إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سارتر مكان الجحيم / الدكتور شفيق المهدي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سارتر مكان الجحيم / الدكتور شفيق المهدي





    المكان في (جلسة سرية ) مكانان :
    الأول: (هنا) وهو مكان عمل الشخصيات ووقائع الإحداث. (هنا) تعني الجحيم ، وهي مركز النص كله .
    الثاني: (هناك) وهو مكان ذكريات الشخصيات قبل الموت ، فهو العالم السفلي (الأرض) وهو محيط المركز من حيث وقوعه في الزمن .
    ورغم أن المكانيين منفصلان تماماً فهما يتبادلان التأثير بمعنى أن الثاني الـ (هناك) يشحن الأول الـ(هنا) ، لكنه لا يدخل في معماره بل يتدخل في فرز وظيفته ، فهو ذكرى فقط ، يسترجع عن طريق شخصيات النص التي انتقلت من الـ (هناك) إلى الـ (هنا) بفعل الموت ، واقعة انتهاء الحياة ؟
    إن المكان الأول يطل على الثاني ، يراه مباشرة وينظر إلى ما يقع فيه ويتذكره ، فالمركز يستقطب المحيط ، لكن المحيط لا يعرف شيئاً عن المركز فهو مجهول تماماً ، وهذا يسبب ألما ومرارة للشخصيات ويزيد من حدة الصراع ، صراع كل شخصية مع ذاتها ومع الـ (أخر) مما يخلق توتراً درامياً يعزز عزلة كل شخصية ويجهض كل محاولة للاتصال بالشخصية الأخرى ، لاتصال الذي يقيم علاقة ايجابيه بين شخصيتين أو أكثر .
    لنر كيف تتذكر الشخصيات في الـ (هنا) وكيف نتعامل مع أحداث الـ (هناك) التي تقع تواً ؟؟
    جارسان :.... إنا هنا لأني عاملت زوجتي بطريقة شنيعة . هذا كل ما هناك لمدة خمس سنوات وبالطبع هي مازالت تعاني . في اللحظة التي اذكرها فأنني أراها .. لقد أعطوها أشيائي ، أنها تجلس بجانب النافذة . إن معطفي على ركبتها ، المعطف ذا ألاثنتي عشرة رصاصة ... ذلك المعطف ، مملوء بالتاريخ ... إن الدنيا تمطر ثلجاً في الطريق .
    جارسان : ... انه جوميز ، انه يرجع ثانية إلى حجرة الطباعة ، فقد أغلقوا النوافذ ، لابد أن الدنيا شتاء في العالم الارضي ... أنهم يرتعدون ، لقد ظلو مرتدين معاطفهم ... آه في هذه المرة انه يتكلم عني
    جارسان : ... يجب أن أقول انه يتكلم بطلاقة ، انه يعرف كيف يقف ضدي
    جارسان : ... أنهم يبدون متكدرين وهم يفكرون : "جارسان جبان" لكنهم يفكرون في ذلك قي إيهام كما لو كانوا يحلمون ... هذا هو ما قرره هؤلاء الأصدقاء الأعزاء الذين كانوا أصدقائي طوال سته أشهر سوف يقولون "جبان كهذا الخنزير جارسان"
    إذن فـ (جاارسان) يرى زوجته الحزينة لمقتله ويرى معطفه الذي نخبه الرصاص ، ويرى مكتبه في الجريدة ، ويرى صديقه (جوميز) وبقية العاملين في غرف الطابعة ، ويستطيع كذلك أن يسمع ما يقولونه عنه - انه جبان - لكنه لا يستطيع الرد أبدا وعدم تمكنه من الدفاع عن نفسه يسبب له ألما هائلاً ...
    ومثلما لا يستطيع جارسان ، تستطيع أيضا الشخصيتان الأخريان (انيز) و(استيل) رصد ما يحدث في الـ (هناك) الذي يزيد من عذابهم وعزلتهم .
    في توصيفه لمكان (جلسة سرية) يشير سارتر إلى المكان باعتباره (حجرة جلوس) ولتقريبه من حسنا الواقعي ، يعمد المؤلف لتأثيثه أثاثا على طراز الإمبراطور الثاني - لويس فيليب .. أرائك تمثالاً من البرونز، قاطعة أوراق،و مدفأة . (تصور مدفأة في الجحيم) قاطعاً الطريق أمام تصوراتنا ومعتقداتنا الدينية والشعبية عن الحرارة التي لا تطاق والنار المستعرة أبدا .
    انه يضع المدفأة وسط جهنم . هذه ليست نكتة بل محاولة رائعة لإدخالنا في الإيهام المسرحي من جهة ولبذر البذرة الأولى لتقديم إيضاح درامي بأن الجحيم ليس هو جحيم التصورات المألوفة لدينا. ولكي يدفعنا المؤلف في خضم لعبة الإيهام، فأن المسرحية تبدأ ولا (ستار يرفع) في حين يؤكد على (إسدال الستار) في نهاية النص، انه الإيهام بالمقلوب . إذن فالمكان معرض للاستجواب والتساؤل ليس باعتباره جحيماً ، بل باعتباره مكاناً واقعياً لم تتعود عليه الشخصيات بحكم انتمائه التاريخي لعصر سابق، عصر - لويس فيليب .
    جارسان: وهكذا تبدو هذه الحجرة ؟
    الخادم: اجل .
    جارسان: ألاحظ إن أثاثها من طراز الإمبراطور الثاني حسناً ، حسناً استطيع أن أقول إن المرء سيتعود عليها مع مرور الزمن .
    إن إقرار جارسان بأنه سيتعود عليها - الزمن - يعني : أن المكان أو تأثيثه غريب عليه ، أو على مبعدة منه ، ليس باعتباره جحيماً ، بل باعتباره أثاثا انتهى زمنه ، أي انه ليس معاصراً .
    إن المكان هنا محايد على الأقل بحكم مقدرة الشخصية على التكيف معه انه لا يخيف ولا يدعو للرعب منه . فليس هناك أدوات التعذيب ولا القضبان المسننة ولا الكلابات المتوهجة .
    وهكذا يجررنا سارتر للإيغال معه في الإيهام ولعبته ، عندما تطالب الشخصية بمزيد مما نستعمله في حياتنا اليومية .
    فرشاة أسنان ، في الجحيم أو مدفأة من قبل ، وتمثال من البرونز ، يا له من جحيم .
    إذن هل أبقى سارتر من إحساس بالجحيم حسب تصوراتنا نحن ، سكان الأرض ؟ المكان كمكان يصر على حياديته ، لكن (أشياء) المكان تبدأ عصيانها ضد هذه الحيادية ، الأريكة ليست هي التي تقدم الراحة للشخصية ، الألوان تثير القرف والاشمئزاز ، فرشاة الأسنان التي تستعمل لثلاث شخصيات في الوقت نفسه -أي اشمئزاز - وتمثال بشع يثير الكابوس بحكم النظر إليه في كل لحظة والى الأبد ، ومدفأة لا يحتاجها رواد هذه الحجرة وقاطعة أوراق زائدة عن الحاجة ، بلا جدوى :
    جارسان : ... ما هذه ؟
    الخادم : إلا ترى ؟ مجرد قاطعة أوراق عادية .
    جارسان : هل توجد كتب هنا ؟
    الخادم : كلا
    جارسان : إذن فما فائدتها : (يهز الخادم كتفيه) .
    أثاث زائد ، مما يزيد في اضطراب المكان وينخر في حياده الظاهر . إن كل مكان يعلن عن ضعفه أو قوته ، جدواه أو عدمه ، جماله أو قبحه ، امتيازاته وسماته ، الايجابية أو السلبية ، يعلن عنها عندما يقارن مع أمكنة أخرى ، وكل مكان يحقق المتعة لنزلائه فأنه يحتاج بالحد الأدنى ، إلى أمكنة أخرى تساعده في انجاز هذه الراحة والمتعة . إن المكان بذاته ليس مستقلاً بل أن استقلاليه تتحقق من خلال تتداخله مع أمكنة أخرى بالانفتاح عليها أو التداخل معها ، ومكان الجحيم مهيأ لهذا ، فبالقرب من (جرة) النص يقع صف من الحجرات الأخرى على طول الممر ، ويكفي أن نفتح الباب فقط - وهو الوسيلة الوحيدة التي نتمكن عبر استخدامها من نقل أجسادنا إلى الخارج حيث لا توجد نوافذ في هذه الحجرة - كما أن الجرس وسيلة سريعة لاستدعاء عمال الخدمات أو لحل أي طارئ يقع في الحجرة ، وهاتان الوسيلتان موجودتان مادياً غير إنهما عاطلتان عن العمل في لحظة احتياجهما ، فلا الباب ينفتح ولا الجرس يدق - وهكذا وعبر وجودهما يتم تحطيم حيادية المكان الذي تتواجد فيه شخصيات النص . إنهما على العكس يحتمان عزلة المكان عن طريق الإعاقة والتعطيل . أن المؤلف بغير من معنى الكلام من خلال إلغاء وظائف أشيائه ، أو استبدال هذه الوظائف بالذي لا يتفق مع تواجدها على ساحة هذا المكان ، ومما يزيد من ضغط المكان ، إن الشخصيات ستمكث فيه إلى الأبد .
    انيز : .... سنمكث في هذه الحجرة معاً ، ثلاثتنا إلى الأبد .
    وبدلاً من التوحد أو التكيف معه فأنه يتحول إلى وسيلة انفصال وعزلة ، مما يلقي على كاهل الشخصيات الأخرى ضغطاً هائلاً ، يجعل الشخصيات تتطاحن وتتصارع بينها مما يزيد من عزلتها ، عزلة الشخصية في ذاتها وعزلتها مع الآخرين عن طريق الانفصال .
    انيز : .... سيكون العذاب عن طريق الانفصال .
    فبالإضافة إلى عدم الفهم الحاصل بين الشخصيات ، وبالإضافة إلى اختلاف أهدافها ونزوعاتها ، فأن المكان يمارس فعاليته في الضغط على الشخصيات ، انه ينخر كياناتها أن المكان ليس بيئة أو واقعاً أو ساحة عمل ، انه نسيج كياني في وجود الشخصيات وهي تدمر بعضها بعضاً .. انه الجحيم الذي اعد من قبل عن دراسة ودراية .
    إن التفاصيل الدقيقة ، تقع أول ما تقع في تأثيث هذا الجحيم بحيث تجلس كل شخصية قبالة الشخصية الأخرى إلى الأبد . وجهاً لوجه ، المعذ͍͍ب والمعذّبﱠﱠ .
    وعبر جحيم المكان واختناق الشخصيات في وجوده الخانق يحدث ما يشبه (التطهير) إذ تعترف كل شخصية بالسبب الذي جراءه قذف بها في هذا المكان ، فلكل شخصية تاريخ من القذارة ، إن جارسان لم يأت إلى هنا جراء جبنه بل لأنه دمر حياة زوجته - التي خلقت لتكون ضحية أو شهيدة - دمرها من خلال النوم مع عشيقاته على سرير الزواج . انيز وتاريخها الشاذ في إقامة الجنسية المثلية في مرافقة النساء وإقامة علاقات شاذة مع شاب هو ابن عمرها وانتحاره بسببها واستيل التي قتلت طفلتها التي جاءت من علاقة مع رجل ومن خلف ظهر زوجها ..
    كل الشخصيات تعترف ... بجرائمها في الــ (هناك) في الدنيا ، و ما فعلته في الــ (هناك) أدى إلى معاقبتهم وقذفهم في الــ (هنا) ليعانوا من عزلتهم واحتقار كل شخصية للشخصية الاخرى وهذا هو جوهر العذاب الذي لا ياتي عند سارتر من - آلات التعذيب والكلاليب والقضبان - فالجحيم هو العزلة . استيل وهي تشتهي جارسان الذي يخفق في تقديم ما تريده منه . انيز وهي تشتهي استيل وتريد منه جسدها الغض وجارسان الذي يريد استيل لنفسه لكن انيز تمنعهما ، علاقات لا يمكن تحقيقها رغم أن الثلاثة (يعيشون) في نفس المكان - الحجرة - مما يعمق الالم ويضاعف العذاب .
    إن المكان الوجودي هنا يعزز اغتراب الشخصيات مما يحقق انفصالها وعزلتها ، وهو في كل الاحوال ينجز ما تنجزه لغة النص على هذا المستوى .
    لقد أنجز جان بول سارتر أحاث مسرحيته - جلسة سرية - عبر مكانية ثابته وواحدة - وحدة المكان - غير أن قيمة المكان ووظيفته هنا ، لم تأت وفق المعطيات الكلاسيكية ، أو حسب ما نادى به الكلاسيكيون المحدثون ، فالمكان في هذا النص ليس بيئة خارجية أو سطحاً أو وعاءا تقع فيه الأحداث ، إن المكان هنا (وجود) تام يتداخل في بنية الأحداث وعمل الشخصيات . إن حضوره كياني ، بمعنى انه ينضاف إلى قائمة أسماء الشخصيات الرئيسة في النص .
    د. شفيق المهدي

  • #2
    حفظك الباري أستاذي
    sigpic
    إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
    ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
    ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
    لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

    تعليق


    • #3
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      بارك الله فيك
      حسين منجل العكيلي

      تعليق


      • #4
        عظم الله لنا ولكم الأجر بوفاة سيدة نساء العالمين ومن الأولين والآخرين
        سيدتي ومولاتي الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام

        بارك الله فيك وجزاك الله خير الجزاء

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
        x
        يعمل...
        X