هل هناك تباين بين مواقف النبي و الائمة عليهم السلام من جهة ، و بين مواقف العلماء المراجع بالنسبة للنساء من جهة اخرى؟
هل العلماء أقدر على جذب النساء إلى الدين ـ بإعتبارها تمثّل نصف المجتمع أو أكثر ـ من الرسول صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام الذين وردت عنهم أحاديث تحتوي على ذمّ المرأة واستصغارها والتقليل من شأنها ، ممّا ينفّرها عن الدين والرسالة . فنحن لم نجد في كلمات العلماء المعاصرين ، وخاصّة الإمام الخميني ، كلمة واحدة في ذمّ النساء ، بل لم نسمع سوى المدح والتكريم والتبجيل والتشجيع . بينما الروايات المنقولة فيها الكثير من قبيل « شاوروهنّ وخالفوهنّ » و « لا تعلّموهنّ الكتابة » و « المرأة شرّ كلّها و شرّ ما فيها أنّها لابدّ منها » . فكيف نجمع بين تلك المواقف ، وبين هذه النصوص ؟ .
المرأة ، لم يكن لها منزلة عند عامّة الحضارات البشرية إلّا كمتاع وسلعة ، يتمتّع بها في الملذّات ، وتستعبد للأعمال وتتبادل كسلع أحياناً ، وتهان وتظلم بأحقر من الحيوان ، وكتاب ( قصّة الحضارة ) يدوّن الكثير من هذه التصرّفات المشينة ، وخاصّة في الجاهلية العربية التي نزل فيها الإسلام ، فأحدث ثورة عظيمة في هذا الجانب حيث ساوى بينها وبين الرجل في الخطاب والحقوق ، مع الصيانة التامّة لشأنها ، والرعاية الكاملة لوضعها الخاصّ كاُنثى ، وهو ما بُيّن في باب التشريع الإسلامي . وقد قام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بأداء الحقّ المشروع لها بأفضل شكل ، وكذلك الأئمّة الأطهار عليهم السلام فكانت تصرّفاتهم كتصريحاتهم في تكريم المرأة والتأكيد على حقّها وتعظيم شأنها وما على الرجل تجاهها . ولو جمعت النصوص التي وردت عنهم في ذلك لأدّت إلى القطع واليقين بأنّ الأحاديث المرويّة ممّا في ظواهر تنقيص المرأة أو التحذير منها ، إنّما هي أحاديث لابدّ من تأويلها وحملها على غير ظواهرها ، أو هي واردة مشيرة إلى مجموعة خاصّة من النساء ، تعدّت أطوار المرأة الصالحة ، فقدت ما لها من إحترام وحقوق . وعموماً فإنّ فقه الحديث وتفسيره يبتني على اُصول علمية وقواعد مقرّرة ، منها ظروف صدور الحديث ومناسباته وأسبابه . فكثير ممّا روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إنّما كان في ظروف حرب الجمل ، حيث كانت عائشة حاملة للواء الناكثين ودخلت في حرب ضروس ضحّت بالآلاف من المسلمين ، ضدّ حكومة الإمام عليه السلام الشرعية ، فكان أحد أساليب تفريق الناس عنها ، بذكر صفات الأشرار من النساء ، والسيّئات الطالحات منها ، وتحذير الناس من اتّباعهنّ ، وتخويفهم عنهنّ . ولم يتمكّن الإمام عليه السلام من الوصول إلى هدفه إلّا باُسلوب التعميم لئلّا يكون قد مسّ حرمة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله التي هتكتها عائشة بخروجها ، وهتكها الذين صانوا حرائرهم وخرجوا بحرم الرسول تقود الجيوش . إنّ الموقف الحرج الذي ابتلي به الإمام عليه السلام ومحافظة منه لحرمة الرسول وتكريماً لعينه التي من أجلها ألف عين تكرم ، لم يدعه يصرّح باسم عائشة ، ولا خصّص حديثه بها حتّى لا تمسّ حرمة الرسول صلى الله عليه وآله ولئلّا يستغلّ ذلك أعداؤه بدعوى تجاسره على زوجة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .
ولا ريب أنّ مثل هذا التعميم لا يشمل جميع النساء ، بل يخصّ صاحبة الفتنة ، ومن مثلها من الشريرات ، ثمّ إنّ من قواعد فقه الحديث ، أنّه إنّما ينصرف إلى محلّ الابتلاء ومورد النزاع ، ولا يؤخذ بإطلاقه إذا كان في المقام ما ينصرف إليه . ولا ريب أنّ مثل هذه التعميمات ، لا يمكن الالتزام بعمومها لجنس المرأة ، لما نجد في العيان والواقع من وجود المؤمنات الصالحات الخيّرات القانتات العابدات ، اللاتي ذكرهنّ القرآن بخير ، وضربن في تاريخ الإسلام بأروع الأمثلة ، حتّى كان فيها مثل سيّدة نساء العالمين عليها السلام ومثل المجاهدة الكبرى زينب عليها السلام والعالمات المجتهدات . فهنّ لا يشملهنّ ذلك العموم قطعاً ، فالحديث إنّما هو منصرف إلى غير المؤمنات ، من النساء الشريرات والفاسدات وغير الملتزمات . وإنّما ما يقوم به الإمام الخميني العظيم ، وغيره من علماء العصر ، فهو الحقّ الذي جاء به الإسلام من تكريم المرأة وتجليلها ورفع مكانتها ودعم مستواها ، وتشجيعها على الخير .
ولابدّ من الإعلان عن حقيقةٍ واقعةٍ ـ وإن صعب على الكثيرين هضمها بسهولة وقبولها بيسرٍ ـ هي أنّ المرأة مخلوقةٌ قد مُلئِت إثارةً بالنسبة إلى الرجل ، فقد جعل اللَّه فيها ـ في كلّ جزءٍ من جسمها وما تملك من صوتٍ و لحنٍ و رشاقةٍ ـ ما يُثير الرجل و يُهيّجه ويجذبه إليها ، وهذه الخاصّة التي ملّكها اللَّه للمرأة ، يجعلها موجوداً مؤثّراً في المجتمع من وجهين :
1 ـ وجه الضرورة والأهميّة ، باعتبارها نصف المجتمع ، والعنصر الأساسي في تكوين الأجيال القادمة من البشر ، فبدونها لا يمكن استمرار الوجود البشري تعاقب الأجيال ، وتناسل الأفراد ، كما هو واضح .
2 ـ وجه التأثير على الرجل وتهييجه والتلاعُب برغباته وشهواته وتبديل حياته ، حسب إرادتها وأهوائها ، إنْ خيراً أو شرّاً ، ولقد شاع المثل : « إنّ وراء كلّ عظيم امرأة » وهو أمرٌ صادقٌ يبتني على هذا الوجه ، من وجهي تأثير المرأة على المجتمع .
كما أنّ كثيراً من مشاكل الحضارات ومآسيها ، تدور على شخصيٌات نسويٌة ، ومنها حضارة القرن الحاضر التي يتمثّل فيه الفساد الجنسي بأظهر أشكاله وأطواره .
ولا نريد في هذا ، وضع الإثم والعتب على المرأة فقط ، بل قد ـ وفي كثير من الأحيان كذلك ـ يكون الرجل هو الذي يجرّها إلى ما لا تريد من صور العبث والخلاف والفساد والشذوذ ، لكن وجودها ـ بالتالي ـ ضروريٌّ لتشكّل هذه الحقيقة وتكوّنها ، بل هي عنصر أساسي من عناصرها .
وعلى هذا ، تكون المرأة عنصراً هامّاً ومؤثّراً في الحياة بكلّ أطوارها وأشكالها ، وهذا أمرٌ لا يمكن إنكاره ، كما أنّ كون دورها أكثر إثارة وتهييجاً لما في خلقتها وطبيعتها ، أيضاً أمرٌ لا ينكر .
ومن هنا نجد التشريع الإسلامي تجاهها مليئاً بالحكمة ، حيث جعل منها ـ كلّها ـ عورةً يجب سترها وصيانتها من مطامع المحارم الأجانب ، ومن الأقارب المرتابين ، حتّى صوتها وخيالها وملامحها إذا كانت في موضع الريبة والخطأ .
هذا التشريع ، إنّما هو قبل كلّ شيء لصيانتها وحفظها هي من ملاحقة أصحاب الريبة في القلوب ، ومتّبعي الشهوات من المرضى ، والمستغلّين من الرجال ، قبل أن يكون لمصلحة المجتمع ككلّ من التسيّب والانفلات .
وإذا جعلت المرأة في موضعها الصالح المناسب ، لتقوم بدورها الطبيعي وبالشكل المحترم والموقّر ، والمتّسم بالإخلاص والصلاح والكمال والوفاء والأدب والحبّ ، فإنّها ستسوفي حقّها وكرامتها في الحياة ، وتفي بواجبها الاُمومي والاُنثوي وكعضوٍ يمثّل نصف المجتمع .
أمّا إذا خرجت عن حدودها الصالحة ، وتفلتت ، وانسابت ، فإنّ من الواضح تفلّت من يتّصل بها ، ويراها ، وتجرّ معها مجموعةً إلى هاوية الفساد والشرّ والبلاء ، وتؤثّر أثراً معكوساً في المجتمع ، ممّا تملكه من عوامل الإثارة ، كما ذكرنا؛ إذ مثل المرأة في هذا ، مثل جميع المخلوقات المثيرة التي لها حدّان ، حدّ مفيد ، وحدّ مفسد .
فالمال ـ مثلاً ـ هو نعمةٌ من نعم اللَّه فهو مرغوبٌ فيه ، وعليه يدور سعي الإنسان في الدنيا ، وهو جميلٌ وموجبٌ للراحة واللذّة ، ولكن إذا أخذ من حلّه وبطرقه المشروعة ، ووضع في موضعه العقلائي وتصرّف فيه بشكلٍ مقبولٍ ومعقولٍ ومطلوبٍ . أمّا إذا جُمع من طرقٍ غير مشروعةٍ ، وصُرف في مواضع غير صالحةٍ ، فإنّه يصبح نقمةً على صاحبه وعلى المجتمع ، ويؤدّي إلى الهرج والمرج والفساد ، ولذلك سمّاه اللَّه تعالى « فتنةً » لأنّه أداة خلقت لامتحان الإنسان على وجه الأرض ، ليظهر به الصالح من الفاسد .
وكذلك المرأة إذا جاء التعبير عنها في بعض الروايات بالفتنة ، فإنّها مثيرةٌ في نفسها ، لكن كما يمكن أن يُراد منها الصلاح والخير وكونها من نعم اللَّه وعطائه ومننه ، فهي لابدّ أن تُحفظ وتُستر كي لا تُصبح أداةً للفساد والشرّ وملعبةً بيد أصحاب الشهوات ، لأنّها بذلك تنقلب إلى نقمةٍ وشرٍّ وعذابٍ على عكس ما خلقت لأجله وما أراد اللَّه لها أن تكون .
ولكن لو نظرنا إلى المجتمعات التي وجدت في التاريخ ، والحضارات كلّها من السابق إلى اللاحق ، فإنّا نجدها قد أساءت الاستفادة من نعم اللَّه كلّها ، وخصوصاً المرأة ، وقد جعلوها ـ دائماً ـ أداةً للشهوة واللعب والفساد ؛ ولهذا كانت « مثاراً » للشرور ، وليس ذلك إلّا لما في طبيعتها من الإثارة والجمال والجاذبيّة ، التي أساء البشر الاستفادة منها كلّها .
ولم تخلص المرأة من هذه الإساءات والاستغلال إلّا في ظلال الشرائع السماويّة التي أحاطتها بكلّ أشكال القدس والحماية والستر والرعاية ، ورسمت لها الحقوق الإنسانيّة الكاملة .
فإذا ورد في النصوص أنّ المرأة « شرّ » فإنّما هو بالنظر إلى موضعها عند الناس والبشر بعيداً عن قوانين الدين والشريعة ، وما انقلبت إليه في عاداتها وأخلاقها ونظرتها إلى الحياة ، ونظرة الناس إليها كأداةٍ للفساد والشرّ ، وهذا ما لا يُنكر حصوله ووجوده حتّى في المجتمعات المتحضّرة اليوم ، التي تدّعي المدنيّة ، وتُنادي بحقوق المرأة ، بحيث أنّ مجموعةً من نساء أوربا عرفوا هذه الاُلعوبة ورُحن يُنادين بإيقاف هذا المدّ المُخزي ، باستخدامها في سبيل الأغراض الفاسدة ، كأداةٍ وآلةٍ ، ممّا يبعّدها عن مقامها الطبيعيّ كإنسانةٍ .
فالحديث الذي يقول : « المرأةُ شرّ كلّها » إنّما يعني أنّها بوجودها العام واُنوثتها ولطافتها في كلّ أجزاء بدنها وحتّى صوتها وتصرّفاتها فهي مثيرةٌ ( للشرّ ) لأنّها قابلةٌ لأن يُساء الاستفادة منها ، حسب الغالب في الحياة الدنيوية المبتنية على الشهوات والملذّات ، يؤكّد هذا قوله : « وشرّ ما فيها أنّها لابدّ منها » وهذا هو أخطر حالة أنّ الإنسان لا يمكن أن يحذفها من وجوده لأنّها مخلوقة ، كضرورة حياتيّة ، لابدّ منها على الخطورة التي لها ، ولا يعني الحديث إطلاقاً كونها مخلوقة شرّاً ، وإلّا كيف يكون الشرّ لابدّ منه ، فهذه اللّابدّية والضرورة بالرغم من كونها فطرةً إلهيّةً تعمّ جميع البشر حتّى الصالحين من الأنبياء والأئمّة والصدّيقين ، فهم يزاولونها ، بل ومن المرغوب إليه عندهم ، ألاترى قول الرسول صلى الله عليه وآله : « أحبّ من دُنياكم ثلاثاً الطيبُ والنساءُ وقرّةُ عيني في الصلاة » .
فمع مقام النبوّة العظيم فإنّ النساء ممّا أعلن عن حبّه لهنّ ، ومن الواضح أنّ الأنبياء منزّهون عن إرادة الباطل فضلاً عن حبّهم له ، فلا يمكن أن نتصوّر أنّ الرسول صلى الله عليه وآله يقصد الحبّ الدنيويّ والشهوة الحيوانيّة من هذا الحديث الشريف ، بل ليس إلّا الحبّ الإلهيّ ، ألاترى وجود « الصلاة » ضمن المحبوبات التي عدّدها ؟ فمن غير المعقول أنْ تكون لغير اللَّه تعالى ، وكذا سائر محبوباته ومطلوباته .
وقد نبّه سبحانه وتعالى إلى هذه الحقيقة بقوله : ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ 1 .
فالناس هم جميع البشر ـ الأُنثى والذكر ـ قد أغرتهم ملذّات الدنيا فأحبّوا ما تشتهيه أنفسهم ، حبّاً حيوانيّاً ورغبة بشريّة ، كلٌّ حسب رغبته وما يتلذّذ به ، فالرجل بالمرأة والمرأة بالرجل ، والبعض بالبنين ، وآخر بالمال ، أو بالحرث ، أو بالخيل ، وما أشبه ، ولكنّ كلّ ذلك متاعُ الحياة الدنيا ، وهو من فطرة اللَّه تعالى وخلقه ، لكنّ الاستمتاع به لابدّ أنْ يكون في إطار المقرّر من قبل الشريعة المؤكّدة بتقرير العقل السليم ، والوجدان السالم ، ليتوافق مع الفطرة الالهيّة السليمة التي فطر الناس عليها .
مضافاً إلى أنّ من المستحيل أن يحكم على المرأة كبشر من الناس مكلّفة ومختارة بكونها شرّاً على نحو الإطلاق ، بينما هي موجودةٌ والوجود خيرٌ محضٌ ، وبينما نجد في النساء المثاليات مَن لم يبلغ شأوهنّ كثيرٌ من الرجال ، وبينما نجد في الرجال من هو مبدأ للشرور ومنتهىً لها .
وهل يمكن أن يغفل أحدٌ عن أنّ أكثر الشرّ و أغلبه إنّما هو من الرجل وسطوه ورغبته وزهوه وفعله وظلمه وفساده في الأرض؟؟ .
وإذا نظرنا إلى النصوص والأحاديث ـ في الأحكام والأخلاق والمواعظ والنصائح والإرشادات ـ نجدها إنّما تخاطب الرجال حتّى في ما تشترك معه فيها النساء ، وليس ذلك إلّا لكون الرجل هو محور التصرّف والقائم بالأمور في الحالات العامّة في مختلف شؤون الحياة ، وهذا مما لا ينكره أحد .
وليس في التحدّث عن المرأة أدنى دلالة على نفى الحديث عن الرجل وتنزيهه عن الشرّ ، بل هو ـ مبدأ الشرّ ومنشؤه ومسيّره ـ كما قلنا سابقاً .
فالمرأةُ مخلوقةٌ نعمةً وخيراً وضرورةً بشريّةً ، لابدّ منها لاستمرار الحياة والتناسل ، وهي سكنٌ يركن إليها الرجل ويجد عندها الرأفة والرحمة ، إذا سارت على الفطرة ، واتّبعت قوانين الشرع . ولكنّها « شرٌّ كلّها » من الرأس إلى أخمص القدم ، ومثارٌ للشهوة والريبة والفساد ، وهي شرٌّ كذلك لا يمكن الخلاص منه ، إذا حادت عن طريق الهدى والصلاح ، وهذا هو الغالب على وضعها في جميع الحضارات وعلى طول العصور ، حيث استغلّ الرجل ما فيها من إثارات في سبيل لم تخلق له ، ولا يُناسب كرامتها ولا يليق بها كإنسانةٍ ، بينما هدفت الشرائع الإلهيّة لتخليصها من استغلالها واستخدامها آلةً ووسيلةً واُلعوبةً للأغراض غير الإنسانيّة ، كما هو الرجل الذي ورد التحذير منه بأكثر من ذلك .
وفي استعمال كلمة الشرّ في الحديث تحذيرٌ واضحٌ للمؤمنين والمؤمنات من الوقوع في أحابيل المفسدين والمفسدات ودعاياتهم المضلّلة التي يستخدمون المرأة فيها كوسيلة للتغرير والإغواء كما هو بالنسبة إلى الرجل تماماً .
والمؤمنة الواعية ، لا تنفر من الحقّ الذي ورد عن الأئمّة حول المرأة الشرّيرة والفاسدة ، بل تعتبر بذلك وتسعى أن ترفع مستواها الديني والخُلُقي كي تبتعد عن تلك الصفات وتتحلّى بما يضادّها من الخير والبرّ والعمل الصالح ، وكذلك الرجل المؤمن .
وبالنسبة إلى حديث « لا تعلّموهنّ الكتابة » فلنا رأيٌ ، لم نجده لأحد من قبل ، وهو أنّ الكتابة لا يراد بها « الخطّ » وإنّما المراد المكاتبة التي كانت بين المملوك ومولاه ، بأن يشتري المملوك نفسه من مولاه على أن يعمل لنفسه ، ثمّ يوفّي ثمنّه من عمل ، فيكون حرّاً بعد أداء الثمن .
فالإمام عليه السلام نهى أن يستعمل المولى عملية المكاتبة مع النساء الإماء ، حذراً من أن يلجأن إلى العمل خارج إطار حماية المولى ، فيقعن في ما لاتحمد عُقباه في ذلك العصر .
نعم ميّز الإسلام المرأة بقضايا وأحكام وشروط حتّى تبقى بعيدة عن الاعتداء أو التحيّل عليها لما في تكوينها الاُنثوي من الرقّة والضعف والعطف والانفعاليّة ، والجاذبيّة والجمال والروعة ، وما إلى ذلك من عوامل الإثارة والحبّ . وقد أثبت التاريخ أنّ المرأة مهما كانت مالكة للإمكانات الكبيرة والواسعة ، فإنّها تبقى تلك التي لابدّ أن تحترم وتراعي وتبعد عن مواقع الخطر والأعمال الشاقّة . وأنّ الرجل مهما كان طاغياً ومقتدراً ، فإنّه بحاجةٍ إلى المرأة ووجودها بما فيها من أُنوثةٍ وجمالٍ وعاطفةٍ وإحساسٍ ، وما تمتلكه من روحٍ وحبٍّ وحنانٍ وإخلاصٍ 2 .
1. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 14 ، الصفحة : 51 .
2. الأجوبة السديدة عن أسئلة السيدة الرشيدة للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي : السؤال الخامس . حرّر في الثامن من جُمادى الاُولى عام 1422هـ في قم المقدّسة .
منقول
هل العلماء أقدر على جذب النساء إلى الدين ـ بإعتبارها تمثّل نصف المجتمع أو أكثر ـ من الرسول صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام الذين وردت عنهم أحاديث تحتوي على ذمّ المرأة واستصغارها والتقليل من شأنها ، ممّا ينفّرها عن الدين والرسالة . فنحن لم نجد في كلمات العلماء المعاصرين ، وخاصّة الإمام الخميني ، كلمة واحدة في ذمّ النساء ، بل لم نسمع سوى المدح والتكريم والتبجيل والتشجيع . بينما الروايات المنقولة فيها الكثير من قبيل « شاوروهنّ وخالفوهنّ » و « لا تعلّموهنّ الكتابة » و « المرأة شرّ كلّها و شرّ ما فيها أنّها لابدّ منها » . فكيف نجمع بين تلك المواقف ، وبين هذه النصوص ؟ .
المرأة ، لم يكن لها منزلة عند عامّة الحضارات البشرية إلّا كمتاع وسلعة ، يتمتّع بها في الملذّات ، وتستعبد للأعمال وتتبادل كسلع أحياناً ، وتهان وتظلم بأحقر من الحيوان ، وكتاب ( قصّة الحضارة ) يدوّن الكثير من هذه التصرّفات المشينة ، وخاصّة في الجاهلية العربية التي نزل فيها الإسلام ، فأحدث ثورة عظيمة في هذا الجانب حيث ساوى بينها وبين الرجل في الخطاب والحقوق ، مع الصيانة التامّة لشأنها ، والرعاية الكاملة لوضعها الخاصّ كاُنثى ، وهو ما بُيّن في باب التشريع الإسلامي . وقد قام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بأداء الحقّ المشروع لها بأفضل شكل ، وكذلك الأئمّة الأطهار عليهم السلام فكانت تصرّفاتهم كتصريحاتهم في تكريم المرأة والتأكيد على حقّها وتعظيم شأنها وما على الرجل تجاهها . ولو جمعت النصوص التي وردت عنهم في ذلك لأدّت إلى القطع واليقين بأنّ الأحاديث المرويّة ممّا في ظواهر تنقيص المرأة أو التحذير منها ، إنّما هي أحاديث لابدّ من تأويلها وحملها على غير ظواهرها ، أو هي واردة مشيرة إلى مجموعة خاصّة من النساء ، تعدّت أطوار المرأة الصالحة ، فقدت ما لها من إحترام وحقوق . وعموماً فإنّ فقه الحديث وتفسيره يبتني على اُصول علمية وقواعد مقرّرة ، منها ظروف صدور الحديث ومناسباته وأسبابه . فكثير ممّا روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إنّما كان في ظروف حرب الجمل ، حيث كانت عائشة حاملة للواء الناكثين ودخلت في حرب ضروس ضحّت بالآلاف من المسلمين ، ضدّ حكومة الإمام عليه السلام الشرعية ، فكان أحد أساليب تفريق الناس عنها ، بذكر صفات الأشرار من النساء ، والسيّئات الطالحات منها ، وتحذير الناس من اتّباعهنّ ، وتخويفهم عنهنّ . ولم يتمكّن الإمام عليه السلام من الوصول إلى هدفه إلّا باُسلوب التعميم لئلّا يكون قد مسّ حرمة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله التي هتكتها عائشة بخروجها ، وهتكها الذين صانوا حرائرهم وخرجوا بحرم الرسول تقود الجيوش . إنّ الموقف الحرج الذي ابتلي به الإمام عليه السلام ومحافظة منه لحرمة الرسول وتكريماً لعينه التي من أجلها ألف عين تكرم ، لم يدعه يصرّح باسم عائشة ، ولا خصّص حديثه بها حتّى لا تمسّ حرمة الرسول صلى الله عليه وآله ولئلّا يستغلّ ذلك أعداؤه بدعوى تجاسره على زوجة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .
ولا ريب أنّ مثل هذا التعميم لا يشمل جميع النساء ، بل يخصّ صاحبة الفتنة ، ومن مثلها من الشريرات ، ثمّ إنّ من قواعد فقه الحديث ، أنّه إنّما ينصرف إلى محلّ الابتلاء ومورد النزاع ، ولا يؤخذ بإطلاقه إذا كان في المقام ما ينصرف إليه . ولا ريب أنّ مثل هذه التعميمات ، لا يمكن الالتزام بعمومها لجنس المرأة ، لما نجد في العيان والواقع من وجود المؤمنات الصالحات الخيّرات القانتات العابدات ، اللاتي ذكرهنّ القرآن بخير ، وضربن في تاريخ الإسلام بأروع الأمثلة ، حتّى كان فيها مثل سيّدة نساء العالمين عليها السلام ومثل المجاهدة الكبرى زينب عليها السلام والعالمات المجتهدات . فهنّ لا يشملهنّ ذلك العموم قطعاً ، فالحديث إنّما هو منصرف إلى غير المؤمنات ، من النساء الشريرات والفاسدات وغير الملتزمات . وإنّما ما يقوم به الإمام الخميني العظيم ، وغيره من علماء العصر ، فهو الحقّ الذي جاء به الإسلام من تكريم المرأة وتجليلها ورفع مكانتها ودعم مستواها ، وتشجيعها على الخير .
ولابدّ من الإعلان عن حقيقةٍ واقعةٍ ـ وإن صعب على الكثيرين هضمها بسهولة وقبولها بيسرٍ ـ هي أنّ المرأة مخلوقةٌ قد مُلئِت إثارةً بالنسبة إلى الرجل ، فقد جعل اللَّه فيها ـ في كلّ جزءٍ من جسمها وما تملك من صوتٍ و لحنٍ و رشاقةٍ ـ ما يُثير الرجل و يُهيّجه ويجذبه إليها ، وهذه الخاصّة التي ملّكها اللَّه للمرأة ، يجعلها موجوداً مؤثّراً في المجتمع من وجهين :
1 ـ وجه الضرورة والأهميّة ، باعتبارها نصف المجتمع ، والعنصر الأساسي في تكوين الأجيال القادمة من البشر ، فبدونها لا يمكن استمرار الوجود البشري تعاقب الأجيال ، وتناسل الأفراد ، كما هو واضح .
2 ـ وجه التأثير على الرجل وتهييجه والتلاعُب برغباته وشهواته وتبديل حياته ، حسب إرادتها وأهوائها ، إنْ خيراً أو شرّاً ، ولقد شاع المثل : « إنّ وراء كلّ عظيم امرأة » وهو أمرٌ صادقٌ يبتني على هذا الوجه ، من وجهي تأثير المرأة على المجتمع .
كما أنّ كثيراً من مشاكل الحضارات ومآسيها ، تدور على شخصيٌات نسويٌة ، ومنها حضارة القرن الحاضر التي يتمثّل فيه الفساد الجنسي بأظهر أشكاله وأطواره .
ولا نريد في هذا ، وضع الإثم والعتب على المرأة فقط ، بل قد ـ وفي كثير من الأحيان كذلك ـ يكون الرجل هو الذي يجرّها إلى ما لا تريد من صور العبث والخلاف والفساد والشذوذ ، لكن وجودها ـ بالتالي ـ ضروريٌّ لتشكّل هذه الحقيقة وتكوّنها ، بل هي عنصر أساسي من عناصرها .
وعلى هذا ، تكون المرأة عنصراً هامّاً ومؤثّراً في الحياة بكلّ أطوارها وأشكالها ، وهذا أمرٌ لا يمكن إنكاره ، كما أنّ كون دورها أكثر إثارة وتهييجاً لما في خلقتها وطبيعتها ، أيضاً أمرٌ لا ينكر .
ومن هنا نجد التشريع الإسلامي تجاهها مليئاً بالحكمة ، حيث جعل منها ـ كلّها ـ عورةً يجب سترها وصيانتها من مطامع المحارم الأجانب ، ومن الأقارب المرتابين ، حتّى صوتها وخيالها وملامحها إذا كانت في موضع الريبة والخطأ .
هذا التشريع ، إنّما هو قبل كلّ شيء لصيانتها وحفظها هي من ملاحقة أصحاب الريبة في القلوب ، ومتّبعي الشهوات من المرضى ، والمستغلّين من الرجال ، قبل أن يكون لمصلحة المجتمع ككلّ من التسيّب والانفلات .
وإذا جعلت المرأة في موضعها الصالح المناسب ، لتقوم بدورها الطبيعي وبالشكل المحترم والموقّر ، والمتّسم بالإخلاص والصلاح والكمال والوفاء والأدب والحبّ ، فإنّها ستسوفي حقّها وكرامتها في الحياة ، وتفي بواجبها الاُمومي والاُنثوي وكعضوٍ يمثّل نصف المجتمع .
أمّا إذا خرجت عن حدودها الصالحة ، وتفلتت ، وانسابت ، فإنّ من الواضح تفلّت من يتّصل بها ، ويراها ، وتجرّ معها مجموعةً إلى هاوية الفساد والشرّ والبلاء ، وتؤثّر أثراً معكوساً في المجتمع ، ممّا تملكه من عوامل الإثارة ، كما ذكرنا؛ إذ مثل المرأة في هذا ، مثل جميع المخلوقات المثيرة التي لها حدّان ، حدّ مفيد ، وحدّ مفسد .
فالمال ـ مثلاً ـ هو نعمةٌ من نعم اللَّه فهو مرغوبٌ فيه ، وعليه يدور سعي الإنسان في الدنيا ، وهو جميلٌ وموجبٌ للراحة واللذّة ، ولكن إذا أخذ من حلّه وبطرقه المشروعة ، ووضع في موضعه العقلائي وتصرّف فيه بشكلٍ مقبولٍ ومعقولٍ ومطلوبٍ . أمّا إذا جُمع من طرقٍ غير مشروعةٍ ، وصُرف في مواضع غير صالحةٍ ، فإنّه يصبح نقمةً على صاحبه وعلى المجتمع ، ويؤدّي إلى الهرج والمرج والفساد ، ولذلك سمّاه اللَّه تعالى « فتنةً » لأنّه أداة خلقت لامتحان الإنسان على وجه الأرض ، ليظهر به الصالح من الفاسد .
وكذلك المرأة إذا جاء التعبير عنها في بعض الروايات بالفتنة ، فإنّها مثيرةٌ في نفسها ، لكن كما يمكن أن يُراد منها الصلاح والخير وكونها من نعم اللَّه وعطائه ومننه ، فهي لابدّ أن تُحفظ وتُستر كي لا تُصبح أداةً للفساد والشرّ وملعبةً بيد أصحاب الشهوات ، لأنّها بذلك تنقلب إلى نقمةٍ وشرٍّ وعذابٍ على عكس ما خلقت لأجله وما أراد اللَّه لها أن تكون .
ولكن لو نظرنا إلى المجتمعات التي وجدت في التاريخ ، والحضارات كلّها من السابق إلى اللاحق ، فإنّا نجدها قد أساءت الاستفادة من نعم اللَّه كلّها ، وخصوصاً المرأة ، وقد جعلوها ـ دائماً ـ أداةً للشهوة واللعب والفساد ؛ ولهذا كانت « مثاراً » للشرور ، وليس ذلك إلّا لما في طبيعتها من الإثارة والجمال والجاذبيّة ، التي أساء البشر الاستفادة منها كلّها .
ولم تخلص المرأة من هذه الإساءات والاستغلال إلّا في ظلال الشرائع السماويّة التي أحاطتها بكلّ أشكال القدس والحماية والستر والرعاية ، ورسمت لها الحقوق الإنسانيّة الكاملة .
فإذا ورد في النصوص أنّ المرأة « شرّ » فإنّما هو بالنظر إلى موضعها عند الناس والبشر بعيداً عن قوانين الدين والشريعة ، وما انقلبت إليه في عاداتها وأخلاقها ونظرتها إلى الحياة ، ونظرة الناس إليها كأداةٍ للفساد والشرّ ، وهذا ما لا يُنكر حصوله ووجوده حتّى في المجتمعات المتحضّرة اليوم ، التي تدّعي المدنيّة ، وتُنادي بحقوق المرأة ، بحيث أنّ مجموعةً من نساء أوربا عرفوا هذه الاُلعوبة ورُحن يُنادين بإيقاف هذا المدّ المُخزي ، باستخدامها في سبيل الأغراض الفاسدة ، كأداةٍ وآلةٍ ، ممّا يبعّدها عن مقامها الطبيعيّ كإنسانةٍ .
فالحديث الذي يقول : « المرأةُ شرّ كلّها » إنّما يعني أنّها بوجودها العام واُنوثتها ولطافتها في كلّ أجزاء بدنها وحتّى صوتها وتصرّفاتها فهي مثيرةٌ ( للشرّ ) لأنّها قابلةٌ لأن يُساء الاستفادة منها ، حسب الغالب في الحياة الدنيوية المبتنية على الشهوات والملذّات ، يؤكّد هذا قوله : « وشرّ ما فيها أنّها لابدّ منها » وهذا هو أخطر حالة أنّ الإنسان لا يمكن أن يحذفها من وجوده لأنّها مخلوقة ، كضرورة حياتيّة ، لابدّ منها على الخطورة التي لها ، ولا يعني الحديث إطلاقاً كونها مخلوقة شرّاً ، وإلّا كيف يكون الشرّ لابدّ منه ، فهذه اللّابدّية والضرورة بالرغم من كونها فطرةً إلهيّةً تعمّ جميع البشر حتّى الصالحين من الأنبياء والأئمّة والصدّيقين ، فهم يزاولونها ، بل ومن المرغوب إليه عندهم ، ألاترى قول الرسول صلى الله عليه وآله : « أحبّ من دُنياكم ثلاثاً الطيبُ والنساءُ وقرّةُ عيني في الصلاة » .
فمع مقام النبوّة العظيم فإنّ النساء ممّا أعلن عن حبّه لهنّ ، ومن الواضح أنّ الأنبياء منزّهون عن إرادة الباطل فضلاً عن حبّهم له ، فلا يمكن أن نتصوّر أنّ الرسول صلى الله عليه وآله يقصد الحبّ الدنيويّ والشهوة الحيوانيّة من هذا الحديث الشريف ، بل ليس إلّا الحبّ الإلهيّ ، ألاترى وجود « الصلاة » ضمن المحبوبات التي عدّدها ؟ فمن غير المعقول أنْ تكون لغير اللَّه تعالى ، وكذا سائر محبوباته ومطلوباته .
وقد نبّه سبحانه وتعالى إلى هذه الحقيقة بقوله : ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ 1 .
فالناس هم جميع البشر ـ الأُنثى والذكر ـ قد أغرتهم ملذّات الدنيا فأحبّوا ما تشتهيه أنفسهم ، حبّاً حيوانيّاً ورغبة بشريّة ، كلٌّ حسب رغبته وما يتلذّذ به ، فالرجل بالمرأة والمرأة بالرجل ، والبعض بالبنين ، وآخر بالمال ، أو بالحرث ، أو بالخيل ، وما أشبه ، ولكنّ كلّ ذلك متاعُ الحياة الدنيا ، وهو من فطرة اللَّه تعالى وخلقه ، لكنّ الاستمتاع به لابدّ أنْ يكون في إطار المقرّر من قبل الشريعة المؤكّدة بتقرير العقل السليم ، والوجدان السالم ، ليتوافق مع الفطرة الالهيّة السليمة التي فطر الناس عليها .
مضافاً إلى أنّ من المستحيل أن يحكم على المرأة كبشر من الناس مكلّفة ومختارة بكونها شرّاً على نحو الإطلاق ، بينما هي موجودةٌ والوجود خيرٌ محضٌ ، وبينما نجد في النساء المثاليات مَن لم يبلغ شأوهنّ كثيرٌ من الرجال ، وبينما نجد في الرجال من هو مبدأ للشرور ومنتهىً لها .
وهل يمكن أن يغفل أحدٌ عن أنّ أكثر الشرّ و أغلبه إنّما هو من الرجل وسطوه ورغبته وزهوه وفعله وظلمه وفساده في الأرض؟؟ .
وإذا نظرنا إلى النصوص والأحاديث ـ في الأحكام والأخلاق والمواعظ والنصائح والإرشادات ـ نجدها إنّما تخاطب الرجال حتّى في ما تشترك معه فيها النساء ، وليس ذلك إلّا لكون الرجل هو محور التصرّف والقائم بالأمور في الحالات العامّة في مختلف شؤون الحياة ، وهذا مما لا ينكره أحد .
وليس في التحدّث عن المرأة أدنى دلالة على نفى الحديث عن الرجل وتنزيهه عن الشرّ ، بل هو ـ مبدأ الشرّ ومنشؤه ومسيّره ـ كما قلنا سابقاً .
فالمرأةُ مخلوقةٌ نعمةً وخيراً وضرورةً بشريّةً ، لابدّ منها لاستمرار الحياة والتناسل ، وهي سكنٌ يركن إليها الرجل ويجد عندها الرأفة والرحمة ، إذا سارت على الفطرة ، واتّبعت قوانين الشرع . ولكنّها « شرٌّ كلّها » من الرأس إلى أخمص القدم ، ومثارٌ للشهوة والريبة والفساد ، وهي شرٌّ كذلك لا يمكن الخلاص منه ، إذا حادت عن طريق الهدى والصلاح ، وهذا هو الغالب على وضعها في جميع الحضارات وعلى طول العصور ، حيث استغلّ الرجل ما فيها من إثارات في سبيل لم تخلق له ، ولا يُناسب كرامتها ولا يليق بها كإنسانةٍ ، بينما هدفت الشرائع الإلهيّة لتخليصها من استغلالها واستخدامها آلةً ووسيلةً واُلعوبةً للأغراض غير الإنسانيّة ، كما هو الرجل الذي ورد التحذير منه بأكثر من ذلك .
وفي استعمال كلمة الشرّ في الحديث تحذيرٌ واضحٌ للمؤمنين والمؤمنات من الوقوع في أحابيل المفسدين والمفسدات ودعاياتهم المضلّلة التي يستخدمون المرأة فيها كوسيلة للتغرير والإغواء كما هو بالنسبة إلى الرجل تماماً .
والمؤمنة الواعية ، لا تنفر من الحقّ الذي ورد عن الأئمّة حول المرأة الشرّيرة والفاسدة ، بل تعتبر بذلك وتسعى أن ترفع مستواها الديني والخُلُقي كي تبتعد عن تلك الصفات وتتحلّى بما يضادّها من الخير والبرّ والعمل الصالح ، وكذلك الرجل المؤمن .
وبالنسبة إلى حديث « لا تعلّموهنّ الكتابة » فلنا رأيٌ ، لم نجده لأحد من قبل ، وهو أنّ الكتابة لا يراد بها « الخطّ » وإنّما المراد المكاتبة التي كانت بين المملوك ومولاه ، بأن يشتري المملوك نفسه من مولاه على أن يعمل لنفسه ، ثمّ يوفّي ثمنّه من عمل ، فيكون حرّاً بعد أداء الثمن .
فالإمام عليه السلام نهى أن يستعمل المولى عملية المكاتبة مع النساء الإماء ، حذراً من أن يلجأن إلى العمل خارج إطار حماية المولى ، فيقعن في ما لاتحمد عُقباه في ذلك العصر .
نعم ميّز الإسلام المرأة بقضايا وأحكام وشروط حتّى تبقى بعيدة عن الاعتداء أو التحيّل عليها لما في تكوينها الاُنثوي من الرقّة والضعف والعطف والانفعاليّة ، والجاذبيّة والجمال والروعة ، وما إلى ذلك من عوامل الإثارة والحبّ . وقد أثبت التاريخ أنّ المرأة مهما كانت مالكة للإمكانات الكبيرة والواسعة ، فإنّها تبقى تلك التي لابدّ أن تحترم وتراعي وتبعد عن مواقع الخطر والأعمال الشاقّة . وأنّ الرجل مهما كان طاغياً ومقتدراً ، فإنّه بحاجةٍ إلى المرأة ووجودها بما فيها من أُنوثةٍ وجمالٍ وعاطفةٍ وإحساسٍ ، وما تمتلكه من روحٍ وحبٍّ وحنانٍ وإخلاصٍ 2 .
1. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 14 ، الصفحة : 51 .
2. الأجوبة السديدة عن أسئلة السيدة الرشيدة للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي : السؤال الخامس . حرّر في الثامن من جُمادى الاُولى عام 1422هـ في قم المقدّسة .
منقول
تعليق