتكون معجزة في زواجها وحملها وولادتها ومولودها المبارك (عليهما السلام).
فأنعم وأكرم بهم.. فهم سادة السادات وإليهم ينتهي الفخر والمجد والسؤدد..
وتكتمل قصة السيدة (مليكة) جمالاً وجلالاً عندما تسلم على يد سيدة نساء العالمين زهراء الرسول ومريم البتول وآسية الطاهرة.. وتتلقن من سيدة نساء العالمين (عليها السلام) أمور دينها، فتبشرها بزيارة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لها وهكذا كان..
وهاجرت متخفية بخطة من الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وحافظت عليها يد القدرة الإلهية وأحاطتها يد الغيب القدسية إلى أن وصلت إلى بغداد فأرسل الإمام الهادي (عليه السلام) واشتراها، وعند وصولها استقبلها استقبال العظام وأعطاها إلى أخته العظيمة (حكيمة) فأصلحت شأنها ورعتها إلى أن تزوجها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
وفي بهجة الفرح وغمرة السرور والهدوء والعشق الرباني والبدر يتلألأ في سماء سر من رأى في ليلة النصف من شعبان سنة 255 هجرية، وضعت السيدة نرجس وليدها البكر الطاهر المطهر من كل عيب ورجس الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
هذا وقد أخفى الله سبحانه خبر الحمل والولادة حتى عن أقرب الناس للإمام (عليه السلام) وذلك بسبب الأسلوب الفرعوني الذي اتبعه حكام بني العباس مع حريم وإماء الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) من تفتيش ومراقبة ومحاسبة دقيقة جداً..
هكذا حملت.. وولدت وربت وغذت وحفظت الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بشكل إعجازي حقاً.
فكان وليدها هو وحيدها ووحيد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
وهو حجة الله الخاتمة والوصي الأخير لآخر الرسل والأنبياء (عليهم السلام) جميعا الذي تولى أمر الأمة العامة وعمره الشريف خمس سنوات.. وغاب بعدها غيبته الصغرى.. وامتدت بعدها الغيبة الكبرى التي نسج في غمراتها وندعو الباري تعالى أن يعجل فرجه ويسهل مخرجه ويجعلنا ممن ينتصر بنا لدينه ولا يستبدل بنا غيرنا إنه سميع مجيب.
أولاده (عليه السلام):
لم يترك الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أبناء إلا هذا الإمام العظيم محمد المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
وكان نقش خاتمه: (إن الله شهيد).
وصلاته: أربع ركعات في الأوليين الحمد مرة والزلزلة 15 مرة، وفي الأخيرتين في كل ركعة الحمد مرة والإخلاص 12 مرة..
وحرزه الشريف هو: (بسم الله الرحمن الرحيم يا عدتي عند شدتي، ويا غوثي عند كربتي، ويا مؤنسي عند وحدتي، احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام).
الشهادة المفجعة: شاب عظيم المنزلة عند الله وعند العباد.. ولي من أولياء الله.. يصل نسبه الشريف إلى رسول الإنسانية محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) من ابنته الزهراء وبعلها الأمير علي(عليهما السلام).
___________
1- كمال الدين: ص 421، وبحار الأنوار: ج 51 ص 8، الإمام المهدي (عج) من المهد إلى الظهور، تاريخ الغيبة للطوسي.
2- سورة الصف: 6.
3- راجع كتاب السيدة نرجس (عليها السلام) للسيد مرتضى الشيرازي.
قصة زواج الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بالسيدة نرجس (عليها السلام) قصة معجزة بكل تفاصيلها وأمورها وكل أشخاصها وأحداثها.. فيد الغيب المقدسة واضحة في التأثير على حوادث القصة ومجرياتها من بدايتها وإلى نهايتها.. وهي ذات دلالات ولا يمكن لأمثالنا استيعابها..
فتاة في مقتبل العمر.. والفتاة كالزهرة تنشر طيبها وأريجها مبكرا من أجل أن تقطف وتزين بها البيوت والقصور والموائد.. وعمرها لا يزيد عن الثالثة عشر..
تربت في بيت عز وملك.. حيث أن جدها كان قيصر ملك الروم..
وتتمتع بحسب ونسب لا يضاهي حيث كانت ترجع إلى وصي عيسى المسيح (عليه السلام) شمعون الصفار (عليه السلام) وكان جدها مولعاً جداً بها ومعجباً بأدبها وذكائها وجمالها.
فأرسل إليها من أدبها بالآداب.. وعلمها اللغات والأخلاق الفاضلة.. فتأدبت وتعلمت وتخلقت بأخلاق رفيعة.
حاول جدها أن يزوجها لابن عمها ففشل في ذلك.. حيث سقط الشاب من كرسيه مغشياً عليه وتساقطت الصلبان.. فأعاد المحاولة لأخيه ففشل.. واغتم لما حصل، واغتم أكثر لما قاله المنجمون والقساوسة والكهان حول النحوس التي أحاطت بالمكان والزمان ذاك..
فدخل القصر وأرخى الستائر معلناً الحزن الشديد.
كان اسمها (مليكة) وبالفعل هي (ملكة) وأميرة لأنها حفيدة القيصر، و (ملكة) لو أن للإنسان أن يكون ملاكاً وذلك لطهارتها ونقائها وروحانيتها ونورانيتها..
وفي تلك الليلة رأت في منامها جدها شمعون الصفا ومعه سيده عيسى المسيح، والحواريين.. بينما هم كذلك إذ أقبل سيد الكونين أبو القاسم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبنائه الكرام (عليهم السلام)، فاعتنقا.. عيسى المسيح ( عليه السلام) والحبيب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتعارفا مع من كان معهما وذلك في بهو القصر الملكي لقيصر الروم وفي نفس المكان ذاك..
في ذلك الموقف النوراني.. الروحاني الذي ما كان ليحدث لولا عظمة الموقف وأهمية الأمر.. التفت الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى نبي الله عيسى المسيح (عليه السلام) قائلا: جئت إليك خاطبا من وصيك (شمعون) فتاته (مليكة) لابني هذا، وأومأبيده إلى أبي محمد، أي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)..
فنظر المسيح إلى شمعون وقال: قد أتاك الشرف.. فصل رحمك برحم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقال شمعون: قد فعلت.
فصعد على المنبر وخطب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) زوجني من ابنه.. وشهد المسيح (عليه السلام) وشهد أبناء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الحواريون..(1).
لقد جسدت هذه الرؤيا لقطة من عالم آخر يسمو فوق عالمنا المادي والحسي، وقد ترجمت القرار الإلهي منذ مجاهيل القدم بصيغة مشهد نموذجي فريد، لتعكس آفاقاً مستقبلية مشرقة، فكانت هذه الرؤيا هي الرابط، وهي حلقة الوصل الرائعة بين الماضي والحاضر والمستقل، وقد شاءت العناية الإلهية أن تعقد صلة حقيقية ومميزة واستثنائية بين السيد المسيح (عليه السلام) وبين قائم الأوصياء المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)..
فها هو السيد المسيح (عليه السلام) في الماضي السحيق يساهم مساهمة أساسية ويقوم بدور رئيسي في أحداث ذلك الرباط المقدس وذلك الزواج الملائكي التي تمخض بعد اجتياز عقبات وعقبات عن ولادة آخر حجج الله تعالى على وجه البسيطة بل في منظومة عالم الإمكان كلها..
وها هو السيد المسيح (عليه السلام) في الغد المشرق ينزل بأمر الله سبحانه وتعالى من السماء الرابعة إلى الدنيا ليصلي خلف إمامنا المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وليدعو الناس إلى الدين الإسلامي الحنيف.
وكان لابد أن يحيط خالق الكون ومن منطلق الحكمة الربانية ذلك الحدث السعيد بكافة مظاهر الإكرام والإكبار وبأجلى مظاهر القدس والروحانية والإجلال.. وهكذا تجلى السيد المسيح (عليه السلام) مع شمعون وعدد من الحواريين أيضا في قصر إمبراطور الروم، ثم نصبوا في القصر منبراً يباري السماء علواً وارتفاعاً.. كرمز للمجد السامي العظيم والمستقبل المشرق الرفيع..
ثم هاهو خاتم الرسل (صلى الله عليه وآله وسلم) يدخل مع مجموعة من الفتيان وعدة من بنيه أيضاً.. ونشاهد هنا واحد من أروع المشاهد على مر التاريخ البشري فها هو نبي الإسلام يعتنق السيد المسيح (عليه السلام) بأخوة ومحبة لا تضارع، أو ليسا رسولين لرب العالمين..؟
أولم يقل السيد المسيح (عليه السلام): (مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)(2).
أو ليس خاتم الرسل هو آخر مرحلة في قوس الصعود وسلسلة (التكامل التكويني والتشريعي) التي بدأها آدم (عليه السلام) أبو البشر ليواصل مشوارها أنبياء الله العظام.. نوح وإبراهيم وموسى ثم عيسى المسيح (عليه السلام) لتتوج تلك المسيرة الربانية الكبرى بمحمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهكذا أحاطت العناية الربانية بالسيدة (مليكة نرجس) من كل جانب فكانت هي تلك العذراء الوحيدة بين كل نساء الأرض.. التي يشارك في عملية خطبتها ومحفل عقدها نبيا أعظم ديانتين سماويتين.. لتقترن بإمام معصوم تخضع له الأكوان كلها ولتنجب (خاتم الأوصياء) والسبب المتصل بين الأرض والسماء، ومن بيمينه رزق الورى وبوجوده النوراني بقيت الأرض والسماء..
هكذا كان..
وما أروع ما كان!!
لقد كان (الإخراج) إلهياً و (الصياغة) ربانية و (الرغبة) من قبل خاتم الأنبياء وسيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الحب الأعلى لزوجها المرتقب، وكانت الخطبة من قبل واحد من أكبر الأنبياء من أولي العزم السيد المسيح (عليه السلام).. وحق لها كل ذلك..
أفلم تكن حفيدة وصي السيد المسيح (عليه السلام) شمعون الصفا (عليه السلام)؟
أفلم تكن هي ذلك الملاك الطاهر والجوهرة القدسية؟
أوليس هي التي قدر لها رب الأفلاك أن تكون والدة خاتم الأوصياء، ووارث الأنبياء وحجة الله على أهل الأرض والسماء..؟
وبعد ذلك.. فهي جديرة بكل ذلك بلا شك..
وحق لنساء الأرض أن يرفعن رؤوسهن شموخاً وكبرياء إذ كانت قد برزت من بينهن امرأة كنرجس.. وحق لنساء العالم أن يرسمن ذلك الوجه الملائكي الطاهر على لوحة القلب بأشعة من نور.. ووجب لبنات حواء أن يتخذن منها أسوة وقدوة ومناراً وضياءً وهادياً..
تلك الفتاة الطاهرة.. تلك الشابة الحرة المهاجرة.. تلك الأمير الأسيرة..
تلك الزوجة الوفية (الراضية والمرضية، التقية النقية، والصديقة الزكية).
تلك الأم الحنون.. ينبوع المحبة والإشفاق والإيثار لخاتم الأنوار..
تلك المرأة.. العطاء والولاء.. والغداء والمثل السامي في المعرفة والإيمان والعزم والمضاء إنها القدسية (مليكة) وبالعربية (نرجس).
إنها هي (مليكة)، (سوسن)، (حكيمة)، و(مريم) أيضا.
لقد كانت القديسة مريم العذراء أم السيد المسيح (عليه السلام) المعجزة.
وكانت السيدة نرجس أم الإمام الحجة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).. وهي حفيدة وصي السيد المسيح (عليه السلام) وكانت المخطوية منه والمبشر بها في إنجيله وكانت تحمل فيما تحمل من أسماء اسم مريم(3).
هكذا خطب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لابنه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) من السيد المسيح (عليه السلام).. ووصيه شمعون الصفا (عليه السلام) مليكة لتكون معجزة في زواجها وحملها وولادتها ومولودها المبارك (عليهما السلام).
فأنعم وأكرم بهم.. فهم سادة السادات وإليهم ينتهي الفخر والمجد والسؤدد..
وتكتمل قصة السيدة (مليكة) جمالاً وجلالاً عندما تسلم على يد سيدة نساء العالمين زهراء الرسول ومريم البتول وآسية الطاهرة.. وتتلقن من سيدة نساء العالمين (عليها السلام) أمور دينها، فتبشرها بزيارة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لها وهكذا كان..
وهاجرت متخفية بخطة من الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وحافظت عليها يد القدرة الإلهية وأحاطتها يد الغيب القدسية إلى أن وصلت إلى بغداد فأرسل الإمام الهادي (عليه السلام) واشتراها، وعند وصولها استقبلها استقبال العظام وأعطاها إلى أخته العظيمة (حكيمة) فأصلحت شأنها ورعتها إلى أن تزوجها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
وفي بهجة الفرح وغمرة السرور والهدوء والعشق الرباني والبدر يتلألأ في سماء سر من رأى في ليلة النصف من شعبان سنة 255 هجرية، وضعت السيدة نرجس وليدها البكر الطاهر المطهر من كل عيب ورجس الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
هذا وقد أخفى الله سبحانه خبر الحمل والولادة حتى عن أقرب الناس للإمام (عليه السلام) وذلك بسبب الأسلوب الفرعوني الذي اتبعه حكام بني العباس مع حريم وإماء الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) من تفتيش ومراقبة ومحاسبة دقيقة جداً..
هكذا حملت.. وولدت وربت وغذت وحفظت الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بشكل إعجازي حقاً.
فكان وليدها هو وحيدها ووحيد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
وهو حجة الله الخاتمة والوصي الأخير لآخر الرسل والأنبياء (عليهم السلام) جميعا الذي تولى أمر الأمة العامة وعمره الشريف خمس سنوات.. وغاب بعدها غيبته الصغرى.. وامتدت بعدها الغيبة الكبرى التي نسج في غمراتها وندعو الباري تعالى أن يعجل فرجه ويسهل مخرجه ويجعلنا ممن ينتصر بنا لدينه ولا يستبدل بنا غيرنا إنه سميع مجيب.
أولاده (عليه السلام):
لم يترك الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أبناء إلا هذا الإمام العظيم محمد المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
وكان نقش خاتمه: (إن الله شهيد).
وصلاته: أربع ركعات في الأوليين الحمد مرة والزلزلة 15 مرة، وفي الأخيرتين في كل ركعة الحمد مرة والإخلاص 12 مرة..
وحرزه الشريف هو: (بسم الله الرحمن الرحيم يا عدتي عند شدتي، ويا غوثي عند كربتي، ويا مؤنسي عند وحدتي، احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام).
الشهادة المفجعة: شاب عظيم المنزلة عند الله وعند العباد.. ولي من أولياء الله.. يصل نسبه الشريف إلى رسول الإنسانية محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) من ابنته الزهراء وبعلها الأمير علي(عليهما السلام).
___________
1- كمال الدين: ص 421، وبحار الأنوار: ج 51 ص 8، الإمام المهدي (عج) من المهد إلى الظهور، تاريخ الغيبة للطوسي.
2- سورة الصف: 6.
3- راجع كتاب السيدة نرجس (عليها السلام) للسيد مرتضى الشيرازي.
تعليق