كان عصرَ الظلام ، و إن كان لها عصرَ النور ، و كان عصرَ الجهل ، و إن كانت فيه أعرفَ ما تكون . كان عصر الوحشية البغيضة ولكنها كانت مثالاً للإنسانية الكاملة. فهي عقيلة خيرة شباب عصره عبد الله بن عبد المطلب ، و من الذي ينكر عبد الله أو ينكر من فضله شيئاً ، و هو حلم عذارى قريش و مرمى آمال الفتيات ، و قد تخيرها هي دون سواها لتكون له زوجاً و لنسله أماً ، فمن أجدر من امنة بنت وهب و هي المنحدرة من أعرق الأسر ، و المتقلبة في أعز أحضان ، أن تحتل هذه المكانة الفذة.
نعم كانت صاحبتنا هذه هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب ، و قد جلست إلى ظل شجرة و ارفة الظلال ، لتستعيد ذكرى أيام عذاب و سويعات هناء و صفاء ، و تنصت إلى صدى الزمن الفائت ، و هو يتردد في أعماقها كأروع ما يكون الصدى ، و تستمد من ذكرى حبيبها الغائب رصيداً من الشجاعة يساعدها على مُرِّ الفراق ، فأنى لها الآن بذلك الزوج البار الذي فارقته مرغمة و فارقها مرغماً أيضاً ، و ما أحوجها إليه في أيامها هذه التي توشك أن تستقبل فيها قادماً جديداً و وليداً عزيزاً .. ما أحوجها إلى ذلك الحبيب الغائب ليهدهدها بحنانه ، و يشاركها آمالها و أمانيها ، و ينتظر معها إبنهما البكر ، فها هي تكاد تستمع إلى دقات قلب جنينها الغالي ، و هي سعيدة لذلك لولا سحابة من ألم ظللت سعادتها لبعد الأب الحبيب ، ولكنها تعود لتقول عسى أن يكون اللقاء قريباً ، و هي تأمل أن يصلها خبر قدوم الغائب المنتظر في غضون هذه الأيام.
فعبد الله كما لا تشك آمنة لحظة سوف لا يألو جهداً في الإسراع بالرجوع ، و سوف يبذل كل محاولة ممكنة لإنجاز مهمته في أسرع وقت ، وقد خلف وراءه في مكة زوجة عروساً ، تحمل له في أحشائها جنيناً ، و تضم له في قلبها حباً و حنيناً ، و لهذا فلا تشك آمنة في رغبة زوجها بالأوبة السريعة ، و في أنه لن يماطل في سفره ، و لن يتقاعد عن اللحوق بأهله سريعاً مهما طاب له المقام في الخارج ، فهي لا تنسى أبداً ساعة إذ أقبل إليها مودعاً ، وقد أوشكت القافلة على المسير. و هي لا تنسى أبداً أيضاً تلك الخطوط العريضة الواضحة من الحب و العطف ، و هي مرسومة على وجهه المشرق المضيء ، و لا تنسى أبداً كيف أنه مكث معها ، وك أنه لا يريد أن ينصرف ، أو كأنه لا يتمكن من الإنصراف حتى أنتزعه إخوته من أمامها أنتزاعاً ، و هم يهونون عليه مدة البعد ، و يمزحون معه و يتضاحكون ، و هي لا تنسى أيضاً كيف أنه كان يلتفت نحوها ، و هو سائر إلى حيث تنتظره العير. و في كل لفتة من لفتاته كانت تقرأ معنى من معاني الحب حين يلتهب ، و يشد إنساناً إلى إنسان . كان زوجها المسافر يحس بأنه مخلّف وراءه شيئاً ، لم يسبق لغيره من المسافرين أن خلّف مثله ... و كان يشعر أن آمنة ، و هي تحمل له جنينه الغالي ، قد بدت لعينيه في تلك اللمحات داخل إطار من نور مقدس ، و وسط هالة من الإشعاع السماوي ، ولكنه كان مضطراً إلى السفر فسافر و هو على أمل لقاء قريب. و هكذا تستمر آمنة بنت وهب سارحة مع أفكارها و أحلامها ، و تستمر أفكارها وأحلامها معها أيضاً ، عنيفة بها مرة ، و رفيقة بها أخرى حتى تنتزعها من انطلاقتها الحلمية. تلك أصوات غريبة وصلت إلى سمعها من صحن الدار ، و حركة غير طبيعية أخذت تدب في أرجاء البيت فتهتز لهذه الظاهرة الجديدة لحظة ، و يخامرها قليل من أمل و تساورها لمحة من رجاء. ماذا لو كان الحبيب الغائب قد عاد هو و من صحبه من الإخوان ، و ماذا لو كان ما تسمع رجع صدى قدومهم على غير ميعاد. ماذا لو كان عبد الله قد اختصر المدة و رجع إلى أهله و إليها ، و إلى جنينها الحبيب ، ثمّ تنهض متعجلة و هي بين اليأس و الرجاء و تذهب متلهفة الخطى و قلبها يكاد يسبقها في المسير ، و تذهب لتسأل عن الخبر اليقين ، و تلقى سؤالها بصوت كأنه حشرجة روح ..
نعم كانت صاحبتنا هذه هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب ، و قد جلست إلى ظل شجرة و ارفة الظلال ، لتستعيد ذكرى أيام عذاب و سويعات هناء و صفاء ، و تنصت إلى صدى الزمن الفائت ، و هو يتردد في أعماقها كأروع ما يكون الصدى ، و تستمد من ذكرى حبيبها الغائب رصيداً من الشجاعة يساعدها على مُرِّ الفراق ، فأنى لها الآن بذلك الزوج البار الذي فارقته مرغمة و فارقها مرغماً أيضاً ، و ما أحوجها إليه في أيامها هذه التي توشك أن تستقبل فيها قادماً جديداً و وليداً عزيزاً .. ما أحوجها إلى ذلك الحبيب الغائب ليهدهدها بحنانه ، و يشاركها آمالها و أمانيها ، و ينتظر معها إبنهما البكر ، فها هي تكاد تستمع إلى دقات قلب جنينها الغالي ، و هي سعيدة لذلك لولا سحابة من ألم ظللت سعادتها لبعد الأب الحبيب ، ولكنها تعود لتقول عسى أن يكون اللقاء قريباً ، و هي تأمل أن يصلها خبر قدوم الغائب المنتظر في غضون هذه الأيام.
فعبد الله كما لا تشك آمنة لحظة سوف لا يألو جهداً في الإسراع بالرجوع ، و سوف يبذل كل محاولة ممكنة لإنجاز مهمته في أسرع وقت ، وقد خلف وراءه في مكة زوجة عروساً ، تحمل له في أحشائها جنيناً ، و تضم له في قلبها حباً و حنيناً ، و لهذا فلا تشك آمنة في رغبة زوجها بالأوبة السريعة ، و في أنه لن يماطل في سفره ، و لن يتقاعد عن اللحوق بأهله سريعاً مهما طاب له المقام في الخارج ، فهي لا تنسى أبداً ساعة إذ أقبل إليها مودعاً ، وقد أوشكت القافلة على المسير. و هي لا تنسى أبداً أيضاً تلك الخطوط العريضة الواضحة من الحب و العطف ، و هي مرسومة على وجهه المشرق المضيء ، و لا تنسى أبداً كيف أنه مكث معها ، وك أنه لا يريد أن ينصرف ، أو كأنه لا يتمكن من الإنصراف حتى أنتزعه إخوته من أمامها أنتزاعاً ، و هم يهونون عليه مدة البعد ، و يمزحون معه و يتضاحكون ، و هي لا تنسى أيضاً كيف أنه كان يلتفت نحوها ، و هو سائر إلى حيث تنتظره العير. و في كل لفتة من لفتاته كانت تقرأ معنى من معاني الحب حين يلتهب ، و يشد إنساناً إلى إنسان . كان زوجها المسافر يحس بأنه مخلّف وراءه شيئاً ، لم يسبق لغيره من المسافرين أن خلّف مثله ... و كان يشعر أن آمنة ، و هي تحمل له جنينه الغالي ، قد بدت لعينيه في تلك اللمحات داخل إطار من نور مقدس ، و وسط هالة من الإشعاع السماوي ، ولكنه كان مضطراً إلى السفر فسافر و هو على أمل لقاء قريب. و هكذا تستمر آمنة بنت وهب سارحة مع أفكارها و أحلامها ، و تستمر أفكارها وأحلامها معها أيضاً ، عنيفة بها مرة ، و رفيقة بها أخرى حتى تنتزعها من انطلاقتها الحلمية. تلك أصوات غريبة وصلت إلى سمعها من صحن الدار ، و حركة غير طبيعية أخذت تدب في أرجاء البيت فتهتز لهذه الظاهرة الجديدة لحظة ، و يخامرها قليل من أمل و تساورها لمحة من رجاء. ماذا لو كان الحبيب الغائب قد عاد هو و من صحبه من الإخوان ، و ماذا لو كان ما تسمع رجع صدى قدومهم على غير ميعاد. ماذا لو كان عبد الله قد اختصر المدة و رجع إلى أهله و إليها ، و إلى جنينها الحبيب ، ثمّ تنهض متعجلة و هي بين اليأس و الرجاء و تذهب متلهفة الخطى و قلبها يكاد يسبقها في المسير ، و تذهب لتسأل عن الخبر اليقين ، و تلقى سؤالها بصوت كأنه حشرجة روح ..
تعليق