بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رواية رائعة جذبني عنوانها و ازداد اعجابي بها بعدما قرات اول صفحة منها...للكاتب كمال السيد؛
عندما تقوم بقراءتها تعيش حالة من القرب من تلكم السيدة التي دارت حولها الرواية..
منذ الطفولة تركت قراءة الروايات لأني ادركت بأن معظمهنّ عاريات من الاهداف التي تنفع.
و أخيراً وجدت رواية تستهوني!
نبدأ على بركة الله:
جَمَحت الفرس.. رمحت.. ارتفع صهيلها عالياً يملأ الآفاق.. لقد عانق الفارسُ الذي دوّخ القبائل.. عانق الأرض.. توسّد رمال الصحراء.. أفناه الظمأ.. وأعياه نزف الدم ، والفراتُ يجري متلوّياً تتدافع أمواجه كأنّه بطون الحيّات.
جالت الفرس.. حَمَحمتْ وهي تقترب منه. راحت تُمرّغ ناصيتها بالدماء الثائرة.. تُلوّن ذرّات الرمل الملتهبة بلون الشفَق الحزين.
هتف رجلٌ من القبائل.. رجل أسكرته نشوة القتل :
ـ دونكم الفرَس. إنّها من جياد خَيل النبي !
مثل دوّامة ما لها من قرار ، دارت الخيل حولها الفرس تقاتل بضراوة.. تدفع عنها غائلة القبائل ، كما لو أن روح السبط قد سكنت أعماقها.
أمّا هو فقد توقّف ليستريح فوق رمال كربلاء.
ما لها القبائل تشتعل حقداً.. تضطرم غيظاً.. تتفجر في أعماقها شهوة الثأر !
ثارت الرمال تحت حوافر الخيل ، وعجزت الذئاب عن كبح جماح فرس ثائرة كان صاحبها قد التوى به السرج ، فانسربت روحه الدافئة تلتقط أنفاسها من بين ذرات الأرض..
صرخ الرجل الّذي يحلم بكنوز "الريّ وجُرجان" :
ـ دعوها لننظر ما تصنع !
انحسرت عنها الخيل.. نظرت الى الأفق البعيد ، ثمّ لَوَت رأسها باتجاه آخِرِ الأسباط.
ما يزال غافياً فوق الرمال ينوء بنفسه.. قلبه ينزف دماً ؛ ودماء القلب ترسم طريقها فوق الأرض نهراً صغيراً يكاد سنا نوره يضيء التاريخ.
خَفَتَ زعيقُ القبائل.. وتقدّمت الفرس نحو سبط النبي.. شمّته.. ملأت رئتَيها من عبير النبوّات.. أطلقت صهيلاً مدوّياً وهي تركل الأرض.. تريدها أن تستيقظ.. أن تهتزّ ، وتتزلزل تحت أقدام الذين اغتالوا الحرّية وطعنوا السّلام.
انطلقت الفرس نحو خيام قافلة عَصفَتْ بها الريح من كل مكان. كانت ما تزال تصهل عالياً.. ما تزال كلماتها تتردد في سماء التاريخ.
ـ الظليمةَ الظليمةَ من أمّة قَتَلتْ ابنَ بنت نبيّها !
~~~~
لقد انتهى كل شيء ، ومرّت العاصفة الهوجاء.. ملأت الرمال دماءً ودموعاً.. والفراتُ ما يزال يجري... تتدافع أمواجه نحو البحر البعيد.
يمّمت الفرس وجهها شطر الفرات المسافر في مجاهل الصحراء.. اقتحمت أمواجه المتدافعة ، وغمرتها الأمواج ، وكان الحصى المتناثر فوق الشواطئ يصغي لأنين خافت يشبه حمحمة فرس حزينة.
وتألقت في أعماق النهر مآذنُ وقِباب وقوافل مسافرة.
هناك في القَيعان الخفية تسطع النجوم ، ويغفو القمر بسلام ، ويمتزج الصهيل الكربلائي مع المياه المتدافعة صوب البحر.
وتغفو الفرس في أحضان الطين المعطور بعد يوم عصيب.
وفي المساء ، عندما بدا نخيل الشواطئ كأهداب حوريّة شهيدة ، فقَدَ الفراتُ مذاقه العذب ، فاذا هو أُجاج يلفظه الظمآن كما لو كان مُترعاً بملح الصحراء.
وعندما مرّت الغيوم ، شاهد بعضُهم غيمةً بيضاء تشبه فرساً مجنّحة تشقّ طريقها في الفضاء الأزرق.. ترسم للأجيال طريق الحرّية.
تراقصت ألسنة النار المجنونة وهي تلتهم خيام القافلة.. بَدَت كشيطانٍ يتميّز من الغيظ.
فرّت النسوة والأطفال هائمين في وجه الصحراء ، وقطعانُ الذئاب تجوس خلال الخيام كريحٍ مجنونة.
هبّت القبائل تسلب وتنهب ، وتحوّلت تلك القطعة من أرض الله إلى مسرحٍ رهيبٍ ، وقد ظهر إبليس ينفخ ويَصفُر.. يسخر من آدم.. وبدا آدمُ حزيناً على فردوسه المفقود.
وكانت امرأة اسمها "زينب" تتألّق وَسْط الناس.. ترتّل نداء السماء : يا نارُ كوني برداً وسلاما.
تقدّمتْ نحو الشمس التي كُوّرت.. كانت تتنفس روحَ عليّ.. ترتدي حُلّة أيوب النبيّ.
تقدمت نحو آخِرِ القرابين السماوية.
اختفت الزهور والرياحين ، وظهرت الأشواك حادّة كأنصال السكاكين.. ملأت الطريق.. الطريق الذي يؤدي الي الحسين.
قالت زينب وهي تجثو أمام جسد ممزَّق :
ـ الهي تقبّل منّا هذا القربان !
نَهَضتْ تُلملم آلامها.. تبحث عن أطفال ونسوة فرّت مذعورة كطيور هاربة من سفن بعيدة غرقت.
~~~
العيون الحالمة والقلوب الصغيرة فرّت خائفة. وكان "الرضيع" ما يزال غافياً مصبوغ النحر بلون الأرجوان.
عواء الذئاب يمزّق وداعة الرياحين. واستحالت الأشياء الخضراء إلى رماد تذروه الرياح.
كل شيء بات يهتزّ بشدّة.. الموجودات تتأرجح كما لو أن زلزالاً ضرب الأرض ، فبدت مجنونة ، وهي تمخر غبار الكون.
آن للقافلة أن تستأنف رحلتها ، وقد ظهرت امرأة ترتدي صبر الأنبياء.. عنفوان الرسالات.. وكان اسمها زينب.. آن للقافلة أن ترحل.
رفعت النوق أثقالها.. وانتشلت سفن الصحراء مراسيها..
وبَوصَلة التاريخ تشير إلى المدينة المشهورة بالغدر.
ومن بعيدٍ لاحت الكوفة.. ذليلةً خاويةً على عروشها.
قالت زينب وهي تستقي صبر الحسين :
ـ لن يموت مَن رأسُه فوق الرمح.. انظر ، إنه يرتّل سورة الكهف.
قال فتى عليل أفلَتَ من أنياب الذئاب :
ـ إنهم يقتلون الحرّية.. والانسان.
ـ الروح العظيمة لاتعرف الموت.. إنّهم يرفعونها عالياً فوق ذُرى الرماح.
وأردفت المرأة المتوشّحة بالصبر :
ـ انظر يابن أخي ، سندخل الكوفة.
ـ يا عمّتي ، إننا ندخلها أسرى.
ـ بل فاتحين.. وسينجلي ذلك ولو بعد حين.
ـ وهذه الحبال وقيود الحديد ؟
ـ ستلتفّ حول أعناق الذين غدروا. إنّهم لا إيمان لهم. صبراً يا بقية جدّي وأبي وإخوتي ، فواللهِ إنّ هذا لَعهدٌ من الله إلى جدّك وأبيك ، ولقد أخذ الله ميثاق أُناسٍ لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السماوات.. أنّهم يجمعون هذه الجسوم المضرّجة فيوارونها ، ويَنصبون بذاك الطفّ علَماً لا يُدرس أثره.
~~~
هذا ما قرأته اليوم منها ...نكمل في وقت لاحق ان شاء الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رواية رائعة جذبني عنوانها و ازداد اعجابي بها بعدما قرات اول صفحة منها...للكاتب كمال السيد؛
عندما تقوم بقراءتها تعيش حالة من القرب من تلكم السيدة التي دارت حولها الرواية..
منذ الطفولة تركت قراءة الروايات لأني ادركت بأن معظمهنّ عاريات من الاهداف التي تنفع.
و أخيراً وجدت رواية تستهوني!
نبدأ على بركة الله:
جَمَحت الفرس.. رمحت.. ارتفع صهيلها عالياً يملأ الآفاق.. لقد عانق الفارسُ الذي دوّخ القبائل.. عانق الأرض.. توسّد رمال الصحراء.. أفناه الظمأ.. وأعياه نزف الدم ، والفراتُ يجري متلوّياً تتدافع أمواجه كأنّه بطون الحيّات.
جالت الفرس.. حَمَحمتْ وهي تقترب منه. راحت تُمرّغ ناصيتها بالدماء الثائرة.. تُلوّن ذرّات الرمل الملتهبة بلون الشفَق الحزين.
هتف رجلٌ من القبائل.. رجل أسكرته نشوة القتل :
ـ دونكم الفرَس. إنّها من جياد خَيل النبي !
مثل دوّامة ما لها من قرار ، دارت الخيل حولها الفرس تقاتل بضراوة.. تدفع عنها غائلة القبائل ، كما لو أن روح السبط قد سكنت أعماقها.
أمّا هو فقد توقّف ليستريح فوق رمال كربلاء.
ما لها القبائل تشتعل حقداً.. تضطرم غيظاً.. تتفجر في أعماقها شهوة الثأر !
ثارت الرمال تحت حوافر الخيل ، وعجزت الذئاب عن كبح جماح فرس ثائرة كان صاحبها قد التوى به السرج ، فانسربت روحه الدافئة تلتقط أنفاسها من بين ذرات الأرض..
صرخ الرجل الّذي يحلم بكنوز "الريّ وجُرجان" :
ـ دعوها لننظر ما تصنع !
انحسرت عنها الخيل.. نظرت الى الأفق البعيد ، ثمّ لَوَت رأسها باتجاه آخِرِ الأسباط.
ما يزال غافياً فوق الرمال ينوء بنفسه.. قلبه ينزف دماً ؛ ودماء القلب ترسم طريقها فوق الأرض نهراً صغيراً يكاد سنا نوره يضيء التاريخ.
خَفَتَ زعيقُ القبائل.. وتقدّمت الفرس نحو سبط النبي.. شمّته.. ملأت رئتَيها من عبير النبوّات.. أطلقت صهيلاً مدوّياً وهي تركل الأرض.. تريدها أن تستيقظ.. أن تهتزّ ، وتتزلزل تحت أقدام الذين اغتالوا الحرّية وطعنوا السّلام.
انطلقت الفرس نحو خيام قافلة عَصفَتْ بها الريح من كل مكان. كانت ما تزال تصهل عالياً.. ما تزال كلماتها تتردد في سماء التاريخ.
ـ الظليمةَ الظليمةَ من أمّة قَتَلتْ ابنَ بنت نبيّها !
~~~~
لقد انتهى كل شيء ، ومرّت العاصفة الهوجاء.. ملأت الرمال دماءً ودموعاً.. والفراتُ ما يزال يجري... تتدافع أمواجه نحو البحر البعيد.
يمّمت الفرس وجهها شطر الفرات المسافر في مجاهل الصحراء.. اقتحمت أمواجه المتدافعة ، وغمرتها الأمواج ، وكان الحصى المتناثر فوق الشواطئ يصغي لأنين خافت يشبه حمحمة فرس حزينة.
وتألقت في أعماق النهر مآذنُ وقِباب وقوافل مسافرة.
هناك في القَيعان الخفية تسطع النجوم ، ويغفو القمر بسلام ، ويمتزج الصهيل الكربلائي مع المياه المتدافعة صوب البحر.
وتغفو الفرس في أحضان الطين المعطور بعد يوم عصيب.
وفي المساء ، عندما بدا نخيل الشواطئ كأهداب حوريّة شهيدة ، فقَدَ الفراتُ مذاقه العذب ، فاذا هو أُجاج يلفظه الظمآن كما لو كان مُترعاً بملح الصحراء.
وعندما مرّت الغيوم ، شاهد بعضُهم غيمةً بيضاء تشبه فرساً مجنّحة تشقّ طريقها في الفضاء الأزرق.. ترسم للأجيال طريق الحرّية.
تراقصت ألسنة النار المجنونة وهي تلتهم خيام القافلة.. بَدَت كشيطانٍ يتميّز من الغيظ.
فرّت النسوة والأطفال هائمين في وجه الصحراء ، وقطعانُ الذئاب تجوس خلال الخيام كريحٍ مجنونة.
هبّت القبائل تسلب وتنهب ، وتحوّلت تلك القطعة من أرض الله إلى مسرحٍ رهيبٍ ، وقد ظهر إبليس ينفخ ويَصفُر.. يسخر من آدم.. وبدا آدمُ حزيناً على فردوسه المفقود.
وكانت امرأة اسمها "زينب" تتألّق وَسْط الناس.. ترتّل نداء السماء : يا نارُ كوني برداً وسلاما.
تقدّمتْ نحو الشمس التي كُوّرت.. كانت تتنفس روحَ عليّ.. ترتدي حُلّة أيوب النبيّ.
تقدمت نحو آخِرِ القرابين السماوية.
اختفت الزهور والرياحين ، وظهرت الأشواك حادّة كأنصال السكاكين.. ملأت الطريق.. الطريق الذي يؤدي الي الحسين.
قالت زينب وهي تجثو أمام جسد ممزَّق :
ـ الهي تقبّل منّا هذا القربان !
نَهَضتْ تُلملم آلامها.. تبحث عن أطفال ونسوة فرّت مذعورة كطيور هاربة من سفن بعيدة غرقت.
~~~
العيون الحالمة والقلوب الصغيرة فرّت خائفة. وكان "الرضيع" ما يزال غافياً مصبوغ النحر بلون الأرجوان.
عواء الذئاب يمزّق وداعة الرياحين. واستحالت الأشياء الخضراء إلى رماد تذروه الرياح.
كل شيء بات يهتزّ بشدّة.. الموجودات تتأرجح كما لو أن زلزالاً ضرب الأرض ، فبدت مجنونة ، وهي تمخر غبار الكون.
آن للقافلة أن تستأنف رحلتها ، وقد ظهرت امرأة ترتدي صبر الأنبياء.. عنفوان الرسالات.. وكان اسمها زينب.. آن للقافلة أن ترحل.
رفعت النوق أثقالها.. وانتشلت سفن الصحراء مراسيها..
وبَوصَلة التاريخ تشير إلى المدينة المشهورة بالغدر.
ومن بعيدٍ لاحت الكوفة.. ذليلةً خاويةً على عروشها.
قالت زينب وهي تستقي صبر الحسين :
ـ لن يموت مَن رأسُه فوق الرمح.. انظر ، إنه يرتّل سورة الكهف.
قال فتى عليل أفلَتَ من أنياب الذئاب :
ـ إنهم يقتلون الحرّية.. والانسان.
ـ الروح العظيمة لاتعرف الموت.. إنّهم يرفعونها عالياً فوق ذُرى الرماح.
وأردفت المرأة المتوشّحة بالصبر :
ـ انظر يابن أخي ، سندخل الكوفة.
ـ يا عمّتي ، إننا ندخلها أسرى.
ـ بل فاتحين.. وسينجلي ذلك ولو بعد حين.
ـ وهذه الحبال وقيود الحديد ؟
ـ ستلتفّ حول أعناق الذين غدروا. إنّهم لا إيمان لهم. صبراً يا بقية جدّي وأبي وإخوتي ، فواللهِ إنّ هذا لَعهدٌ من الله إلى جدّك وأبيك ، ولقد أخذ الله ميثاق أُناسٍ لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السماوات.. أنّهم يجمعون هذه الجسوم المضرّجة فيوارونها ، ويَنصبون بذاك الطفّ علَماً لا يُدرس أثره.
~~~
هذا ما قرأته اليوم منها ...نكمل في وقت لاحق ان شاء الله
تعليق